الوضع الليلي
انماط الصفحة الرئيسية

النمط الأول

النمط الثاني

النمط الثالث

0
اليوم : الخميس ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ المصادف ۰٤ أيلول۲۰۲٥م

أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر
أحاديث وروايات عامة
أحداث الظهور وآخر الزمان
الأخذ بالكتاب والسنة وترك البدع والرأي والمقايس
الأخلاق والآداب
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
التقوى والعمل والورع واليقين
التقية
التوبة والاستغفار
الجنة والنار
الحب والبغض
الحديث والرواية
الخلق والخليقة
الدنيا
الذنب والمعصية واتباع الهوى
الشيعة
العقل
العلم والعلماء
الفتنة والفقر والابتلاء والامتحان
القلب
المعاشرة والمصاحبة والمجالسة والمرافقة
الموت والقبر والبرزخ
المؤمن
الناس واصنافهم
أهل البيت (عليهم السلام)
بلدان واماكن ومقامات
سيرة وتاريخ
عفو الله تعالى وستره ونعمته ورحمته
فرق وأديان
وصايا ومواعظ
مواضيع متفرقة
الفقه وقواعده
الاسراء والمعراج
الإيمان والكفر
الأنصاف والعدل والظلم بين الناس
الاسلام والمسلمين
الاطعمة والاشربة
أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
أمير المؤمنين يرسل الى معاوية رسولا يطالبه بالبيعة وما حصل بعدها...
تاريخ النشر : 2025-09-03
كتاب الصفين لنصر بن مزاحم عن عمر بن سعد [الاسدي] عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي أن عليا (عليه السلام) حين قدم من البصرة نزع جريرا عن همدان فجاء حتى نزل الكوفة فأراد [علي] أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير: ابعثني إليه فأدعوه على أن يسلم لك هذا الامر ويكون أميرا من أمراءك وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وجلهم قومي وأهل بلادي وقد رجوت أن لا يعصوني.
فقال له الاشتر: لا تبعثه ودعه ولا تصدقه فوالله إني لأظن هواه هواهم ونيته نيتهم ! ! فقال له علي عليه السلام: دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا. فبعثه علي (عليه السلام) وقال له حين أراد أن يبعثه: إن حولي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل الدين والرأي من قد رأيت وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك: " من خير ذي يمن " إئت معاوية بكتابي فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه وأعلمه إني لا أرضى به أميرا وأن العامة لا ترضى به خليفة.
فانطلق جرير حتى [أتى الشام و] نزل بمعاوية فدخل عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر، وأهل العروض والعروض عمان وأهل البحرين. واليمامة فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها ولو سال عليها سيل من أوديته غرقها وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل.
ودفع إليه كتاب علي بن أبي طالب (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغايب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والانصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضا فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ويصله جهنم وساءت مصيرا. وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون فإن أحب الامور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت بالله عليك. وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس وحاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله فأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن. ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى. وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله وهو من أهل الايمان والهجرة فبايع ولا قوة إلا بالله. فلما قرأ الكتاب قام جرير فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس إن أمر عثمان [قد] أعيا من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه، وإن الناس بايعوا عليا غير واتر ولا موتور وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث. ألا وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن ألا وإن العرب لا تحتمل السيف وقد ؟ كانت بالبصرة أمس ملحمة إن تشفع البلاء بمثلها فلا نبأ للناس وقد بايعت العامة عليا. ولو ملكنا والله أمورنا لم نختر لها غيره، ومن خالف هذا استعتب. فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس. فإن قلت: استعملني عثمان ثم لم يعزلني فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين وكان لكل امرئ ما في يده ولكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الاول وجعل تلك أمورا موطأة وحقوقا ينسخ بعضها بعضا.
فقال معاوية: انظر وتنظر وأستطلع رأي أهل الشام. فلما فرغ جرير من خطبته أمر معاوية مناديا فنادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر وقال بعد كلام طويل.
أيها الناس قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأني خليفة عثمان بن عفان عليكم وأني لم أقم رجلا منكم على خزاية قط وأني ولي عثمان وقد قتل مظلوما والله يقول: " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان ؟ ! فقام أهل الشام بأجمعهم وأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك وأوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم أو يدركوا ثاره أو يفني الله أرواحهم.
قال: فلما أمسى معاوية اغتم بما هو فيه.
- قال نصر: وحدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال: واستحثه جرير بالبيعة فقال: يا جرير إنها ليست بخلسة وإنه أمر له ما بعده فأبلعني ريقي حتى أنظر.
ودعا ثقاته [وشارهم في الامر ؟] فقال له عتبة بن أبي سفيان: استعن على هذا الامر بعمرو بن العاص وأثمن له بدينه فإنه من قد عرفت وقد اعتزل أمر عثمان في حياته وهو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن يرى فرصة.
فروى نصر عن عمر بن سعد ومحمد بن عبيد الله قالا: كتب معاوية إلى عمرو: أما بعد فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني أقبل أذاكرك أمرا.
قال: فلما قريء الكتاب على عمرو استشار ابنيه عبد الله ومحمدا فقال: ما تريان ؟ فقال عبد الله: أرى أن نبي الله قبض وهو عنك راض والخليفتان من بعده وقتل عثمان وأنت عنه غائب فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أو شك أن تهلك فتشقي فيها.
وقال محمد: أرى أنك شيخ قريش وصاحب أمرها ولن يصرم هذا الامر وأنت فيه خامل يتصاغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من أيديها واطلب بدم عثمان فإنك قد استسلمت فيه إلى بني أمية.
فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني وأما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي وأنا ناظر فيه. فلما جنه الليل رفع صوته ينشد أبياتا في ذلك يرددها فقال عبد الله ترحل الشيخ. قال: ودعا عمرو غلاما له يقال له: وردان وكان داهيا ماردا فقال: ارحل يا وردان ثم قال: حط يا وردان.
فقال له وردان: خلطت أبا عبد الله أما إنك إن شئت أنبأتك بما في نفسك ؟ قال: هات ويحك قال: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا، وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة وليس في الدنيا عوض من الآخرة فأنت واقف بينهما ! ! قال [عمرو]: فإنك والله ما أخطأت فما ترى يا وردان ؟ قال: أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك ! ! ! قال: الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية.
فارتحل وسار حتى قدم على معاوية وعرف ذلك معاوية فباعده وكايد كل واحد منهما صاحبه ! ! ! فلما دخل عليه قال: أبا عبد الله طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر. قال [عمرو]: وما ذاك ؟ قال ذاك إن محمد بن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه وهو من آفات هذا الدين. ومنها أن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام. ومنها أن عليا نزل الكوفة متهيئا للمسير إلينا.
قال [عمرو]: ليس كل ما ذكرت عظيما.
أما أمر ابن أبي حذيفة فما يعظمك من رجل خرج في أشباهه أن تخرج [إليه] الخيل [حتى] تقتله أو تأتيك به وإن فاتك لا يضرك وأما قيصر فاهد له من وصفاء الروم ووصائفها وآنية الذهب والفضة وسله الموادعة فإنه إليها سريع. وأما علي فلا والله يا معاوية لا تسوّى العرب بينك وبينه في شيء من الاشياء وإن له في الحرب لحظا ما هو لاحد من قريش وإنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه.
وروى نصر عن عمر بن سعد بإسناده قال: قال معاوية لعمرو: يا أبا عبد الله إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه وشق عصا المسلمين وقتل الخليفة وأظهر الفتنة وفرق الجماعة وقطع الرحم ! ! قال عمرو: إلى من ؟ قال: إلى جهاد علي قال: فقال عمرو: والله يا معاوية ما أنت وعلي بعكمي بعير مالك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا فقهه ولا علمه ووالله وإن له مع ذلك جدا وجدودا وحظا وحظوة وبلاء من الله حسنا فما تجعل لي إن شايعتك على ما تريد ؟ قال: حكمك. قال: مصر طعمة. قال: فتلكأ عليه معاوية.
قال نصر وفي حديث غير عمر قال: قال له معاوية: يا أبا عبد الله إني أكره أن تحدث العرب أنك إنما دخلت في هذا الامر لغرض دنيا ! ! قال: دعني منك قال معاوية: إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت قال عمرو: لا لعمر الله ما مثلي يخدع ولانا أكيس من ذلك.
قال له معاوية: ادن مني برأسك أسارك. قال: فدنا منه عمرو [كي] يساره فعض معاوية أذنه وقال: هذه خدعة هل ترى في البيت أحدا غيري وغيرك. ثم رجع [الكلام] إلى حديث عمر فقال معاوية: يا أبا عبد الله ألم تعلم أن مصرا مثل العراق ؟ قال: بلى ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق. قال فدخل عليه عتبة بن أبي سفيان فقال: أما ترضى أن تشتري عمروا بمصر إن هي صفت لك ؟ فليتك لا تغلب على الشام.
فقال معاوية: يا عتبة بت عندنا الليلة قال: فلما جن على عتبة الليل رفع صوته ليسمع معاوية بأبيات يحثه فيها على إرضاء عمرو، فلما سمع معاوية ذلك أرسل إلى عمرو وأعطاها إياه. قال:
فقال عمرو: ولي الله عليك بذلك شاهد ؟ قال له معاوية: نعم لك الله علي بذلك لئن فتح الله علينا الكوفة.
قال عمرو: والله على ما نقول وكيل. قال: فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه: ما صنعت ؟ قال: أعطانا مصر. فقالا: وما مصر في ملك العرب ؟ قال: لا أشبع الله بطونكما إن لم يشبعكما مصر.
قال: فأعطاها إياه وكتب له كتابا وكتب معاوية: على أن لا ينقض شرط طاعة فكتب عمرو على أن لا تنقض طاعته شرطا. وكايد كل منهما صاحبه.
وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال: ألا تخبرنا يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي ؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب ؟ فقال عمرو: يا ابن الاخ إن الامر لله دون علي ومعاوية فأنشد الفتى في ذلك شعرا فقال له عمرو: يا ابن أخي لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكني الآن مع معاوية.
فقال له الفتى: إنك إن لم ترد معاوية لم يردك ولكنك تريد دنياه ويريد دينك، وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب ولحق بعلي فحدثه بأمر عمرو ومعاوية قال: فسر ذلك عليا وقربه. قال: وغضب مروان وقال ما بالي لا أشترى كما اشتري عمرو ؟ قال: فقال له معاوية: إنما نبتاع الرجال لك. قال: فلما بلغ عليا ما صنع معاوية وعمرو قال:
يا عجبا لقد سمعت منكرا * كذبا على الله يشيب الشعراء
إلى آخر ما سيأتي من الابيات في آخر الابواب.
وروى نصر عن محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال: لما بات عمرو عند معاوية وأصبح أعطاه مصر طعمة وكتب له بها كتابا وقال: ما ترى ؟ قال: امض الرأي الاول. فبعث [معاوية] مالك بن هبيرة في طلب ابن أبي حذيفة فأدركه فقتله وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه.
ثم قال: [معاوية لعمرو]: ما ترى في علي ؟ قال: أرى فيه خيرا أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق ومن عند خير الناس في أنفس الناس ودعوتك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي وهو عدو لجرير فأرسل إليه ووطئ له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب ومن تعلق بقلبه شيء لم يخرجه شيء أبدا.
فدعا معاوية يزيد بن لبيد وبسر بن أرطأة وعمرو بن سفيان ومخارق بن الحرث الزبيدي وحمزة بن مالك وحابس بن سعيد الطائي ثم كتب إلى شرحبيل أن جرير بن عبد الله قدم علينا من قبل علي بأمر فظيع فاقدم. فاستشار شرحبيل أهل اليمن من أهل حمص فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرحمان بن غنم وهو صاحب معاذ وختنه وكان أفقه أهل الشام فنهاه عن المسير إلى معاوية ووعظه ونهاه أيضا عياض اليماني وكان ناسكا. فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية. فلما قدم عليه تلقاه الناس فأعظموه ودخل على معاوية فقال له معاوية: يا شرحبيل إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان وحبست نفسي عليك وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا. فقال شرحبيل: أخرج فانظر فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له كلهم يخبره بأن عليا قتل عثمان فرجع مغضبا إلى معاوية فقال: يا معاوية أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان والله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك !
قال معاوية: ما كنت لأخالف عليكم ما أنا إلا رجل من أهل الشام. قال فرد هذا الرجل إلى أصحابه [إذن]. قال: فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وأن أهل الشام مع شرحبيل. فخرج شرحبيل فأتى حصين بن نمير فقال: ابعث إلى جرير فبعث إليه حصين أن زرنا فإن عندنا شرحبيل بن السمط فاجتمعا عنده. فتكلم شرحبيل فقال: يا جرير أتيتنا بأمر ملفق لتلقينا في لهوات الاسد وأردت أن تخلط الشام بالعراق وأطريت عليا وهو قاتل عثمان والله سائلك عما قلت يوم القيامة. فأقبل عليه جرير وقال: يا شرحبيل أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والانصار وقوتل على رده طلحة والزبير.
وأما قولك: إني ألقيتك في لهوات الاسد ففي لهواتها ألقيت نفسك. وأما خلط العراق بالشام فخلطها على حق خير من فرقتها على باطل. وأما قولك إن عليا قتل عثمان فو الله ما في يديك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت إلى الدنيا وشيء كان في نفسك علي زمن سعد بن أبي وقاص. فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير وزجره وكتب جرير إلى شرحبيل أبياتا يعظه فيها فزعر شرحبيل وفكر فاستزله القوم ولفف له معاوية الرجال ولم ينفعه زجر قومه [له] ولا غيرهم حتى أنه بعثه معاوية إلى مدائن الشام يدعوهم إلى الطلب بدم عثمان فبدأ بأهل حمص فأجابوه إلا نساك من أهل حمص فإنهم قاموا إليه فقالوا: بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى.
وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به. فآيس جرير [عند ذلك] من معاوية ومن عوام الشام. قال [نصر]: وكان معاوية قد أتى جريرا قبل ذلك في منزله فقال: يا جرير إني قد رأيت رأيا. قال: هاته.
قال: اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لاحد بعده بيعة في عنقي وأسلم له هذا الامر واكتب إليه بالخلافة ! ! ! فقال جرير: اكتب بما أردت واكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي. فكتب علي إلى جرير: أما بعد فإنما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام، وإن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن أستعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه. ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعك الرجل وإلا فأقبل، وفشا كتاب معاوية في العرب.
وفي حديث صالح بن صدقة قال: أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي: " وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا " وأبطأ على علي (عليه السلام) حتى آيس منه.
وفي حديث محمد وصالح بن صدقة قالا: وكتب علي (عليه السلام) إلى جرير: أما بعد فإذا أتاك كتابي [هذا] فاحمل معاوية على الفصل ثم خيره وخذه بالجواب بين حرب مخزية أو سلم محظية فإن اختار الحرب فانبذ له، وإن اختار السلم فخذه ببيعته.
فلما انتهى الكتاب إلى جرير أتى به إلى معاوية فأقرأه الكتاب وقال: يا معاوية إنه لا يطبع على قلب إلا بذنب ولا ينشرح إلا بتوبة ولا أظن قلبك لا مطبوعا أراك قد وقفت بين الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي ؟ ؟ ؟ فقال معاوية ألقاك بالفيصل في أول مجلس إن شاء الله. فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال: يا جرير الحق بصاحبك وكتب إليه بالحرب فأجابه علي (عليه السلام): من علي إلى معاوية بن صخر أما بعد فقد أتاني كتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه وقاده [الضلال] فاتبعه.
زعمت أنه إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا وما كان الله ليجمعهم على ضلالة ولا ليضربهم بالعمى وما أمرت فيلزمني خطيئة الامر، ولا قتلت فيجب علي قصاص.
وأما قولك: إن أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى أو تحل له الخلافة ؟ فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون والانصار وإلا أتيتك به من قريش الحجاز. وأما قولك: ادفع إلينا قتلة عثمان، فما أنت وعثمان ؟ إنما أنت رجل من بني أمية وبنو عثمان أولى بذلك منك.
فإن زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلي أحملك إياهم على المحجة. وأما تمييزك بين الشام والبصرة وبينك وبين طلحة والزبير فلعمري ما الامر فيما هناك إلا واحد لأنها بيعة عامة لا يثنى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار. وأما ولوعك بي في أمر عثمان فما قلت ذلك عن حق العيان ولا يقين بالخبر.
وأما فضلي بالإسلام وقرابتي من النبي صلى الله عليه وآله وشرفي في قريش فلعمري لو استطعت دفع ذلك لدفعته.
[نصر، عن] صالح بن صدقة بإسناده قال: لما رجع جرير إلى علي (عليه السلام) كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير والاشتر عند علي (عليه السلام) فقال الاشتر: أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه وأقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه أو يخاف غمه الا سده. فقال جرير: والله لو أتيتهم لقتلوك - وخوفه بعمرو، وذي الكلاع وحوشب - وقد زعموا أنك من قتلة عثمان.
فقال الاشتر: لو أتيته والله يا جرير لم يعييني جوابها ولم يثقل علي محملها ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر قال: فأتهم إذا. قال: الآن وقد أفسدتهم ووقع بيننا الشر ؟ وعن الشعبي قال: اجتمع جرير والاشتر عند علي (عليه السلام) فقال الاشتر: أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشه وأقبل الاشتر يشتمه ويقول: يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان والله ما أنت بأهل أن تمشي فوق الارض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم وأنت والله منهم ولا أرى سعيك إلا لهم ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين (عليه السلام) ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستبين من هذه الامور ويهلك الله الظالمين.
قال: فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسا ولحق به أناس من قيس ولم يشهد صفين من قيس غير تسعة عشر رجلا ولكن أحمس شهدها منهم سبعمائة رجل.
وخرج علي (عليه السلام) إلى دار جرير فشعث منها وحرق مجلسه وخرج أبو زرعة عمرو بن جرير وقال: أصلحك الله إن فيها أيضا لغير جرير فخرج علي منها إلى دار ثوير بن عامر فحرقها وهدم منها وكان ثوير رجلا شريفا وكان قد لحق بجرير.
وفي حديث صالح بن صدقة قال: لما أراد معاوية المسير إلى صفين كتب إلى أهل مكة وأهل المدينة كتابا يذكرهم فيه أمر عثمان فكتب إليه عبد الله بن عمر مجيبا له ولابن العاص: أما بعد فلقد أخطأتما موضع النصرة وتناولتما من مكان بعيد وما زاد الله من شك في هذا الامر بكتابكما إلا شكا وما أنتما والمشورة ؟ وما أنتما والخلافة ؟ وأما أنت يا معاوية فطليق وأما أنت يا عمرو فظنون ألا فكفا عنا أنفسكما فليس لكما ولي ولا نصير. وأجابه سعد بن أبي وقاص أما بعد فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة من قريش فلم يكن أحد منا أحق من صاحبه إلا باجتماعنا عليه، غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يك فينا ما فيه وهذا أمر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره. وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما والله يغفر لام المؤمنين ما أتت [به].
وكتب إليه محمد بن مسلمة أما بعد فقد اعتزل هذا الامر من ليس في يده من رسول الله صلى الله عليه وآله مثل الذي في يدي فقد أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما هو كائن قبل أن يكون فلما كان كسرت سيفي وجلست في بيتي واتهمت الرأي على الدين إذا لم يصلح لي معروف آمر به ولا منكر أنهى عنه ولعمري ما طلبت إلا الدنيا ولا اتبعت إلا الهوى فإن تنصر عثمان ميتا فقد خذلته حيا فما أخرجني الله من نعمة ولا صيرني إلى شك. إلى آخر ما كتب.
قال: وروى صالح بن صدقة عن إسماعيل بن زياد عن الشعبي أن عليا (عليه السلام) قدم من البصرة مستهل رجب وأقام بها سبعة عشر شهرا يجري الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص. وفي حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال: لما قدم عبيد الله بن عمر على معاوية بالشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال: يا عمرو إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله بن عمر، وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان وينال منه ؟ فقال: الرأي ما رأيت.
فبعث إليه فأتاه فقال له يا ابن أخ إن لك اسم أبيك فانظر بملأ عينيك وتكلم بكل فيك فأنت المأمون المصدق فاصعد المنبر فاشتم عليا واشهد عليه أنه قتل عثمان.
فقال: يا أمير المؤمنين أما شتمي له فإنه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم فما عسى أن أقول في حسبه، وأما بأسه فهو الشجاع المطرق وأما أيامه فما قد عرفت ولكني ملزمه دم عثمان ! ! فقال عمرو: إذا والله قد نكأت القرحة.
فلما خرج عبيد الله قال معاوية: أما والله لولا قتلة الهرمزان ومخافة علي على نفسه ما أتانا أبدا ألم تر إلى تقريظه عليا. فلما قام [عبيد الله] خطيبا تكلم بحاجته حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك ! ! فعاتبه معاوية فاعتذر بأني كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان وعرفت أن الناس محتملوها عني ! ! فهجره معاوية واستخف بحقه حتى أنشد شعرا في مدح عثمان وتصويب طلحة والزبير فأرضاه وقربه وقال حسبي هذا منك.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة :  جزء 32 / صفحة [ 366 ]
تاريخ النشر : 2025-09-03


Untitled Document
دعاء يوم الخميس
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ اللَّيْلَ مُظْلِماً بِقُدْرَتِهِ، وَجاءَ بِالنَّهارِ مُبْصِراً بِرَحْمَتِهِ، وَكَسانِي ضِياءَهُ وَأَنا فِي نِعْمَتِهِ. اللّهُمَّ فَكَما أَبْقَيْتَنِي لَهُ فَأَبْقِنِي لأَمْثالِهِ، وَصَلِّ عَلى النَّبِيّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلا تَفْجَعْنِي فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ اللَّيالِي وَالأَيّامِ بِارْتِكابِ المَحارِمِ وَاكْتِسابِ المَآثِمِ، وَارْزُقْنِي خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما فِيهِ وَخَيْرَ ما بَعْدَهُ، وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّهُ وَشَرَّ ما فِيهِ وَشَرَّ ما بَعْدَهُ. اللّهُمَّ إِنِّي بِذِمَّةِ الإِسْلامِ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ، وَبِحُرْمَةِ القُرْآنِ أَعْتَمِدُ عَلَيْكَ، وَبِمُحَمَّدٍ المُصْطَفى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ أسْتَشْفِعُ لَدَيْكَ، فَاعْرِفِ اللّهُمَّ ذِمَّتِي الَّتِي رَجَوْتُ بِها قَضاءَ حاجَتِي، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الخَمِيسِ خَمْساً، لا يَتَّسِعُ لَها إِلّا كَرَمُكَ، وَلا يُطِيقُها إِلّا نِعَمُكَ: سَلامَةً أَقْوى بِها عَلى طاعَتِكَ، وَعِبادَةً أسْتَحِقُّ بِها جَزِيلَ مَثُوبَتِكَ، وَسَعَةً فِي الحَالِ مِنَ الرّزْقِ الحَلالِ، وَأَنْ تُؤْمِنَنِي فِي مَواقِفِ الخَوْفِ بِأَمْنِكَ، وَتَجْعَلَنِي مِنْ طَوارِقِ الهُمُومِ وَالغُمُومِ فِي حِصْنِكَ، وَصَلِّ عَلى مُحمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْ تَوَسُّلِي بِهِ شافِعاً يَوْمَ القِيامَةِ نافِعاً، إِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

زيارات الأيام
زيارة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يوم الخميس
َلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَخالِصَتَهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اِمامَ الْـمُؤْمِنينَ وَوارِثَ الْمُرْسَلينَ وَحُجَّةَ رَبِّ الْعالَمينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ، يا مَوْلايَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ اَنَا مَوْلىً لَكَ وَلاِلِ بَيْتِكَ وَهذا يَوْمُكَ وَهُوَ يَوْمُ الْخَميسِ وَاَنـَا ضَيْفُكَ فيهِ وَمُسْتَجيرٌ بِكَ فيهِ فَاَحْسِنْ ضيافتي واِجارَتي بِحَقِّ آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ.