أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
قال ابن أبي
الحديد: قال نصر بن مزاحم: وكتب عليه السلام إلى أمراء الاجناد - وكان قد قسم
عسكره أسباعا فجعل على كل سبع أميرا -: أما بعد فإني أبرأ إليكم من معرة الجنود
فاعزلوا الناس عن الظلم والعدوان وخذوا على أيدي سفهائكم واحرسوا أن تعملوا أعمالا
لا يرضى الله بها عنا فيرد بها علينا وعليكم دعاءنا فإنه تعالى يقول: * (ما يعبأ
بكم ربي لولا دعاؤكم) * [77 / الفرقان: 25] وإن الله إذا أمقت قوما من السماء
هلكوا في الارض. فلا تألوا أنفسكم خيرا، ولا الجند حسن سيرة ولا الرعية معونة، ولا
دين الله قوة، وابلوه في سبيله ما استوجب عليكم فإن الله قد اصطنع عندنا وعندكم ما
يجب علينا أن نشكره بجهدنا وأن ننصره ما بلغت قوتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال: وكتب (عليه
السلام) إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم وعليهم: أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا
سواء أسودكم وأحمركم وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الولد من الوالد
والوالد من الولد، فجعل لكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم والكف عن فيئكم فإذا فعل
معكم ذلك وجبت عليكم طاعته فيما وافق الحق ونصرته والدفع عن سلطان الله فإنكم وزعة
الله في الارض فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها إن
الله لا يحب المفسدين.
قال نصر: وروى
عن ابن نباتة قال: قال علي (عليه السلام): ما يقول الناس في هذا القبر بالنخيلة ؟
- وبالنخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله - فقال الحسن بن علي عليهما السلام:
يقولون: هذا قبر هود لما عصاه قومه جاء فمات ها هنا. فقال: كذبوا لانا أعلم به
منهم هذا قبر يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر يعقوب. ثم قال: أها هنا أحد
من مهرة ؟ فأتي بشيخ فقال أين منزلك ؟ قال: على شاطئ البحر.
قال: أين أنت من
الجبل [الاحمر ؟] قال: أنا قريب منه. قال: فما يقول قومك فيه ؟ قال: يقولون: إن
فيه قبر ساحر. قال: كذبوا ذاك قبر هود النبي (عليه السلام) وهذا قبر يهودا بن
يعقوب [بكره]. ثم قال: يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفا على غرة الشمس يدخلون الجنة
بلا حساب.
قال نصر: فلما
نزل علي النخيلة متوجها إلى الشام وبلغ معاوية خبره وهو يومئذ بدمشق قد ألبس منبر
دمشق قميص عثمان مختضبا بالدم وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله فخطبهم وحثهم
على القتال فأعطوه الطاعة وانقادوا له وجمع إليه أطرافه واستعد للقاء علي (عليه
السلام).
... وقال ابن
أبي الحديد في شرح النهج: قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين - ووجدته في أصل كتابه
أيضا - قال: لما وضع علي (عليه السلام) رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى
صفين قال:
بسم الله، فلما
جلس على ظهرها قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا
لمنقلبون. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الاهل
والمال والولد، ومن الحيرة بعد اليقين.
اللهم أنت
الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الاهل، ولا يجمعهما غيرك، لان المستخلف لا يكون
مستصحبا والمستصحب لا يكون مستخلفا. قال: فخرج (عليه السلام) حتى إذا جاز حد
الكوفة صلى ركعتين.
وروي عن زيد بن
علي عن آبائه عليهم السلام أن عليا (عليه السلام) خرج وهو يريد صفين حتى إذا قطع
النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى الصلاة أقبل على
الناس بوجهه فقال: أيها الناس ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا قوم
سفر ألا ومن صحبنا فلا يصومن المفروض والصلاة المفروضة ركعتان.
قال نصر: ثم خرج
حتى أتى دير أبي موسى وهو من الكوفة على فرسخين فلما انصرف من الصلاة قال: سبحان
الله ذي الطول والنعم سبحان الله ذي القدرة والافضال أسأله الرضا بقضائه والعمل
بطاعته والانابة إلى أمره إنه سميع الدعاء. ثم خرج (عليه السلام) حتى نزل على شاطئ
نرس بين مسجد حمام أبي بردة وحمام عمر فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال: الحمد
لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل والحمد لله كلما وقب ليل
وغسق، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق.
ثم أقام حتى صلى
الغداة ثم شخص حتى بلغ إلى بيعة إلى جانبها نخل طوال فلما رآها قال: " والنخل
باسقات لها طلع نضيد " فنزلها ومكث بها قدر الغذاء. قال نصر: [و] روي عن محمد
بن مخنف أنه قال: إني لأنظر إلى أبي وهو يسائر عليا (عليه السلام) وهو يقول: إن
بابل أرض قد خسف بها فحرك دابته وحرك الناس دوابهم في أثره فلما جاز جسر الصراة
نزل فصلى بالناس العصر.
قال: وحدثني عمر
بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن عبد خير قال: كنت مع علي (عليه السلام)
أسير في أرض بابل قال: وحضرت
الصلاة: صلاة
العصر قال: فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح من الآخر قال: حتى أتينا على
مكان أحسن ما رأينا وقد كادت الشمس أن تغيب قال: ونزل علي (عليه السلام) ونزلت معه
قال: فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر قال: فصلينا العصر ثم غابت
الشمس. ثم خرج حتى أتى دير كعب ثم خرج منه فبات بساباط فأتاه دهاقينها يعرضون عليه
النزل والطعام فقال: لا ليس ذلك لنا عليكم فلما أصبح وهو بمظلم ساباط قال: "
أتبنون بكل ريع آية تعبثون " [128 / الشعراء: 26].
قال نصر: وحدثنا
منصور بن سلام عن حيان التيمي عن أبي عبيدة عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي
(عليه السلام) صفين فلما نزل بكربلاء صلى بنا فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها
ثم قال: واها لك يا تربة ليحشرن معك قوم يدخلون الجنة بغير حساب.
قال: فلما رجع
هرثمة من غزاته إلى امرأته جرداء بنت سمير وكانت من شيعة علي (عليه السلام) حدثها
هرثمة فيما حدث فقال لها: ألا أعجبك من صديقك أبي حسن ؟ قال: لما نزلنا كربلاء وقد
أخذ حفنة من تربتها فشمها وقال: " واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم
يدخلون الجنة بغير حساب " وما علمه بالغيب ؟ فقالت المرأة له: دعنا منك أيها
الرجل فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.
قال: فلما بعث
عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين (عليه السلام) كنت في الخيل التي
بعث إليهم فلما انتهيت إلى الحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي
والبقعة التي رفع من تربتها والقول الذي قاله فكرهت مسيري فأقبلت على فرسي حتى
وقفت على الحسين (عليه السلام) فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا
المنزل فقال الحسين (عليه السلام): أمعنا أم علينا ؟ فقلت: يا ابن رسول الله لا
معك ولا عليك تركت ولدي وعيالي وأخاف عليهم من ابن زياد.
فقال (عليه
السلام): اذهب حتى لا ترى مقتلنا فوالذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم أحد مقتلنا ثم
لا يعيننا إلا دخل النار. قال: فأقبلت في الارض اشتد هربا حتى خفي علي مقتلهم.
وروي أيضا عن سعيد وهب قال: بعثني مخنف بن سليم إلى علي (عليه السلام) عند توجهه
إلى صفين فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده ويقول: ها - هنا ها هنا فقال له رجل:
وما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: ثقل لآل محمد ينزل ها هنا فويل لهم منكم وويل
لكم منهم. فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ قال: ويل لهم
منكم تقتلونهم وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.
قال نصر: وقد
روي هذا الكلام على وجه آخر: قال: فويل لكم منهم وويل لكم عليهم. فقال الرجل: أما
ويل لنا منهم فقد عرفناه فويل لنا عليهم ما معناه ؟ فقال: ترونهم يقتلون لا
تستطيعون نصرتهم.
قال نصر: وحدثنا
سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا (عليه السلام) أتى كربلاء
فوقف بها فقيل له: يا أمير المؤمنين هذه كربلاء ؟ فقال: نعم ذات كرب وبلاء ثم أومئ
بيده إلى مكان آخر فقال: ها - هنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم ثم أومى بيده إلى مكان
آخر ثم قال: ها هنا مراق دمائهم ! ! ثم مضى إلى ساباط حتى إنتهى إلى مدينة بهرسير.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 415 ]
تاريخ النشر : 2025-09-03