أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
روي عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام وزيد بن الحسن قالا:
طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام فقال لهم عمرو: يا معشر أهل
الشام سووا صفوفكم قص الشارب وأعيرونا جماجمكم ساعة فإنه قد بلغ الحق مقطعه فلم
يبق إلا ظالم أو مظلوم.
وأقبل أبو الهيثم بن التيهان وكان من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله بدريا
عقيبا يسوي صفوف أهل العراق وهو يقول: يا معشر أهل العراق إنه ليس بينكم وبين
الفتح العاجل أو الجنة في الآجل إلا ساعة من النهار فارسوا أقدامكم وسووا صفوفكم
وأعيروا ربكم جماجمكم واستعينوا بالله ربكم واصبروا إن الارض لله يورثها من يشاء
من عباده والعاقبة للمتقين.
- وروى عن عمرو بن شمر، عن جابر عن الشعبي أن أول فارسين التقيا في هذا
اليوم - وهو اليوم السابع وكان من الايام العظيمة - حجر بن عدي من أصحاب علي عليه
السلام وابن عم حجر من أصحاب معاوية كلاهما من كندة فاطعنا برمحيهما وخرج خزيمة
الاسدي من عسكر معاوية فضرب حجر بن عدي ضربة برمحه فحمل أصحاب علي عليه السلام
فقتلوا خزيمة ونجا ابن عم حجر فخرج رفاعة الحميري من صف العراق وقتل قرن ابن عدي.
ثم إن عليا (عليه السلام) دعا أصحابه إلى أن يذهب واحد منهم بمصحف كان في
يده إلى أهل الشام فقال: من يذهب إليهم فيدعوهم إلى ما في هذا المصحف فسكت الناس
وأقبل فتى اسمه سعيد فقال: أنا صاحبه. وقال ثانيا ولم يجب إلا الفتى فقبضه بيده ثم
أتاهم فناشدهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه. فقال أمير المؤمنين عليه السلام لعبد
الله بن بديل: احمل عليهم الآن فحمل عليهم بمن معه من أهل الميمنة وعليه يومئذ
سيفان ودرعان فجعل يضرب بسيفه قدما ويرتجز فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية
والذين بايعوه على الموت فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل وبعث إلى حبيب بن مسلمة
الفهري وهو في الميسرة أن يحمل عليه بجمع من أصحابه واختلط الناس واصطدم الصفان
ميمنة أهل العراق وميسرة أهل الشام وأقبل ابن بديل يضرب الناس بسيفه قدما حتى أزال
معاوية عن موقفه وتراجع معاوية عن مكانه القهقرى كثيرا وأشفق على نفسه وأرسل إلى
حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة
معاوية على ميمنة العراق فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من
القراء فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم ولحج ابن بديل في الناس وصمم على قتل
معاوية وجعل يطلب موقفه حتى انتهى إليه فنادى معاوية في الناس ويلكم الصخرة
والحجارة إذا عجزتم عن السلاح أثخنوه. فرضخه الناس بالحجارة حتى أثخنوه فسقط
فأقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه. وجاء معاوية وعبد الله بن عامر حتى وقفا عليه فألقى
عبد الله عمامته على وجهه وترحم عليه وكان له أخا وصديقا من قبل فقال معاوية: اكشف
عن وجهه فقال: لا والله لا يمثل به وفي روح فقال له معاوية: قد وهبناه لك فكشف عن
وجهه فقال معاوية هذا كبير القوم ورب الكعبة اللهم ظفرني بالأشتر النخعي والاشعث
الكندي قال: فاستعلا أهل الشام عند قتل ابن بديل على أهل العراق يومئذ وانكشف أهل
العراق من قبل الميمنة وأجفلوا إجفالا شديدا. فأمر علي عليه السلام سهل بن حنيف
فاستقدم ممن كان معه ليريد الميمنة بعقدها فاستقبلهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة
فحملت عليهم فألحقتهم بالميمنة وكانت ميمنة أهل العراق متصلة بموقف علي عليه
السلام في القلب في أهل اليمن فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي عليه السلام
فانصرف يمشي نحو الميسرة فانكشفت عنه مضر من الميسرة فلم يبق مع علي عليه السلام
من أهل العراق إلا ربيعة وحدها في الميسرة.
- وروى عن زيد بن وهب قال: لقد مر علي يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة ومعه
ربيعة وحدها وإني لأرى النبل يمر من بين عاتقه ومنكبه وما من بنيه إلا يقيه بنفسه
فيكره علي ذلك فيتقدم عليه ويحول بينه وبين أهل الشام ويأخذ بيده إذا فعل ذلك
فليقيه من ورائه. وبصر به أحمر مولى بني أمية وكان شجاعا فقال: علي ورب الكعبة
قتلني الله إن لم أقتلك فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي عليه السلام فاختلفا
ضربتين فقتله أحمر وخالط عليا عليه السلام ليضربه بالسيف فمد [علي] يده إلى جيب
درعه فجذبه عن فرسه وحمله على عاتقه والله لكأني أنظر إلى رجلي أحمر يختلفان على
عنق علي ثم ضرب به الارض فكسر منكبيه وعضديه. وشد ابناء علي حسين ومحمد فضرباه
بأسيافهما حتى برد فكأني أنظر إلى علي عليه السلام قائما وشبلاه يضربان الرجل حتى
إذا أتيا عليه أقبلا على أبيهما. ثم إن أهل الشام دنوا عنه يريدونه والله ما يزيده
قربهم منه ودنوهم سرعة في مشيه فقال له الحسن: ما ضرك لو أسرعت حتى تنتهي إلى
الذين صبروا بعدك من أصحابك قال يعني ربيعة الميسرة فقال علي عليه السلام: يا بني
إن لأبيك يوما لا يبطئ به عنه السعي ولا يقربه إليه الوقوف إن أباك لا يبالي وقع
على الموت أو وقع الموت عليه.
- قال نصر: وروى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي إسحاق قال: خرج علي
عليه السلام يوما من أيام صفين وفي يده عنزة فمر على سعيد بن قيس الهمداني فقال له
سعيد: أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب عدوك ؟. فقال علي عليه
السلام: إنه ليس من أحد إلا وعليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو
يخرب عليه حايط أو تصيبه آفة فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه.
- وعن عمرو عن فضيل بن خديج عن مولى الاشتر قال: لما انهزمت ميمنة العراق
يومئذ أقبل علي نحو الميسرة يركض ليستثيب الناس ويستوقفهم ويأمرهم بالرجوع نحو
الفزع فمر بالأشتر فقال: يا مالك قال: لبيك يا أمير المؤمنين قال: إئت هؤلاء القوم
فقل لهم: أين فراركم عن الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم ؟.
فمضى الاشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم الكلمات فناداهم أيها الناس
أنا مالك بن الحارث فلم يلتفت أحد منهم إليه فقال: أيها الناس أنا الاشتر فأقبلت
إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فقال: عضضتهم بهن أبيكم وما أقبح ما قاتلتم اليوم أيها
الناس غضوا الابصار وعضوا على النواجذ فاستقبلوا الناس بهامكم وشدوا عليهم شدة قوم
موتورين بآبائهم وأبنائهم وإخوانهم حنقا على عدوهم قد وطنوا على الموت أنفسهم كيلا
يسبقوا بثأر إن هؤلاء القوم والله لن يقاتلوكم إلا عن دينكم ليطفئوا السنة ويحيوا
البدعة ويدخلوكم في دين قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله نفسا
بدمائكم دون دينكم فإن الفرار فيه سلب العز والغلبة على الفيء وذل المحيا والممات
وعار الدنيا والآخرة وسخط الله وأليم عقابه.
ثم قال: أيها الناس أخلصوا إلي مذحجا فاجتمعوا إليه فقال عضضتم بصم الجندل
والله ما أرضيتم اليوم ربكم ولا نصحتم له في عدوه وكيف ذلك وأنتم أبناء الحرب
وأصحاب الغارات وفرسان الطرار وحتوف الاقران ومذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون
بثأرهم ولم تطل دماؤهم ولم يعرفوا في موطن من المواطن بخسف، وأنتم سادة مصركم وأعز
حي في قومكم وما تفعلوا في هذا اليوم مأثور بعد اليوم فأتقوا مأثور الحديث في غد
واصدقوا عدوكم اللقاء فإن الله مع الصابرين والذي نفسي بيده ما من هؤلاء - وأشار
بيده إلى أهل الشام - رجل في مثل جناح البعوضة من دين الله، الله ما أحسنتم اليوم
القراع أجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي [و] عليكم بهذا السواد الاعظم فإن الله
لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع السيل مقدمه. فقالوا: خذ بنا حيث أحببت فصمد
بهم نحو عظمهم واستقبله سنام من همدان وهم نحو ثمان مائة مقاتل قد انهزموا آخر
الناس وكانوا قد صبروا في ميمنة علي حتى قتل منهم مائة وثمانون رجلا وأصيب منهم
أحد عشر رئيسا كلما قتل منهم رئيسا أخذ الراية آخر [فانصرفوا وهم يقولون ليت لنا
عديدا من العرب يحالفوننا ثم نستقدم نحن وهم فلا ننصرف حتى نقتل أو نظهر].
فقال لهم الاشتر إني أحالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظفر أو
نهلك فوقفوا معه على هذه النية والعزيمة وزحف نحو الميمنة وثاب إليه ناس تراجعوا
من أهل الصبر والوفاء والحياء فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها ولا بجمع الإجازة
ورده.
- فروي عن مولى للأشتر قال: لما اجتمع إلى الاشتر من كان انهزم من الميمنة
حمل على صفوف أهل الشام حتى كشفهم فألحقهم بمضارب معاوية وذلك بين العصر والمغرب.
- وعن زيد بن وهب أن عليا عليه السلام لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها
ومصافها وكشفت من بإزائها أقبل حتى انتهى إليهم فقال: قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن
صفوفكم تحوزكم الجفاة الطغام أعراب أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الاعظم
وعمار الليل بتلاوة القرآن وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلولا قتالكم بعد
إدباركم وكركم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولي يوم الزحف وكنتم فيما أرى
من الهالكين. ولقد هون علي بعض وجدي وشفى بعض لاعج نفسي أن رأيتكم بأخرة حزتموهم
كما حازوكم فأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحسونهم بالسيف يركب أولهم آخرهم كالإبل
المطرودة الهيم فالآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة وثبتكم اليقين. وليعلم المنهزم
أنه مسخط ربه وموبق نفسه وفي الفرار موجدة الله عليه والذل لازم عليه ومفسدة العيش
عليه وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره ولا يرضي ربه لموت الرجل محقا قبل إتيان
هذه الخصال خير من الرضا بالتلبيس بها والاصرار عليها.
قال نصر: فحمل أبو كعب الخثعمي رأس خثعم العراق على خثعم الشام واقتتلوا
أشد قتال فجعل أبو كعب يقول لأصحابه: يا معشر خثعم خذموا أي اضربوا الخذمة وهي
الخلخال يعني اضربوهم في سوقهم. فحمل شمر بن عبد الله على أبي كعب فطعنه فقتله ثم
انصرف يبكي ويقول: رحمك الله أبا كعب لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس إلي رحما وأحب
إلي منهم نفسا ولكني والله لا أدري ما أقول ولا أرى الشيطان إلا قد فتننا ولا أرى
قريشا إلا قد لعبت بنا.
فوثب كعب بن أبي كعب إلى راية أبيه فأخذها ففقئت عينه وصرع ثم أخذها شريح
بن مالك فقاتل القوم تحتها حتى صرع منهم حول رايتهم نحو ثمانين رجلا وأصيب من خثعم
الشام مثل ذلك ثم ردها شريح إلى كعب بن أبي كعب.
- وقال [نصر: وحدثنا عمرو، قال: حدثنا عبد السلام بن عبد الله بن جابر] :
ان راية بجيلة في صفين مع أهل العراق كانت في أحمس مع أبي شداد فقالت له بجيلة خذ
رايتنا قال: غيري خير لكم مني قالوا: لا نريد غيرك قال: فوالله لئن أعطيتها لا
أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب الذي هو قائم على رأس معاوية يستره من الشمس
فقالوا: اصنع ما شئت فأخذها ثم زحف بها وهم حوله يضربون الناس بأسيافهم حتى انتهى
إلى صاحب الترس المذهب وهو في خيل عظيمة من أصحاب معاوية فاقتتل الناس هناك قتالا
شديدا وشد أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له رومي فضرب قدم أبي شداد فقطعها
وضرب أبو شداد ذلك الرومي فقتله فأشرعت إليه الاسنة فقتل.
فأخذ الراية عبد الله بن قلع الاحمسي وقاتل حتى قتل فأخذها أخوه عبد الرحمن
فقاتل حتى قتل ثم أخذها عفيف بن أياس فلم يزل بيده حتى تحاجز الناس فحمل غطفان
العراق على غطفان الشام وقتل منهما كثير وكذا أزد العراق على أزد الشام وكذا كل
قبيلة على من بإزائهم.
- قال نصر: وروى عمر بن سعد عن الحارث بن حصيرة عن أشياخ النمر أن عتبة بن
جوبة قال يوم صفين: إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما وأصبح شجرها حصيدا وحديدها سملا
وحلوها مر المذاق.
ألا وإني أنبئكم نبأ امرئ صادق أني سئمت الدنيا وعزفت نفسي عنها وقد كنت
أتمنى الشهادة وأتعرض لها في كل حين فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم ألا وأني
متعرض ساعتي هذه لها وقد طمعت أن لا أحرمها. فما تنتظرون عباد الله من جهاد أعداء
الله أخوف الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة ؟ أو من ضربة كف أو حس
بالسيف أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه الله عزوجل ومرافقة النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين في دار القرار ما هذا بالرأي السديد.
ثم قال: يا إخوتاه إني قد بعت هذه الدار بالدار التي أمامها وهذا وجهي إليه
لا يبرح الله وجوهكم ولا يقطع الله أرحامكم. فتبعه أخواه عبيد الله وعوف وقالا: لا
نطلب رزق الدنيا بعدك قبح الله العيش بعدك اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا
فقاتلوا حتى قتلوا. قال: فاقتتل الناس قتالا شديدا يوم الاربعاء فقال رجل من أصحاب
علي عليه السلام والله لأحملن على معاوية حتى أقتله فأخذ فرسا فركبه ثم ضربه حتى
إذا قام على سنابكه دفعه فلم ينهنهه شيء عن الوقوف على رأس معاوية ودخل معاوية
خباءه فنزل الرجل عن فرسه ودخل عليه فخرج معاوية من الخباء وطلع الرجل في أثره
فخرج معاوية فأحاط به الناس وقال: ويحكم إن السيوف لم يؤذن لها في هذا ولولا ذلك
لم يصل إليكم عليكم بالحجارة فرضخوه بالحجارة حتى همد الرجل ثم عاد معاوية إلى
مجلسه.
قال نصر: فلما انقضى هذا اليوم بما فيه أصبحوا في اليوم الثاني والفيلقان
متقابلان فخرج رجل من أهل الشام فسأل المبارزة فخرج إليه رجل من أهل العراق
فاقتتلا قتالا شديدا ثم إن العراقي اعتنقه فوقعا جميعا وعاد الفرسان ثم إن العراقي
قهره فجلس على صدره وكشف المغفر عنه يريد [أن] يذبحه فإذا هو أخوه لأبيه فصاح به
أصحاب علي عليه السلام ويحك أجهز عليه.
قال: إنه أخي قالوا: فاتركه قال: لا والله حتى يأذن أمير المؤمنين فأخبر
علي عليه السلام بذلك فأرسل إليه أن دعه فتركه وعاد إلى صف معاوية.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 466 ]
تاريخ النشر : 2025-09-04