أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
قال ابن أبي
الحديد : قال نصر بن مزاحم في [الجزء (7) من] كتاب صفين - وهو ثقة ثبت صحيح النقل
غير منسوب إلى هوى ولا إدغال وهو من رجال أصحاب الحديث -: حدثنا عمرو بن شمر عن
أبي ضرار عن عمار بن ربيعة قال: غلس علي عليه السلام صلاة الغداة يوم الثلاثاء
عاشر شهر ربيع الاول سنة سبع وثلاثين وقيل: عاشر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر
العراق والناس على راياتهم وأعلامهم وزحف إليهم أهل الشام وقد كانت الحرب أكلت
الفريقين ولكنها في أهل الشام أشد نكاية وأعظم وقعا قد ملوا الحرب وكرهوا القتال
وتضعضعت أركانهم.
قال: فخرج رجل
من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه وبيده الرمح
فجعل يضرب رؤوس أهل العراق بالقناة ويقول: سووا صفوفكم رحمكم الله حتى إذا عدل
الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله وأثنى عليه وقال:
الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه أقدمهم هجرة وأولهم إسلاما سيف من سيوف الله
صبه الله على أعدائه فانظروا إذا حمي الوطيس وثار القتام وتكسر المران وجالت الخيل
بالأبطال فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة فاتبعوني وكونوا في أثري قال: ثم حمل على
أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الاشتر.
قال: وخرج رجل
من أهل الشام ونادى بين الصفين: يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي فخرج إليه علي عليه
السلام حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: إن لك يا علي لقدما في الاسلام
والهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى
ترى رأيك ؟ قال: وما هو ؟ قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع نحن
إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام. فقال علي عليه السلام: قد عرفت ما عرضت إن هذه
لنصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الامر وأسهرني وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلا القتال
أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله إن الله تعالى ذكره لم يرض من
أوليائه أن يعصى في الارض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر
فوجدت القتال أهون علي من معالجة الاغلال في جهنم.
قال: فرجع الرجل
وهو يسترجع وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا
بالرماح حتى تكسرت واندقت ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف وعمد الحديد فلم
يسمع السامعون إلا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من
الصواعق ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا وانكسفت الشمس بالنقيع وثار القطام والقسطل
فضلت الالوية والرايات وأخذ الاشتر يسير فيما بين اليمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة
أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة
الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل لم يصلوا لله صلاة فلم يزل الاشتر يفعل ذلك
حتى أصبح والمعركة خلف ظهره وافترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة
وهي ليلة الهرير المشهورة وكان الاشتر في ميمنة الناس وعلي عليه السلام في القلب
والناس يقتتلون ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى والاشتر
يقول لأصحابه - وهو يزحف بهم نحو أهل الشام -: ازحفوا قيد رمحي هذا ويلقي رمحه
فإذا فعلوا ذلك قال: ازحفوا قاب هذه القوس فإذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك حتى مل
أكثر الناس من الاقدام فلما رأى ذلك قال: أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر
اليوم.
ثم دعا بفرسه
وركز رايته وكانت مع حيان بن هوذة النخعي وسار بين الكتائب وهو يقول: ألا من يشري
نفسه لله ويقاتل مع الاشتر حتى يظهر أمر الله أو يلحق بالله ؟ فلا يزال الرجل من
الناس يخرج إليه فيقاتل معه.
-
قال نصر: وحدثني عمر بن سعد عن أبي ضرار عن عمار بن ربيعة قال: مر بي الاشتر
فأقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به فقام في أصحابه فقال: شدوا فداء لكم
عمي وخالي شدة ترضون بها الله وتعزون بها الدين إذا أنا حملت فاحملوا ثم نزل يضرب
وجه دابته وقال لصاحب رايته: اقدم فتقدم بها ثم شد على القوم وشد معه أصحابه فضرب
أهل الشام حتى انتهى بهم إلى معسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا وقتل صاحب
رايتهم وأخذ علي عليه السلام لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 525 ]
تاريخ النشر : 2025-09-06