أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
تفسير الحسن
والسدي ووكيع والثعلبي ومسند أحمد أنه قال الزبير في قوله " واتقوا فتنة لا
تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " لقد لبثنا أزمانا ولا نرى أنا من أهلها فإذا
نحن المعنيون.
قال السدي في
قوله: " فلا عدوان إلا على الظالمين " نزلت في حربين في يوم صفين ويوم
الجمل فسمى الله أصحاب الجمل وصفين ظالمين ثم قال " واعلموا أن الله مع
المتقين " بالنصر والحق مع أمير المؤمنين وأصحابه.
بعض المفسرين في
قوله: " قل للمخلفين من الاعراب ستدعون " أي فيما بعد " إلى قوم
أولي بأس شديد " أنهم أهل صفين وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله قال للأعراب
الذين تخلفوا عنه بالحديبية وعزموا على خيبر: " قل لن تتبعونا كذلكم قال الله
من قبل ". أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر قالا في قوله تعالى: * (ثم إنكم
يوم القيامة عند ربكم تختصمون " كنا نقول: ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد
فما هذه الخصومة ؟ فلما كان حرب صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم هو هذا.
قال الباقر عليه
السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقاتل معاوية: " قاتلوا أئمة
الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " الأيات هم هؤلاء ورب الكعبة. ابن
مسعود قال: [قال:] النبي صلى الله عليه وآله: أئمة الكفر معاوية وعمرو.
ولما فرغ أمير
المؤمنين عليه السلام من [حرب] الجمل نزل في الرحبة السادس من رجب وخطب فقال:
الحمد لله الذي نصر وليه وخذل عدوه وأعز الصادق المحق وأذل الناكث المبطل.
ثم إنه دعا
الاشعث بن قيس من ثغر آذربيجان والاحنف بن قيس من البصرة وجرير بن عبد الله البجلي
من همدان فأتوه إلى الكوفة فوجه جريرا إلى معاوية يدعوه إلى طاعته فلما بلغها توقف
معاوية في ذلك حتى قدم [بطلب منه] شرحبيل الكندي ثم خطب فقال: أيها الناس قد علمتم
أني خليفة عمر وخليفة عثمان وقد قتل عثمان مظلوما وأنا وليه وابن عمه وأولى الناس
بطلب دمه فماذا رأيكم ؟ فقالوا: نحن طالبون بدمه.
فدعا عمرو بن
العاص على أن يطعمه مصر فكان عمرو يأمر بالحمل والحط مرارا فقال له غلامه وردان:
تفكر أن الآخرة مع علي عليه السلام والدنيا مع معاوية فقال عمرو:
لا قاتل الله
وردانا وفطنته * أبدى
لعمري ما في الصدر وردان
فلما ارتحل قال
ابن عمرو له:
ألا يا عمرو ما
أحرزت نصرا * ولا أنت الغداة إلى رشاد
أبعت الدين
بالدنيا خسارا * وأنت بذاك من شر العباد
فانصرف جرير
فكتب معاوية إلى أهل المدينة أن عثمان قتل مظلوما وعلي آوى قتلته فإن دفعهم إلينا
كففنا عنه وجعلنا هذا الامر شورى بين المسلمين كما جعله عمر عند وفاته فانهضوا
رحمكم الله معنا إلى حربه فأجابوه بكتاب فيه:
معاوي إن الحق
أبلج واضح * وليس كما ربصت أنت ولا عمرو
نصبت لنا اليوم
ابن عفان خدعة * كما نصب الشيخان إذ زخرف الامر
رميتم عليا
بالذي لم يضره * وليس له في ذاك نهي ولا أمر
وما ذنبه إن نال
عثمان معشر * أتوه من الاحياء تجمعهم مصر
وكان علي لازما
قعر بيته * وهمته التسبيح والحمد والذكر
فما أنتما لا
دردر أبيكما * وذكركم الشورى وقد وضح الامر
فما أنتما
والنصر منا وأنتما * طليقا أسارى ما تبوح بها الخمر
وجاء أبو مسلم
الخولاني بكتاب من عنده إلى أمير المؤمنين عليه السلام يذكر فيه: وكان أنصحهم لله
خليفته ثم خليفة خليفته ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما فكلهم حسدت وعلى كلهم
بغيت. إلى آخر ما سيأتي.
فلما وصل
الخولاني وقرأ على الناس [كتاب معاوية] قالوا: كلنا [له] قاتلون ولأفعاله منكرون.
فكان جواب أمير
المؤمنين: وبعد فإني رأيت قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون من
بيعتي ثم حاكم القوم إلي أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله.
وأما الذي تريدها فإنها خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك لعلمت أني من
أبرأ الناس من دم عثمان وقد علمت أنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة.
وأجمع عليه
السلام على المسير وحض الناس على ذلك.
قال ابن مردويه:
قال ابن أبي حازم التميمي وأبو وائل: قال أمير المؤمنين عليه السلام: انفروا إلى
بقية الاحزاب أولياء الشيطان انفروا إلى من يقول: كذب الله ورسوله.
وجاء رجل من عبس
إلى أمير المؤمنين عليه السلام [بكتاب من معاوية] فسأل: ما الخبر ؟ فقال: إن في
الشام يلعنون قاتلي عثمان ويبكون على قميصه.
فقال أمير
المؤمنين: ما قميص عثمان بقميص يوسف ولا بكاؤهم إلا كبكاء أولاد يعقوب فلما فتح
الكتاب وجده بياضا فحولق.
فقال قيس بن
سعد:
ولست بناج من
علي وصحبه * وإن تك في جابلق لم تك ناجيا
وكتب [معاوية]
إلى أمير المؤمنين عليه السلام: ليت القيامة قد قامت فترى المحق من المبطل !!
فقال أمير
المؤمنين عليه السلام [في جوابه:] * (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) * الآية [18
/ الشورى: 42].
فقال لعبد الله
بن أبي رافع اكتب: إن بيعتي شملت الخاص والعام وإنما الشورى للمؤمنين من المهاجرين
الاولين السابقين بالإحسان من البدريين وإنما أنت طليق بن طليق لعين بن لعين وثن
بن وثن ليست لك هجرة ولا سابقة ولا منقبة ولا فضيلة وكان أبوك من الاحزاب الذين
حاربوا الله ورسوله فنصر الله عبده وصدق وعده وهزم الاحزاب ثم وقع في آخر الكلام:
ألم تر قومي إذ
دعاهم أخوهم * أجابوا وإن يغضب على القوم يغضب
وكتب معاوية اتق
الله يا علي وذر الحسد فطالما لم ينتفع به أهله إلى آخر كتابه اللعين.
فأجابه عليه
السلام بعد كلام طويل: عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب ولم يخف العقاب ولا
يرجو لله وقارا ولم يخف [له] حذارا فشأنك وما أنت عليه من الضلالة والحيرة
والجهالة تجد الله عزوجل في ذلك بالمرصاد.
ثم قال في آخره:
فأنا ألابو الحسن قاتل جدك عتبة وعمك شيبة وأخيك حنظلة الذين سفك الله دماءهم على
يدي في يوم بدر وذلك السيف معي وبذلك القلب ألقى عدوي فنهاه عمرو عن مكاتبته ولم
يكتب إلا بيتا:
ليس بيني وبين
قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب
قال أمير
المؤمنين عليه السلام: قاتلت الناكثين وهؤلاء القاسطين وسأقاتل المارقين.
ثم ركب فرس
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقصده في تسعين ألفا.
قال سعيد بن
جبير: منها تسعة مائة رجل من الانصار وثمانمائة من المهاجرين.
وقال عبد الرحمن
بن أبي ليلى: سبعون رجلا من أهل بدر.
ويقال: مائة
وثلاثون رجلا.
وخرج معاوية في
مائة وعشرين ألفا يتقدمهم مروان وقد تقلد بسيف عثمان فنزل صفين في المحرم على
شريعة الفرات وقال:
أتاكم الكاشر عن
أنيابه * ليث العرين جاء في أصحابه
ومنعوا عليا
عليه السلام وأصحابه الماء.
فأنفذ علي عليه
السلام شبث بن ربعي الرياحي وصعصعة بن صوحان فقالا في ذلك لطفا وعنفا فقال: أنتم
قتلتم عثمان عطشا. فقال [علي] عليه السلام: رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء
إلى آخر ما مر [فرجز الاشتر والاشعث] وحملا في سبعة عشر ألفا رجل حملة رجل واحد ؟
؟ ؟ ؟ ؟ بعضهم وانهزم الباقون فأمر علي عليه السلام أن لا يمنعوهم الماء.
وكان نزوله عليه
السلام بصفين لليالي بقين من ذي الحجة سنة ست وثلاثين.
وأنفذ سعيد بن
قيس الهمداني وبشر بن عمرو الانصاري [إلى معاوية] ليدعوه إلى الحق فانصرفا بعدما
احتجا عليه.
ثم أنفذ شبث بن ربعي
الرياحي وعدي بن حاتم الطائي ويزيد بن قيس الارحبي وزياد بن حفص بمثل ذلك. فكان
معاوية يقول: سلموا [إلي] قتلة عثمان لاقتلنهم به ثم نعتزل الامر حتى يكون شورى.
فتقاتلوا في ذي
الحجة وأمسكوا في المحرم فلما استهل صفر سنة سبع وثلاثين أمر علي عليه السلام
فنودي في أهل الشام بالاعمار والانذار ثم ؟ ؟ [عبّأ]عسكره فجعل على ميمنته الحسن
والحسين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل.
وعلى ميسرته
محمد بن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وهاشم بن عتبة المرقال. وعلى القلب عبد الله بن
العباس وعباس بن ربيعة بن الحارث والاشتر والاشعث. وعلى الجناح سعيد بن قيس
الهمداني وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ورفاعة بن شداد البجلي وعدي بن حاتم.
وعلى الكمين عمار بن ياسر وعمرو بن الحمق وعامر بن واثلة الكناني وقبيصة بن جابر
الاسدي.
وجعل معاوية على
ميمنته ذا الكلاع الحميري وحوشب ذا الظليم وعلى الميسرة عمرو بن العاص وحبيب بن
مسلمة وعلى القلب الضحاك بن قيس الفهري وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلى الساقة
بسر بن أرطأة الفهري وعلى الجناح عبد الله بن مسعدة الفزاري وهمام بن قبيصة النمري
وعلى الكمين أبا الاعور السلمي وحابس بن سعد الطائي. فبعث علي عليه السلام إلى
معاوية أن أخرج إلي أبارزك فلم يفعل.
وقد جرى بين
العسكرين أربعون وقعة يغلبها أهل العراق أولها يوم الاربعاء بين الاشتر وحبيب بن
مسلمة والثاني بين المرقال وأبي الاعور السلمي والثالث بين عمار وعمرو بن العاص
والرابع بين ابن الحنفية وعبيد الله بن عمر والخامس بين عبد الله بن العباس
والوليد بن عقبة والسادس بين سعيد بن قيس وذي الكلاع إلى تمام الاربعين وقعة آخرها
ليلة الهرير.
وخرج عوف بن عون
الحارثي قائلا:
إني أنا عوف أخو
الحروب * صاحبها ولست بالهيوب
فبارزه علقمة
[بن عمرو] قائلا:
يا عوف لو كنت
امرءا حازما * لم تبرز الدهر إلى علقمة
لقيت ليثا أسدا
باسلا * يأخذ بالأنفاس والغلصمة
وخرج أحمر مولى
عثمان قائلا:
إن الكتيبة عند
كل تصادم * تبكي فوارسها على عثمان
فأجابه كيسان
مولى علي عليه السلام:
عثمان ويحك قد
مضى لسبيله * فأثبت لحد مهند وسنان
فقتله الاحمر
فقال عليه السلام: قتلني الله إن لم أقتلك وأخذ بجربان درعه ورفعه وضربه على الارض
وجعل يجول في الميدان ويقول:
لهف نفسي وقليل
ما أسر * ما أصاب الناس من خير وشر
لم أرد في الدهر
يوما حربهم * وهم الساعون في الشر الشمر
فحث معاوية
غلامه حريثا أن يغتال عليا في قتله فطير أمير المؤمنين عليه السلام قحفه في الهواء
وجعل يجول ويقول:
ألا احذروا في
حربكم أبا الحسن * فلا تروموه فذا من الغبن
فإنه يدقه دق
الطحن * فلا يخاف في الهياج مَن ومَن
وخرج عمرو بن
العاص مرتجزا يقول:
لا عيش إن لم
ألق يومي هاشما * ذاك الذي جشمني المجاشما
ذاك الذي يشتم
عرضي ظالما * ذاك الذي لم ينج مني سالما
فبرز هاشم
مرتجزا:
ذاك الذي نذرت
فيه النذرا * ذاك الذي أعذرت فيه العذرا
ذاك الذي ما زال
ينوي الغدرا * أو يحدث الله لأمر أمرا
فضربه هاشم وخرج
عبد الرحمن بن خالد بن وليد يقول:
قل لعلي هكذى
الوعيد * أنا بن سيف الله لا مزيد
وخالد تربية
الوليد * قد افتر الحرب فزيد وازيدوا
فبرز الاشتر
مرتجزا يقول:
بالضرب أو في
ميتة مؤخرة * يا رب جنبني سبيل الفجرة
ولا تخيبني ثواب
البررة * واجعل وفاتي بأكف الكفرة
فضربه الاشتر
فانصرف قائلا: أفنا نادم عثمان.
فقال معاوية:
هذه قاشرة الصباة في اللعب فاصبر فإن الله مع الصابرين.
وخرج معاوية
يشير إلى همدان وهو يقول:
لا عيش إلا فلق
قحف الهام * من أرحب ويشكر شبام
قوم هم أعداء
أهل الشام * كم من كريم بطل همام
وكم قتيل وجريح
دامي * كذاك حرب السادة الكرام
فبرز سعيد بن
قيس يرتجز ويقول:
لا هم رب الحل
والحرام * لا تجعل الملك لأهل الشام
فحمل وهو مشرع
رمحه فولى معاوية هاربا ودخل في غمار القوم وجعل قيس يقول:
يا لهف نفسي
فاتني معاوية * على طمر كالعقاب هاوية
والراقصات لا
يعود ثانية * إلا هوى معفرا في الهاوية
وبرز ابو الطفيل
الكناني قائلا:
تحامت كنانة في
حربها * وحامت تميم وحامت أسد
وحامت هوازن من
بعدها * فما حام منها ومنهم أحد
طحنا الفوارس
يوم العجاج * وسقنا الارازل سوق النكد
وجال علي عليه
السلام في الميدان قائلا:
أنا علي
فاسألوني تخبروا * ثم أبرزوا لي في الوغى وأبدروا
سيفي حسام
وسناني يزهر * منا النبي الطاهر المطهر
وحمزة الخير
ومنا جعفر * وفاطم عرسي وفيها مفخر
هذا لهذا وابن
هند محجر * مذبذب مطرد مؤخر
فاستخلفه عمرو
بن الحصين بن السكوني على أن يطعنه فرآه سعيد بن قيس فطعنه وأنشد:
أقول له وفي
رمحي حناه * وقد قرت بمصرعه العيون
ألا يا عمرو
عمرو بني حصين * وكل فتى ستدركه المنون
أتطمع أن تنال
أبا حسين * بمعضلة وذاما لا يكون
وأنفذ معاوية ذا
الكلاع إلى بني همدان فاشتبكت الحرب بينهم إلى الليل ثم انهزم أهل الشام.
ثم أنشأ أمير
المؤمنين عليه السلام أبياتا منها:
فوارس من همدان
ليسوا بعزل * غداة الوغى من شاكر وشبام
يقودهم حامي
الحقيقة ماجد * سعيد بن قيس والكريم محامي
جزى الله همدان
الجنان فإنهم * سمام العدى في كل يوم حمام
وبرز أبو أيوب
الانصاري فنكلوا عنه فحاذى معاوية حتى دخل فسطاطه فترفع ابن منصور فقال أمير
المؤمنين عليه السلام:
وعلمنا الحرب
آباؤنا * وسوف نعلم أيضا بنينا
وخرج رجل في
براز رجل كوفي فصرعه الكوفي فإذا هو أخوه فقالوا: خله فأبا أن يطلقه إلا بأمر علي
فأذن له بذلك.
وبرز عبد الله
بن خليفة الطائي في جماعة من طي وارتجز:
يا طي طي السهل
والاجبال * ألا أثبتوا بالبيض والعوالي
فقاتلوا أئمة الضلال
وخرج من
العسكرين زهاء ألف رجل فاقتتلوا حتى لم يبق منهم أحد وفيهم يقول شبث بن ربعي:
وقاتلت الابطال
منا ومنهم * وقامت نساء حولنا بنحيب
وخرج بسر بن
أرطأة مرتجزا:
أكرم بجند طيب
الاردان * جاؤا يكونوا أولياء الرحمان
إني أتاني خبر
شجاني * أن عليا نال من عثمان
فبرز إليه سعيد
بن قيس قائلا:
بؤسا لجند ضايع
الايمان * أسلمهم بسر إلى الهوان
إلى سيوف لبني همدان
فانصرف بسر من
طعنته مجروحا.
وخرج أدهم بن
لام القضاعي مرتجزا:
أثبت لوقع
الصارم الصقيل * فأنت لا شك أخو قتيل
فقتله حجر بن
عدي.
فخرج الحكم بن
الازهر قائلا:
يا حجر حجر بني
عدي الكندي * أثبت فإني ليس مثلي بعدي
فخرج إليه مالك
بن مسهر القضاعي يقول:
أنا بن مالك بن
مسهر * أنا بن عم الحكم بن الازهر
فأجابه حجر:
إني حجر وأنا بن
مسعر * أقدم إذا شئت ولا تؤخر
وبرز علقمة
فأصيب في رجله.
وقتل من أهل
العراق عمير بن عبيد المحاربي وبكر بن هوذة النخعي وابنه حيان وسعيد بن نعيم وابان
بن قيس.
فحمل علي عليه
السلام فهزمهم فقال معاوية: كنت أرجو اليوم ظفرا.
وبرز الاشتر
وجعل يقتل واحدا بعد واحد فقال معاوية في ذلك فبرز عمرو بن العاص في أربعمائة فارس
إليه وتبع الاشتر مائتا رجل من نخع ومذحج وحمل الاشتر عليه فوقعت الطعنة في
القربوس فانكسر وخر عمرو صريعا وسقطت ثناياه فاستأمنه.
وبرز الاصبغ بن
نباتة قائلا:
حتى متى ترجو
البقا يا أصبغ * إن الرجاء للقنوط يدمغ
وقاتل حتى حرك
معاوية من مقامه.
وخرج عوف
المرادي قائلا:
أنا المرادي
واسمي عوف * هل من عراقي عصاه سيف
فبرز إليه كعير
الاسدي مرتجزا فقتله ورأى معاوية على تل فقصد نحوه فلما قرب منه حمل عليه مرتجزا:
ويلي عليك يا
بني هند * أنا الغلام الاسدي حمد
فأخذه أهل الشام
بالطعان والضراب فانسل من بينهم قائلا:
فلو نلته نلت
الذي ليس بعدها * من الامر شيئا غير مين مقال
ولو مت من نيلي
له ألف ميتة * لقلت لما قد نلت ليس أبالي
وخرج عبد الرحمن
بن خالد بن الوليد.
فبرز إليه حارثة
بن قدامة السعدي فقتله.
فخرج أبو الأعور
السلمي فانصرف من طعنته زياد بن كعب الهمداني مجروحا وقتل بنو همدان خلقا كثيرا من
أهل الشام فقال [معاوية]: بنو همدان أعداء عثمان.
وبزر عمير بن
عطارد التميمي في قومه قائلا:
قد صابرت في
حربها تميم * لها حديث ولها قديم
دين قديم وهدى قديم
فقاتلوا إلى
الليل.
وبرز قيس بن سعد
وقال:
أنا بن سعد وأبي
عبادة * والخزرجيون رجال سادة
حتى متى أنثني
إلى الوسادة * يا ذا الجلال لقني الشهادة
فخرج بسر بن
أرطاة الفهري وارتجز:
أنا بن أرطأة
الجليل القدر * في أسرة من غالب وفهر
إن أرجع اليوم
بغير وتر * فقد قضيت في ابن سعد نذري
فانصرف مجروحا
من ضربة قيس.
وخرج المخارق بن
عبد الرحمان فقتل المرادي ومسلم الازدي ورجلين آخرين.
فبرز إليه علي
عليه السلام متنكرا فقتله وقتل سبعة بعده.
وخرج كريب بن
الصباح فقتل مبرقعا الخولاني وشرحبيل البكري والحارث الحكيمي وعبد الرحمن الهمداني
فقتله أمير المؤمنين ثم قتل الحارث بن وداع والمطاع بن المطلب وعروة بن داود.
وخرج مولى
لمعاوية مرتجزا:
إني أنا الحارث
ما بي من خور * مولى ابن صخر وبه قد انتصر
فقتله قنبر.
وخرج يزيد
الكلبي فقتله الاشتر وخرج مشجع الجذامي فطعنه عدي بن حاتم. ونادى خالد [بن معمر]
السدوسي من يبايعني على الموت ؟ فأجابه تسعة آلاف فقاتلوا حتى بلغوا فسطاط معاوية
فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه.
وأنفذ معاوية
إليه فقال يا خالد لك عندي إمرة خراسان متى ظفرت فاقصر ويحك عن فعالك هذا فنكل
عنها فتفل أصحابه في وجهه وحاربوا إلى الليل وفيه يقول النجاشي:
وفر ابن حرب غير
الله وجهه * وذاك قليل من عقوبة قادر
وخرج حمزة بن
مالك الهمداني فقتله المرقال فهجموا على المرقال فقتلوه فأخذ سفيان بن الثور رايته
فقاتل حتى قتل ثم أخذها عتبة بن المرقال فقاتل حتى قتل فأخذها أبو الطفيل الكناني
مرتجزا:
يا هاشم الخير
دخلت الجنة * قتلت في الله عدو السنة
فقاتل حتى جرح
فرجع القهقرى وأخذها عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي مرتجزا:
أضربكم ولا أرى
معاوية * الأبرح العين العظيم الحاوية
هوت به في النار
أم هاوية * جاوره فيها كلاب عاوية
فهجموا عليه
وقتلوه.
فأخذها عمرو بن
الحمق قائلا:
جزى الله فينا
عصبة أي عصبة * حسان وجوه صرعوا حول هاشم
وقاتل أشد قتال
فخرج ذو الظليم قائلا:
أهل العراق
ناسبوا وانتسبوا * أنا اليماني واسمي حوشب
من ذي الظليم أين أين المهرب
فبرز إليه
سليمان بن صرد الخزاعي قائلا:
يا أيها الحي
الذي تذبذبا * لسنا نخاف ذا الظليم حوشبا
فحملت الانصار
حملة رجل واحد وقتلوا ذا الكلاع وذا الظليم وساروا إليهم وكاد يؤخذ معاوية فقال
الانصاري:
معاوي ما أفلت
إلا بجرعة * من الموت حتى تحسب الشمس كوكبا
فإن تفرحوا بابن
البديل وهاشم * فإنا قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
وخرج عبيد الله
بن عمر ودعا محمد بن الحنفية فنهض محمد فنهاه أبوه [وبرز هو عليه السلام إليه
راجلا فتقهقهر عبيد الله] فقتله عبد الله بن سوار ويقال حريث بن خالد ويقال هانئ
بن عمرو ويقال: محمد بن الصبيح.
فأمر معاوية
بتقديم سبعين راية.
وبرز عمار في
رايات فقتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل ومن أصحاب علي مائتا رجل. وخرج علي عليه
السلام في مقاتلة همدان وقال بعضهم: برك الجمل برك الجمل فبركوا وبركت أيضا همدان
فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
قد حمل القوم
فبركا بركا * لا يدخل القوم على ما شكا
وخرج عمرو بن
العاص مرتجزا فقصده الاشتر مرتجزا:
إني أنا الاشتر
معروف السير * إني أنا الافعى العراقي الذكر
فهزمهم وجرح
عمروا.
وخرج الفراز بن
الادهم ودعا العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فقتله العباس فنهاه علي عليه
السلام عن المبارزة.
فقال معاوية من
قتل العباس فله عندي ما يشاء فخرج رجلان لخميان فدعاه أحدهما فقال: إن أذن لي سيدي
أبارزك وأتى عليا عليه السلام فبرز علي في سلاح العباس وفرسه متنكرا فقال الرجل
آذنك سيدك ؟ فقال عليه السلام: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " فقتله
وتقدم الآخر فقتله.
وخرج قبيصة
النميري وكان يشتم عليا ويرتجز:
أقدم إقدام
الهزبر العالي * في نصر عثمان ولا أبالي
فبرز عدي بن
حاتم قائلا:
يا صاحب الصوت
الرفيع العالي * نفدي عليا ولدي ومالي
وخرج حجل بن
آثال العبسي فطلب البراز فبرز إليه ابنه آثال فلما رآه قال: انصرف إلى الشام فإن
فيها أموالا جمة فقال ابنه: يا ابت إنصرف إلينا وجنة الخلد مع علي. وعبأ معاوية
أربعة صفوف فتقدم أبو الأعور السلمي يحرضهم ويقول: يا أهل الشام إياكم والفرار
فإنها سبة وعار فدقوا على أهل العراق فإنهم أهل فتنة ونفاق.
فبرز سعيد بن
قيس وعدي بن حاتم والاشتر والاشعث فقتلوا منهم ثلاثة آلاف ونيفا وانهزم الباقون.
وخرج كعب بن
جعيل شاعر معاوية قائلا:
ابرز إلي الآن
يا نجاشي * فإنني ليث لدى الهراش
فأجابه النجاشي
شاعر علي عليه السلام وبرز إليه:
اربع قليلا فأنا
النجاشي * لست أبيع الدين بالمعاش
انصر خير راكب
وماش * ذاك علي بين الرياش
وبرز عبد الله
بن جعفر في ألف رجل فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص.
وأتى أويس القرني
متقلدا بسيفين ويقال: كان معه مرماة ومخلاة من الحصى فسلم على أمير المؤمنين عليه
السلام وودعه وبرز مع رجالة ربيعة فقتل من يومه فصلى عليه أمير المؤمنين عليه
السلام ودفنه.
ثم إن عمارا جعل
يقاتل ويقول:
نحن ضربناكم على
تنزيله * ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن
خليله * أو يرجع الحق إلى سبيله
فلم يزل يقاتل
حتى قتل.
وبرز أمير
المؤمنين عليه السلام ودعا معاوية وقال: أسألك أن تحقن الدماء وتبرز إلي وأبرز
إليك فيكون الامر لمن غلب فبهت معاوية ولم ينطق بحرف.
فحمل أمير
المؤمنين عليه السلام على الميمنة فأزالها ثم حمل على الميسرة فطحنها ثم حمل على
القلب وقتل منهم جماعة وأنشد:
فهل لك في أبي
حسن علي * لعل الله يمكن من قفاكا
دعاك إلى البراز
فعكت عنه * ولو بارزته تربت يداكا
فانصرف أمير
المؤمنين عليه السلام ثم برز متنكرا فخرج عمرو بن العاص مرتجزا:
يا قادة الكوفة
من أهل الفتن * يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن
كفى بهذا حزنا
من الحزن * أضربكم ولا أرى أبا الحسن
فتناكل عنه علي
عليه السلام حتى تبعه عمرو ثم ارتجز:
أنا الغلام
القرشي المؤتمن * الماجد الابيض ليث كالشطن
يرضى به السادة
من أهل اليمن * أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن
فولى عمرو هاربا
فطعنه أمير المؤمنين فوقعت في ذيل درعه فاستلقى على قفاه وأبدا عورته فصفح عنه
استحياء وتكرما.
فقال معاوية
أحمد الله الذي عافاك واحمد استك الذي وقاك.
قال أبو نواس:
فلا خير في دفع
الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوءته عمرو
وقال حيص بيص:
قبح مخازيك هازم
شرفي * سوءة عمرو ثنت سنان علي
وبرز علي عليه
السلام ودعا معاوية فنكل عنه وخرج بسر بن أرطاة يطمع في علي عليه السلام فصرعه
أمير المؤمنين عليه السلام فاستلقى على قفاه وكشف على عورته فانصرف عنه علي عليه
السلام فقال: ويلكم يا أهل الشام أما تستحيون من معاملة المخانيث لقد علمكم رأس
المخانيث عمرو.
ولقد روى عن هذه
السيرة عن أبيه عن جده في كشف الاستاه وسط عرصة الحروب. فخرج غلامه لاحق ثم قال:
أرديت بسرا
والغلام ثائره * وكل آب من عليه قادره
فطعنه الاشتر
قائلا:
في كل يوم رجل
شيخ بارزة * وعورة وسط العجاج ظاهرة
أبرزها طعنة كف
فاترة * عمرو وبسر رهبا بالقاهرة
فلما رأى معاوية
كثرة براز أمير المؤمنين عليه السلام أخذ في الخديعة فأنفذ عمرو إلى ربيعة خالاته
فوقعوا فيه فقال: اكتب إلى ابن عباس وغره فكان فيما كتب:
طال البلاء فما
ندري له آسى * بعد الاله سوى رفق ابن عباس
فكان جواب ابن
عباس:
يا عمرو حسبك من
خدع ووسواس * فاذهب فما لك في ترك الهدى آسى
إلا بوادر طعن
في نحوركم * تشجى النفوس له في النقع إفلاس
إن عادت الحرب
عدنا والتمس هربا * في الارض أو سلما في الافق يا قاسي
ثم كتب معاوية
إليه يذكر فيه: إنما بقي من قريش ستة أنا وعمرو بالشام ناصبان، وسعد وابن عمر
بالحجاز، وعلي وأنت بالعراق على خطب عظيم ولو بويع لك بعد عثمان لأسرعنا فيه.
فأجابه ابن
عباس:
دعوت ابن عباس
إلى السلم خدعة * وليس لها حتى تموت بخادع
وأمر معاوية
لابن خديج الكندي أن يكاتب الاشعث والنعمان بن بشير أن يكاتب قيس بن سعد في الصلح.
ثم أنفذ عمروا
وعتبة وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فلما كلموه
قال: أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فإن تجيبوا إلى ذلك
فللرشد أصبتم وللخير وفقتم وإن تابوا لم تزدادوا من الله إلا بعدا. فقالوا: قد
رأينا أن تنصرف عنا فنخلي بينكم وبين عراقكم وتخلون بيننا وبين شامنا فنحن نحقن
دماء المسلمين فقال عليه السلام: لم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله عزوجل
على محمد صلى الله عليه وآله.
ثم برز الاشتر
وقال: سووا صفوفكم وقال أمير المؤمنين: أيها الناس من يبع يربح في هذا اليوم.
في كلام له ألا
إن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء والصبر خير في عواقب الامور ألا إنها
أحن بدرية وضغاين أحدية وأحقاد جاهلية وقرأ * (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان
لهم لعلهم ينتهون) * فتقدم وهو يرتجز.
دبوا دبيب النمل
لا تفوتوا * واصبحوا في حربكم وبيتوا
كيما تنالوا
الدين أو تموتوا * أولا فإني طال ما عصيت
قد قلتم لو جئتنا فجئت
وحمل في سبعة
عشر ألف رجل فكسروا الصفوف فقال معاوية لعمرو: اليوم صبر وغدا فخر.
فقال عمرو: صدقت
يا معاوية ولكن الموت حق والحياة باطل ولو حمل علي في أصحابه حملة أخرى فهو
البوار.
فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنة.
فبرز أبو الهيثم
بن التيهان قائلا:
أحمد ربى فهو
الحميد * ذاك الذي يفعل ما يريد
دين قويم وهو الرشيد
فقاتل حتى قتل.
وبرز خزيمة بن
ثابت قائلا:
كم ذا يرجى أن
يعيش الماكث * والناس موروث وفيهم وارث
هذا على من عصاه ناكث
فقاتل حتى قتل.
وبرز عدي بن
حاتم قائلا:
أبعد عمار وبعد
هاشم * وابن بديل صاحب الملاحم
ترجو البقاء من بعد يا ابن حاتم
فما زال يقاتل
حتى فقئ عينه.
وبرز الاشتر
مرتجزا:
سيروا إلى الله
ولا تعرجوا * دين قويم وسبيل منهج
وقتل جندب بن
زهير فلم يزالوا يقاتلون حتى دخل وقعة الخميس وهي ليلة الهرير وكان أصحاب علي عليه
السلام يضربون الطبول من أربع جوانب عسكر معاوية ويقولون علي المنصور وهو يرفع
رأسه إلى السماء ساعة بعد ساعة ويقول: اللهم إليك نقلت الاقدام وإليك أفضت القلوب
ورفعت الايدي ومدت الاعناق وطلبت الحوائج وشخصت الابصار اللهم افتح بيننا وبين
قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
و[كان] ينشد:
الليل داج
والكباش تنتطح * نطاح أسد ما أراها تصطلح
أسد عرين في
اللقاء قد مرح * منها قيام وفريق منبطح
فمن نجا برأسه فقد ربح
وكان يحمل عليهم
مرة بعد مرة ويدخل في غمارهم ويقول الله الله في البقية الله الله في الحرم
والذرية فكانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل.
فلما أصبح كان
قتلى عسكره أربعة آلاف رجل وقتلى عسكر معاوية إثنين وثلاثين ألف رجل فصاحوا يا
معاوية هلكت العرب فاستغاث هو بعمرو فأمره برفع المصاحف.
قال قتادة:
القتلى يوم صفين ستون ألفا. وقال ابن سيرين: سبعون ألفا. وهو المذكور في أنساب
الاشراف وضعوا على كل قتيل قصبة ثم عدوا القصب.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 568 ]
تاريخ النشر : 2025-09-08