اليوم : الأثنين ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ المصادف ۲۰ آيار۲۰۲٤م

كتب التفسير
تفسير مجمع البيان
التفسير المنسوب للامام العسكري (عليه السلام)
تفسير علي بن إبراهيم(تفسير القمي)
تفسير فرات بن إبراهيم
تفسير العياشي
تفاسير متفرقة
كتب التفسير/تفسير مجمع البيان/الجنة والنار
اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة...
تاريخ النشر : 2023-05-30
قال الطبرسي قدس سره " فإن لم تفعلوا " أي لم تأتوا بسورة من مثله وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم عليه " ولن تفعلوا " أي ولن تأتوا بسورة من مثله أبدا " فاتقوا النار " أي فاحذروا أن تصلوا النار بتكذيبه " التي وقودها " أي حطبها " الناس والحجارة ": قيل: إنها حجارة الكبريت لأنها أحر شيء إذا احميت، عن ابن عباس وابن مسعود. والظاهر أن المراد بها أصنامهم المنحوتة من الحجارة كقوله: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " وقيل: ذكر الحجارة دليل على عظم تلك النار لأنها لا تأكل الحجارة إلا وهي في غاية الفظاعة والهول، وقيل: معناه أن أجسادهم تبقى على النار بقاء الحجارة التي توقد بها النار بتبقية الله إياها، ويؤيد ذلك قوله: " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها " وقيل: معناه أنهم يعذبون بالحجارة المحمية بالنار " اعدت للكافرين " أي خلقت وهيئت لهم، لأنهم الذين يخلدون فيها، ولأنهم أكثر أهل النار فأضيفت إليهم، وقيل: إنما خص النار بكونها معدة للكافرين وإن كانت معدة للفاسقين أيضا لأنه يريد بذلك نارا مخصوصة لا يدخلها غيرهم، كما قال: " إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار " واستدل بهذه الآية على أن النار مخلوقة الآن، لان المعد لا يكون إلا موجودا، وكذلك الجنة بقوله: " اعدت للمتقين " والفائدة في ذلك أنا وإن لم نشاهدهما فإن الملائكة يشاهدونهما وهم من أهل التكليف والاستدلال فيعرفون ثواب الله للمتقين وعقابه للكافرين. وفي قوله سبحانه: " وقالوا " أي اليهود " لن تمسنا النار " أي لن تصيبنا " إلا أياما معدودة " أي أياما قلائل كقوله: " دراهم معدودة " وقيل: معدودة: محصاة، قال ابن عباس ومجاهد: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة واليهود تزعم أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما واحدا ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال أبو العالية وعكرمة وقتادة: هي أربعون يوما، لأنها عدد الايام التي عبدوا فيها العجل، فقال سبحانه: " قل " يا محمد لهم " أتخذتم عند الله عهدا " أي موثقا لان لا يعذبكم إلا هذه المدة، وعرفتم ذلك بوحيه وتنزيله ؟ فإن كان ذلك فالله سبحانه لا ينقض عهده وميثاقه " أم تقولون على الله مالا تعلمون " أي الباطل جهلا منكم به وجرأة عليه، ثم رد عليهم فقال: " بلى " أي ليس الامر كما قالوا، ولكن " من كسب سيئة " اختلف في السيئة فقال ابن عباس وغيره: السيئة هنا الشرك، وقال الحسن: هي الكبيرة الموجبة، وقال السدي: هي الذنوب التي أوعد الله عليها النار، والقول الاول يوافق مذهبنا لان ما عدا الشرك لا يستحق به الخلود في النار عندنا، وقوله: " وأحاطت به خطيئته " يحتمل أمرين: أحدهما أنها أحدقت به من كل جانب والثاني أن المعنى: أهلكته، من قوله: " إلا أن يحاط بكم وقوله: فظنوا أنهم احيط بهم " وقوله: " واحيط بثمره فهذا كله بمعنى البوار والهلكة، والمراد أنها سدت عليه طريق النجاة " فأولئك أصحاب النار " أي يصحبونها ويلازمونها " هم فيها خالدون " أي دائمون أبدا، والذي يليق بمذهبنا من تفسير هذه الآية قول ابن عباس، لان أهل الايمان لا يدخلونها في حكم الآية. وقوله: " وأحاطت به خطيئته " يقوي ذلك لان المعنى: قد اشتملت خطاياه عليه وأحدقت به حتى لا يجد عنها مخلصا ولا مخرجا، ولو كان معه شئ من الطاعات لم تكن السيئة محيطة به من كل وجه، وقد دل الدليل على بطلان التحابط، ولان قوله: والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " فيه وعد لأهل التصديق والطاعة بالثواب الدائم، فكيف يجتمع الثواب الدائم مع العقاب الدائم ؟ ويدل أيضا على أن المراد بالسيئة في الآية الشرك أن سيئة واحدة لا تحبط جميع الاعمال عند أكثر الخصوم، فلا يمكن إذا إجراء الآية على العموم، فيجب أن تحمل على أكبر السيئات وهو الشرك ليمكن الجمع بين الآيتين. وفي قوله تعالى: " ولا هم ينظرون " أي لا يمهلون للاعتذار، وقيل: معناه: لا يؤخر العذاب عنهم بل عذابهم حاضر. وقال البيضاوي في قوله تعالى: " ولو يرى الذين ظلموا ": أي ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتخاذ الانداد " إذ يرون العذاب " إذ عاينوه يوم القيامة، و أجرى المستقبل مجرى الماضي لتحققه كقوله: " ونادى أصحاب الجنة " " أن القوة لله جميعا " ساد مسد مفعولي يرى، وجواب (لو) محذوف أي لو يعلمون أن القدرة لله جميعا إذ عاينوا العذاب لندموا أشد الندم، وقيل: هو متعلق الجواب والمفعولان محذوفان، والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع لعلموا أن القوة لله كلها، لا ينفع ولا يضر غيره، وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب: (ولو ترى) على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله أي لو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما، وابن عامر: (إذ يرون) على البناء للمفعول، ويعقوب: (إن) بالكسر، وكذا و " إن الله شديد العقاب " على الاستيناف أو إضمار القول " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " بدل من إذ يرون، أي إذ تبرأ المتبوعون من الاتباع، وقرئ بالعكس أي تبرأ الاتباع من الرؤساء " ورأوا العذاب " أي رائين له، والواو للحال وقد مضمرة، وقيل: عطف على تبرأ " وتقطعت بهم الاسباب " يحتمل العطف على تبرأ أو رأوا والحال، والأول أظهر، والاسباب الوصل التي كانت بينهم من الاتباع والاتفاق على الدين والاغراض الداعية إلى ذلك، وأصل السبب الحبل الذي يرتقي به الشجر " لو أن لنا كرة " لو للتمني ولذلك اجيب بالفاء، أي يا ليت لنا كرة إلى الدنيا " فنتبرأ منهم " " حسرات عليهم " ندامات وهي ثالث مفاعيل يرى إن كان من رؤية القلب وإلا فحال. وفي قوله سبحانه: " أخذته العزة بالإثم " حملته الانفة وحمية الجاهلية على الاثم الذي يؤمر باتقائه لجاجا، من قولك: أخذته بكذا: إذا حملته عليه وألزمته إياه " فحسبه جهنم " كفته جزاء وعذابا، وجهنم علم دار العقاب، وهو في الاصل مرادف للنار، وقيل: معرب " ولبئس المهاد " جواب قسم مقدر، والمخصوص بالذم محذوف للعلم به، والمهاد: الفراش، وقيل: ما يوطئ للجنب. وفي قوله: " إن الذين كفروا " عام في الكفرة، وقيل: المراد به وفد نجران أو اليهود أو مشركو العرب " من الله شيئا " أي من رحمته أو طاعته على معنى البدلية، أو من عذابه " واولئك هم وقود النار " حطبها " كدأب آل فرعون " متصل بما قبله، أي لن تغني عنهم كما لم تغن عن اولئك، أو يوقد بهم كما يوقد بأولئك، أو استيناف مرفوع المحل، وتقديره: دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب " والذين من قبلهم " عطف على آل فرعون، وقيل: استيناف " كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم " حال بإضمار قد، أو استيناف بتفسير حالهم، أو خبر إن ابتدأت بالذين من قبلهم. " وفي قوله تعالى: " وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون " من أن النار لن تمسهم إلا أياما قلائل، أو أن آباءهم الانبياء يشفعون لهم، أو أنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم. وفي قوله: " ملء الأرض ذهبا " ملء الشيء : ما يملؤه، وذهبا نصب على التمييز " ولو افتدى به " محمول على المعنى، كأنه قيل: فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الارض ذهبا، أو معطوف على مضمر تقديره: فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا لو تقرب به في الدنيا، ولو افتدى به من العذاب في الآخرة، أو المراد: ولو افتدى بمثله، والمثل يحذف ويراد كثيرا، لان المثلين في حكم شيء واحد. وفي قوله: "اعدت للكافرين " فيه تنبيه على أن النار بالذات معدة للكفار، وبالعرض للعصاة. وفي قوله تعالى: " فمن زحزح عن النار " فمن بعد عنها، والزحزحة في الاصل تكرير الزح وهو الجذب بعجلة. وفي قوله تعالى: " بمفازة " بمنجاة " من العذاب " أي فائزين بالنجاة منه. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله سبحانه: " إنما يأكلون في بطونهم نارا " قيل فيه وجهان: أحدهما: أن النار تلتهب من أفواههم وأسماعهم وآنافهم يوم القيامة ليعلم أهل الموقف أنهم آكلة أموال اليتامى. وروي عن الباقر عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجج أفواههم نارا، فقيل له: يا رسول الله من هؤلاء ؟ فقرأ هذه الآية. والآخر أنه ذكر ذلك على وجه المثل من حيث إن من فعل ذلك يصير إلى جهنم فيمتلئ بالنار أجوافهم عقابا على أكلهم مال اليتيم " وسيصلون سعيرا " النار المسعرة للإحراق، وإنما ذكر البطون تأكيدا. وفي قوله: تعالى: " ويتعد حدوده " أي يتجاوز ما حد له من الطاعات " فله عذاب مهين " سماه مهينا لان الله يجعله على وجه الاهانة، ومن استدل بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة من أهل الصلاة مخلد في النار ومعاقب لا محالة فقوله بعيد، لان قوله تعالى: " ويتعد حدوده " يدل على أن المراد به من يتعدى جميع حدود الله، وهذه صفة الكفار، ولان صاحب الصغيرة بلا خلاف خارج من عموم الآية وإن كان فاعلا للمعصية ومتعديا حدا من حدود الله، فإذا جاز لهذا القائل إخراجه منه بدليل جاز لغيره أن يخرج من عمومها من يشفع له النبي صلى الله عليه وآله، أو يتفضل الله عليهم بالعفو بدليل آخر، وأيضا فإن التائب لا بد من إخراجه من عموم الآية لقيام الدليل على وجوب قبول التوبة، فكذلك يجب إخراج من يتفضل الله عليه بإسقاط عقابه منها لقيام الدلالة على جواز وقوع التفضل بالعفو، فإن جعلوا الآية دالة على أن الله سبحانه لا يختار العفو جاز لغيرهم أن يجعلها دالة على أن العاصي لا يختار التوبة، على أن في المفسرين من حمل الآية على من تعدى حدود الله وعصاه مستحلا لذلك ومن كان كذلك لا يكون إلا كافرا. وفي قوله: " فسوف نصليه نارا " أي نجعله صلى نار ونحرقه بها. وفي قوله تعالى: " وكفى بجنهم سعيرا " أي كفى هؤلاء المعرضين عنه في العذاب النازل بهم عذاب جهنم نارا موقدة إيقادا شديدا، يريد بذلك أنه إن صرف عنهم بعض العذاب في الدنيا فقد أعد لهم جهنم في العقبى " كلما نضجت جلودهم " قيل فيه أقوال: أحدها أن الله سبحانه يجدد لهم جلودا غير الجلود التي احترقت على ظاهر القرآن. ومن قال: على هذا إن الجلد المجدد لم يذنب فكيف يعذب ؟ فجوابه: أن المعذب الحي، ولا اعتبار بالأطراف والجلود، وقال علي بن عيسى: إن ما يزاد لا يألم ولا هو بعض لما يألم، وإنما هو شيء يصل به الالم إلى المستحق له. وثانيها: أن الله سبحانه يجددها بأن يردها إلى الحالة الاولى التي كانت عليها غير محترقة، كما يقال: جئتني بغير ذلك الوجه، إذا كان قد تغير وجهه من الحالة الاولى، وكما إذا انكسر الخاتم فاتخذ منه خاتم آخر، فيقال: هذا غير الخاتم الاول وإن كان أصلهما واحدا، فعلى هذا يكون الجلد واحدا وإنما يتغير عليه الاحوال، وهو اختيار الزجاج والبلخي وأبي علي الجبائي. وثالثها: أن التبديل إنما هو للسرابيل التي ذكرها الله سبحانه: " سرابيلهم من قطران " وسميت السرابيل الجلود على المجاورة للزومها الجلود، وهذا ترك للظاهر بغير دليل، وعلى القولين الاخيرين لا يلزم سؤال التعذيب لغير العاصي، فأما من قال: إن الانسان غير هذه الجملة المشاهدة وإنها المعذب في الحقيقة فقد تخلص من هذا السؤال. وقوله: " ليذوقوا العذاب " معناه: ليجدوا ألم العذاب، وإنما قال ذلك ليبين أنهم كالمبتدأ عليهم العذاب في كل حال، فيحسون في كل حالة ألما، لا كمن يستمر به الشيء فيكون أخف عليه. وروى الكلبي عن الحسن قال: بلغنا أن جلودهم تنضح كل يوم سبعين ألف مرة. وفي قوله تعالى: " فجزاؤه جهنم خالدا فيها " قال جماعة من التابعين: إن قوله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء نزلت بعد هذه الآية، وقال أبو محلز : هي جزاؤه إن جازاه، ويروى هذا أيضا عن أبي صالح. ورواه العياشي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس أنه قال: هي جزاؤه فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له. وروي عن أبي صالح وبكر بن عبد الله وغيرهما أنه كما يقول الانسان لمن يزجره عن أمر: إن فعلت فجزاؤك القتل والضرب، ثم إن لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا، ومن تعلق بها من أهل الوعيد في أن مرتكب الكبيرة لابد أن يخلد في النار فإنا نقول له: ما أنكرت أن يكون المراد به من لا ثواب له أصلا بأن يكون كافرا أو يكون قتله مستحلا لقتله، أو قتله لأجل إيمانه ؟ كما رواه العياشي عن الصادق عليه السلام. وفي قوله تعالى: " اولئك مأويهم " أي مستقرهم جميعا " جهنم ولا يجدون عنها محيصا " أي مخلصا ولا مهربا ولا معدلا. وفي قوله سبحانه: " في الدرك الاسفل من النار " أي في الطبق الاسفل من النار، فإن النار طبقات ودركات كما أن الجنة درجات فيكون المنافق في أسفل طبقة منها لقبح فعله، وقيل: إن المنافقين في توابيت من حديد مغلقة عليهم في النار، عن ابن مسعود وابن عباس، وقيل: إن الادراك يجوز أن يكون منازل بعضها أسفل من بعض بالمسافة، ويجوز أن يكون ذلك إخبارا عن بلوغ الغاية في العقاب، كما يقال: إن السلطان بلغ فلانا الحضيض، وبلغ فلانا العرش. يريدون بذلك انحطاط المنزلة وعلوها لا المسافة. وفي قوله تعالى: " يريدون أن يخرجوا من النار " أي يتمنون، وقيل: معناه الارادة الحقيقية، أي كلما دفعتهم النار بلهبها، رجوا أن يخرجوا منها، وقيل: معناه يكادون يخرجون منها إذا دفعتهم النار بلهبها، كما قال سبحانه: " جدارا يريد أن ينقض فأقامه " وفي قوله تعالى: لهم شراب من حميم " أي ماء مغلي حار. وفي قوله تعالى: " والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " أي يجمعون إلى النار " ليميز الله الخبيث من الطيب " معناه: ليمز الله نفقة الكافرين من نفقة المؤمنين " ويجعل الخبيث بعضه على بعض " أي ويجعل نفقة المشركين بعضها فوق بعض " فيركمه " أي فيجمعه " جميعا " في الآخرة " فيجعله في جهنم " فيعاقبهم به، كما قال: " يوم يحمى عليها في نار جهنم " الآية، وقيل: معناه ليميز الله الكافر من المؤمن في الدنيا بالغلبة والنصر والاسماء الحسنة والاحكام المخصوصة، وفي الآخرة بالثواب والجنة، عن أبي مسلم، وقيل: بأن يجعل الكافر في جهنم والمؤمن في الجنة " ويجعل الخبيث بعضه على بعض " في جهنم يضيقها عليهم " فيركمه جميعا " أي يجمع الخبيث حتى يصير كالسحاب المركوم، بأن يكون بعضهم فوق بعض في النار مجتمعين فيها " فيجعله في جهنم " أي فيدخله جهنم " اولئك هم الخاسرون " قد خسروا أنفسهم، لانهم اشتروا بإنفاق الاموال في المعصية عذاب الله في الآخرة. وفي قوله سبحانه: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله " أي يجمعون المال ولا يؤدون زكاته. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: كل مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا، وكل مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الارض. وعن على عليه السلام: ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز أدى زكاته أولم تؤد، وما دونها فهو نفقة. " فبشرهم بعذاب أليم " أي أخبرهم بعذاب موجع " يوم يحمى عليها في نار جهنم " أي يوقد على الكنوز، أو على الذهب والفضة في نار جهنم حتى تصير نارا " فتكوى بها " أي بتلك الكنوز المُحمات والاموال التي منعوا حق الله فيها بأعيانها " جباههم وجنوبهم وظهورهم " وإنما خص هذه الاعضاء لأنها معظم البدن، وكان أبو ذر الغفاري يقول: بشر الكانزين بكي في الجباه وكي في الجنوب، وكي في الظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم. ولهذا المعنى الذي أشار إليه أبو ذر خصت هذه المواضع بالكي، لان داخلها جوف بخلاف اليد والرجل. وقيل: إنما خصت هذه المواضع لان الجبهة محل الوسم لظهورها، والجنب محل الالم، والظهر محل الحدود، وقيل: لان الجبهة محل السجود فلم يقم فيه بحقه، والجنب يقابل القلب الذي لم يخلص في معتقده، والظهر محل الاوزار قال: " يحملون أوزارهم على ظهورهم " وقيل: لان صاحب المال إذا رأى الفقير قبض جبهته، وزوى ما بين عينيه، وطوى عنه كشحه وولاه ظهره " هذا ما كنزتم لأنفسكم " أي يقال لهم في حال الكي أو بعده: هذا جزاء ما كنزتم وجمعتم المال ولم تؤدوا حق الله عنها " فذوقوا ما كنتم تكنزون " أي فذوقوا العذاب بسبب ما كنزتم. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من عبد له مال ولا يؤدي زكاته إلا جمع يوم القيامة صفائح يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنباه وظهره حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. وروي عن أبي ذر أنه قال: من ترك بيضاء أو حمراء كوي بها يوم القيامة. وفي قوله: " وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " أي ستحيط بهم فلا مخلص لهم منها. وفي قوله تعالى: " من يحادد الله ورسوله ": أي من يجاوز حدود الله التي أمر المكلفين أن لا يتجاوزوها. وفي قوله تعالى: " فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا " هذا تهديد لهم في صورة الامر أي فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا، لان ذلك يفنى وإن دام إلى الموت، ولان الضحك في الدنيا قليل لكثرة احزانها وهمومها، وليبكوا كثيرا في الآخرة لان ذلك يوم مقداره خمسون ألف سنة، وهم فيه يبكون فصار بكاؤهم كثيرا. قال ابن عباس: إن أهل النفاق ليبكون في النار مدة عمر الدنيا ولا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم. وفي قوله: " على شفا جرف " الشفا: حرف الشيء وشفيره، وحرفه: نهايته في المساحة، وجرف الوادي: جانبه الذي ينحفر بالماء أصله، وهار البناء وانهار وتهور: تساقط. وفي قوله سبحانه: " من ورائه جهنم " أي بين يدي هذا الجبار، أو من خلفه " ويسقى من ماء صديد " أي يسقى مما يسيل من الدم والقيح من فروج الزواني في النار، عن أبي عبد الله عليه السلام وأكثر المفسرين، أي لونه لون الماء وطعمه طعم الصديد. وروى أبو أمامة، عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله: " ويسقى من ماء صديد " قال: يقرب إليه فيكرهه فإذا ادني منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه، فإذا شرب قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله عزوجل: " وسقوا ماء حميما فقطع أمعائهم " و يقول: " وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ". وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن مات وفي بطنه شئ من ذلك كان حقا على الله أن يسقيه من طينة خبال وهو صديد أهل النار وما يخرج من فروح الزناة، فيجتمع ذلك في قدور جهنم فيشربه أهل النار فيصهر به ما في بطونهم والجلود. رواه شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام. " يتجرعه " أي يشرب ذلك الصديد جرعة " ولا يكاد يسيغه " أي لا يقارب أن يشربه تكرها له وهو يشربه، والمعنى أن نفسه لا تقبله لحرارته ونتنه ولكن يكره عليه " ويأتيه الموت من كل مكان " أي يأتيه شدائد الموت وسكراته من كل موضع من جسده، ظاهره وباطنه حتى يأتيه من أطراف شعره، وقيل: يحضره الموت من كل موضع، ويأخذه من كل جانب، من فوقه وتحته وعن يمينه وشماله وقدامه وخلفه، عن ابن عباس والجبائي. " وما هو بميت " أي ومع إتيان أسباب الموت والشدائد التي يكون معها الموت من كل جهة لا يموت فيستريح " ومن ورائه " أي ومن وراء هذا الكافر " عذاب غليظ " وهو الخلود في النار، وقيل: معناه: ومن بعد هذا العذاب الذي سبق ذكره عذاب أوجع وأشد مما تقدم وفي قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا " يحتمل أن يكون المراد: عرفوا نعمة الله بمحمد، أي عرفوا محمدا ثم كفروا به فبدلوا مكان الشكر كفرا. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز. ويحتمل أن يكون المراد جميع نعم الله على العموم، بدلوها أقبح التبديل، إذ جعلوا مكان شكرها الكفر بها " وأحلوا قومهم دار البوار " أي أنزلوا قومهم دار الهلاك بأن أخرجوهم إلى بدر، وقيل: هي النار بدعائهم إياهم إلى الكفر " جهنم يصلونها " تفسير لدار البوار " وبئس القرار " قرار من قراره النار. وفي قوله تعالى: " وإن جهنم لموعدهم أجمعين " أي موعد إبليس ومن تبعه " لها سبعة أبواب " فيه قولان: أحدهما ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أن جهنم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض - ووضع إحدى يديه على الاخرى فقال: هكذا - وأن الله وضع الجنان على العرض، ووضع النيران بعضها فوق بعض، فأسفلها جهنم وفوقها لظى، وفوقها الحطمة، وفوقها سقر، وفوقها الجحيم، وفوقها السعير، وفوقها الهاوية. وفي رواية الكلبي: أسفلها الهاوية، وأعلاها جهنم. وعن ابن عباس أن الباب الأول جهنم، والثاني سعير، والثالث سقر، والرابع جحيم، والخامس لظى، والسادس الحطمة، والسابع الهاوية. اختلفت الروايات في ذلك كما ترى، وهو قول مجاهد وعكرمة والجبائي، قالوا: إن أبواب النيران كإطباق اليد على اليد. والآخر ما روى عن الضحاك قال: للنار سبعة أبواب، وهي سبعة أدراك، بعضها فوق بعض، فأعلاها فيه أهل التوحيد يعذبون على قدر أعمالهم في الدنيا ثم يخرجون، والثاني فيه اليهود والثالث فيه النصارى، والرابع فيه الصابؤون، والخامس فيه المجوس، والسادس فيه مشركو العرب، والسابع فيه المنافقون، وذلك أن المنافقين في الدرك الاسفل من النار. وهو قول الحسن وأبي مسلم، والقولان متقاربان " لكل باب منهم " أي من الغاوين " جزء مقسوم " أي نصيب معروف. وفي قوله: " وإذا رأى الذين أشركوا شركائهم " يعني الاصنام والشياطين، والذين أشركوهم مع الله في العبادة، وقيل: سماهم شركاءهم لانهم جعلوا لهم نصيبا من الزرع والانعام، فهي إذا شركاؤهم على زعمهم " قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك " أي يقولون هؤلاء شركاؤنا التي أشركناها معك في الالهية و العبادة، وأضلونا عن دينك، فحملهم بعض عذابنا " فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون " أي فقالت الاصنام وسائر ما كانوا يعبدونه من دون الله بإنطاق الله إياها لهؤلاء: إنكم لكاذبون في أنا أمرناكم بعبادتنا، ولكنكم اخترتم الضلال بسوء اختياركم لأنفسكم، وقيل: إنكم لكاذبون في قولكم: إنا آلهة " وألقوا إلى الله يومئذ السلم " أي استسلم المشركون وما عبدوهم من دون الله لأمر الله وانقادوا لحكمه يومئذ، وقيل: معناه أن المشركين زال عنهم نخوة الجاهلية وانقادوا قسرا لا اختيارا، واعترفوا بما كانوا ينكرونه من توحيد الله " وضل عنهم ما كانوا يفترون " أي وبطل ما كانوا يأملونه ويتمنونه من الاماني الكاذبة من أن آلهتهم تشفع لهم وتنفع. قوله تعالى: " زدناهم عذابا فوق العذاب " أي عذبناهم على صدهم عن دين الله زيادة على عذاب الكفر، وقيل: زدناهم الافاعي والعقارب في النار لها أنياب كالنخل الطوال، عن ابن مسعود، وقيل: هي أنهار من صفر مذاب كالنار يعذبون بها عن ابن عباس وغيره، وقيل: زيدوا حيات كأمثال الفيل والبخت، والعقارب كالبغال الدلم عن ابن جبير. وفي قوله: " حصيرا " أي سجنا ومحبسا. وفي قوله: " مدحورا " أي مبعدا من رحمة الله. وفي قوله تعالى: " كلما خبت زدناهم سعيرا " أي كلما سكن التهابها زدناهم اشتعالا، ويكون كذلك دائما. فإن قيل: كيف يبقى الحي حيا في تلك الحالة من الاحتراق دائما ؟ قلنا: إن الله قادر على أن يمنع وصول النار إلى مقاتلهم. وفي قوله تعالى: " إنا أعتدنا " أي هيأنا " للظالمين " أي الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله تعالى " نارا أحاط بهم سرادقها " والسرادق: حائط من النار يحيط بهم، عن ابن عباس، وقيل: هو دخان النار ولهبها يصل إليهم قبل وصولهم إليها وهو الذي في قوله: " إلى ظل ذي ثلاث شعب " عن قتادة، وقيل: أراد أن النار أحاطت بهم من جميع جوانبهم، فشبه ذلك بالسرادق، عن أبي مسلم " وإن يستغيثوا " من شدة العطش وحر النار " يغاثوا بماء كالمهل " وهو شئ أذيب كالنحاس والرصاص والصفر، عن ابن مسعود، وقيل: هو كعكر الزيت، إذا قرب إليه سقطت فروة رأسه روي ذلك مرفوعا، كدردي الزيت عن ابن عباس، وقيل: هو القيح والدم، عن مجاهد، وقيل: هو الذي انتهى حره، عن ابن جبير، وقيل: إنه ماء أسود وإن جهنم سوداء، وماؤها أسود، وشجرها أسود، وأهلها سود، عن الضحاك " يشوي الوجوه " أي ينضجها عند دنوه منها ويحرقها، وإنما جعل سبحانه ذلك إغاثة ؟ لاقترانه بذكر الاستغاثة " بئس الشراب " ذلك المهل " وساءت " النار " مرتفقا " أي متكأ لهم، وقيل: ساءت مجتمعا، مأخوذا من المرافقة وهي الاجتماع عن مجاهد، وقيل: منزلا مستقرا عن ابن عباس. وفي قوله: " إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " أي منزلا، وقيل: أي معدة مهيأة لهم عندنا كما يهيأ النزل للضيف. وفي قوله تعالى: " لنحشرنهم والشياطين " أي لنجمعنهم ولنبعثنهم من قبورهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين، وقيل: ولنحشرنهم ولنحشرن الشياطين أيضا " ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا " أي مستوفزين على الركب، والمعنى: يجثون حول جهنم متخاصمين، ويتبرأ بعضهم من بعض، لان المحاسبة تكون بقرب جهنم، وقيل: جثيا أي جماعات جماعات، عن ابن عباس، كأنه قيل: زمرا، وهي جمع جثوة وهي المجموع من التراب والحجارة، وقيل: معناه: قياما على الركب، وذلك لضيق المكان بهم لا يمكنهم أن يجلسوا " ثم لننزعن من كل شيعة " أي لنستخرجن من كل جماعة " أيهم أشد على الرحمن عتيا " أي الأعتى فالأعتى منهم، قال قتادة: لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤوسهم في الشر، والعتي ههنا مصدر كالعتو وهو التمرد في العصيان، وقيل: نبدء بالأكبر جرما فالأكبر، عن مجاهد وأبي الاحوص " ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا " أي نحن أعلم بالذين هم أولى بشدة العذاب " وإن منكم إلا واردها " أي ما منكم واحد إلا واردها، والهاء راجعة إلى جهنم، فاختلف العلماء في معنى الورود على قولين: أحدهما أن ورودها هو الوصول إليها والاشراف عليها لا الدخول فيها، كقوله تعالى: " ولما ورد ماء مدين " وقوله سبحانه: " فأرسلوا واردهم " وقال الزجاج: والحجة القاطعة في ذلك قوله سبحانه: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها " فهذا يدل على أن أهل الحسنى لا يدخلون النار، قالوا: فمعناه أنهم واردون حول جهنم للمحاسبة، ويدل عليه قوله: " ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا " ثم يدخل النار من هو أهلها، وقال بعضهم: إن معناه أنهم واردون عرصة القيامة التي تجمع كل بر وفاجر. والآخر أن ورودها دخولها بدلالة قوله: " فأوردهم النار " وقوله: " أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها " وهو قول ابن عباس وجابر وأكثر المفسرين ويدل عليه قوله: " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " ولم يقل: وندخل الظالمين، وإنما يقال: نذر ونترك للشيء الذي قد حصل في مكانه، ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم: إنه للمشركين خاصة، ويكون قوله: " وإن منكم " المراد به إن منهم " وروي في الشواذ عن ابن عباس أنه قرأ: " وإن منهم " وقال الاكثرون أنه خطاب لجميع المكلفين فلا يبقى مؤمن ولا فاجر إلا ويدخلها، فيكون بردا وسلاما على المؤمنين، وعذابا لازما للكافرين، قال السدي: سألت مرة الهمداني عن هذه الآية فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يرد الناس النار ثم يصدرون بأعمالهم، فأولهم كلمع البرق، ثم كمر الريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب، ثم كشد الرجل، ثم كمشيه وروى أبو صالح غالب بن سليمان، عن كثير بن زياد، عن أبي سمينة قال: اختلفنا في الورود، فقال قوم: لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون: يدخلونها جميعا ثم ينجى الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فأومأ بإصبعه إلى اذنيه فقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا يدخلها، تكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى أن للنار - أو قال لجهنم - ضجيجا من بردها ثم ينجى الذين اتقوا. وروي مرفوعا عن يعلى بن منبه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يقول النار للمؤمنين يوم القيامة: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن معنى الآية فقال: إن الله تعالى يجعل النار كالسمن الجامد، ويجتمع عليها الخلق، ثم ينادي المنادي: أن خذي أصحابك وذري أصحابي، فوالذي نفسي بيده لهي أعرف بأصحابها من الوالدة بولدها. وروي عن الحسن أنه رأى رجلا يضحك فقال: هل علمت أنك وارد النار ؟ فقال: نعم، قال: وهل علمت أنك خارج منها ؟ قال: لا، قال: ففيم هذا الضحك ؟ وكان الحسن لم ير ضاحكا قط حتى مات. وقيل: إن الفائدة في ذلك ما روي في بعض الاخبار أن الله تعالى لا يدخل أحدا الجنة حتى يطلعه على النار وما فيها من العذاب ليعلم تمام فضل الله عليه وكمال لطفه وإحسانه إليه فيزداد لذلك فرحا وسرورا بالجنة ونعيمها، ولا يدخل أحدا النار حتى يطلعه على الجنة وما فيها من أنواع النعيم والثواب ليكون ذلك زيادة عقوبة له وحسرة على ما فاته من الجنة ونعيمها. وقال مجاهد: الحمى حظ كل مؤمن من النار، ثم قرأ: " وإن منكم إلا واردها " فعلى هذا من حم من المؤمنين فقد وردها. وقد ورد في الخبر أن الحمى من قيح جهنم. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله عاد مريضا فقال: ابشر إن الله يقول: الحمى هي ناري، اسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا ليكون حظه من النار. " كان على ربك حتما مقضيا " أي كائنا واقعا لا محالة، قد قضى بأنه يكون " ثم ننجي الذين التقوا " الشرك وصدقوا، عن ابن عباس " ونذر الظالمين " أي ونقر المشركين والكفار على حالهم " فيها جثيا " أي باركين على ركبهم، وقيل: جماعات، وقيل: إن المراد بالظالمين كل ظالم وعاص. وقال البيضاوي في قوله تعالى: " وإن منكم إلا واردها ": إلا واصلها وحاضر دونها يمر، بها المؤمنون وهي خامدة، وتنهار بغيرهم. وعن جابر أنه عليه السلام سئل عنه فقال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض: أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم: قد وردتموها وهي خامدة. وأما قوله تعالى: " أولئك عنها مبعدون " فالمراد من عذابها، وقيل: ورودها الجواز على الصراط فإنه محدود عليها. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله: " إنه من يأت ربه مجرما " قال ابن عباس في رواية الضحاك: المجرم: الكافر، وفي رواية عطاء يعني الذي أجرم وفعل مثل ما فعل فرعون " فإن له نار جهنم لا يموت فيها " فيستريح من العذاب " ولا يحيى " حياة فيها راحة، بل هو معاقب بأنواع العقاب. وفي قوله تعالى: " إنكم وما تعبدون من دون الله " يعني الاوثان " حصب جهنم " أي وقودها، عن ابن عباس، وقيل: حطبها، وأصل الحصب: الرمي، فالمراد أنهم يرمون فيها كما يرمى بالحصى، ويسأل على هذا فيقال: إن عيسى عليه السلام عبد، والملائكة قد عبدوا والجواب أنهم لا يدخلون في الآية لان (ما) لما لا يعقل، ولان الخطاب لأهل مكة وإنما كانوا يعبدون الاصنام. فإن قيل: وأي فائدة في إدخال الاصنام النار ؟ قيل: يعذب بها المشركون الذين عبدوها فتكون زيادة في حسرتهم وغمهم، ويجوز أن يرمى بها في النار توبيخا للكفار حيث عبدوها وهي جماد لا تضر ولا تنفع، وقيل: إن المراد بقوله: " وما تعبدون من دون الله " الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة غير الله فأطاعوهم، فكأنهم عبدوهم، كما قال: " يا أبت لا تعبد الشيطان ". " أنتم لها واردون " خطاب للكفار، أي أنتم في جهنم داخلون، وقيل: إن معنى لها إليها " لو كان هؤلاء " الاصنام والشياطين " آلهة " كما تزعمون " ما وردوها " أي ما دخلوا النار " وكل " من العابد والمعبود " فيها خالدون لهم فيها زفير " أي صوت كصوت الحمار، وهو شدة تنفسهم في النار عند إحراقها لهم " وهم فيها لا يسمعون " أي لا يسمعون ما يسرهم ولا ما ينتفعون به، وإنما يسمعون صوت المعذبين وصوت الملائكة الذين يعذبونهم ويسمعون ما يسوؤهم، وقيل: يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذب غيره، عن ابن مسعود، قالوا: ولما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن الزبعرى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد ألست تزعم أن عزيرا رجل صالح، وأن عيسى رجل صالح، وأن مريم امرأة صالحة ؟ قال: بلى، قال: فإن هؤلاء يعبدون من دون الله فهم في النار ؟ ! فأنزل الله تعالى: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " أي الموعدة بالجنة، وقيل: الحسنى: السعادة اولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها " أي يكونون بحيث لا يسمعون صوتها الذي يحس " وهم فيما اشتهت أنفسهم " من نعيم الجنة وملاذها " خالدون " أي دائمون، ويقال: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى عيسى وعزيز ومريم، والملائكة الذين عبدوا من دون الله وهم كارهون استثناهم الله من جملة ما يعبدون من دون الله، وقيل إن الآية عامة في كل من سبقت له الموعدة بالسعادة. وفي قوله تعالى: فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار " قال ابن عباس: حين صاروا إلى جهنم البسوا مقطعات النيران، وهي الثياب القصار، وقيل: يجعل لهم ثياب نحاس من نار وهي أشد ما يكون حرا عن سعيد بن جبير، وقيل: إن النار تحيط بهم كإحاطة الثياب التي يلبسونها " يصب من فوق رؤوسهم الحميم " أي الماء المغلي فيذيب ما في بطونهم من الشحوم ويتساقط الجلود، وفي خبر مرفوع أنه يصب على رؤوسهم الحميم فينفذ إلى أجوافهم فيسلت ما فيها " يصهر به ما في بطونهم والجلود " أي يذاب وينضج بذلك الحميم ما فيها من الامعاء وتذاب به الجلود، والصهر: الاذابة " ولهم مقامع من حديد " قال الليث: المقمعة: شبه الجرز من الحديد يضرب بها الرأس وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله: " ولهم مقامع من حديد ": لو وضع مقمع من حديد في الارض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الارض. وقال الحسن: إن النار ترميهم بلهبها حتى إذا كانوا في اعلاها ضربوا بمقامع فهووا فيها سبعين خريفا، فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفير لهبها فلا يستقرون ساعة فذلك قوله: " كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم اعيدوا فيها " أي كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفاسهم حين ليس لها مخرج ردوا إليها بالمقامع " وذوقوا عذاب الحريق " أي ويقال لهم: ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم، والحريق الاسم من الاحتراق. وفي قوله: " بإلحاد " الالحاد: العدول عن القصد. وفي قوله: " معاجزين " أي مغالبين، وقيل: مقدرين أنهم يسبقوننا، وقيل: ظانين أن يعجزوا الله، أي يفوتوه ولن يعجزوه، وفي قوله: " تلفح وجوههم النار " أي تصيب وجوههم لفح النار ولهبها واللفح والنفح بمعنى، إلا أن اللفح أشد تأثيرا وأعظم من النفح " وهم فيها كالحون " أي عابسون، عن ابن عباس، وقيل: هو أن تتقلص شفاههم وتبدو أسنانهم كالرؤوس المشوية عن الحسن " ألم تكن آياتي تتلى عليكم " أي ويقال لهم: ألم يكن القرآن يقرأ عليكم، وقيل: ألم تكن حججي وبيناتي وأدلتي تقرء عليكم في دار الدنيا " فكنتم بها تكذبون * قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا " أي شقاوتنا، وهي المضرة اللاحقة في العاقبة، والمعنى: استعلت علينا سيئا تنا التي أوجبت لنا الشقاوة " و كنا قوما ضالين " أي ذاهبين عن الحق " ربنا أخرجنا منها " من النار " فإن عدنا " لما تكره من الكفر والتكذيب والمعاصي " فإنا ظالمون " لأنفسنا، قال الحسن: هذا آخر كلام يتكلم به أهل النار، ثم بعد ذلك يكون لهم شهيق كشهيق الحمار " قال اخسئوا فيها " أي ابعدوا بعد الكلب في النار، وهذه اللفظة زجر للكلاب، وإذا قيل ذلك للإنسان يكون للإهانة المستحقة للعقوبة " ولا تكلمون " وهذه مبالغة للإذلال والاهانة وإظهار الغضب عليهم، وقيل: معناه: ولا تكلموني في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم " إنه كان فريق من عبادي " وهم الانبياء والمؤمنون " يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين " أي يدعون هذه الدعوات في الدنيا طلبا لما عندي من الثواب " فاتخذتموهم " أنتم يا معشر الكفار " سخريا " أي كنتم تهزؤون بهم، وقيل: معناه: تستعبدونهم وتصرفونهم في أعمالكم وحوائجكم كرها بغير أجر " حتى أنسوكم ذكري " أي نسيتم ذكري لاشتغالكم بالسخرية منهم، فنسب الانساء إلى عباده المؤمنين وإن لم يفعلوا ؟ لما كانوا السبب في ذلك " وكنتم منهم تضحكون * إني جزيتهم اليوم بما صبروا " أي بصبرهم على أذاكم وسخريتكم " إنهم هم الفائزون " أي الظافرون بما أرادوا والناجون في الآخرة " قال " أي قال الله تعالى للكفار يوم البعث، وهو سؤال توبيخ وتبكيت لمنكري البعث " كم لبثتم في الارض " أي في القبور " عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم " لانهم لم يشعروا بطول لبثهم ومكثهم لكونهم أمواتا، وقيل: إنه سؤال لهم عن مدة حياتهم في الدنيا، فقالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم، استقلوا حياتهم في الدنيا لطول لبثهم ومكثهم في النار، عن الحسن، قال: ولم يكن ذلك كذبا منهم، لأنهم أخبروا بما عندهم، وقيل: إن المراد به يوما أو بعض يوم من أيام الآخرة، وقال ابن عباس: أنساهم الله قدر لبثهم فيرون أنهم لم يلبثوا إلا يوما أو بعض يوم لعظم ما هم بصدده من العذاب " فسئل العادين " يعني الملائكة، لأنهم يحصون أعمال العباد، وقيل: يعني الحساب لانهم يعدون الشهور والسنين " قال " الله تعالى " إن لبثتم إلا قليلا " لان مكثكم في الدنيا أو في القبور و إن طال فإن منتهاه قليل بالإضافة إلى طول مكثكم في عذاب جهنم " لو أنكم كنتم تعلمون " صحة ما أخبرناكم به، وقيل: معناه: لو كنتم تعلمون قصر أعماركم في الدنيا وطول مكثكم في الآخرة في العذاب لما اشتغلتم بالكفر والمعاصي. وفي قوله سبحانه: " وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا " أي نارا تتلظى، ثم وصف ذلك السعير فقال: " إذا رأتهم من مكان بعيد " أي من مسيرة مائة عام، عن السدي والكلبي، وقال أبو عبد الله عليه السلام: من مسيرة سنة، ونسب الرؤية إلى النار وإنما يرونها هم ؟ لان ذلك أبلغ، كأنها تراهم رؤية الغضبان الذي يزفر غيظا، وذلك قوله: " سمعوا لها تغيظا وزفيرا " وتغيظها: تقطعها عند شدة اضطرابها، وزفيرها صوتها عند شدة التهابها كالتهاب الرجل المغتاظ، والتغيظ لا يسمع وإنما يعلم بدلالة الحال عليه، وقيل: معناه: سمعوا لها صوت تغيظ وغليان، قال عبيد بن عمير: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى نبي ولا ملك إلا خر لوجهه. وقيل: التغيظ للنار والزفير لأهلها كأنه يقول. رأوا للنار تغيظا، وسمعوا لأهلها زفيرا " وإذا القوا منها مكانا ضيقا " معناه: وإذا القوا من النار في مكان ضيق يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح، عن أكثر المفسرين. وفي الحديث عنه عليه السلام في هذه الآية: والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " مقرنين " أي مصفدين، قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الاغلال، وقيل: قرنوا مع الشيطان في السلاسل والاغلال، عن الجبائي " دعوا هنالك ثبورا " أي دعوا بالويل والهلاك على أنفسهم، كما يقول القائل: واثبوراه أي واهلاكاه، وقيل: وا انصرافاه عن طاعة الله فتجيبهم الملائكة: " لا تدعو ا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا " أي لا تدعوا ويلا واحدا وادعوا ويلا كثيرا، أي لا ينفعكم هذا وإن كثر منكم، قال الزجاج: معناه: هلاككم أكبر من أن تدعوا مرة واحدة. وفي قوله تعالى: " الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم " أي يسحبون على وجوههم إلى النار وهم كفار مكة، وذلك لأنهم قالوا: لمحمد وأصحابه هم شر خلق الله، فأنزل الله سبحانه: " اولئك شر مكانا " أي منزلا ومصيرا " وأضل سبيلا " أي دينا وطريقا من المؤمنين. وروى أنس قال: إن رجلا قال: يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال: إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة. وفي قوله تعالى: " إن عذابها كان غراما " أي لازما ملحا دائما غير مفارق. وفي قوله: " يلق أثاما " أي عقوبة وجزاء لما فعل، وقيل: إن أثاما اسم واد في جهنم، عن ابن عمر وقتادة ومجاهد وعكرمة. وفي قوله تعالى: " يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " يعني أن العذاب وإن لم يأتهم في الدنيا فإن جهنم محيطة بهم، أي جامعة لهم وهم معذبون فيها لا محالة " يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم " يعني أن العذاب يحيط بهم، لا أنه يصل إلى موضع منهم دون موضع، فلا يبقى جزء منهم إلا وهو معذب في النار، عن الحسن، وهو كقوله: " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ونقول ذوقوا ما كنتم تعملون " أي جزاء أعمالكم. وفي قوله: " إلى عذاب غليظ " أي إلى عذاب يغلظ عليهم ويصعب. وفي قوله سبحانه: " ولكن حق القول مني " أي الخبر والوعيد " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " أي من كلا الصنفين بكفرهم بالله سبحانه وجحدهم وحدانيته، ثم يقال لهم: " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا " أي بما فعلتم فعل من نسي لقاء جزاء هذا اليوم، فتركتم ما أمركم الله به وعصيتموه، والنسيان: الترك " إنا نسيناكم " أي فعلنا معكم فعل من نسيكم من ثوابه، أي ترككم من نعيمه جزاء على ترككم طاعتنا. وفي قوله تعالى: " من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر " العذاب الاكبر عذاب جهنم، وأما العذاب الأدنى ففي الدنيا، وقيل: هو عذاب القبر، وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام، والأكثر في الرواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أن العذاب الادنى الدابة والدجال. وفي قوله تعالى: " يوم تقلب وجوههم في النار " التقليب: تصريف الشيء في الجهات، ومعناه: تقلب وجوه هؤلاء السائلين عن الساعة وأشباههم من الكفار، فتسود وتصفر وتصير كالحة بعد أن لم تكن، وقيل: معناه: تنقل وجوههم من جهة إلى جهة في النار، فيكون أبلغ فيما يصل إليها من العذاب، يقولون متمنين متأسفين: " يا ليتنا أطعنا الله " فيما أمرنا به ونهانا عنه " وأطعنا الرسولا " فيما دعانا إليه " ربنا آتهم ضعفين من العذاب " بضلالهم في نفوسهم، وإضلالهم إيانا، أي عذبهم مثلي ما تعذب به غيرهم " والعنهم لعنا كبيرا " مرة بعد اخرى، وزدهم غضبا إلى غضبك. وفي قوله: " لا يقضى عليهم " بالموت " فيموتوا " فيستريحوا " ولا يخفف عنهم من عذابها " أي ولا يسهل عليهم عذاب النار " كذلك " أي ومثل هذا العذاب، ونظيره " نجزي كل كفور " وجاحد كثير الكفران، مكذب لأنبياء الله " وهم يصطرخون فيها " أي يتصايحون بالاستغاثة " يقولون ربنا أخرجنا " من عذاب النار " نعمل صالحا " أي نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، والمعنى: ردنا إلى الدنيا لنعمل بالطاعات التي تأمرنا بها " غير الذي كنا نعمل " فوبخهم الله تعالى فقال: " أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " أي ألم نعطكم من العمر مقدار ما يمكن أن يتفكر ويعتبروا ينظر في امور دينه، وعواقب حاله من يريد أن يتفكر ويتذكر ؟. واختلف في هذا المقدار فقيل: هو ستون سنة وهو المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة. وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، وقيل: هو أربعون سنة، عن ابن عباس ومسروق، وقيل: هو توبيخ لابن ثمانية عشر سنة، عن وهب وقتادة، وروي ذلك عن الصادق عليه السلام " وجاءكم النذير " أي المخوف من عذاب الله وهو محمد صلى الله عليه وآله، وقيل: القرآن، وقيل: الشيب. وفي قوله تعالى: " أم شجرة الزقوم " الزقوم ثمر شجرة منكرة جدا، من قولهم تزقم هذا الطعام: إذا تناوله على تكره ومشقة شديدة، وقيل: الزقوم: شجرة في النار يقتاتها أهل النار، لها ثمرة مره خشنة اللمس، منتنة الريح، وقيل: أنها معروفة من شجر الدنيا تعرفها العرب، وقيل: إنها لا تعرفها، فقد روي: أن قريشا لما سمعت هذه الآية قالت: ما نعرف هذه الشجرة، قال ابن الزبعرى: الزقوم بكلام البربر: التمر والزبد، وفي رواية بلغة اليمن، فقال أبو جهل لجاريته: يا جارية زقمينا، فأتته الجارية بتمر وزبد، فقال لأصحابه: تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد، فيز عم أن النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجر ! فأنزل الله سبحانه: " إنا جعلناها فتنة للظالمين " أي خبرة لهم افتتنوا بها وكذبوا بكونها فصارت فتنة لهم، وقيل المراد بالفتنة العذاب من قوله: " يوم هم على النار يفتنون " أي يعذبون " إنها " أي الزقوم " شجرة تخرج في أصل الجحيم " اي في قعر جهنم، وأغصانها ترفع إلى دركاتها، عن الحسن، ولا يبعد أن يخلق الله سبحانه بكمال قدرته في النار من جنس النار، أو من جوهر لا تأكله النار ولا تحرقه، كما أنها لا تحرق السلاسل والاغلال، وكما لا تحرق حياتها وعقاربها، وكذلك الضريع وما أشبه ذلك " طلعها كأنه رءوس الشياطين " يسأل عن هذا فيقال: كيف شبه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين وهي لا تعرف، وإنما يشبه الشيء بما يعرف ؟ واجيب عنه بثلاثة أجوبة: أحدها أن رؤوس الشياطين ثمرة يقال لها: أستن، قال الاصمعي: يقال له الصورم. وثانيها أن الشيطان جنس من الحيات فشبه سبحانه طلع تلك الشجرة برؤوس تلك الحيات. وثالثها أن قبح صور الشياطين متصور في النفوس، ولذلك يقولون لما يستقبحونه جدا: كأنه شيطان، فشبه سبحانه طلع هذه الشجرة بما استقرت شناعته في قلوب الناس، وهذا قول ابن عباس ومحمد بن كعب، وقال الجبائي: إن الله تعالى يشوه خلق الشياطين في النار حتى أنه لو رآه راء من العباد لاستوحش منهم، فلذلك شبه برؤوسهم. " فإنهم لآكلون منها " يعني أن أهل النار ليأكلون من ثمرة تلك الشجرة " فمالؤون منها البطون " أي يملؤون بطونهم منها لشدة ما يلحقهم من ألم الجوع، وقد روي أن الله تعالى يجوعهم حتى ينسوا عذاب النار من شدة الجوع، فيصرخون إلى مالك فيحملهم إلى تلك الشجرة وفيهم أبو جهل فيأكلون منها فتغلي بطونهم كغلي الحميم، فيستسقون فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته في الحرارة، فإذا قربوها من وجوههم شوت وجوههم، فذلك قوله: " يشوي الوجوه " فإذا وصل إلى بطونهم صهر ما في بطونهم، كما قال سبحانه: " يصهر به ما في بطونهم والجلود " فذلك شرابهم وطعامهم " ثم إن لهم عليها " زيادة على شجرة الزقوم " لشوبا من حميم " أي خلطا ومزاجا من ماء حار يمزج ذلك الطعام بهذا الشراب، وقيل: إنهم يكرهون على ذلك عقوبة لهم " ثم إن مرجعهم " بعد أكل الزقوم وشراب الحميم " لألى الجحيم " وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم، كما تورد الابل إلى الماء ثم يوردون إلى الجحيم، ويدل على ذلك قوله: " يطوفون بينها وبين حميم آن " والجحيم النار الموقدة، والمعنى أن الزقوم والحميم طعامهم وشرابهم، والجحيم المسعرة منقلبهم ومآبهم. وفي قوله سبحانه: " هذا فليذوقوه حميم وغساق " أي هذا حميم وغساق فليذوقوه، وقيل: معناه: هذا الجزاء للطاغين فليذوقوه، واطلق عليه لفظ الذوق لان الذائق يدرك الطعم بعد طلبه فهو أشد إحساسا به، والحميم: الماء الحار، والغساق: البارد الزمهرير، عن ابن مسعود وابن عباس، فالمعنى أنهم يعذبون بحار الشراب الذي انتهت حرارته، وببارده الذي انتهت برودته، فببرده يحرق كما يحرق النار، وقيل: إن الغساق: عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذات حمة من وحية وعقرب، وقيل: هو ما يسيل من دموعهم يسقونه مع الحميم، وقيل: هو القيح الذي يسيل منهم، يجمع ويسقونه، وقيل: هو عذاب لا يعلمه إلا الله " وآخر " أي وضروب اخر " من شكله " أي من جنس هذا العذاب " ازواج " أي ألوان وأنواع متشابهة في الشدة لا نوع واحد " هذا فوج مقتحم معكم " أي يقال لهم: هذا فوج وهم قادة أهل الضلالة إذا دخلوا النار، ثم يدخل الاتباع، فتقول الخزنة للقادة: " هذا فوج " أي قطع من الناس وهم الاتباع " مقتحم معكم " في النار دخلوها كما دخلتم، عن ابن عباس، وقيل: يعني بالأول أولاد إبليس وبالفوج الثاني بني آدم، أي يقال لبني إبليس بأمر الله: هذا جمع من بني آدم مقتحم معكم يدخلون النار وعذابها وأنتم معهم، عن الحسن " لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار " أي لا اتسعت لهم أماكنهم، لانهم لازموا النار، فيكون المعنى على القول الاول أن القادة والرؤساء يقولون للاتباع: لا مرحبا بهؤلاء، إنهم يدخلون النار مثلنا، فلا فرج لنا في مشاركتهم إيانا، فتقول الاتباع لهم: " بل أنتم لا مرحبا بكم " أي لا نلتم رحبا وسعة " أنتم قدمتموه لنا " أي حملتمونا على الكفر الذي أوجب لنا هذا العذاب ودعوتمونا إليه، وأما على القول الثاني فإن أولاد إبليس يقولون: لا مرحبا بهؤلاء قد ضاقت أماكنهم إذ كانت النار مملوءة منا فليس لنا منهم إلا الضيق والشدة، وهذا كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: أن النار تضيق عليهم كضيق الزج بالرمح. " قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم " أي تقول بنو آدم: لا كرامة لكم أنتم شرعتموه لنا وزينتموه في نفوسنا " فبئس القرار " الذي استقررنا عليه " قالوا ربنا من قدم لنا هذا " أي يدعون عليهم بهذا إذا حصلوا في نار جهنم، أي من سبب لنا هذا العذاب ودعانا إلى ما استوجبنا به ذلك " فزده عذابا ضعفا " أي مثلا مضاعفا إلى ما يستحقه من النار، أحد الضعفين لكفرهم بالله، والضعف الآخر لدعائهم إيانا إلى الكفر " وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار " أي يقولون ذلك حين ينظرون في النار فلا يرون من كان يخالفهم فيها معهم وهم المؤمنون، عن الكلبي، وقيل: نزلت في أبي جهل والوليد بن المغيرة وذويهما، يقولون: مالنا لا نرى عمارا وخبابا وصهيبا وبلالا الذين كنا نعدهم في الدنيا من جملة الذين يفعلون الشر والقبيح ولا يفعلون الخير، عن مجاهد. وروى العياشي بالإسناد عن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: أهل النار يقولون: مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار، يعنونكم لا يرونكم في النار، لا يرون والله أحدا منكم في النار. " أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار " معناه أنهم يقولون لما لم يروهم في النار: أتخذناهم هزوا في الدنيا فأخطأنا، أم عدلت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم معنا في النار " إن ذلك لحق " أي ما ذكر قبل هذا لحق، أي كائن لا محالة. ثم بين ما هو فقال: " تخاصم أهل النار " يعني تخاصم الاتباع والقادة، أو مجادلة أهل النار بعضهم لبعض على ما أخبر عنهم. وفي قوله تعالى: " قل إن الخاسرين " في الحقيقة هم " الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة " فلا ينتفعون بأنفسهم، ولا يجدون في النار أهلا كما كان لهم في الدنيا أهل، فقد فاتتهم المنفعة بأنفسهم وأهليهم، وقيل: خسروا أنفسهم بأن قذفوها بين أطباق الجحيم، وخسروا أهليهم الذين أعدوا لهم في جنة النعيم، عن الحسن. قال ابن عباس: إن الله تعالى جعل لكل إنسان في الجنة منزلا وأهلا، فمن عمل بطاعته كان له ذلك، ومن عصاه فصار إلى النار، ودفع منزله وأهله إلى من أطاع فذلك قوله: " اولئك هم الوارثون ". " ألا ذلك هو الخسران المبين " أي الظاهر الذي لا يخفى " لهم من فوقهم ظلل من النار " أي سرادقات وأطباق من النار ودخانها نعوذ بالله منها " ومن تحتهم ظلل " أي فرش ومهد منها، وقيل: إنما سمي ما تحتهم ظللا لأنها ظلل لمن تحتهم، إذ النار أدراك وهم بين أطباقها، وقيل: إنما اجري اسم الظلل على قطع النار على سبيل التوسع والمجاز، لأنها في مقابلة ما لأهل الجنة من الظلل، والمراد أن النار تحيط بجوانبهم. وفي قوله: " أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار " اختلف في تقديره فقيل: معناه: أفمن وجب عليه وعيد الله بالعقاب أفأنت تخلصه من النار ؟ فاكتفى بذكر من في النار عن الضمير العائد إلى المبتدأ، وقيل: تقديره: أفأنت تنقذ من في النار منهم ؟ واتي بالاستفهام مرتين توكيدا للتنبيه على المعنى، وقال ابن الانباري: الوقف على قوله: " كلمة العذاب " والتقدير: كمن وجبت له الجنة، ثم يبتدئ " أفأنت تنقذ " وأراد بكلمة العذاب قوله: " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ". وفي قوله تعالى: " أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة " تقديره: أفحال من يدفع عذاب الله بوجهه يوم القيامة كحال من يأتي آمنا لا يمسه النار، وإنما قال: " بوجهه " لان الوجه أعز اعضاء الانسان ؟ وقيل: معناه: أم من يلقى منكوسا، فأول عضو منه مسته النار وجهه، ومعنى يتقي يتوقى " وقيل للظالمين " يقوله خزنة النار. وفي قوله: " إن الذين كفروا ينادون " أي تناديهم الملائكة يوم القيامة: " لمقت الله أكبر " المقت أشد العداوة والبغض، والمعنى أنهم لما رأوا أعمالهم ونظروا في كتابهم وادخلوا النار مقتوا أنفسهم لسوء صنيعهم، فنودوا: لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الايمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم، وقيل: إنهم لما تركوا الايمان وصاروا إلى الكفر فقد مقتوا أنفسهم أعظم المقت، ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين تقدم وصفهم بعد حصولهم في النار بأنهم قالوا: " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " اختلف في معناه على وجوه: أحدها أن الاماتة الأولى في الدنيا بعد الحياة، والثانية في القبر قبل البعث، والاحياء الاولى في القبر للمسألة والثانية في الحشر. وثانيها: أن الاماتة الاولى حال  كونهم نطفا، فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة الثانية، ثم أحياهم للبعث، فهاتان حياتان ومماتان. وثالثها: أن الحياة الاولى في الدنيا، والثانية في القبر، ولم يرد الحياة يوم القيامة، والموتة الاولى في الدنيا، والثانية في القبر " فاعترفنا بذنوبنا " التي اقترفناها في الدنيا " فهل إلى خروج من سبيل " هذا تلطف منهم في الاستدعاء، أي هل بعد الاعتراف سبيل إلى الخروج ؟ وقيل: إنهم سألوا الرجوع إلى الدنيا، أي هل من خروج من النار إلى الدنيا لنعمل بطاعتك ؟ " ذلكم " أي ذلك العذاب الذي حل بكم " بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم " أي إذا قيل: لا إله إلا الله، قلتم: أجعل الآلهة إلها واحدا ؟ وجحدتم ذلك " وإن يشرك به تؤمنوا " أي وإن يشرك به معبود آخر من الاصنام والاوثان تصدقوا. وفي قوله تعالى: " وإذا يتحاجون في النار " أي واذكر يا محمد لقومك الوقت الذي يتحاج فيه أهل النار في النار، ويتخاصم الرؤساء والاتباع " فيقول الضعفاء " وهم الاتباع " للذين استكبروا " وهم الرؤساء " إنا كنا لكم " معاشر الرؤساء " تبعا " وكنا نمتثل أمركم ونجيبكم إلى ما تدعوننا إليه " فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار " لأنه يلزم الرئيس الدفع عن أتباعه المنقادين لأمره " قال الذين استكبروا إنا كل فيها " أي نحن وأنتم في النار " إن الله قد حكم بين العباد " بذلك، بأن لا يتحمل أحد عن أحد، وإنه يعاقب من أشرك به وعبد معه غيره لا محالة " وقال الذين في النار " من الاتباع والمتبوعين " لخزنة جهنم " لخزنة جهنم " وهم الذين يتولون عذاب أهل النار من الملائكة الموكلين بهم " ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب " يقولون ذلك لانهم لا طاقة لهم على شدة العذاب ولشدة جزعهم، لا أنهم يطمعون في التخفيف، لان معارفهم ضرورية يعلمون أن عقابهم لا ينقطع ولا يخفف عنهم " قالوا " أي الخزنة " أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات " أي بالحجج والدلالات على صحة التوحيد والنبوة، أي فكفرتم وعاندتم حتى استحققتم هذا العذاب " قالوا بلى " جاءتنا الرسل والبينات فكذبناهم وجحدنا نبوتهم " قالوا فادعوا " أي قالت الخزنة: فادعوا أنتم فإنا لا ندعو إلا بإذن الله ولم يؤذن لنا فيه، وقيل: إنما قالوا ذلك استخفافا بهم، وقيل: معناه: فادعوا بالويل والثبور " وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " أي في ضياع، لأنه لا ينفع. وفي قوله: " يسحبون في الحميم " أي يجرون في الماء الحار الذي قد انتهت حرارته " ثم في النار يسجرون " أي ثم يقذفون في النار، وقيل: أي ثم يصيرون وقود النار " ثم قيل لهم " أي لهؤلاء الكفار إذا دخلوا النار على وجه التوبيخ " أين ما كنتم تشركون من دون الله " من أصنامكم " قالوا ضلوا عنا " أي ضاعوا وهلكوا فلا نراهم ولا نقدر عليهم، ثم يستدركون فيقولون: " بل لم نكن ندعو من قبل شيئا " أي شيئا يستحق العبادة ولا ما ننتفع بعبادته، وقيل: لم نكن ندعو شيئا ينفع ويضر ويسمع ويبصر، وهذا كما يقال لكل ما لا يغني شيئا: هذا ليس بشئ، وقيل: معناه: ضاعت عبادتنا لهم فلم نكن نصنع شيئا إذ عبدناها، كما يقول المتحسر: ما فعلت شيئا " كذلك يضل الله الكافرين " أي كما أضل أعمال هؤلاء وأبطل ما كانوا يأملونه كذلك يفعل بجميع من يتدين بالكفر فلا ينتفعون بشئ من أعمالهم، وقيل: " يضل الله أعمالهم " أي يبطلها، وقيل: يضلهم عن طريق الجنة والثواب كما أضلهم عما اتخذوه إلها بأن صرفهم عن الطمع في نيل منفعة من جهتها " ذلكم " العذاب الذي نزل بكم " بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون " أي تأشرون وتبطرون. وفي قوله تعالى: " أسوء الذي كانوا يعملون " أي نجازيهم بأقبح الجزاء على أقبح معاصيهم وهو الكفر والشرك، وخص الاسوأ بالذكر للمبالغة في الزجر، وقيل: معناه: لنجزينهم بأسوأ أعمالهم وهي المعاصي دون غيرها مما لا يستحق به العذاب. " وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والانس " يعنون إبليس الابالسة، وقابيل بن آدم أول من أبدع الكفر والضلال والمعصية، روي ذلك عن علي عليه السلام، وقيل: كل من دعى إلى الضلال والكفر من الجن والانس، والمراد باللذين جنس الجن والانس " نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الاسفلين " تمنوا لشدة عدواتهم لهم بما أضلوهم أن يجعلوهم تحت أقدامهم في الدرك الاسفل من النار، وقيل: أي ندوسهما ونطؤهما بأقدامنا إذلالا لهما ليكونا من الاذلين، قال ابن عباس: ليكونا أشد عذابا منا. وفي قوله تعالى: " لا يفتر عنهم العذاب " أي لا يخفف عنهم " وهم فيه مبلسون " آئسون من كل خير " ونادوا يا مالك " أي يدعون خازن جهنم فيقولون: " يا مالك ليقض علينا ربك " أي ليمتنا ربك حتى نتخلص ونستريح من هذا العذاب " قال " أي فيقول مالك مجيبا لهم: " إنكم ماكثون " أي لابثون دائمون في العذاب قال ابن عباس والسدي: إنما يجيبهم مالك بذلك بعد ألف سنة، وقال ابن عمر: بعد أربعين عاما " لقد جئناكم " أي يقول الله تعالى: لقد أرسلنا إليكم الرسل " بالحق " أي جاءكم رسلنا بالحق، وأضافه إلى نفسه لأنه كان بأمره، وقيل: هو قول مالك، و إنما قال: قد جئناكم؟ لأنه من الملائكة وهم من جنس الرسل " ولكن أكثركم " معاشر الخلق " للحق كارهون " لأنكم ألفتم الباطل فكرهتم مفارقته. وفي قوله تعالى: " طعام الاثيم " أي الآثم وهو أبو جهل، وروي أن أبا جهل أتى بتمر وزبد فجمع بينهما وأكل وقال: هذا هو الزقوم الذي يخوفنا محمد به، نحن نتزقمه، أي نملا أفواهنا به، فقال سبحانه: " كالمهل " وهو المذاب من النحاس أو الرصاص أو الذهب أو الفضة، وقيل: هو دردي الزيت " يغلي في البطون كغلي الحميم " أي إذا حصلت في أجواف أهل النار تغلي كغلي الماء الحار الشديد الحرارة، قال أبو علي الفارسي: لا يجوز أن يكون المعنى: يغلي المهل في البطون، لان المهل إنما ذكر للتشبيه به في الذوب، ألا ترى أن المهل لا يغلي في البطون، وإنما يغلي ما يشبه به " خذوه " أي يقال للزبانية: " خذوه " بالإثم " فاعتلوه " أي زعزعوه وادفعوه بعنف، وقيل: معناه: جروا على وجهه " إلى سواء الجحيم " أي إلى وسط النار " ثم صبوا فوق رأسه " قال مقاتل: إن خازن النار يمر به على رأسه فيذهب رأسه عن دماغه، ثم يصب فيه " من عذاب الحميم " وهو الماء الذي قد انتهى حره، ويقول له: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " وذلك أنه كان يقول: أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم، فيقول له الملك: ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم في زعمك وفيما كنت تقوله، وقيل: إنه على معنى النقيض، فكأنه قيل: إنك أنت الذليل المهين، إلا أنه قيل على هذا الوجه للاستخفاف به، وقيل: معناه إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم فما أغنى عنك ذلك " إن هذا ما كنتم به تمترون " أي ثم يقال لهم: إن العذاب ما كنتم تشكون فيه في الدنيا. وفي قوله تعالى: " من ورائهم جهنم " أي من وراء ما هم فيه من التعزز بالمال والدنيا جهنم " ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا " أي لا يغني عنهم ما حصلوه وجمعوه من المال والولد شيئا من عذاب الله " ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء " من الآلهة التي عبدوها لتكون شفعاءهم عند الله " هذا هدى " أي هذا القرآن الذي تلوناه والحديث الذي ذكرناه دلالة موصلة إلى الفرق بين الحق والباطل. والرجز: العذاب. وفي قوله: " ويوم يعرض الذين كفروا على النار " يعني يوم القيامة، أي يدخلون النار، كما يقال: عرض فلان على السوط، وقيل: معناه عرض عليهم النار قبل أن يدخلوها ليروا أهوالها " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " أي فيقال لهم: آثرتم طيباتكم ولذاتكم في الدنيا على طيبات الجنة " واستمتعتم بها " أي انتفعتم بها منهمكين فيها، وقيل: هي الطيبات من الرزق، يقول: أنفقتموها في شهواتكم وفي ملاذ الدنيا، ولم تنفقوها في مرضات الله " فاليوم تجزون عذاب الهون " أي العذاب الذي فيه الذل والخزي والهوان " بما كنتم تستكبرون في الارض " أي باستكباركم عن الانقياد للحق في الدنيا " وبما كنتم تفسقون " أي وبخروجكم عن طاعة الله إلى معاصيه. وفي قوله: " ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق " أي يقال لهم على وجه الاحتجاج عليهم: أليس هذا الذي جوزيتم به حق لا ظلم فيه ؟ " قالوا " أي فيقولون: " بلى وربنا " اعترفوا بذلك وحلفوا عليه بعد ما كانوا منكرين " قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " أي بكفركم في الدنيا وإنكاركم. وفي قوله سبحانه: " وقال قرينه " يعني الملك الشهيد عليه، عن الحسن، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقيل: قرينه الذي قيض له من الشيطان، وقيل: قرينه من الانس " هذا ما لدي عتيد " إن كان المراد به الملك فمعناه: هذا حسابه حاضر لدي في هذا الكتاب، أي يقول لربه: كنت وكلتني، به فما كتبت من عمله حاضر عندي، وإن كان المراد به الشيطان أو القرين من الانس فالمعنى: هذا العذاب حاضر عندي معد لي بسبب سيئاتي " ألقيا في جهنم كفار عنيد " هذا خطاب لخازن النار، والعرب تأمر الواحد والقوم بما تأمر به الاثنين، ألا ترى في الشعر أكثر شئ قيلا: (يا صاحبي ويا خليلي) وقيل: إنما ثني ليدل على التكثير، كأنه قال: ألق ألق، فثني الضمير ليدل على تكرير الفعل، وقيل: خطاب للملكين الموكلين به وهما السائق والشهيد. وروى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن الاعمش أنه قال: حدثنا أبو المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى لي ولعلي: ألقيا في النار من أبغضكما، وأدخلا الجنة من أحبكما، وذلك قوله: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد " والعنيد: الذاهب عن الحق وسبيل الرشد. " مناع للخير " الذي أمر الله به من بذل المال في وجوهه " معتد " ظالم متجاوز يتعدى حدود الله " مريب " أي شاك في الله وفيما جاء من عند الله، وقيل متهم يفعل ما يرتاب بفعله ويظن به غير الجميل، وقيل: إنها نزلت في وليد بن المغيرة حين استشاره بنو أخيه في الاسلام فمنعهم. فيكون المراد بالخير الاسلام " الذي جعل مع الله إلها آخر " من الاصنام والاوثان " فألقياه في العذاب الشديد " هذا تأكيد للأول، فكأنه قال: افعلا ما أمرتكما به فإنه مستحق لذلك " قال قرينه " أي شيطانه الذي أغواه، عن ابن عباس وغيره، وإنما سمى قرينه ؟ لأنه يقرن به في العذاب، وقيل: قرينه من الانس وهم علماء السوء والمبتدعون " ربنا ما أطغيته " أي ما أضللته وما أوقعته في الطغيان باستكراه " ولكن كان في ضلال " من الايمان " بعيد " أي ولكنه طغى باختياره السوء " قال " أي فيقول الله لهم: " لا تختصموا لدي " أي لا يخاصم بعضكم بعضا عندي " وقد قدمت إليكم بالوعيد " في دار التكليف فلم تنزجروا وخالفتم أمري " ما يبدل القول لدي " المعنى أن الذي قدمته لكم في دار الدنيا من أني اعاقب من جحدني وكذب رسلي وخالف أمري لا يبدل بغيره، ولا يكون خلافه " وما أنا بظلام للعبيد " أي لست بظالم أحدا في عقابي لمن استحقه، بل هو الظالم لنفسه بارتكابه المعاصي التي استحق بها ذلك " يوم نقول لجهنم هل امتلأت " متعلق بقوله: " ما يبدل القول " أو بتقدير اذكر " وتقول " جهنم " هل من مزيد " قال أنس: طلبت الزيادة، وقال مجاهد: المعنى معنى الكفاية، أي لم يبق مزيد لامتلائها، ويدل على هذا القول قوله: " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " وقيل في الوجه الاول: إن هذا القول منها كان قبل دخول جميع أهل النار فيها، ويجوز أن تكون تطلب الزيادة على أن يزاد في سعتها، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قيل له يوم فتح مكة: ألا تنزل دارك ؟ فقال صلى الله عليه وآله: وهل ترك لنا عقيل من دار ؟ لأنه باع دور بني هاشم لما خرجوا إلى المدينة، فعلى هذا يكون المعنى: وهل بقي زيادة ؟. فأما الوجه في كلام جهنم فقيل فيه وجوه: أحدها: أنه خرج مخرج المثل، أي أن جهنم من سعتها وعظمها بمنزلة الناطقة التي إذا قيل لها: هل امتلأت ؟ تقول: لم أمتل وبقي في سعة كثيرة. وثانيها: أن الله سبحانه يخلق لجهنم آلة الكلام فتتكلم، وهذا غير منكر لان من أنطق الايدي والجوارح والجلود قادر على أن ينطق جهنم. وثالثها: أنه خطاب لخزنة جهنم على وجه التقرير لهم: هل امتلأت جهنم ؟ فيقولون: بلى لم يبق موضع لمزيد، ليعلم الخلق صدق وعده، عن الحسن، قال: معناه: ما من مزيد، أي لا مزيد. وفي قوله تعالى: " يوم يدعون " أي يدفعون " إلى نار جهنم دعا " أي دفعا بعنف وجفوة، قال مقاتل: هو أن تغل أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعون إلى جهنم دفعا على وجوههم، حتى إذا دنوا قال لهم خزنتها: " هذه النار التي كنتم بها تكذبون " في الدنيا، ثم وبخهم لما عاينوا ما كانوا يكذبون به وهو قوله: " أفسحر هذا " الذي ترون " أم أنتم لا تبصرون " وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا صلى الله عليه وآله إلى السحر وإلى أنه يغطي على الابصار بالسحر، فلما شاهدوا ما وعدوا به من العذاب وبخوا بهذا، ثم يقال لهم: " اصلوها " قاسوا شدتها " فاصبروا " على العذاب " أو لا تصبروا " عليه " سواء عليكم " الصبر والجزع " إنما تجزون ما كنتم تعملون " في الدنيا من المعاصي بكفركم وتكذيبكم الرسول. وفي قوله تعالى: " إن المجرمين في ضلال وسعر " أي في ذهاب عن وجه النجاة وطريق الجنة، وفي نار مسعرة، وقيل: أي في هلاك وذهاب عن الحق " وسعر " أي عناء وعذاب " يوم يسحبون " أي يجرون " في النار على وجوههم " يعني أن هذا العذاب يكون لهم في يوم يجرهم الملائكة فيه على وجوههم في النار، ويقال لهم: " ذوقوا مس سقر " أي إصابتها إياهم بعذابها وحرها، وهو كقولهم: " وجدت مس الحمى " وسقر. جهنم، وقيل: هو باب من أبوابها. وفي قوله تعالى: " فيؤخذ بالنواصي والاقدام " فتأخذهم الزبانية فتجمع بين نواصيهم وأقدامهم بالغل، ثم يسحبون في النار ويقذفون فيها، عن الحسن، وقيل: تأخذهم الزبانية بنواصيهم وبأقدامهم فيسوقونهم إلى النار: " هذه جهنم " أي ويقال لهم: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون " الكافرون في الدنيا قذ أظهرها الله تعالى حتى زالت الشكوك فادخلوها، ويمكن أنه لما أخبر الله تعالى أنهم يؤخذون بالنواصي والاقدام ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون " أي مشركون من قومك وسيردونها فليهن عليك أمرهم " يطوفون بينها وبين حميم آن " أي يطوفون مرة بين الجحيم ومرة بين الحميم، والجحيم: النار، والحميم: الشراب، وقيل: معناه أنهم يعذبون بالنار مرة ويجرعون من الحميم يصب عليهم ليس لهم من العذاب أبدا فرج، عن ابن عباس، والآني: الذي انتهت حرارته، وقيل: الآني: الحاضر. وفي قوله تعالى: " في سموم وحميم " أي في ريح حارة تدخل مسامهم وخروقهم، وفي ماء مغلي حار انتهت حرارته " وظل من يحموم " أي دخان أسود شديد السواد عن ابن عباس وغيره، وقيل: اليحموم: جبل في جهنم يستغيث أهل النار إلى ظله، ثم نعت ذلك الظل فقال: " لا بارد ولا كريم " أي لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر، وقيل: لا بارد يستراح إليه لأنه دخان جهنم، ولا كريم فيشتهى مثله، وقيل: ولا كريم أي لا منفعة فيه بوجه من الوجوه، والعرب إذا أرادت نفي صفة الحمد عن الشيء نفت عنه الكرم، وقال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعا لكل شئ نفت عنه وصفا تنوى به الذم، تقول: ما هو بسمين ولا كريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة. ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي أوجبت لهم هذا فقال: " إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " أي كانوا في الدنيا متنعمين، عن ابن عباس " وكانوا يصرون على الحنث العظيم " أي الذنب العظيم، والاصرار أن يقيم عليه فلا يقلع عنه، وقيل: الحنث العظيم: الشرك، وقيل: كانوا يحلفون لا يبعث الله من يموت، وأن الاصنام أنداد الله. قوله: " فشاربون شرب الهيم " أي كشرب الهيم، وهي الإبل التي أصابها الهيام وهو شدة العطش، فلا تزال تشرب الماء حتى تموت، وقيل: هي الارض الرملة التي لا تروي بالماء " هذا نزلهم يوم الدين " النزل: الامر الذي ينزل عليه صاحبه، والمعنى: هذا طعامهم وشرابهم يوم الجزاء في جهنم. وفي قوله تعالى: " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " أي قوا أنفسكم النار بالصبر على طاعة الله وعن معصيته، وعن اتباع الشهوات، وأهليكم بدعائهم إلى طاعة الله، وتعليمهم الفرائض، ونهيهم عن القبائح، وحثهم على أفعال الخير " عليها ملائكة غلاظ شداد " أي غلاظ القلوب لا يرحمون أهل النار، أقوياء، يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانها " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " في هذا دلالة على أن الملائكة الموكلين بالنار معصومون عن القبائح لا يخالفون الله في أوامره ونواهيه. ثم حكى سبحانه ما يقال للكفار يوم القيامة فقال: " يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم " وذلك أنهم إذا عذبوا يأخذون في الاعتذار فلا يلتفت إلى معاذيرهم ويقال لهم: لا تعتذروا فهذا جزاء فعلكم. وفي قوله: " وأعتدنا لهم " أي للشياطين " عذاب السعير " عذاب النار المسعرة المشعلة " إذا القوا فيها سمعوا لها شهيقا " أي إذا طرح الكفار في النار سمعوا للنار صوتا فظيعا مثل صوت القدر عند غليانها وفورانها، فيعظم بسماع ذلك عذابهم لما يرد على قلوبهم من هوله " وهي تفور " أي تغلي بهم كغلي المرجل " تكاد تميز " أي تتقطع وتتمزق من الغيظ أي شدة الغضب، سمى سبحانه شدة التهاب النار غيظا على الكفار ؟ لان المغتاظ هو المتقطع مما يجد من الالم الباعث على الايقاع بغيره، فحال جهنم كحال المتغيظ " كلما القي فيها " أي كلما طرح في النار " فوج " من الكفار " سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير " أي يقول لهم الملائكة الموكلون بالنار على وجه التبكيت لهم في صيغة الاستفهام: ألم يجئكم مخوف من جهة الله سبحانه يخوفكم عذاب هذه النار ؟ " قالوا بلى قد جاءنا نذير " أي مخوف فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء " أي لم نقبل منه، بل قلنا ما نزل الله شيئا مما تدعونا إليه وتحذرونا منه، فتقول لهم الملائكة: " إن أنتم إلا في ضلال كبير " أي لستم اليوم إلا في عذاب عظيم، وقيل: معناه: قلنا للرسل: ما أنتم إلا في ضلال، أي ذهاب عن الصواب. كبير في قولكم: أنزل الله علينا كتابا " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل " من النذر ما جاءونا به ودعونا إليه وعملنا بذلك " ما كنا في أصحاب السعير " قال الزجاج: لو كنا نسمع سمع من يعي ويفكر ونعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار " فاعترفوا بذنبهم " في ذلك الوقت الذي لا ينفعهم فيه الاقرار والاعتراف " فسحقا لأصحاب السعير " هذا دعاء عليهم، أي أسحقهم الله وأبعدهم من النجاة سحقا. وفي قوله: " وأما القاسطون " العادلون عن طريق الحق والدين " فكانوا " في علم الله وحكمه " لجهنم حطبا " يلقون فيها فتحرقهم كما تحرق النار الحطب، أو يكون معناه: فسيكونون لجهنم حطبا توقد بهم كما توقد النار بالحطب. وفي قولة: " يسلكه عذابا صعدا " أي يدخله عذابا شاقا شديدا متصعدا في العظم، وإنما قال: يسلكه ؟ لأنه تقدم ذكر الطريقة، وقيل: معناه عذابا ذا صعد، أي ذا مشقة. وفي قوله تعالى: " إن لدنيا أنكالا " أي عندنا في الآخرة قيودا عظاما لا تفك أبدا، وقيل: أغلالا " وجحيما " وهو اسم من أسماء جهنم، وقيل: يعني ونارا عظيمة، ولا تسمى القليلة به " وطعاما ذا غصة " أي ذا شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج، عن ابن عباس، وقيل: طعاما يأخذ بالحلقوم لخشونته وشدة تكرهه، وقيل: يعني الزقوم والضريع وروي عن حمران بن أعين عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله سمع قارئا يقرأ هذا فصعق. " وعذابا أليما " أي عقابا موجعا مؤلما. وفي قوله: " سأرهقه صعودا " أي سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة فيه، وقيل: صعود جبل في جهنم من نار يؤخذ بارتقائه، فإذا وضع يده عليه ذابت، فإذا رفعها عادت، وكذلك رجله في خبر مرفوع، وقيل: هو جبل من صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها حتى إذا بلغ أعلاها احدر إلى أسفلها، ثم يكلف أيضا أن يصعدها فذلك دأبه أبدا، يجذب من أمامه بسلاسل الحديد، ويضرب من خلفه بمقامع الحديد، فيصعدها في أربعين سنة عن الكلبي. وفي قوله: " سأصليه سقر " أي سأدخله جهنم والزمه إياها، وقيل: سقر: دركة من دركات جهنم ؟ وقيل: باب من أبوابها " وما أدريك " أيها السامع " ما سقر " في شدتها وهولها وضيقها " لا تبقي ولا تذر " أي لا تبقي لهم لحما إلا أكلته، ولا تذرهم إذا اعيدوا خلقا جديدا، وقيل: لا تبقي شيئا إلا احرقته، ولا تذر أي لا إبقاء عليهم بل يبلغ مجهودهم في أنواع العذاب " لواحة للبشر " أي مغيرة للجلود، وقيل: لافحة للجلود حتى تدعها أشد سواد من الليل " عليها تسعة عشر " من الملائكة، هم خزنتها: مالك ومعه ثمانية عشر، أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي، يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، تسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر، نزعت منهم الرحمة، يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم، وقيل: معناه: على سقر تسعة عشر ملكا فهم خزان سقر، وللنار ودركاتها الاخر خزان آخرون، وقيل: إنما خصوا بهذا العدد ليوافق الخبر لما جاء به الانبياء قبله وما كان في الكتب المتقدمة، ويكون في ذلك مصلحة للمكلفين، وقال: بعضهم في تخصيص هذا العدد: إن تسعة عشر يجمع أكثر القليل من العدد وأقل الكثير منه، لان العدد آحاد وعشرات ومئون والوف، فأقل العشرات عشرة، وأكثر الآحاد تسعة، قالوا: ولما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم امهاتكم أتسمعون ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم والشجعان، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم ؟ قال أبو الأسد الجمحي: أنا أكفيكم سبعة عشر، عشرة على ظهري، وسبعة على بطني، فاكفوني أنتم اثنين، فنزل: " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة " الآية، عن ابن عباس وقتادة والضحاك، ومعناه: وما جعلنا الموكلين بالنار المتولين تدبيرها إلا ملائكة، جعلنا شهوتهم في تعذيب أهل النار، ولم نجعلهم من بني آدم كما تعهدون أنتم فتطيقونهم " وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا " أي لم نجعلهم على هذا العدد إلا محنة وتشديدا في التكليف للذين كفروا نعم الله، وجحدوا وحدانيته حتى يتفكروا فيعلموا أن الله سبحانه حكيم لا يفعل إلا ما هو حكمة، ويعلموا أنه قادر على أن يزيد في قواهم ما يقدرون به على تعذيب الخلائق، ولو راجع الكفار عقولهم لعلموا أن من سلط ملكا واحدا على كافة بني آدم لقبض أرواحهم فلا يغلبونه قادر على سوق بعضهم إلى النار وجعلهم فيها بتسعة عشر من الملائكة " ليستيقن الذين اوتوا الكتاب " من اليهود والنصارى أنه حق، وأن محمدا صادق من حيث أخبر بما هو في كتبهم من غير قراءة لها ولا تعلم منهم " ويزداد الذين آمنوا إيمانا " أي يقينا بهذا العدد وبصحة نبوة محمد صلى الله عليه وآله إذا أخبرهم أهل الكتاب أنه مثل ما في كتابهم " ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون " أي ولئلا يشك هؤلاء في عدد الخزنة، والمعنى: ليستيقن من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله ومن آمن بصحة نبوته إذا تدبروا وتفكروا " وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا " اللام لام العاقبة أي عاقبة أمر هؤلاء أن يقولوا هذا يعني المنافقين والكافرين، وقيل: معناه: ولان يقولوا ماذا أراد الله بهذا الوصف والعدد ؟ ويتدبروه فيؤدي بهم التدبر في ذلك إلى الايمان " كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء " أي مثل ما جعلنا خزنة النار ملائكة ذوي عدد محنة واختبارا نكلف الخلق ليظهر الضلال والهدى، وأضافهما إلى نفسه لان سبب ذلك التكليف وهو من جهته، وقيل يضل عن طريق الجنة والثواب من يشاء، ويهدي من يشاء إليه " وما يعلم جنود ربك إلا هو " أي لا يعلم جنوده من كثرتها أحد إلا هو، ولم يجعل خزنة النار تسعة عشر لقلة جنوده، ولكن الحكمة اقتضت ذلك، وقيل: هذا جواب أبي جهل حين قال: ما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر، وقيل معناه: وما يعلم عدة الملائكة الذين خلقهم الله لتعذيب أهل النار إلا الله، والمعنى أن التسعة عشرهم خزنة النار، ولهم من الاعوان والجنود مالا يعلمه إلا الله، ثم رجع إلى ذكر سقر فقال: " وماهي إلا ذكرى للبشر " أي تذكرة وموعظة للعالم ليذكروا فيتجنبوا ما يستوجبون به ذلك، وقيل: معناه: وما هذه النار في الدنيا إلا تذكرة للبشر من نار الآخرة حتى يتفكروا فيها فيحذروا نار الآخرة، وقيل: ما هذه السورة إلا تذكرة للناس، وقيل: وما هذه الملائكة التسعة عشر إلا عبرة للخلق يستدلون بذلك على كمال قدرة الله تعالى وينزجرون عن المعاصي " كلا " أي حقا، وقيل: أي ليس الامر على ما يتوهمونه من أنهم يمكنهم دفع خزنة النار وغلبتهم " والقمر " أقسم بالقمر لما فيه من الآيات العجيبة في طلوعه وغروبه ومسيره وزيادته ونقصانه " والليل إذا أدبر " أي ولي " والصبح إذا أسفر " أي أضاء وأنار، وقيل: معناه: إذا كشف الظلام، وأضاء الاشخاص " إنها لأحدى الكبر " هذا جواب القسم، يعني أن سقر التي هي النار لأحدى العظائم، والكبر جمع الكبرى، وقيل: معناه أن آيان القرآن إحدى الكبر في الوعيد " نذيرا للبشر " صفة للنار، وقيل: من صفة النبي صلى الله عليه وآله، فكأنه قال: قم نذيرا، وقيل: من صفة الله تعالى فيكون حالا من فعل القسم المحذوف " لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر " أي يتقدم في طاعة الله، أو يتأخر عنها بالمعصية. وروى محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: كل من تقدم إلى ولايتنا تأخر عن سقر، وكل من تأخر عن ولايتنا تقدم إلى سقر. " كل نفس بما كسبت رهينة " أي مرهونة بعملها، محبوسة به، مطالبة بما كسبته من طاعة أو معصية " إلا أصحاب اليمين " وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، وقيل: هم الذين يسلك بهم ذات اليمين " في جنات يتساءلون " أي يسأل بعضهم بعضا، وقيل: يسألون " عن المجرمين " أي عن حالهم وعن ذنوبهم التي استحقوا بها النار " ما سلككم في سقر " هذا سؤال توبيخ، أي يطلع أهل الجنة على أهل النار فيقولون لهم: ما أوقعكم في النار ؟ قالوا لم نك من المصلين " أي كنا لا نصلي الصلوات المكتوبة على ما قررها الشرع، وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بالعبادات " ولم نك نطعم المسكين " أي لم نكن نخرج الزكوات التي كانت واجبة علينا، والكفارات التي وجب دفعها إلى المساكين وهم الفقراء " وكنا نخوض مع الخائضين " أي كلما غوى غاو بالدخول في الباطل غوينا معه " وكنا نكذب بيوم الدين " أي نجحد يوم الجزاء " حتى أتانا اليقين " أي الموت على هذه الحالة، وقيل: حتى جاءنا العلم اليقين من ذلك بأن عايناه " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " أي شفاعة الملائكة والنبيين كما نفعت الموحدين. وفي قوله سبحانه: " انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون " أي تقول لهم الخزنة: اذهبوا وسيروا إلى النار التي كنتم تجحدونها في الدنيا " انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب " أي نار لها ثلاث شعب، سماها ظلا لسواد نار جهنم، وقيل: هو دخان جهنم له ثلاث شعب تحيط بالكافر، شعبة تكون فوقه، وشعبة عن يمينه، وشعبة عن شماله، فسمى الدخان ظلا، كما قال: " أحاط بهم سرادقها " أي من الدخان الآخذ بالأنفاس، وقيل: يخرج من النار لسان فيحيط بالكافر كالسرادق فتنشعب ثلاث شعب، يكون فيها حتى يفرغ من الحساب، ثم وصف سبحانه ذلك الظل فقال: " لا ظليل " أي غير مانع من الاذى بستره عنه فظل هذ الدخان لا يغني شيئا من حر النار، وهو قوله: " ولا يغني من اللهب " واللهب: ما يعلو على النار إذا اضطرمت من أحمر وأصفر وأخضر، يعني أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب، ثم وصف النار فقال: " إنها ترمي بشرر " وهو ما تطاير من النار في الجهات " كالقصر " أي مثله في عظمه وتخويفه، يتطاير على الكافرين من كل جهة - نعوذ بالله منه – وهو واحد القصور من البنيان، والعرب تشبه الابل بالقصور، وقيل: " كالقصر " أي كأصول الشجر العظام، ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر فقال: " كأنه جمالت صفر " أي كأنه أنيق سود لما يعتري سوادها من الصفر، قال الفراء: لا ترى أسود من الإبل إلا وهو مشرب صفرة، ولذلك سمت العرب الإبل صفرا، وقيل هو من الصفرة لان النار تكون صفراء. وفي قوله تعالى: " إن جهنم كانت مرصادا " يرصدون به، أي هي معدة لهم يرصد بها خزنتها الكفار، وقيل: مرصادا محبسا يحبس فيه الناس، وقيل: طريقا منصوبا على العاصين فهو موردهم ومنهلهم، وهذا إشارة إلى أن جهنم للعصاة على الرصد لا يفوتونها " للطاغين مآبا " أي للذين جازوا حدود الله وطغوا في معصية الله مرجعا يرجعون إليه ومصيرا، فكأن المجرم قد كان بإجرامه فيها ثم رجع إليها " لابثين فيها أحقابا " أي ماكثين فيها أزمانا كثيرة، وذكر فيه أقوال: أحدها أن المعنى: أحقابا لا انقطاع لها، كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر، والحقب: ثمانون سنة من سني الآخرة. وثانيها أن الاحقاب ثلاثة وأربعون حقبا، كل حقب سبعون خريفا، كل خريف سبعمائة سنة، كل سنة ثلاث مائة وستون يوما، كل يوم ألف سنة، عن مجاهد. وثالثها أن الله تعالى لم يذكر شيئا إلا وجعل له مدة ينقطع إليها، ولم يجعل لأهل النار مدة بل قال: " لابثين فيها أحقابا " فوالله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب دخل حقب آخر، ثم آخر كذلك إلى أبدالا بدين، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود في النار ولكن قد ذكروا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة، كل يوم من تلك السنين ألف سنة مما نعده. ورابعها أن المعنى: لابثين فيها أحقابا لا يذوقون في تلك الاحقاب إلا حميما وغساقا، ثم يلبثون يذوقون فيها غير الحميم والغساق من أنواع العذاب، فهذا توقيت لأنواع العذاب لا لمكثهم في النار وهذا أحسن الاقوال. وخامسها أنه يعني به أهل التوحيد عن خالد بن معدان. وروى نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا، والحقب بضع وستون سنة، والسنة ثلاث مائة وستون يوما، كل يوم كألف سنة مما تعدون، فلا يتكلن أحد على أن يخرج من النار. وروى العياشي بإسناده عن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية فقال: هذه في الذين يخرجون من النار، وروي عن الاحول مثله. وقوله: " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " يريد النوم والماء، عن ابن عباس، قال أبو عبيدة: البرد: النوم هنا، وقيل لا يذوقون فيها بردا ينفعهم من حرها، ولا شرابا ينقعهم من عطشها " إلا حميما وغساقا " وهو صديد أهل النار " جزاء وفاقا " أي وافق عذاب النار الشرك لانهما عظيمان ولا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار عن مقابل، وقيل: جوزوا جزاء وفق أعمالهم، عن ابن عباس " إنهم كانوا لا يرجون حسابا " أي فعلنا ذلك بهم لأنهم كانوا لا يخافون أن يحاسبوا ولا يؤمنون بالبعث " وكذبوا بآياتنا " أي بما جاءت به الانبياء، وقيل: بالقرآن: وقيل: بحجج الله ولم يصدقوا بها " كذابا " أي تكذيبا " وكل شئ أحصيناه كتابا " أي كل شئ من الاعمال بيناه في اللوح المحفوظ، وقيل: أي كل شئ من أعمالهم حفظناه نجازيهم به " فذوقوا " أي فقيل لهؤلاء الكفار: ذوقوا ما أنتم فيه من العذاب " فلن نزيدكم إلا عذابا " لان كل عذاب يأتي بعد الوقت الاول فهو زائد عليه. وفي قوله: " إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " يعني أن هؤلاء الذين وصفهم بالكفر والفجور محجوبون يوم القيامة عن رحمة ربهم وإحسانه وكرامته، وقيل: ممنوعون عن رحمته، مدفوعون عن ثوابه، غير مقبولين ولا مرضيين، وقيل: محرومون عن ثوابه وكرامته، عن علي عليه السلام. وفي قوله تعالى: " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات " أي أحرقوهم وعذبوهم بالنار. وفي قوله: " ويتجنبها " أي ويتجنب الذكرى والموعظة " الاشقى " أي أشقى العصاة، وهو الذي كفر بالله وبتوحيده، وعبد غيره " الذي يصلى النار الكبرى " أي يلزم أكبر النيران وهي نار جهنم، والنار الصغرى نار الدنيا، وقيل: النار الكبرى هي التي في الطبقة السفلى من جهنم " لا يموت فيها " فيستريح " ولا يحيى " حياة ينتفع بها، بل صار حياته وبالا عليه يتمنى زوالها، لما هو فيه معها من فنون العقاب وألوان العذاب. وفي قوله: " فأنذرتكم نارا تلظى " أي تتلهب وتتوقد " لا يصلها إلا الاشقى الذي كذب " بآيات الله ورسله " وتولى " أي أعرض عن الايمان " وسيجنبها " أي سيجنب النار ويجعل منها على جانب " الاتقى " المبالغ في التقوى " الذي يؤتي ماله " أي ينفقه في سبيل الله " يتزكى " يطلب أن يكون عند الله زكيا لا يطلب بذلك رئاء ولا سمعة. قال القاضي: قوله: " لا يصلها إلا الاشقى الذي كذب وتولى " لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلا الكافر على ما يقوله الخوارج وبعض المرجئة، وذلك لأنه نكر النار المذكورة ولم يعرفها، فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران لا يصلها إلا من هذه حاله، والنيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين، فمن أين عرف أن غير هذه النار لا يصلها قوم آخرون ؟ وبعد فإن الظاهر من الآية يوجب أن لا يدخل النار إلا من كذب وتولى وجمع بين الامرين، فلا بد للقوم من القول بخلافه لأنهم يوجبون النار لمن يتولى عن كثير من الواجبات وإن لم يكذب. وفي قوله تعالى: " لئن لم ينته " أي إن لم يمتنع أبو جهل عن تكذيب محمد صلى الله عليه وآله وإيذائه " لنسفعن بالناصية " النون نون التأكيد الخفيفة اي لنجرن بناصيته إلى النار، وهذا كقوله: " فيؤخذ بالنواصي والاقدام " ومعناه: لنذلنه ونقيمنه مقام الاذلة، ففي الاخذ بالناصية إهانة واستخفاف، وقيل: معناه: لنغيرن وجهه ونسودنه بالنار يوم القيامة، لان السفع أثر الاحراق بالنار " ناصية كاذبة خاطئة " وصفها بالكذب والخطأ بمعنى أن صاحبها كاذب في أقواله خاطئ في أفعاله، لما ذكر الجر بها أضاف الفعل إليها. قال ابن عباس: لما أتى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وآله انتهره رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال أبو جهل: أتنهرني يا محمد ؟ فوالله لقد علمت ما بها - أي بمكة - أحد أكثر ناديا مني، فأنزل الله سبحانه: " فليدع ناديه " وهذا وعيد، أي فليدع أهل ناديه ومجلسه يعنى عشيرته فلينتصر بهم إذا حل عقاب الله به " سندع الزبانية " يعني الملائكة الموكلين بالنار وهم الملائكة الغلاظ الشداد. وفي قوله تعالى: " كلا لو تعلمون علم اليقين " أي لو تعلمون الامر علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التفاخر والتباهي بالعز والكثرة، ثم استأنف سبحانه وعيدا آخر فقال: " لترون الجحيم " على نية القسم يعني حين تبرز الجحيم في القيامة قبل دخولهم إليها " ثم لترونها " يعني بعد الدخول إليها " عين اليقين " كما يقال: حق اليقين، ومحض اليقين، معناه: ثم لترونها بالمشاهدة إذا دخلتموها وعذبتم بها. وفي قوله تعالى: " لينبذن في الحطمة " أي ليطرحن من وصفناه في الحطمة، وهي اسم من أسماء جهنم، قال مقاتل: وهي تحطم العظام وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب. ثم قال: " وما أدريك ما الحطمة " تفخيما لأمرها، ثم فسرها بقوله: " نار الله الموقدة " أي المؤججة، أضافها سبحانه إلى نفسه ليعلم أنها ليست كسائر النيران، ثم وصفها بالإيقاد على الدوام " التي تطلع على الافئدة " أي تشرف على القلوب فتبلغها ألمها وحريقها، وقيل: معناه أن هذه النار تخرج من الباطن إلى الظاهر خلاف نيران الدنيا " إنها عليهم مؤصدة " يعني إنها على أهلها مطبقة تطبق أبوابها عليهم تأكيدا للاياس عن الخروج " في عمد ممددة " وهي جمع عمود، وقال أبو عبيدة: كلاهما جمع عماد، قال: وهي أوتاد الاطباق التي تطبق على أهل النار، وقال مقاتل: أطبقت الابواب عليهم، ثم شدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها، فلا يفتح عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح، وقال الحسن: يعني عمد السرادق في قوله: " أحاط بهم سرادقها " فإذا مدت تلك العمد أطبقت جهنم على أهلها نعوذ بالله منها، وقال الكلبي: في عمد مثل السواري ممدودة مطولة تمدد عليهم، وقال ابن عباس: هم في عمد أي في أغلال في أعناقهم يعذبون بها. وروى العياشي بإسناده عن محمد بن النعمان الاحول، عن عمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الكفار والمشركين يعيرون أهل التوحيد في النار، ويقولون: ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا، وما نحن وأنتم إلا سواء ! قال: فيأنف لهم الرب تعالى فيقول للملائكة: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله، ثم يقول للنبيين: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله، ثم يقول للمؤمنين: اشفعوا فيشفون لمن شاء الله، ويقول الله: أنا أرحم الراحمين، اخرجوا برحمتي فيخرجون كما يخرج الفراش، قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ثم مدت العمد وأوصدت عليهم وكان والله الخلود. وفي قوله سبحانه: " سيصلى نارا ذات لهب " أي سيدخل نارا ذات قوة واشتعال تلتهب عليه وهي نار جهنم " وامرأته " وهي ام جميل بنت حرب اخت أبي سفيان " حمالة الحطب " كانت تحمل الشوك والغضا فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الصلاة وقيل: معناه حمالة الخطايا " في جيدها حبل من مسد " أي في عنقها حبل من ليف، وإنما وصفها بهذه الصفة تخسيسا لها وتحقيرا، وقيل حبل تكون له خشونة الليف، وحرارة النار، وثقل الحديد، يجعل في عنقها زيادة في عذابها، وقيل: في عنقها سلسلة من حديد طولها سبعون ذراعا تدخل من فيها، وتخرج من دبرها، وتدار على عنقها في النار، عن ابن عباس وعروة بن الزبير، وسميت السلسلة مسدا لأنها ممسودة أي مفتولة، وقيل: إنها كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت: لأنفقنها في عداوة محمد صلى الله عليه وآله فتكون عذابا في عنقها يوم القيامة، عن سعيد بن المسيب. وفي قوله سبحانه: " قل أعوذ برب الفلق " الفلق: الصبح لانفلاق عموده بالضياء عن الظلام، وقيل: الفلق: المواليد، لأنهم ينفلقون بالخروج من أصلاب الآباء وأرحام الامهات، وقيل: جب في جهنم يتعوذ أهل جهنم من شدة حره، عن السدي، ورواه أبو حمزة الثمالي وعلي بن إبراهيم في تفسيريهما.
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
المصدر : بحار الأنوار
الجزء والصفحة : جزء 8 / صفحة [ 235 ]


Untitled Document
دعاء يوم الأثنين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُشْهِدْ أَحَداً حِينَ فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ، وَلا اتَّخَذَ مُعِيناً حِينَ بَرَأَ النَّسَماتِ، لَمْ يُشارَكْ فِي الاِلهِيَّةِ، وَلَمْ يُظاهَرْ فِي الوَحْدانِيَّةِ. كَلَّتِ الأَلْسُنُ عَنْ غَايَةِ صِفَتِهِ، وَالعُقُولُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَتَواضَعَتِ الجَبابِرَةُ لِهَيْبَتِهِ، وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِخَشْيَتِهِ، وَانْقادَ كُلُّ عَظِيمٍ لِعَظَمَتِهِ، فَلَكَ الحَمْدُ مُتَواتِراً مُتَّسِقاً ومُتَوالِياً مُسْتَوْسِقاً، وَصَلَواتُهُ عَلى رَسُولِهِ أَبَداً وَسَلامُهُ دائِماً سَرْمَداً، اللّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَ يَوْمِي هذا صَلاحاً وَأَوْسَطَهُ فَلاحاً وَآخِرَهُ نَجاحاً، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمٍ أَوَّلُهُ فَزَعٌ، وَأَوْسَطُهُ جَزَعٌ، وَآخِرُهُ وَجَعٌ. اللّهُمَّ إِنِّي أسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ نَذْرٍ نَذَرْتُهُ، وَكُلِّ وَعْدٍ وَعَدْتُهُ، وَكُلِّ عَهْدٍ عاهَدْتُهُ ثُمَّ لَمْ أَفِ بِهِ، وَأَسأَلُكَ فِي مَظالِمِ عِبادِكَ عِنْدِي، فَأَيُّما عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِكَ أَو أَمَةٍ مِنْ إِمائِكَ كانَتْ لَهُ قِبَلِي مَظْلِمَةٌ ظَلَمْتُها إِيّاهُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي عِرْضِهِ أَوْ فِي مالِهِ أَوْ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، أَوْ غيْبَةٌ اغْتَبْتُهُ بِها، أَوْ تَحامُلٌ عَلَيْهِ بِمَيْلٍ أَوْ هَوَىً أَوْ أَنَفَةٍ أَوْ حَمِيَّةٍ أَوْ رِياءٍ أَوْ عَصَبِيَّةٍ غائِباً كانَ أَوْ شاهِداً، وَحَيّاً كانَ أَوْ مَيِّتاً، فَقَصُرَتْ يَدِي وَضاقَ وُسْعِي عَنْ رَدِّها إِلَيْهِ والتَحَلُّلِ مِنْهُ، فَأَسْأَلُكَ يا مَنْ يَمْلِكُ الحاجاتِ وَهِي مُسْتَجِيبَةٌ لِمَشِيئَتِهِ وَمُسْرِعَةٌ إِلى إِرادَتِهِ، أَنْ تُصَلِّيَّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تُرْضِيَهُ عَنِّي بِما شِئْتَ، وَتَهَبَ لِي مِنْ عِنْدِكَ رَحْمَةً، إِنَّهُ لا تَنْقُصُكَ المَغْفِرَةُ ولا تَضُرُّكَ المَوْهِبَةُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللّهُمَّ أَوْلِنِي فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنِينِ نِعْمَتَيْنِ مِنْكَ ثِنْتَيْنِ: سَعادَةً فِي أَوَّلِهِ بِطاعَتِكَ، وَنِعْمَةً فِي آخِرِهِ بِمَغْفِرَتِكَ، يامَنْ هُوَ الإِلهُ وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ سِواهُ.

زيارات الأيام
زيارة الحسن والحسين (عليهما السلام) يوم الإثنين
زِيارةُ الحَسَنِ (عليه السلام): اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حَبيبَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صِفْوَةَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَمينَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صِراطَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بَيانَ حُكْمِ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا ناصِرَ دينِ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا السَّيِدُ الزَّكِيُّ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْبَرُّ الْوَفِيُّ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْقائِمُ الْاَمينُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْعالِمُ بِالتَّأْويلِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْهادِي الْمَهْديُّ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الطّاهِرُ الزَّكِيُّ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ السَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْحَقُّ الْحَقيقُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الشَّهيدُ الصِّدّيقُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ. زِيارة الحُسَينِ (عليه السلام) : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ اَشْهَدُ اَنـَّكَ اَقَمْتَ الصلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكوةَ وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً وَجاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى أتاكَ الْيَقينُ فَعَلَيْكَ السَّلامُ مِنّي ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ، اَنَا يا مَوْلايَ مَوْلىً لَكَ وَلاِلِ بَيْتِكَ سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَجَهْرِكُمْ وَظاهِرِكُمْ وَباطِنِكُمْ لَعَنَ اللهُ اَعْداءَكُمْ مِنَ الْاَوَّلينَ وَالاْخِرينَ وَاَنـَا أبْرَأُ اِلَى اللهِ تَعالى مِنْهُمْ يا مَوْلايَ يا اَبا مُحَمَّد يا مَوْلايَ يا اَبا عَبْدِ اللهِ هذا يَوْمُ الْاِثْنَيْنِ وَهُوَ يَوْمُكُما وَبِاسْمـِكُما وَاَنـَا فيهِ ضَيْفُكُما فَاَضيفانى وَاَحْسِنا ضِيافَتي فَنِعْمَ مَنِ اسْتُضيفَ بِهِ اَنْتُما وَاَنـَا فيهِ مِنْ جِوارِكُما فَاَجيرانى فَاِنَّكُما مَأْمُورانِ بِالضِّيافَةِ وَالْاِجارَةِ فَصَلَّى اللهُ عَلَيْكُما وَآلِكُمَا الطَّيِّبينَ.