أقول قال ابن
أبي الحديد في شرح النهج: قال كل من صنف من أهل السير والاخبار: أن عائشة كانت من
أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) لم يبل وعثمان قد أبلى سنته. [و] قالوا: أول من سمى عثمان نعثلا عائشة.
والنعثل: الكثير شعر اللحية والجسد. وكانت تقول: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.
وروى المدائني
في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم
تشك في أن طلحة صاحب الامر وقالت: بعدا لنعثل وسحقا إيه ذا الاصبع إيه أبا شبل ايه
يا ابن عم لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له حنوها لا بل وذعذعوها.
قال وقد كان
طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثم فسد
أمره [فدفعها] إلى علي عليه السلام. وقال أبو مخنف في كتابه: إن عائشة لما بلغها
قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول: إيه ذا الاصبع لله أبوك أما إنهم وجدوا
طلحة والزبير لها كفوا فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة فقالت له:
ما عندك ؟ قال: قتل عثمان. قالت: ثم ماذا ؟ قال: ثم جارت بهم الامور إلى خير مجار
بايعوا عليا. فقالت: لوددت أن السماء إنطبقت على الارض إن تم هذا انظر ما تقول ؟
قال: هو ما قلت لك يا أم المؤمنين فولولت ! ! فقال لها: ما شأنك يا أم المؤمنين
والله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق ولا أرى له نظيرا في جميع
حالاته فلماذا تكرهين ولايته ؟ قال: فما ردت جوابا. وفي رواية قيس بن أبي حازم ثم
ردت ركائبها إلى مكة فرأيتها في مسيرها تخاطب نفسها قتلوا ابن عفان مظلوما ! !
فقلت لها: يا أم المؤمنين ألم أسمعك آنفا تقولين أبعده الله وقد رأيتك قبل أشد
الناس عليه وأقبحهم فيه قولا ؟ ! فقالت: لقد كان ذلك ولكني نظرت في أمره فرأيتهم
استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه. قال:
وكتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكة كتابا أن خذلي الناس عن بيعة علي وأظهري
الطلب بدم عثمان. وحملا الكتاب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير فلما قرأت الكتاب
كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان. قال: ولما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا
لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن أمية [منية " خ "] ببعير
يسمى عسكرا وكان عظيم الخلق شديدا فلما رأته أعجبها وأنشأ الجمال يحدثها بقوته
وشدته ويقول في أثناء كلامه " عسكر " فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت
وقالت: ردوه لا حاجة لي فيه وذكرت حيث سئلت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر
لها هذا الاسم ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير
لها بجلال غير جلاله وقيل لها: قد أصبنا لك أعظم منه خلقا وأشد منه قوة وأتيت به
فرضيت ! ! ! قال أبو مخنف: وأرسلت إلى حفصة تسألها الخروج والمسير معها فبلغ ذلك
عبد الله بن عمر فأتى أخته فعزم عليها فأقامت وحطت الرحال بعدما همت. وكتب الاشتر
من المدينة إلى عائشة وهي بمكة: أما بعد فإنك ظعينة رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وقد أمرك أن تقري في بيتك فإن فعلت فهو خير لك وإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك
وتلقي جلبابك وتبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك والموضع الذي يرضاه لك
ربك. فكتبت إليه في الجواب: أما بعد فإنك أول العرب شب الفتنة ودعا إلى الفرقة
وخالف الائمة وسعى في قتل الخليفة وقد علمت أنك لن تعجز الله حتى يصيبك منه بنقمة
ينتصر بها منك للخليفة المظلوم وقد جاءني كتابك وفهمت ما فيه وسنكفيك وكل من أصبح
مماثلا لك في غيك وضلالك إن شاء الله. قال أبو مخنف: لما انتهت عائشة في مسيرها
إلى الحوأب وهو ماء لبني عامر بن صعصعة نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب إبلها فقال:
قائل من أصحابها: ألا ترون ما أكثر كلاب الحوأب وما أشد نباحها ؟ فأمسكت زمام
بعيرها وقالت: وإنها لكلاب الحوأب ؟ ردوني ردوني فإني سمعت رسول الله يقول وذكرت
الخبر. فقال لها قائل: مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب. فقالت: فهل من شاهد ؟
فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب فسارت
لوجهها. ولما انتهوا إلى حفر أبي موسى قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف وهو
يومئذ عامل علي عليه السلام على البصرة إلى القوم أبا الاسود الدئلي يعلم له علمهم
فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها ؟ فقالت: أطلب بدم عثمان. قال: إنه ليس
بالبصرة من قتلة عثمان أحد. قالت: صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت
أستنهض أهل البصرة لقتاله ! ! أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم ؟
؟ فقال لها: ما أنت من السوط والسيف ؟ إنما أنت حبيس رسول الله أمرك أن تقري في
بيتك وتتلي كتاب ربك ليس على النساء قتال ولا لهن الطلب بالدماء وإن عليا لأولى
بعثمان منك وأمس رحما فإنهما إبنا عبد مناف. فقالت: لست بمنصرفة حتى أمضى لما قدمت
له أفتظن يا أبا الاسود أن أحدا يقدم على قتالي ؟ فقال: أما والله لتقاتلن قتالا
أهونه الشديد. ثم قام فأتى الزبير فقال: يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم
بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الامر من ابن أبي طالب وأين
هذا المقام من ذاك ؟ ! فذكر له دم عثمان قال: أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغناه.
قال: فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول. فذهب إلى طلحة فوجده مصرا على الحرب والفتنة
فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال: إنها الحرب فتأهب لها. قال: ولما نزل علي (عليه
السلام) البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي: من عائشة بنت أبي بكر الصديق
زوج النبي إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فأقم في بيتك وخذل عن علي وليبلغني
عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي والسلام. فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة
بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر، أمرك أن تقري في بيتك وأمرنا
أن نجاهد، وقد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله فأكون قد صنعت ما
أمرك الله به، وصنعت ما أمرني الله به، فأمرك عندي غير مطاع وكتابك غير مجاب
والسلام.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 136 ]
تاريخ النشر : 2025-08-24