أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
كتاب الصفين قال
نصر: حدثني عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن جندب قال: لما أقبل علي عليه السلام من
صفين أقبلنا معه فقال علي عليه السلام: آئبون عائدون لربنا حامدون اللهم إني أعوذ
بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في المال والاهل.
قال: ثم أخذ بنا
طريق البر على شاطئ الفرات حتى انتهينا إلى " هيت " وأخذنا على "
صندودا " فخرج الانماريون بنو سعد بن حزيم واستقبلوا عليا فعرضوا عليه النزل
فلم يقبل، فبات بها ثم غدا وأقبلنا معه حتى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة فإذا
نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه أثر المرض فأقبل إليه علي عليه السلام ونحن معه
حتى سلم وسلمنا عليه قال: فرد ردا حسنا ظننا أن قد عرفه فقال له علي: ما لي أرى
وجهك منكفئا أمن مرض ؟ قال نعم قال فلعلك كرهته ؟ فقال: ما أحب أنه بغيري ! ! قال:
أليس احتسابا للخير فيما أصابك منه ؟ قال: بلى قال: أبشر برحمة ربك وغفران ذنبك
فمن أنت يا عبد الله ؟ قال: أنا صالح بن سليم. قال: أنت ممن ؟ قال: أما الاصل فمن
سلامان بن طيء وأما الجوار والدعوة فمن بني سليم بن منصور.
قال: سبحان الله ما
أحسن اسمك واسم أبيك واسم أدعيائك واسم من اعتزيت إليه هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟
قال: لا والله ما شهدتها ولقد أردتها ولكن ما ترى في من لجب الحمى خذلني عنها قال
علي عليه السلام: * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما
ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) * [91
/ التوبة: 9] أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام ؟ قال: منهم
المسرور فيما كان بينك وبينهم وأولئك أغشاء الناس ومنهم المكبوت الآسف لما كان من
ذلك وأولئك نصحاء الناس لك.
فذهب لينصرف فقال: صدقت جعل الله ما كان من شكواك حطا
لسيئاتك فإن المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه إنما الاجر في القول
باللسان والعمل باليد والرجل وإن الله عزوجل يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة
[عالما جما] من عباده الجنة.
ثم مضى غير بعيد فلقيه عبد الله بن وديعة الانصاري
فدنا منه وسأله فقال له: ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا ؟ قال: منهم المعجب به
ومنهم المكاره له والناس كما قال الله تعالى: * (ولا يزالون مختلفين) * [118 / هود
11] فقال له: فما يقول ذوو الرأي ؟ قال: يقولون: إن عليا كان له جمع عظيم ففرقه
وحصن حصين فهدمه فحتى متى يبني مثل ما هدم وحتى متى يجمع مثل ما قد فرق ؟ ! فلو
أنه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك إذا كان ذلك
هو الحزم.
فقال عليه السلام: أنا هدمت أم هم هدموا ؟ أم أنا فرقت أم هم تفرقوا ؟
وأما قولهم: لو أنه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك إذا
كان ذلك هو الحزم. فو الله ما غبي عني ذلك الرأي وإن كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا
طيب النفس بالموت ولقد هممت بالإقدام فنظرت إلى هذين قد استقدماني فعلمت إن هذين
إن هلكا انقطع نسب محمد صلى الله عليه وآله من هذه الامة فكرهت ذلك وأشفقت على
هذين أن يهلكا ولقد علمت أن لولا مكاني لم يستقدما يعني بذلك ابنيه الحسن والحسين
وأيم الله لئن لقيتهم بعد يومي لالقينهم وليس هما معي في عسكر ولا دار.
قال: ثم مضى حتى
جزنا دور بني عوف فإذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: ما هذه القبور ؟ فقال له: قدامة بن العجلان الازدي: يا أمير المؤمنين
إن خباب بن الارت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن في الظهر وكان الناس يدفنون في
دورهم وأفنيتهم فدفن الناس إلى جنبه. فقال: رحم الله خبابا فقد أسلم راغبا وهاجر
طائعا وعاش مجاهدا وابتلى في جسده أحوالا ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا. فجاء
حتى وقف عليهم ثم قال: عليكم السلام يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من
المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لنا سلف وفرط ونحن لكم تبع وبكم عما
قليل لاحقون اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز عنا وعنهم. ثم قال: الحمد لله الذي جعل
الارض كفاتا أحياء وأمواتا الحمد لله الذي جعل منها خلقنا وفيها يعيدنا وعليها
يحشرنا طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضي عن الله بذلك. ثم أقبل
حتى دخل سكة الثوريين فقال: خشوا [بين] هذه الابيات.
وعن عمر بن سعد
بن عبد الله بن العاصم الفائشي قال: لما مر علي عليه السلام بالثوريين يعني ثور
همدان سمع البكاء فقال: ما هذه الاصوات ؟ قيل: هذا البكاء على من قتل بصفين قال:
أما إني شهيد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة. ثم مر بالفائشيين فسمع الاصوات
فقال ذلك.
ثم مر بالشاميين
فسمع رنة شديدة وصوتا مرتفعا عاليا فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشامي فقال علي عليه
السلام: أتغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الصياح والرنين ؟ قال: يا أمير
المؤمنين لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثة قدرنا على ذلك ولكن من هذا الحي ثمانون
ومائة قتيل فليس من دار إلا وفيها بكاء أما نحن معاشر الرجال فإنا لا نبكي ولكن
نفرح لهم بالشهادة فقال علي عليه السلام: رحم الله قتلاكم وموتاكم وأقبل يمشي معه
وعلي راكب فقال له علي عليه السلام: ارجع فإن مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلة
للمؤمن.
ثم مضى حتى مر
بالناعطيّين فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرثد فقال: ما صنع علي والله
شيئا ذهب ثم انصرف في غير شيء فلما نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام أبلس فقال
عليه السلام لأصحابه: قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم قال:
أخوك الذي إن
أجهضتك ملمة * من الدهر لم يبرح لبثك واجما
وليس أخوك بالذي
إن تشعبت * عليك أمور ظل يلحاك لائما
ثم مضى فلم يزل
يذكر الله حتى دخل الكوفة.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 550 ]
تاريخ النشر : 2025-09-08