أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
كتاب سليم بن
قيس عن أبان بن أبي عياش عنه قال: سألت عبد الله بن عباس هل شهدت صفين ؟. قال: نعم
قلت: هل شهدت يوم الهرير ؟ قال: نعم قلت: كم كان أتى عليك من السن ؟ قال: أربعون
سنة. قلت: فحدثني رحمك الله. قال: نعم مهما نسيت من شيء من الاشياء فلا أنسى هذا
الحديث ثم بكى وقال: صفوا وصففنا فخرج مالك الاشتر على فرس أدهم وسلاحه معلق على
فرسه وبيده الرمح وهو يقرع به رؤوسنا ويقول: أقيموا صفوفكم فلما كتب الكتائب وأقام
الصفوف أقبل على فرسه حتى قام بين الصفين فولى أهل الشام ظهره وأقبل علينا بوجهه
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال:
أما بعد فإنه
كان من قضاء الله وقدره اجتماعنا في هذه البقعة من الارض لآجال قد اقتربت وأمور
تصرمت يسوسنا فيها سيد المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وابن عم نبينا وأخوه
ووارثه وسيف من سيوف الله ورئيسهم ابن آكلة الاكباد وكهف النفاق وبقية الاحزاب
يسوقهم إلى الشقاء والنار ونحن نرجو بقتالهم من الله الثواب وهم ينتظرون العقاب
فإذا حمي الوطيس وثار القتام وجالت الخيل بقتلانا وقتلاهم رجونا بقتالهم النصر من
الله فلا أسمعن إلا غمغمة أو همهمة.
أيها الناس غضوا
الابصار وعضوا على النواجذ من الاضراس فإنها أشد لصررا الرأس واستقبلوا القوم
بوجوهكم وخذوا قوائم سيوفكم بأيمانكم فاضربوا الهام واطعنوا بالرماح مما يلي
الشرسوف فإنه مقتل وشدوا شدة قوم موتورين بآبائهم وبدماء اخوانهم حنقين على عدوهم
قد وطنوا أنفسهم على الموت لكيلا تذلوا ولا يلزمكم في الدنيا عار.
ثم التقى القوم
فكان بينهم أمر عظيم فتفرقوا عن سبعين ألف قتيل من جحاجحة العرب وكانت الوقعة يوم
الخميس من حيث استقلت الشمس حتى ذهب ثلث الليل الاول ما سجد لله في ذينك العسكرين
سجدة حتى مرت مواقيت الصلوات الاربع الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
قال سليم ثم إن
عليا عليه السلام قام خطيبا فقال: أيها الناس إنه قد بلغ بكم ما قد رأيتم بعدوكم
فلم يبق منهم إلا آخر نفس وإن الامور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها وقد صبر لكم
القوم على غير دين حتى بلغوا فيكم ما قد بلغوا أنا غاد عليهم بالغداة إن شاء الله
ومحاكمهم إلى الله.
فبلغ ذلك معاوية
ففزع فزعا شديدا وانكسر هو وجميع أصحابه وأهل الشام كذلك فدعا عمرو بن العاص فقال:
يا عمرو إنما هو الليلة حتى يغدوا علينا فما ترى ؟ قال: أرى الرجال قد قوا ؟ وما
بقي فلا يقومون لرجاله ولست مثله وإنما يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره أنت
تريد البقاء وهو يريد الفناء وليس يخاف أهل الشام عليا إن ظفر بهم ما يخاف أهل
العراق إن ظفرت بهم ولكن الق إليهم أمرا فإن ردوه اختلفوا وإن قبلوه اختلفوا ادعهم
إلى كتاب الله وارفع المصاحف على رؤوس الرماح فإنك بالغ حاجتك فإني لم أزل أدخرها
لك. فعرفها معاوية وقال: صدقت ولكن قد رأيت رأيا أخدع به عليا طلبي إليه الشام على
الموادعة وهو الشيء الاول الذي ردني عنه. فضحك عمرو وقال: أين أنت يا معاوية من
خديعة علي وإن شئت أن تكتب فاكتب.
قال فكتب معاوية
إلى علي عليه السلام كتابا مع رجل من أهل السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة أما
بعد فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت وعلمناه نحن لم يجنها بعضنا على
بعض وإنا إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما يزم به ما بقي وقد كنت سألتك
الشام على أن لا يلزمني لك طاعة ولا بيعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت وأنا
أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجوه ولا تخاف
من الفناء إلا ما أخاف وقد والله رقت الاكباد وذهبت الرجال ونحن بنو عبد مناف وليس
لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز ولا يسترق به ذليل والسلام. قال سليم فلما قرأ
علي عليه السلام كتابه ضحك وقال: العجب من معاوية وخديعته لي فدعا كاتبه عبيد الله
بن أبي رافع فقال له: اكتب:
أما بعد فقد
جاءني كتابك تذكر فيه أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك إلى ما بلغت لم
يجنها بعضنا على بعض وأنا وإياك يا معاوية على غاية منها لم نبلغها بعد. وأما طلبك
[إلي] الشام فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس.
وإما استواؤنا
في الخوف والرجاء فإنك قلت لست بأمضى على الشك مني على اليقين وليس أهل الشام أحرص
على الدنيا من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل
على بعض فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي
طالب ولا الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن ولا المحق كالمبطل وفي أيدينا فضل
النبوة التي ملكنا بها العرب واستعبدنا بها العجم والسلام.
فلما انتهى كتاب
علي عليه السلام إلى معاوية كتمه عمرا ثم دعاه فأقرأه فشمت به عمرو وقد كان نهاه
ولم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي عليه السلام من عمرو بعد اليوم الذي صرعه عن
دابته فقال عمرو:
ألا لله درك يا
بن هند * ودر المردي الحال المسود
أتطمع لا أبالك
في علي * وقد قرع الحديد على الحديد
وترجو أن تخادعه
بشك * وترجو أن يهابك بالوعيد
وقد كشف القناع
وجر حربا * يشيب لهولها رأس الوليد
له جأواه مظلمة
طحون * فوارسها تلهب كالأسود
يقول لها إذا
رجعت إليه * بقتل بالطعان اليوم عودي
فإن وردت فأولها
ورودا * وإن صدرت فليس بذي ورود
وما هي من أبي
حسن بنكر * وما
هي من مساتك بالبعيد
وقلت له مقالة
مستكين * ضعيف القلب منقطع الوريد
طلبت الشام حسبك
يا بن هند * من
السوآت والرأي الزهيد
ولن أعطاكها ما
ازددت عزا * ومالك
في استزادك من مزيد
فلم تكسر بهذا
الرأي عودا * سوى ما كان لا بل رق عود
فقال معاوية:
والله لقد علمت ما أردت بهذا. قال عمرو: وما أردت به قال عيبك رأيي في خلافك
ومعصيتك والعجب لك تفيل رأيي وتعظم عليا وقد فضحك. فقال: أما تفييلي رأيك فقد كان
وأما إعظامي عليا فإنك بإعظامه أشد معرفة مني ولكنك تطويه وأنشره وأما فضيحتي فلن
يفتضح رجل بارز عليا فإن شئت أن تبلوها أنت منه فافعل فسكت معاوية وفشا أمرهما في
أهل الشام. قال أبان قال سليم ومر علي عليه السلام بجماعة من أهل الشام فيهم
الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهم يشتمونه فأخبر بذلك فوقف فيمن يليهم من أصحابه
وقال لهم: انهضوا إليهم وعليكم السكينة وسيماء الصالحين ووقار الاسلام أقربنا من
الجهل بالله والجرأة عليه والاغترار لقوم رئيسهم معاوية وابن النابغة وأبو
الاعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر والمجلود الجد في الاسلام والطريد مروان
وهم هؤلاء يقربون ويشتمون وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى
الاسلام وهم يدعوني إلى عبادة الاوثان فالحمد لله على ما عاداني الفاسقون إن هذا
لخطب جليل أن فساقا منافقين كانوا عندنا غير مؤتمنين وعلى الاسلام منحرفين
[متخوفين " خ ل "] خدعوا شطر هذه الامة وأشربوا قلوبهم حب الفتنة
واستمالوا أهوائهم إلى الباطل فقد نصبوا لنا الحرب وجدوا في إطفاء
نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ثم حرض عليهم
وقال: إن هؤلاء لا يزولون عن موقفهم هذا دون طعن دراك تطير منه القلوب وضرب تفلق
الهام وتطيح منه الانوف والعظام ويسقط منه المعاصم وحتى تقرع جباههم بعمد الحديد
وتنشر حواجبهم على صدورهم والاذقان والنحور. أين أهل الدين وطلاب الاجر.
[قال:] فثارت
عليه عصابة نحو أربعة آلاف فدعا محمد بن الحنفية [و] قال: يا بني امش نحو هذه
الرابة مشيا وئيدا على هينتك حتى إذا أشرعت في صدورهم الاسنة فأمسك حتى يأتيك رأيي
ففعل. وأعد علي مثلهم فلما دنا محمد وأشرع الرماح في صدورهم أمر علي الذين كان
أعدهم أن يحملوا معه فشدوا عليهم ونهض محمد ومن معه في وجوههم فأزالوهم عن مواقفهم
وقتلوا عامتهم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 609 ]
تاريخ النشر : 2025-09-09