أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
كتاب صفين لنصر
بن مزاحم عن سفيان الثوري وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي
عليه السلام قال جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي صلى الله عليه وآله: فقال:
إئذنوا له مرحبا بالطيب المطيب.
وعن سفيان بن
سعيد عن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وآله حين رآهم يحملون
الحجارة حجارة المسجد فقال: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار
وذاك دأب الاشقياء الفجار.
وعن سفيان عن
الاعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله
قال: لقد ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه.
وعن الحسن بن
صالح عن أبي ربيعة الايادي عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن
الجنة لتشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان.
وعن عبد العزيز
بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما بني المسجد جعل عمار يحمل حجرين حجرين فقال
له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا اليقظان لا تشق على نفسك. قال: يا رسول
الله إني أحب أن أعمل في هذا المسجد قال: ثم مسح ظهره ثم قال: إنك من أهل الجنة
تقتلك الفئة الباغية.
وعن حفص بن
عمران الازرق البرجمي عن نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله
بن عمرو بن العاص لأبيه: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بطواعيتك ما
سرت هذا المسير أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعمار: تقتلك الفئة
الباغية.
وعن حفص بن
عمران البرجمي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري قال: أصيب أويس القرني مع علي
بصفين.
ثم روى بسند آخر
قريبا منه عن علي عليه السلام أنه دخل عليه عمار فقال: مرحبا بالطيب المطيب سمعت
رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول: ملئ عمارا إيمانا إلى مشاشه.
وعن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب
الجهني أن عمار بن ياسر نادى يومئذ: أين من يبغي رضوان ربه ولا يؤب إلى مال ولا
ولد ؟ قال: فأتته عصابة من الناس فقال: يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم
الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما والله إن كان إلا ظالما لنفسه الحاكم
بغير ما أنزل الله. ودفع علي الراية إلى هاشم بن عتبة وكان عليه درعان فقال له علي
عليه السلام كهيئة المازح: أيا هاشم أيا تخشا على نفسك أن تكون أعورا جبانا ؟ قال:
ستعلم يا أمير المؤمنين والله لألفن بين جماجم القوم لف رجل ينوي الآخرة. فأخذ
رمحا فهزه فانكسر ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح لين فشد به لواءه.
ولما دفع علي
عليه السلام الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم: اقدم ما لك
يا هاشم قد انتفخ سحرك عورا وجبنا قال: من هذا قالوا فلان قال: أهلها وخير منها
إذا رأيتني صرعت فخذها ثم قال لأصحابه: شدوا شسوع نعالكم وشدوا أزركم فإذا
رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إليها ثم نظر هاشم
إلى عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما فقال: من أولئك ؟ قالوا: أصحاب ذي الكلاع ثم نظر
فرأى جندا آخر فقال: من أولئك قالوا: جند أهل المدينة قريش قال: قومي لا حاجة لي
في قتالهم قال: من عند هذه القبة البيضاء ؟ قيل معاوية وجنده فحمل حينئذ يرقل
إرقالا.
وعن عبد العزيز
بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما كان قتال صفين والراية مع هاشم بن عتبة جعل
عمار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول: اقدم يا أعور.
لا خير في أعور
لا يأتي الفزع
قال: فجعل
يستحيي من عمار وكان عالما بالحرب فيتقدم فيركز الراية إذا سامت إليه الصفوف قال
عمار: اقدم يا أعور.
لا خير في أعور
لا يأتي الفزع.
فجعل عمرو بن
العاص يقول: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على هذا لتفنين العرب
اليوم. فاقتتلوا قتالا شديدا. وجعل عمار يقول: صبرا عباد الله الجنة في ظلال
البيض. قال: وكانت علامة أهل العراق بصفين الصوف الابيض قد جعلوه في رؤوسهم وعلى
أكتافهم وشعارهم يا الله يا أحد يا صمد يا رحيم.
وكانت علامة أهل
الشام خرقا بيضا قد جعلوها على رؤوسهم وأكتافهم وكان شعارهم نحن عباد الله حقا يا
لثارات عثمان. قال: فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد فما تحاجزنا حتى حجز بينا سواد
الليل وما يرى رجلا منا ولا منهم موليا فلما أصبحوا وذلك اليوم الثلاثاء خرج الناس
إلى مصافهم فقال أبو نوح: فكنت في خيل علي عليه السلام فإذا أنا برجل من أهل الشام
يقول: من يدلني على الحميري أبي نوح ؟ قال: قلت: فقد وجدته فمن أنت ؟ قال: أنا ذو
الكلاع سر إلي فقال أبو نوح: معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتيبة قال ذو الكلاع:
سر فلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فإنما أريد بذلك أن
أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه. فسارا حتى التقيا فقال ذو الكلاع: إنما دعوتك
أحدثك حديثا حدثنا عمرو بن العاص في إمارة عمر بن الخطاب. قال أبو نوح: وما هو ؟
قال: حدثنا عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يلتقي أهل الشام
وأهل العراق وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار بن ياسر قال أبو نوح:
لعمرو الله إنه لفينا. قال: أجاد هو على قتالنا ؟ قال أبو نوح: نعم ورب الكعبة لهو
أشد على قتالكم مني. فقال ذو الكلاع: هل تستطيع أن تاتي معي صف أهل الشام فأنا لك
جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره عن عمار وجده في قتالنا لعله يكون صلحا
بين هذين الجندين فقال له أبو نوح: إنك رجل غادر وأنت في قوم غدور وإن لم تكن تريد
الغدر أغدروك وإني أن أموت أحب إلي من أن أدخل مع معاوية وأدخل في دينه وأمره.
فقال ذو الكلاع: أنا جار لك من ذلك أن لا تقتل ولا تسلب ولا تكره على بيعة ولا
تحبس عن جندك وإنما هي كلمة تبلغها عمرا لعل الله أن يصلح بين هذين الجندين ويضع
عنهم الحرب والسلاح. فسار معه حتى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس
وعبد الله بن عمرو يحرض الناس فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو: يا [أ] با
عبد الله هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمار بن ياسر ولا يكذبك ؟ قال
عمرو: من هذا معك ؟ قال: هذا ابن عمي وهو من أهل الكوفة فقال له عمرو: إني لأرى
عليك سيماء أبي تراب.
قال أبو نوح:
علي سيماء محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وعليك سيماء أبي جهل وسيماء فرعون.
فقام أبو الأعور فسل سيفه ثم قال: لا أرى هذا الكذاب يشاتمنا بين أظهرنا وعليه
سيماء أبي تراب فقال ذو الكلاع: أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لا حطمن أنفك بالسيف
ابن عمي وجاري عقدت له ذمتي وجئت به إليكم ليخبركم عما تماريتم فيه.
فقال له عمرو:
أذكرك بالله يا أبا نوح إلا ما صدقت أفيكم عمار بن ياسر ؟ فقال له أبو نوح: ما أنا
بمخبرك عنه حتى تخبرني لم تسأل عنه ؟ فإن معنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله غيره وكلهم جاد على قتالكم. قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: إن عمارا تقتله الفئة الباغية وإنه ليس ينبغي لعمار أن يفارق الحق ولن تأكل
النار منه شيئا. فقال أبو نوح: لا إله إلا الله والله أكبر والله إنه لفينا جاد
على قتالكم فقال عمرو: والله إنه لجاد على قتالنا ؟ قال: نعم والله الذي لا إله
إلا هو لقد حدثني يوم الجمل أنا سنظهر عليهم ولقد حدثني أمس أن لو ضربونا حتى يبلغوا
بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على باطل ولكانت قتلانا في الجنة وقتلاهم
في النار. فقال له عمرو: هل تستطيع أن تجمع بينه وبيني ؟ قال: نعم فلما أراد أن
يبلغه أصحابه ركب عمرو بن العاص وابناه وعتبة بن أبي سفيان وذو الكلاع وأبو الاعور
السلمي وحوشب والوليد بن أبي معيط فانطلقوا حتى أتوا خيولهم.
وسار أبو نوح
ومعه شرحبيل بن ذي الكلاع حتى انتهى إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا
مع أصحابه مع ابني بديل وهاشم والاشتر وجارية بن المثنى وخالد بن المعمر وعبد الله
بن حجل وعبد الله بن العباس فقال أبو نوح: إنه دعاني ذو الكلاع وهو ذو رحم فذكر ما
جرى بينه وبينهم وقال: أخبرني عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: عمار تقتله الفئة الباغية.
فقال عمار: صدق
وليضر به ما سمع ولا ينفعه فقال أبو نوح: إنه يريد أن يلقاك فقال عمار لأصحابه:
اركبوا قال: ونحن إثنا عشر رجلا بعمار فسرنا حتى لقيناهم ثم بعثنا إليهم فارسا من
عبد القيس يسمى عوف بن بشر فذهب حتى كان قريبا من القوم ثم نادى أين عمرو بن العاص
؟ قالوا: هاهنا فأخبره بمكان عمار وخيله فقال عمرو: فليسر إلينا فقال عوف: إني
أخاف غدراتك ثم جرى بينهما كلمات تركتها إلى أن قال: أقبل عمار مع أصحابه فتواقفا
فقال عمرو: يا أبا اليقظان اذكرك الله إلا كففت سلاح أهل هذا العسكر وحقنت دمائهم
فعلام تقاتلنا أو لسنا نعبد إلها واحدا ونصلي قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم
ونؤمن برسولكم ؟ قال: الحمد لله الذي أخرجها من فيك إنها لي ولأصحابي القبلة
والدين وعبادة الرحمن والنبي والكتاب من دونك ودون أصحابك وجعلك ضالا مضلا لا تعلم
هاد أنت أم ضال وجعلك أعمى وسأخبرك على ما قاتلتك عليه أنت وأصحابك أمرني رسول
الله صلى الله عليه وآله أن أقاتل الناكثين ففعلت وأمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم
هم. وأما المارقون فما أدري أدركهم أم لا. أيها الابتر ألست تعلم أن رسول الله صلى
الله عليه وآله قال لعلي: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد
من عاداه " وأنا مولى الله ورسوله وعلي بعده وليس لك مولى. فقال له عمرو: فما
ترى في قتل عثمان ؟ قال: فتح لكم باب كل سوء قال عمرو: فعلي قتله ؟ قال عمار: بل
الله رب علي قتله وعلي معه قال عمرو: أكنت فيمن قتله ؟ قال: أنا مع من قتله وأنا
اليوم أقاتل معه. قال: فلم قتلتموه ؟ قال: أراد أن يغير ديننا فقتلناه. قال عمرو:
ألا تستمعون قد اعترف بقتل إمامكم ؟ قال عمار: وقد قالها فرعون قبلك: " ألا
تستمعون ". فقام أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم ورجعوا فبلغ معاوية ما كان
بينهم فقال له: هلكت العرب إن أخذتهم خفة العبد الاسود يعني عمارا.
وخرج [عمار] إلى
القتال وصفت الخيول بعضها لبعض وزحف الناس وعلى عمار درع وهو يقول: أيها الناس
الرواح إلى الجنة. فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله وكثرت القتلى حتى
أن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله فقال الاشعث: لقد رأيت أخبية
صفين وأروقتهم وما منها خباء ولا رواق ولا بناء ولا فسطاط إلا مربوطا بيد رجل أو
رجله.
وجعل أبو سماك
الاسدي يأخذ إداوة من ماء وشفرة حديد فيطوف في القتلى فإذا رأى رجلا جريحا وبه رمق
أقعده وسأله من أمير المؤمنين عليه السلام فإن قال: علي غسل عنه الدم وسقاه من
الماء، وإن سكت وجأه بسكين حتى يموت قال: فكان يسمى المخضخض.
وعن عمرو بن شمر
عن جابر عن الشعبي عن الاحنف بن قيس قال: والله إني إلى جانب عمار فتقدمنا حتى إذا
دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار: احمل فداك أبي وأمي ونظر عمار إلى رقة في
الميمنة فقال له هاشم: رحمك الله يا عمار إنك رجل تأخذك خفة في الحرب وإني إنما
أزحف باللواء زحفا وأرجو أن أنال بذلك حاجتي وإني إن خففت لم آمن الهلكة وقد قال
معاوية لعمرو: ويحك يا عمرو إن اللواء مع هاشم كأنه يرقل به إرقالا و إن زحف به
زحفا إنه لليوم الاطول لأهل الشام فلم يزل به عمار حتى حمل فبصر به معاوية فوجه
إليه جملة أصحابه ومن برز بالناس منهم في ناحيته وكان في ذلك الجمع عبد الله بن
عمرو ومعه سيفان قد تقلد بواحد وهو يضرب بالآخر وأطافت به خيل علي فقال عمرو: يا
الله يا رحمان ابني ابني وكان يقول معاوية: اصبر اصبر فإنه لا بأس عليه قال عمرو:
لو كان يزيد إذا لصبرت ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هاربا على فرسه
ومن معه وأصيب هاشم في المعركة. قال: وقال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص:
والله إن هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن.
وساق الحديث نحو
رواية الاختصاص إلى قوله: فأما أبو العادية فطعنه وأما ابن جوين فإنه اجتز رأسه
فقال ذو الكلاع لعمرو: ويحك ما هذا ؟ قال عمرو إنه سيرجع إلينا وذلك قبل أن يصاب
عمار فأصيب عمار مع علي وأصيب ذو الكلاع مع معاوية.
فقال عمرو:
والله يا معاوية: ما أدري بقتل أيهما أنا اشد فرحا والله لو بقي ذو الكلاع حتى
يقتل عمار لمال بعامة قومه ولأفسد علينا جندنا. قال: فكان لا يزال رجل يجئ فيقول:
أنا قتلت عمارا فيقول له عمرو: فماه سمعتموه يقول فيخلطون حتى أقبل [ابن] جوين
فقال: أنا قتلت عمارا فقال له عمرو: فما كان آخر منطقه ؟ قال: سمعته يقول: اليوم
ألقى الاحبة محمدا وحزبه. فقال له عمرو: صدقت أنت صاحبه أما والله ما ظفرت بذلك
ولكن أسخطت ربك.
وعن عمرو بن شمر
عن إسماعيل السدي عن عبد خير الهمداني قال: نظرت إلى عمار بن ياسر رمى رمية فأغمي
عليه ولم يصل الظهر والعصر ولا المغرب ولا العشاء ولا الفجر ثم أفاق فقضاهن جميعا
يبدأ بأول شيء فاته ثم التي تليها.
وعن عمرو بن شمر
عن السدي عن ابن حريث قال: أقبل غلام لعمار بن ياسر اسمه راشد يحمل شربة من لبن
فقال عمار: أما إني سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله [قال]: إن آخر زادك
من الدنيا شربة لبن.
وعن عمرو بن شمر
عن السدي عن يعقوب بن الاوسط قال: احتج رجلان بصفين في سلب عمار بن ياسر وفي قتله
فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال لهما: ويحكما أخرجا عني فإن رسول الله صلى
الله عليه وآله قال: ولعت قريش بعمار مالهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى
النار قاتله وسالبه في النار [قال:] فبلغني أن معاوية قال: " إنما قتله من
أخرجه ! ! يخدع بذلك طعام أهل الشام.
وعن عمرو بن شمر
عن جابر عن أبي الزبير عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ابن
سمية لم يخير بين أمرين قط إلا اختار أشدهما وفي حديث عمر بن سعد قال: حل عمار بن
ياسر وهو يقول:
كلا ورب البيت
لا أبرح أجي * حتى أموت أو أرى ما أشتهي
أنا مع الحق
أقاتل مع علي * صهر النبي ذي الامانات الوفي
إلى آخر
الابيات.
قال: فضربوا أهل
الشام حتى اضطروهم إلى الفرات.
قال: ومشى عبد
الله بن سويد سيد جرش إلى ذي الكلاع فقال له: لم جمعت بين الرجلين ؟ قال: لحديث
سمعته من عمرو ذكر أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول لعمار بن
ياسر تقتلك الفئة الباغية. فخرج عبد الله بن عمر العبسي وكان من عباد أهل زمانه
ليلا فأصبح في عسكر علي عليه السلام فحدث الناس بقول عمرو في عمار فلما سمع معاوية
هذا القول بعث إلى عمرو فقال: أفسدت علي أهل الشام أكل ما سمعته من رسول الله صلى
الله عليه وآله تقوله ؟ فقال عمرو: قلتها ولست والله أعلم الغيب ولا أدري أن صفين
تكون وعمار خصمنا وقد رويت أنت فيه مثل الذي رويت فيه فاسأل أهل الشام. فغضب
معاوية وتنمر لعمرو ومنعه خيره فقال عمرو: لا خير لي في جوار معاوية إن تجلت هذه
الحرب عنا وكان عمرو حمي الانف فقال في ذلك:
تعاتبني أن قلت
شيئا سمعته * وقد قلت لو أنصفتني مثله قبلي
وما كان لي علم
بصفين إنها * تكون وعمار يحث على قتلي
فلو كان لي
بالغيب علم كتمتها * وكابدت أقواما مراجلهم تغلي
إلى آخر
الابيات.
ثم أجابه معاوية
بأبيات تشتمل على الاعتذار فأتاه عمرو وأعتبه وصار أمرهما واحدا. ثم إن عليا عليه
السلام دعا هاشم بن عتبة ومعه لواءه وكان أعور وقال: حتى متى تأكل الخبز وتشرب
الماء ؟ فقال هاشم: لأجهزن أن لا أرجع إليك أبدا قال علي عليه السلام: إن بإزائك
ذا الكلاع وعنده الموت الاحمر فتقدم هاشم وتعرض له صاحب لواء ذي الكلاع فاختلفا
طعنتين فطعنه هاشم فقتله وكثرت القتلى فحمل ذو الكلاع فاجتلد الناس فقتلا جميعا.
وأخذ ابن هاشم
اللواء فأسر أسرا فأتي بمعاوية فلما دخل عليه وعنده عمرو بن العاص قال: يا أمير
المؤمنين هذا المختال ابن المرقال فدونك الضب اللاحظ فإن العصا من العصية وإنما
تلد الحية حية وجزاء السيئة سيئة. فقال له ابن هاشم: ما أنا بأول رجل خذله قومه
وأدركه يومه قال معاوية: تلك ضغائن صفين وما جنا عليك أبوك ! ! فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أمكني
منه فأشخب أوداجه على أثباجه ؟ ! فقال له ابن هاشم: أفلا كان هذا يا ابن العاص حين
أدعوك إلى البراز وقد ابتلت اقدام الرجال من نقع الجريال إذ تضايقت بك المسالك
وأشرفت فيها على المهالك وأيم الله لولا مكانك منه لنشبت لك مني خافية أرميك من
خلالها بأحد من وقع الاثافي فإنك لا تزال تكثر في دهشك وتخبط في مرسك تخبط العشواء
في الليلة الحندس الظلماء. قال: فأعجبت معاوية ما سمع من كلام ابن هاشم فأمر به
إلى السجن وكف عن قتله.
وعن عمرو بن شمر
عن السدي عن عبد خير قال: لما صرع هاشم مر عليه رجل وهو صريع بين القتلى فقال له:
اقرأ أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وقل له أنشدك الله إلا أصبحت وقد ربطت مقاود
خيلك بأرجل القتلى فإن الدبرة تصبح غدا لمن غلب على القتلى فأخبر الرجل عليا بذلك فسار
علي عليه السلام في بعض الليل حتى جعل القتلى خلف ظهره وكانت الدبرة له عليهم.
وعن عمرو بن سعد
عن رجل عن أبي سلمة أن هاشم بن عتبة دعا في الناس عند المساء ألا من كان يريد الله
والدار الآخرة فليقبل [إلي] فأقبل إليه ناس فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام
مرارا فليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له وقوتل فيه قتالا شديدا فقال لأصحابه: لا
يهولنكم ما ترون من صبرهم فو الله ما ترون منهم إلا حمية العرب وصبرها تحت راياتها
وعند مراكزها وإنهم لعلى الضلال وإنكم لعلى الحق يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا
واصبروا وامشوا بنا إلى عدونا على توءدة رويدا واذكروا الله ولا يسلمن رجل أخاه
ولا تكثروا الالتفات واصمدوا صمدهم وجالدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا وهو خير
الحاكمين. فقال أبو سلمة: فمضى في عصابة من القراء فقاتل قتالا شديدا هو وأصحابه
حتى رأى بعض ما يسرون به إذ خرج عليهم فتى شاب وشد يضرب بسيفه ويلعن ويشتم ويكثر
الكلام فقال له هاشم: إن هذا الكلام بعده الخصام وإن هذا القتال بعده الحساب فاتق
الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به قال: فإني أقاتلكم لان
صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي وإنكم لا تصلون وأقاتلكم لان صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم
وأزرتموه على قتله ! فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان إنما قتله أصحاب محمد وقراء
الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب وأصحاب محمد هم أصحاب الدين وأولى بالنظر
في أمور المسلمين وما أظن أن أمر هذه الامة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط ؟
قال الفتى أجل والله لا أكذب فإن الكذب يضر ولا ينفع ويشين ولا يزين فقال له هاشم:
إن هذا الامر لا علم لك به فخله وأهل العلم به.
قال: أظنك والله
قد نصحتني فقال له هاشم: وأما قولك: فإن صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلى لله مع
رسوله صلى الله عليه وآله وأفقهه في دين الله وأولاه برسول الله وأما من ترى معه
فكلهم قارئ الكتاب لا ينام الليل تهجدا فلا يغررك عن دينك الاشقياء المغرورون.
قال الفتى: يا
عبد الله إني لأظنك امرءا صالحا أخبرني هل تجد لي من توبة ؟ قال: نعم تب إلى الله
يتب عليك قال فذهب الفتى راجعا فقال رجل من أهل الشام خدعك العراقي قال: لا ولكن
نصحني.
وقاتل هاشم هو
وأصحابه قتالا شديدا حتى قتل تسعة نفر أو عشرة وحمل عليه الحارث بن المنذر فطعنه
فسقط وبعث إليه علي عليه السلام أن قدم لواءك فقال للرسول: انظر إلى بطني فإذا هو
قد انشق فأخذ الراية رجل من بكر بن وائل ورفع هاشم رأسه فإذا هو بعبيد الله بن عمر
بن الخطاب قتيلا إلى جانبه فجثا حتى دنا منه فعض على ثديه حتى تبينت فيه أنيابه ثم
مات هاشم وهو على صدر عبيد الله وضرب البكري فوقع فأبصر عبيد الله فعض على ثديه
الآخر ومات أيضا فوجدا جميعا ماتا على صدر عبيد الله.
ولما قتل هاشم
جزع الناس عليه جزعا شديدا وأصيب معه عصابة من أسلم من القراء فمر عليهم علي عليه
السلام وهم قتلى حوله فقال:
جزى الله خيرا
عصبة أسلمية * صباح الوجوه صرعوا حول هاشم
يزيد وعبد الله
بشر ومعبد * وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم
وعروة لا يبعد
ثناه وذكره * أذا اخترط البيض الخفاف الصوارم
ثم قام عبد الله
بن هاشم وأخذ الراية.
ثم ساق الحديث
إلى قوله: فأمرهم علي عليه السلام بالغدو إلى القوم فغاداهم إلى القتال فانهزم أهل
الشام وقد غلب أهل العراق على قتلى أهل حمص وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية
وانهزم عتبة بن أبي سفيان حتى أتى الشام. ثم إن عليا عليه السلام أمر مناديه فنادى
في الناس أن اخرجوا إلى مصافكم فخرج الناس إلى مصافهم واقتتل الناس إلى قريب من
ثلث الليل.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 33 / صفحة [ 24 ]
تاريخ النشر : 2025-09-11