أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
قال نصر: وحدثنا
عمر بن سعد عن عبد الرحمان بن جندب عن أبيه قال: لما كان غداة الخميس لسبع خلون من
[شهر] صفر سنة سبع وثلاثين صلى علي عليه السلام الغداة فغلس - ما رأيت عليا غلس
بالغداة أشد من تغليسه - يومئذ وخرج بالناس إلى أهل الشام فزحف نحوهم وكان هو
يبدئهم فيسير إليهم فإذا رأوه قد زحف استقبلوه بزحوفهم.
- وعن عمر بن
سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال: لما خرج علي عليه السلام إليهم غداة ذلك
اليوم فاستقبلوه رفع يديه إلى السماء فقال:
اللهم رب هذا
السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل والنهار وجعلت فيه مجرى للشمس والقمر
ومنازل الكواكب والنجوم وجعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة ورب هذه
الارض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والانعام وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى
من خلقك العظيم ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ورب السحاب المسخر
بين السماء والارض ورب البحر المسجور والمحيط بالعالمين ورب الجبال الرواسي التي
جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق
وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصم بقية أصحابي من الفتنة. قال: فلما رأوه
قد أقبل تقدموا إليه بزحوفهم وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل والناس على
راياتهم ومراكزهم وعلي عليه السلام في القلب في أهل المدينة جمهورهم الانصار ومعه
من خزاعة وكنانة عدد حسن.
قال نصر: ورفع
معاوية قبة عظيمة وألقى عليها الكرابيس وجلس تحتها وقد كان لهم قبل هذا اليوم
ثلاثة أيام وهو اليوم الرابع من صفر. وخرج في هذا اليوم محمد بن الحنفية في جمع من
أهل العراق فخرج إليه معاوية عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمع من أهل الشام
فاقتتلوا فطلب عبيد الله محمدا إلى المبارزة فلما خرج إليه دعاه علي عليه السلام
وخرج بنفسه راجلا بيده سيفه وقال: أنا أبارزك فهلم. فقال عبيد الله لا حاجة بي إلى
مبارزتك فرجع إلى صفه. قال نصر: وأما اليوم الخامس فإنه خرج عبد الله بن العباس
فخرج إليه الوليد بن عقبة وأكثر من سب بني عبد المطلب فأرسل إليه ابن عباس ابرز
إلي فأبى أن يفعل وقاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا ثم انصرفوا وكل غير غالب.
وخرج ذلك اليوم
شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري فلحق بعلي عليه السلام في ناس من قراء أهل الشام
ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص. وقال عمرو: يا معاوية إنك تريد أن تقاتل
بأهل الشام رجلا له من محمد صلى الله عليه وآله قرابة قريبة ورحم ماسة وقدم في
الاسلام ليس لاحد مثله قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين وفرسانهم وأشرافهم ومهما
نسيت فلا تنس أنك على باطل وعليا على الحق فبادر الامر قبل اضطرابه عليك فقام
معاوية في أهل الشام خطيبا وحثهم على القتال.
فخطب علي عليه
السلام أصحابه - قال أبو سنان الاسلمي كأني أنظر إليه متكئا على قوسه وقد جمع
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يلونه كأنه أحب أن يعلم الناس أن
الصحابة متوافرون معه - فقال: أيها الناس اسمعوا مقالتي وعوا كلامي فإن الخيلاء من
التجبر وإن النخوة من التكبر وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل. ألا إن المسلم
أخو المسلم فلا تنابذوا ولا تجادلوا.
ألا إن شرايع
الدين واحدة وسبله قاصدة من أخذ بها لحق ومن فارقها محق ومن تركها مرق. ليس المسلم
بالخائن إذا ائتمن ولا بالمخلف إذا وعد ولا الكاذب إذا نطق. نحن أهل بيت الرحمة
وقولنا الصدق وفعلنا القصد ومنا خاتم النبيين وفينا قادة الاسلام وفينا حملة
الكتاب ألا إنا ندعوكم إلى الله وإلى رسوله وإلى جهاد عدوه والشدة في أمره وابتغاء
مرضاته وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان وتوفير الفيء على
أهله.
ألا وإن من أعجب
العجائب أن معاوية بن أبي سفيان الاموي وعمرو بن العاص السهمي أصبحا يحرضان على
طلب الدين بزعمهما ولقد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قط،
ولم أعصيه في أمر قط، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الابطال وترعد فيها
الفرائص نجدة أكرمني الله سبحانه بها وله الحمد. ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وإن رأسه لفي حجري ولقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة المقربون
معي وأيم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا ما
شاء الله.
قال: فقال أبو
سنان الاسدي فسمعت عمار بن ياسر يقول: أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الامة لم
تستقم عليه [أولا] وأنها لن تستقيم عليه [آخرا] ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم.
-
وعن زيد بن وهب أن عليا عليه السلام قال في هذه الليلة: حتى متى لا نناهض القوم
بأجمعنا فقام في الناس عيشة الثلاثاء بعد العصر فقال: الحمد لله الذي لا يبرم ما
نقض ولا ينقض ما أبرم ولو شاء ما اختلف إثنان من هذه الامة ولا من خلقه ولا تنازع
البشر في شيء من أمره ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الاقدار
حتى لفت بيننا في هذا الموضع ونحن من ربنا بمرأى ومسمع ولو شاء لعجل النقمة ولكان
منه التغيير حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار
الاعمال وجعل الآخرة دار الجزاء والقرار * (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي
الذين أحسنوا بالحسنى) * [31 / النجم] ألا إنكم لاقوا العدو غدا إن شاء الله
فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن واسألوا الله الصبر والنصر والقوهم
بالجد والحزم وكونوا صادقين. قال: فوثب الناس إلى رماحهم وسيوفهم ونبالهم
ليصلحونها وخرج عليه السلام وعبئ الناس ليلته تلك كلها حتى أصبح وعقد الالوية وأمر
الامراء وبعث إلى أهل الشام مناديا ينادي فيهم:
اغدوا على
مصافكم. فضج أهل الشام في معسكرهم واجتمعوا إلى معاوية فعبئ خيله وعقد ألويته وأمر
أمراءه وكتب كتائبه وكان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف ونصب لمعاوية منبر
فقعد إليه في قبة ضربها عظيمة ألقى عليها الثياب والدرانك.
ثم تناهض القوم
يوم الاربعاء سادس صفر واقتتلوا إلى آخر نهارهم وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب.
فأما اليوم
السابع فكان القتال فيه شديدا والخطب عظيما وكان عبد الله بن بديل الخزاعي على
ميمنة العراق فزحف نحو حبيب بن مسلمة وهو على مسيرة أهل الشام حتى اضطرهم إلى قبة
معاوية وقت الظهر.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 461 ]
تاريخ النشر : 2025-09-04