أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
عن عمرو بن شمر
عن جابر عن تميم بن حذيم قال: لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات
أمام أهل الشام في وسط الفيلق حيال موقف علي عليه السلام ومعاوية فلما أسفرنا إذا
هي المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح وهي عظام مصاحف العسكر وقد شدوا ثلاثة رماح
جميعا وربطوا عليها مصحف المسجد الاعظم يمسكه عشرة رهط.
- قال نصر: وقال
أبو جعفر وأبو الطفيل: استقبلوا عليا بمائة مصحف ووضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف
وكان جميعها خمسمائة مصحف. قال أبو جعفر عليه السلام: ثم قام الطفيل بن أدهم حيال
علي عليه السلام وقام أبو شريح حيال الميمنة وورقاء بن المعتمر حيال الميسرة ثم
نادوا يا معشر العرب الله الله في النساء والبنات والابناء من الروم والاتراك وأهل
فارس غدا إذا فنيتم الله الله في دينكم هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فقال علي عليه
السلام: اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا وبينهم إنك أنت الحكم
الحق المبين. فاختلف أصحاب علي عليه السلام في الرأي فطائفة قالت: القتال، وطائفة
قالت: المحاكمة إلى الكتاب ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم الكتاب. فعند ذلك
بطلت الحرب ووضعت أوزارها.
- قال نصر:
وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: لما كان اليوم
الاعظم قال أصحاب معاوية: والله لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا. وقال
أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام مثل ذلك فباكروا القتال غدوة في يوم من أيام
الشعرى طويل شديد الحر فتراموا حتى فنيت النبال وتطاعنوا حتى تقصفت الرماح ثم نزل
القوم عن خيولهم ومشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى تكسرت جفونها وقال الفرسان في
الركب ثم اضطربوا بالسيوف وعمد الحديد فلم يسمع السامعون إلا تغمغم القوم وصليل
الحديد في الهام وتكادم الافواه وكسفت الشمس وثار القتام وضلت الالوية والرايات
ومرت مواقيت أربع صلوات ما يسجد فيهن لله إلا تكبيرا ونادت المشيخة في تلك
الغمرات: يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء والبنات.
قال جابر: فبكى
أبو جعفر عليه السلام وهو يحدثنا بهذا الحديث قال: وأقبل الاشتر على فرس كميت
محذوف قد وضع مغفره على قربوس السرج وهو يقول: اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي
الوطيس ورجعت الشمس من الكسوف واشتد القتال وأخذت السباع بعضها بعضا. فقال رجل في
تلك الحال: أي رجل هذا لو كانت له نية ؟ ! فقال له صاحبه: وأي نية أعظم من هذه
ثكلتك أمك وهبلتك إن رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء وما أضجرته الحرب وقد غلت
هام الكماة من الحر وبلغت القلوب الحناجر وهو كما تراه جذعا يقول هذه المقالة
اللهم لا تبقنا بعد هذا.
- قال نصر: وروى
الشعبي عن صعصعة أنه بدر من الاشعث بن قيس ليلة الهرير قول نقله الناقلون إلى
معاوية فاغتنمه وبنا عليه تدبيره وذلك أنه خطب أصحابه من كندة تلك الليلة وقال في
خطبته: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي وقد فنى فيه من
العرب فو الله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط
ألا فليبلغ الشاهد الغائب وإنا إن نحن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات.
[أ] و [قال] نحو ذلك مما يخذلهم عن القتال. فلما بلغ ذلك معاوية قال: أصاب ورب
الكعبة فدبر تلك الليلة ما دبر من رفع المصاحف على الرماح فأقبلوا بالمصاحف ينادون
كتاب الله بيننا وبينكم.
قال فجاء عدي بن
حاتم فقال: يا أمير المؤمنين إنه لم تصب منا عصبة إلا وقد أصيب منهم مثلها وكل
مقروح ولكنا أمثل بقية منهم وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجزهم.
وقام الاشتر فقال: يا أمير المؤمنين إن معاوية لا خلف له من رجاله ولك بحمد الله
الخلف ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا نصرك فاقرع الحديد بالحديد
واستعن بالله المجيد.
وقال عمرو بن
الحمق: يا أمير المؤمنين إنا والله ما أجبناك ولا نصرناك على الباطل ولا أجبنا إلا
الله ولا طلبنا إلا الحق ولو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لاستشرى فيه اللجاج
وطال فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي.
فقام الاشعث
مغضبا فقال: يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس وليس آخر أمرنا
كأوله وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم
إلى كتاب الله عزوجل فإنك أحق به منهم وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال. فقال
علي عليه السلام هذا أمر ينظر فيه. ونادى الناس من كل جانب الموادعة الموادعة.
وفي حديث عمر بن
سعد قال: لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح قال علي عليه السلام: أيها الناس
إني أحق من أجاب إلى كتاب الله ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وابن أبي
سرح وابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهم صغارا ورجالا
فكانوا شر صغار وشر رجال ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم ما رفعوها وإنهم
يعرفونها ولا يعملون بها ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة أعيروني سواعدكم وجماجمكم
ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعة ولم يبق إلا أن يقطع دابر الظالمين.
فجاءه من أصحابه
زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم وقد اسودت
جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي وزيد بن حصين وعصابة من القراء الذين صاروا
خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين [قالوا:] يا علي أجب القوم إلى كتاب
الله إذا دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا إبن عفان فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم.
فقال لهم [علي عليه السلام]: ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله وأول من أجاب
إليه وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن أدعا إلى كتاب الله فلا أقبله إني إنما
أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم ونقضوا عهده ونبذوا
كتابه ولكني قد أعملتكم أنهم قد كادوكم وأنهم ليس العمل بالقرآن يريدون. قالوا:
فابعث إلى الاشتر ليأتيك. - وقد كان الاشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر
معاوية ليدخله -.
- قال نصر:
فحدثني فضيل بن خديج قال: سأل مصعب [ابن الزبير] إبراهيم بن الاشتر عن الحال كيف
كانت ؟ فقال: كنت عند علي عليه السلام حين بعث إلى الاشتر ليأتيه وقد كان الاشتر
أشرف على عسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي عليه السلام يزيد بن هانئ أن ائتني
فأتاه فأبلغه فقال له الاشتر: آتيه فقل له ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني
عن موقفي إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني. فرجع يزيد إليه عليه السلام فأخبره فما هو
إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج وعلت الاصوات من قبل الاشتر وظهرت دلايل الفتح
والنصر لأهل العراق ودلائل الخذلان والادبار على أهل الشام فقال القوم لعلي: ما
نراك أمرته إلا بالقتال ! ! قال: أرأيتموني ساررت رسولي إليه ؟ أليس إلا كلمته على
رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون ؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك.
فقال: ويحك يا يزيد قل له: أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت. فأتاه فأخبره فقال
الاشتر: أبرفع هذه المصاحف قال: نعم.
قال: أما والله
لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافا وفرقة إنها مشورة ابن النابغة ثم قال ليزيد
بن هانئ: ويحك ألا ترى إلى الفتح ؟ ألا ترى إلى ما يلقون ؟ ألا ترى إلى الذي يصنع
الله لنا أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟ فقال له: يزيد أتحب أنك ظفرت ها هنا وأن
أمير المؤمنين عليه السلام بمكانه الذي هو فيه يفرج عنه ويسلم إلى عدوه ؟ فقال:
سبحان الله لا والله لا أحب ذلك.
قال: فإنهم قد
قالوا له وحلفوا عليه: لترسلن إلى الاشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا
عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك. فأقبل الاشتر حتى انتهى إليهم فصاح: يا أهل الذل
والوهن أحين علوتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها
وقد والله تركوا ما أمر الله فيها وتركوا سنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني
فواقا فإني قد أحسست بالفتح. قالوا: لا نمهلك.
قال: فأمهلوني
عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر.
قالوا: إذا ندخل
معك في خطيئتك قال: فحدثوني عنكم وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم متى كنتم محقين ؟
أحين كنتم تقتلون أهل الشام ؟ فأنتم الآن حيت أمسكتم عن قتالهم مبطلون ؟ أم أنتم
الآن في إمساككم عن القتال محقون ؟ فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وأنهم خير
منكم في النار قالوا: دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله إنا
لسنا نطيعك فاجتنبنا فقال: خدعتم والله فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا
أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء الله فلا أرى
فراركم إلا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين
بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون فسبوه وسبهم وضربوا بسياطهم وجه
دابته وضرب بسوطه وجوه دوابهم وصاح بهم علي عليه السلام فكفوا.
وقال الاشتر: يا
أمير المؤمنين احمل الصف على الصف تصرع القوم. فتصايحوا أن أمير المؤمنين قد قبل
الحكومة ورضي بحكم القرآن. فقال الاشتر: إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضي فقد
رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين.
فأقبل الناس
يقولون: قد رضي أمير المؤمنين عليه السلام قد قبل أمير المؤمنين عليه السلام وهو
ساكت لا يفيض بكلمة مطرق إلى الارض ثم قام فسكت الناس كلهم فقال: أيها الناس إن
أمرى لم يزل معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت
وأخذت من عدوكم فلم تترك وإنها فيهم أنكى وأنهك ألا وإني كنت أمس أمير المؤمنين
فأصبحت اليوم مأمورا وكنت ناهيا فأصبحت منهيا وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم
على ما تكرهون. ثم قعد ثم تكلم رؤساء القبائل فكل قال ما يراه ويهواه إما من الحرب
أو من السلم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 529 ]
تاريخ النشر : 2025-09-06