كتب التفسير/التفسير المنسوب للامام العسكري (عليه السلام)/الامامة
يا أيها الذين
آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم
الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم
عليه إن الله غفور رحيم.
قال الامام عليه
السلام : قال الله عزوجل : « يا أيها الذين آمنوا » بتوحيد الله ونبوة محمد رسول
الله وبإمامة علي ولي الله « كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله » على ما رزقكم
منها بالمقام على ولاية محمد وعلي ليقيكم الله بذلك شرور الشياطين المردة على
ربهما عزوجل فإنكم كلما جددتم على أنفسكم ولاية محمد وعلي تجدد على مردة الشياطين
لعائن الله ، وأعادكم الله من نفخاتهم ونفثاتهم.
فلما قاله رسول
الله (ص) قيل : يا رسول الله وما نفخاتهم؟ قال : هي ما ينفخون به عند الغضب في
الانسان الذي يحملونه على هلاكه في دينه ودنياه وقد ينفخون في غير حال الغضب بما
يهلكون به أتدرون ما أشد ما ينفخون به هو ما ينفخون بإذنه يوهموه أن أحدا من هذه
الامة فاضل علينا أو عدل لنا أهل البيت ، كلا والله ، بل جعل الله تعالى محمدا (ص)
ثم آل محمد فوق جميع هذه الامة ، كما جعل الله تعالى السماء فوق الأرض وكما زاد
نور الشمس والقمر على السهى.
قال رسول الله
(ص) : وأما نفثاته فأن يرى أحدكم أن شيئا بعد القرآن أشفى له من ذكرنا أهل البيت
ومن الصلوة علينا ، فإن الله عزوجل جعل ذكرنا أهل البيت شفاء للصدور ، وجعل الصلوات
علينا ماحية للأوزار والذنوب ومطهرة من العيوب ومضاعفة للحسنات.
قال الامام عليه
السلام : قال الله « إن كنتم إياه تعبدون » أي إن كنتم إياه تعبدون فاشكروا نعمه
بطاعة من يأمركم بطاعته من محمد وعلي وخلفائهما الطيبين.
ثم قال عزوجل «
إنما حرم عليكم الميتة » التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله فيها «
والدم ولحم الخنزير » أن تأكلوه « وما أهل به لغير الله » ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح وهي التي
يتقرب بها الكفار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله.
ثم قال عزوجل :
« فمن اضطر » إلى شيء من هذه المحرمات « غير باغ » وهو غير باغ عند الضرورة على
إمام هدى « ولا عاد » ولا معتد قوال بالباطل في نبوة من ليس بنبي وإمامة من ليس
بإمام « فلا إثم عليه » في تناول هذه الأشياء « إن الله غفور رحيم » ستار لعيوبكم
أيها المؤمنون ، رحيم بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرمه في الرخاء.
قال علي بن
الحسين عليه السلام قال رسول الله (ص) : يا عباد الله اتقوا المحرمات كلها
واعلموا أن غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة ال محمد أعظم في التحريم من الميتة قال
الله تعالى « ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه».
وإن الدم أخف في
التحريم عليكم أكله من أن يشي أحدكم بأخيه المؤمن من شيعة آل محمد (ص) إلى سلطان
جائر فانه حينئذ قد أهلك نفسه وأخاه المؤمن والسلطان الذي وشى به إليه.
وإن لحم الخنزير
أخف تحريما من تعظيمكم من صغره الله ، وتسميتكم بأسمائنا أهل البيت ، تلقبكم
بألقابنا من سماه الله بأسماء الفاسقين ولقبه بألقاب الفاجرين.
وإن ما اهل به
لغير الله أخف تحريما عليكم من أن تعتقدوا نكاحا أو صلاة جماعة بأسماء أعدائنا
الغاصبين لحقوقنا إذا لم يكن عليكم منهم تقية ، قال الله عزوجل : « فمن اضطر » إلى
شيء من هذه المحرمات « غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه » من اضطره اللهو إلى تناول
شيء من هذه المحرمات وهو معتقد لطاعة الله تعالى إذا زالت التقية فلا إثم عليه.
فكذلك فمن اضطر
إلى الوقيعة في بعض المؤمنين ليدفع عنه أو عن نفسه بذلك الهلاك من الكافرين
الناصبين ، ومن وشى به أخوه المومن أو وشى بجماعة المسلمين ليهلكهم فانتصر لنفسه
ووشى به وحده بما يعرفه من عيوبه التي لا يكذب فيها ، ومن عظم مهانا في حكم الله
أو أوهم الازراء على عظيم في دين الله بالتقية عليه وعلى نفسه ، ومن سماهم بالأسماء
الشريفة خوفا على نفسه ومن تقبل أحكامهم تقية فلا إثم عليه في ذلك ، لان الله
تعالى وسع لهم في التقية.
ونظر الباقر
عليه السلام إلى بعض شيعته وقد دخل خلف بعض المنافقين إلى الصلاة وأحس الشيعي بأن
الباقر عليه السلام قد عرف ذلك منه فقصده وقال : أعتذر إليك يا بن رسول الله من
صلاتي خلف فلان فاني أتقيه ، ولولا ذلك لصليت وحدي.
فقال له الباقر
عليه السلام : يا أخي إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت ، يا عبد الله المؤمن ما
زالت ملائكة السماوات السبع والارضين السبع تصلي عليك وتلعن إمامك ذاك ، وإن الله
تعالى أمر أن تحسب لك صلاتك خلفه للتقية بسبعمائة صلاة لو صليتها وحدك ، فعليك
بالتقية ، واعلم أن الله تعالى يمقت المتقى منه فلا ترض لنفسك أن تكون منزلتك عنده
كمنزلة أعدائه.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 26 / صفحة [ 233 ]
تاريخ النشر : 2025-05-17