كشف الحق
للعلامة الحلي رحمه الله : روى الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي
استخرجه من التفاسير الاثني عشر : تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان ، وتفسير ابن
جريح ، وتفسير مقاتل بن سليمان ، وتفسير وكيع بن جراح ، وتفسير يوسف بن موسى
القطان ، وتفسير قتادة ، وتفسير أبي عبيدة القاسم بن سلام ، وتفسير علي بن حرب
الطائي ، وتفسير السدي ، وتفسير مجاهد ، وتفسير مقاتل بن حيان ، وتفسير أبي صالح ،
وكلهم من الجماهرة ، عن أنس بن مالك ، قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه
وآله فتذاكرنا رجلا يصلي ويصوم ويتصدق ويزكي ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه
وآله : لا أعرفه .. فقلنا : يا رسول الله! إنه عبد الله ويسبحه ويقدسه ويوحده.
فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : لا أعرفه ، فبينا نحن في ذكر الرجل إذ قد طلع علينا ،
فقلنا : هو ذا ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال لأبي بكر : خذ
سيفي هذا وامض إلى هذا الرجل فاضرب عنقه ، فإنه أول من يأتيه من حزب الشيطان ..
فدخل أبو بكر
المسجد فرآه راكعا ، فقال : والله لا أقتله ، فإن رسول الله (ص) نهانا عن قتل
المصلين ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال :يا رسول الله! إني
رأيته يصلي.
فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : اجلس ، فلست بصاحبه ، قم يا عمر! وخذ سيفي من يد أبي بكر
وادخل المسجد فاضرب عنقه ، قال عمر :فأخذت السيف من أبي بكر ودخلت المسجد فرأيت
الرجل ساجدا ، فقلت : والله لا أقتله فقد استأمنه من هو خير مني ، فرجعت إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله ، فقلت : يا رسول الله إني رأيت الرجل ساجدا.
فقال : يا عمر!
اجلس فلست بصاحبه ، قم يا علي فإنك أنت قاتله ، إن وجدته فاقتله ، فإنك إن قتلته
لم يقع بين أمتي اختلاف أبدا.
قال علي عليه السلام
: فأخذت السيف ودخلت المسجد فلم أره ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
، فقلت : يا رسول الله (ص)! ما رأيته.
فقال : يا أبا
الحسن! إن أمة موسى افترقت إحدى وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار ، وإن
أمة عيسى (ع) افترقت اثنتين وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار ، وإن
أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار. فقلت : يا رسول
الله (ص)! وما الناجية؟.
فقال : المتمسك
بما أنت عليه وأصحابك ، فأنزل الله تعالى في ذلك الرجل : ( ثانِيَ عِطْفِهِ ).
يقول : هذا أول من يظهر من أصحاب البدع والضلالات.
قال ابن عباس :
والله ما قتل ذلك الرجل إلا أمير المؤمنين (ع) يوم صفين ، ثم قال : ( لَهُ فِي
الدُّنْيا خِزْيٌ ) قال القتل : ( وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ
الْحَرِيقِ ) بقتاله علي بن أبي طالب عليه السلام يوم صفين.
قال العلامة
رحمه الله : تضمن الحديث أن أبا بكر وعمر لم يقبلا أمر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ولم يقبلا قوله ، واعتذرا بأنه يصلي ويسجد ، ولم يعلما أن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أعرف بما هو عليه منهما ، ولو لم يكن مستحقا للقتل لم يأمر
الله تعالى نبيه بذلك ، وكيف ظهر إنكار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبي
بكر بقوله : لست بصاحبه ، وامتنع عمر من فعله ، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم حكم بأنه لو قتل لم يقع بين أمتي اختلاف أبدا ، وكرر الأمر بقتله ثلاث
مرات عقيب الإنكار على الشيخين ، وحكم صلى الله عليه وآله وسلم بأن أمته
ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون منها في النار ، وأصل هذا بقاء ذلك
الرجل الذي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشيخين بقتله فلم يقتلاه ،
فكيف يجوز للعامي تقليد من يخالف أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ـ وقال رحمه الله
في الكتاب المذكور : وقد روى عبد الله بن عباس ، وجابر ، وسهل بن حنيف ، وأبو وائل
، والقاضي عبد الجبار ، وأبو علي الجبائي ، وأبو مسلم
الأصفهاني ، ويوسف الثعلبي ، والطبري ، والواقدي ، والزهري ، والبخاري ، والحميدي
في الجمع بين الصحيحين في مسند المسور بن مخرمة في حديث الصلح بين سهيل بن عمرو
وبين النبي صلى الله عليه وآله بالحديبية ، يقول فيه: فقال عمر بن الخطاب :
فأتيت النبي صلى الله عليه [ وآله ] ، فقلت له : ألست نبي الله حقا؟!. قال : بلى.
قلت : ألسنا على
الحق وعدونا على الباطل؟. قال : بلى.
قلت : فلم نعطي
الدنية في ديننا إذا.
قال : إني رسول
الله ولست أعصيه وهو ناصري .. قلت : أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به.
قال عمر : فأتيت أبا بكر ، فقلت : يا أبا بكر! أليس هذا نبي الله حقا؟. قال : بلى.
قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟!. قال : بلى. قلت : فلم نعطي هذه الدنية
في ديننا إذا.
قال : أيها
الرجل! إنه رسول الله ، ولا يعصي لربه وهو ناصره ، فاستمسك بعذره فوالله إنه على
الحق.
قلت : أليس كان
يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به؟!. قال : فأخبرك أنه يأتيه العام؟ قلت : لا.
قال : فإنك آتيه
وتطوف به.
وزاد الثعلبي في
تفسيره عند ذكر سورة الفتح وغيره من الرواة : أن عمر بن الخطاب قال : ما شككت منذ
أسلمت إلا يومئذ.
ثم قال رحمه الله
: فهذا الحديث يدل على تشكيك عمر والإنكار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فيما فعله بأمر الله ، ثم رجوعه إلى أبي بكر حتى أجابه بالصحيح ، وكيف استجاز عمر
أن يوبخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول له ـ عقيب قوله صلى الله عليه
وآله وسلم : إني رسول الله ولست أعصيه ، وهو ناصري أليس كنت تحدثنا أنا سنأتي
البيت ونطوف به؟!.
ـ ثم قال قدس سره
: في الجمع بين الصحيحين في مسند عائشة من
المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعتم بالعشاء حتى ناداه عمر :
الصلاة ! نام النساء والصبيان ، فخرج! وقال : ما كان لكم أن تبرزوا رسول الله صلى
الله عليه وآله على الصلاة ، وذلك حين صاح عمر بن الخطاب. وقد قال الله تعالى :
( لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ
لا تَشْعُرُونَ ) فجعل ذلك محبطا للعمل ، وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ
مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا
حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ).
ـ وقال رحمه الله
: وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب : أنه لما
توفي عبد الله بن أبي سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ليصلي عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله
صلى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول الله (ص)! أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن
تصلي عليه؟!. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما خيرني الله تعالى قال :
( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
سَبْعِينَ مَرَّةً ) ... وسأزيد على السبعين. قال : إنه منافق .. فصلى عليه رسول
الله صلى الله عليه وآله. وهذا رد على النبي صلى الله عليه وآله.
ـ وقال رحمه الله
: وفي الجمع في الصحيحين من مسند عائشة ، قالت : كانت أزواج رسول الله صلى الله عليه
وآله تخرجن [ يخرجن ] ليلا إلى ليل قبل المصانع ، فخرجت سودة بنت زمعة فرآها عمر
وهو في المجلس ، فقال : عرفتك يا سودة! فنزل آية الحجاب عقيب ذلك.
وهو يدل على سوء
أدب عمر حيث كشف ستر زوجة النبي صلى الله عليه وآله ودل عليها أعين الناس
وأخجلها ، وما قصدت بخروجها ليلا إلا الاستتار عن الناس وصيانة نفسها ، وأي ضرورة
له إلى تخجيلها حتى أوجب ذلك نزول آية الحجاب.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 30 / صفحة [ 336 ]
تاريخ النشر : 2025-08-19