أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير مجمع البيان
قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى:
" إذ قالت الملائكة ": قال ابن عباس:
يريد جبرئيل " يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه " ففيه قولان: أحدهما
أنه المسيح سماه كلمة، عن ابن عباس وقتادة
وجماعة من المفسرين، وإنما سمي بذلك لأنه كان بكلمة
من الله من غير والد وهو قوله: " كن فيكون " يدل عليه قوله تعالى: "
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " وقيل: سمي
بذلك لان الله تعالى بشر به في الكتب
السالفة، كما يقول الذي يخبر بالأمر إذا خرج موافقا لأمره:
قد جاء كلامي، ومما جاء من البشارة به في التوراة " أتانا الله من سيناء،
وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران " وساعير هو الموضع الذي بعث منه
المسيح عليه السلام وقيل: لان الله يهدي به كما
يهدي بكلمته. والقول الثاني: أن الكلمة بمعنى البشارة،
كأنه قال: ببشارة منه ولد اسمه المسيح، والاول أقوى، ويؤيده قوله: " إنما المسيح
عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " وإنما ذكر الضمير في
اسمه وهو عائد إلى الكلمة لأنه واقع على مذكر فذهب إلى المعنى. واختلف في أنه لم سمي
بالمسيح فقيل: لأنه مسح باليمن والبركة، عن الحسن وقتادة وسعيد، وقيل: لأنه مسح بالتطهير
من الذنوب، وقيل: لأنه مسح بدهن زيت بورك فيه، وكانت الانبياء تتمسح به، عن
الجبائي، وقيل: لأنه مسحه جبرئيل بجناحه وقت ولادته ليكون عوذة من الشيطان، وقيل:
لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله، وقيل: لأنه يمسح عين الاعمى فيبصر، عن الكلبي،
وقيل: لأنه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا أبرأه، عن ابن عباس في رواية عطاء والضحاك،
وقال أبو عبيدة: وهو بالسريانية مشيحا، فعربته العرب " عيسى ابن مريم " نسبه
إلى أمه ردا على النصارى قولهم : إنه ابن الله " وجيها " ذا جاه وقدر
وشرف " في الدنيا والآخرة ومن المقربين
" إلى ثواب الله وكرامته " ويكلم الناس في المهد "
أي صغيرا، والمهد الموضع الذي يمهد لنوم الصبي، ويعني بكلامه في المهد: " إني
عبد الله آتاني الكتاب " الآية، ووجه
كلامه في المهد أنه تنزيه لامه مما قذفت به وجلالة
له بالمعجزة التي ظهرت فيه " وكهلا " أي يكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه
من الله، أعلمنا
الله سبحانه أنه يبقى إلى حال الكهولة، وفي ذلك إعجاز لكون المخبر في وفق
الخبر، وقيل: المراد به الرد على النصارى بما كان فيه من التقلب في الأحوال لان
ذلك مناف لصفة الاله " ومن الصالحين " أي ومن النبيين مثل إبراهيم وموسى
عليهما السلام، وقيل: إن المراد بالآية:
ويكلمهم في المهد دعاء إلى الله، وكهلا بعد نزوله من
السماء ليقتل الدجال وذلك لأنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وذلك قبل
الكهولة، عن زيد بن أسلم. وفي ظهور المعجزة في المهد قولان: أحدهما: أنها كانت مقرونة
بنبوة المسيح عليه السلام لأنه سبحانه أكمل عقله في تلك الحال وجعله نبيا، وأوحى
إليه بما تكلم به، عن الجبائي، وقيل: كان ذلك على التأسيس والارهاص لنبوته، عن ابن
الاخشيد، ويجوز عندنا الوجهان، ويجوز أن يكون معجزة لمريم تدل على طهارتها
وبراءة ساحتها إذ لا مانع لذلك، وقد دلت الادلة الواضحة على جوازه، وإنما جحدت
النصارى كلام المسيح في المهد مع كونه آية ومعجزة لان في ذلك إبطال مذهبهم لأنه
قال: " إني عبد الله " وهو ينافي قولهم: إنه ابن الله، فاستمروا على
تكذيب من أخبر بذلك " قالت مريم أنى يكون
لي " أي كيف يكون لي " ولد ولم يمسسني بشر " لم تقل
ذلك استبعادا واستنكارا، بل إنما قالت استفهاما واستعظاما لقدرة الله تعالى، لان
في طبع البشر التعجب مما خرج عن المعتاد، وقيل: إنما قالت ذلك لتعلم أن الله سبحانه
يرزقها الولد وهي على حالتها لم يمسسها بشر، أو يقدر لها زوجا ثم يرزقها الولد
على مجرى العادة " قال كذلك الله يخلق ما يشاء " أي يخلق ما يشاء مثل
ذلك، فهي حكاية ما قال لها الملك، أي يرزقك
الولد وأنت على هذه الحالة لم يمسك بشر " إذا قضى
أمرا " أي خلق أمرا، وقيل: إذا قدر أمرا " فإنما يقول له كن فيكون
" وقيل في معناه قولان: أحدهما أنه إخبار بسرعة
حصول مراد الله تعالى في كل شئ أراد حصوله من غير
مهلة ولا معاناة ولا تكلف سبب ولا أداة، وإنما كنى بهذه
اللفظة لأنه لا يدخل في وهم العباد شئ أسرع من
كن فيكون، والآخر أن هذه الكلمة جعلها الله علامة للملائكة فيما يريد إحداثه وإيجاده
لما فيه من المصلحة والاعتبار، وإنما استعمل لفظة الامر فيما ليس بأمر هنا ليدل
ذلك على أن فعله بمنزلة فعل المأمور في أنه لا كلفة فيه على الآمر.
وقال رحمه
الله في قوله " واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا "
أي انفردت من أهلها إلى مكان في جهة
المشرق وقعدت ناحية منهم، قال ابن عباس: " إنما اتخذت
النصارى المشرق قبلة لأنها انتبذت مكانا شرقيا، وقيل: اتخذت مكانا تنفرد فيه للعبادة
لئلا تشتغل بكلام الناس، عن الجبائي، وقيل: تباعدت عن قومها حتى لا يروها، عن
الاصم وأبي مسلم، وقيل: إنها تمنت أن تجد خلوة فتفلي رأسها، فخرجت في يوم شديد
البرد فجلست في مشرقة للشمس، عن عطاء " فاتخذت من دونهم حجابا " أي
فضربت من دون أهلها لئلا يروها سترا وحاجزا
بينها وبينهم " فأرسلنا إليها روحنا " يعني جبرئيل
عليه السلام عن ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم، وسماه الله روحا لأنه روحاني،
وأضافه إلى نفسه تشريفا له " فتمثل لها بشرا سويا " معناه: فأتاها
جبرئيل فانتصب بين يديها في صورة آدمي صحيح لم
ينقص منه شئ، وقال أبو مسلم: إن الروح الذي خلق
منه المسيح عليه السلام تصور لها إنسانا، والاول هو الوجه لإجماع المفسرين عليه،
وقال عكرمة: كانت مريم إذا حاضت خرجت من المسجد، وكانت عند خالتها امرأة زكريا
أيام حيضها، فإذا طهرت عادت إلى بيتها في المسجد، فبينما هي في مشرقة لها في ناحية
الدار وقد ضربت بينها وبين أهلها سترا لتغتسل وتمتشط إذ دخل عليها جبرئيل في صورة
رجل شاب أمرد سوي الخلق، فأنكرته فاستعاذت بالله منه " قالت إني أعوذ بالرحمن منك
إن كنت تقيا " معناه إني أعتصم بالرحمن من شرك فاخرج من عندي إن كنت تقيا. سؤال:
كيف شرطت في التعوذ منه أن يكون تقيا والتقي لا يحتاج أن يتعوذ منه، وإنما يتعوذ
من غير التقي ؟.
والجواب أن التقي إذا تعوذ بالرحمن منه
ارتدع عما يسخط الله، ففي ذلك تخويف وترهيب له،
وهذا كما تقول: إن كنت مؤمنا فلا تظلمني، فالمعنى: إن كنت تقيا فاتعظ واخرج. وروي
عن علي عليه السلام أنه قال: " علمت أن التقى ينهاه عن المعصية " وقيل:
إن معنى قوله : " إن كنت تقيا "
ما كنت تقيا حيث استحللت النظر إلي وخلوت بي، فلما سمع
جبرئيل منه هذا القول قال لها: " إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا
" أي ولدا طاهرا من الادناس، وقيل: ناميا في
أفعال الخير، وقيل: يريد نبيا، عن ابن عباس "
قالت " مريم " أنى يكون لي غلام " أي كيف يكون لي ولد " ولم
يمسسني بشر " على وجه الزوجية " ولم أك بغيا " أي
ولم أكن زانية، وإنما قالت ذلك لان الولد في العادة يكون
من إحدى هاتين الجهتين، والمعنى أني لست بذات زوج وغير ذات الزوج لا تلد إلا عن
فجور ولست فاجرة، وإنما يقال للفاجرة بغي بمعنى أنها تبغي الزنا، أي تطلبه. وفي هذه
الآية دلالة على جواز إظهار الكرامات على غير الانبياء عليهم السلام لان من المعلوم
أن مريم ليست بنبية، وأن رؤية الملك على صورة البشر وبشارة الملك إياها وولادتها
من غير وطئ إلى غيرها من الآيات التي أبانها الله بها من أكبر المعجزات، ومن
لم يجوز إظهار المعجزات على غير النبي اختلفت أقوالهم في ذلك: فقال الجبائي وابنه:
إنها معجزات لزكريا، وقال البلخي: إنها معجزات لعيسى على سبيل الارهاص والتأسيس
لنبوته " قال كذلك " أي قال لها جبرئيل حين سمع تعجبها من هذه البشارة: الامر
كذلك، أي كما وصفت لك " قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس " معناه ولنجعله
علامة ظاهرة وآية باهرة للناس على نبوته ودلالة على براءة أمه " ورحمة منا "
أي ولنجعله نعمة منا على الخلق يهتدون بسنته " وكان أمرا مقضيا " أي
وكان خلق عيسى عليه السلام من غير ذكر أمرا
كائنا مفروغا منه محتوما، قضى الله سبحانه بأنه يكون
وحكم به " فحملته " أي فحملت مريم بعيسى وحبلت في الحال، قيل: إن جبرئيل
أخذ ردن قميصها بإصبعه فنفخ فيه فحملت مريم
من ساعتها ووجدت حس الحمل، عن ابن عباس، وقيل:
نفخ في كمها فحملت، عن ابن جريح. وروي عن الباقر عليه السلام أنه تناول جيب مدرعتها
فنفخ نفخة فكمل الولد في الرحم من ساعته، كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة
أشهر، فخرجت من المستحم وهي حامل مثقل فنظرت إليها خالتها فأنكرتها، ومضت مريم
على وجهها مستحيية من خالتها ومن زكريا " فانتبذت به مكانا قصيا " أي
تنحت بالحمل إلى مكان بعيد، وقيل: معناه
انفردت به مكانا بعيدا من قومها حياء من أهلها وخوفا
من أن يتهموها بسوء. واختلفوا في مدة حملها فقيل: ساعة واحدة، قال ابن عباس: لم
يكن بين الانتباذ والحمل إلا ساعة واحدة، لأنه تعالى لم يذكر بينهما فصلا لأنه قال:
فحملته، فانتبذت به، فأجاءها، والفاء للتعقيب، وقيل: حملت به في ساعة، وصور في ساعة
ووضعته في ساعة حين زاغت الشمس من يومها وهي بنت عشر سنين، عن مقاتل، وقيل: كانت
مدة حملها تسع ساعات، وهذا مروي عن أبي عبد الله، وقيل. ستة أشهر، وقيل: ثمانية
أشهر، وكان ذلك آية وذلك أنه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره " فأجاءها المخاض
" أي أجاءها الطلق أي وجع الولادة " إلى جذع النخلة " فالتجأت
إليها لتستند إليها، عن ابن عباس ومجاهد
وقتادة والسدي قال ابن عباس: نظرت مريم إلى أكمة فصعدت مسرعة فإذا عليها جذع
النخلة ليس عليها سعف، والجذع ساق النخلة، والالف واللام
دخلت للعهد لا للجنس، أي النخلة المعروفة، فلما ولدت " قالت ياليتني مت قبل هذا
وكنت نسيا منسيا " أي شيئا حقيرا متروكا، عن ابن عباس، وقيل: شيئا لا يذكر
ولا يعرف، عن قتادة وقيل: حيضة ملقاة، عن
عكرمة والضحاك ومجاهد، قال ابن عباس: فسمع جبرئيل
كلامها وعرف جزعها " فناداها من تحتها
" وكان أسفل منها تحت الاكمة: " أن لا تحزني " وهو قول
السدي وقتادة والضحاك أن المنادي جبرئيل ناداها من سفح الجبل، وقيل: ناداها عيسى،
عن مجاهد والحسن ووهب وسعيد بن جبير وابن زيد وابن جرير والجبائي. وإنما تمنت
الموت كراهية لان يعصى الله فيها، وقيل: استحياء من الناس أن يظنوا بها سوءا، عن
السدي، وروي عن الصادق عليه السلام: لأنها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزهها عن
السوء " قد جعل ربك تحتك سريا " أي ناداها جبرئيل أو عيسى ليزول ما
عندها من الغم والجزع: لا تغتمي قد جعل ربك تحت
قدميك نهرا تشربين منه وتطهرين من النفاس، عن ابن
عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، قالوا: وكان نهرا قد انقطع الماء عنه، فأرسل الله الماء
فيه لمريم وأحيا ذلك الجذع حتى أثمر وأورق، وقيل: ضرب جبرئيل برجله فظهر ماء عذب،
وقيل: بل ضرب عيسى برجله فظهر عين ماء تجري وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام،
وقيل: السري: عيسى عليه السلام، عن الحسن وابن زيد والجبائي، والسري هو الرفيع
الشريف، قال الحسن: كان والله عبدا سريا " وهزي إليك بجذع النخلة "
معناه: اجذبي إليك، والباء مزيدة، وقال
الفراء: تقول العرب: هزه وهز به " تساقط عليك رطبا جنيا
" الجني بمعنى المجتنى، من جنيت الثمرة واجتنيتها: إذا قطعتها، وقال الباقر عليه
السلام: لم تستشف النفساء بمثل الرطب، إن الله تعالى أطعمه مريم في نفاسها، قال:
إن الجذع كان يابسا لا ثمر عليه إذ لو كان عليه ثمر لهزته من غير أن تؤمر به،
وكان في الشتاء فصار معجزة لخروج الرطب في غير أوانه ولخروجه دفعة واحدة، فإن العادة
أن يكون نورا أولا، ثم يصير بلحا، ثم بسرا. وروي أنه لم يكن للجذع رأس وضربته
برجلها فأورق وأثمر وانتثر عليها الرطب جنيا، والشجرة التي لا رأس لها لا
تثمر في العادة.
وقيل: إن تلك النخلة كانت برنية، وقيل:
كانت عجوة وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام " فكلي واشربي
" أي كلي يا مريم من هذا الرطب، واشربي من هذا الماء
" وقري عينا " جاء في التفسير: وطيبي نفسا، وقيل: معناه: لتبرد عينك
سرورا بهذا الولد الذي ترين، لان دمعة السرور
باردة، ودمعة الحزن حارة، وقيل: معناه: لتسكن
عينك سكون سرور برؤيتك ما تحبين " فإما ترين من البشر أحدا " فسألك عن
ولدك " فقولي إني نذرت للرحمن صوما " أي
صمتا، عن ابن عباس، والمعنى: أوجبت على نفسي لله أن
لا أتكلم، وقيل صوما، أي إمساكا عن الطعام والشراب والكلام، عن قتادة، وإنما أمرت
بالصمت ليكفيها الكلام ولدها بما يبرئ ساحتها عن ابن مسعود وابن زيد ووهب، وقيل:
كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم
الصائم حتى يمسي، يدل على هذا قوله: " فلن أكلم اليوم إنسيا " أي إني
صائمة فلا أكلم اليوم أحدا، وكان قد أذن لها
أن تتكلم بهذا القدر ثم تسكت ولا تتكلم بشئ آخر،
عن السدي، وقيل: كان الله تعالى أمرها أن تنذر لله الصمت، وإذا كلمها أحد تومي بأنها
نذرت صمتا، لأنه لا يجوز أن يأمرها بأن تخبر بأنها نذرت ولم تنذر لان ذلك كذب عن
الجبائي " فأتت به قومها تحمله " أي فأتت مريم بعيسى حاملة له، وذلك
أنها لفته في خرقة وحملته إلى قومها " قالوا
يا مريم لقد جئت شيئا فريا " أي أمرا عظيما بديعا،
إذ لم تلد أنثى قبلك من غير رجل، عن قتادة ومجاهد والسدي، وقيل: أمرا قبيحا منكرا
من الافتراء وهو الكذب، عن الجبائي. " يا اخت هارون " قيل فيه أقوال:
أحدها أن هارون كان رجلا صالحا في بني
إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح، عن ابن عباس وقتادة
وكعب وابن زيد، والمغيرة بن شعبة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وقيل: إنه
لما مات شيع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون، فقولهم: " يا أخت هارون
" معناه: يا شبيهة هارون في الصلاح ما كان
هذا معروفا منك.
وثانيها. أن هارون كان أخاها لأبيها
ليس من أمها، وكان معروفا بحسن الطريقة عن الكلبي.
وثالثها: أنه هارون أخو موسى عليه السلام فنسبت إليه لأنها من ولده كما يقال:
يا أخا تميم، عن السدي. ورابعها: أنه كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والفساد فنسبت
إليه، وقيل لها: يا شبيهته في قبح فعله، عن سعيد بن جبير. " ما كان أبوك امرأ سوء
وما كانت أمك بغيا " أي كان أبواك صالحين، فمن أين جئت بهذا الولد ؟ "
فأشارت إليه " أي فأومأت إلى عيسى بأن
كلموه واستشهدوه على براءة ساحتي، فتعجبوا من ذلك ثم قالوا:
" كيف نكلم من كان في المهد صبيا " معناه كيف نكلم صبيا في المهد ؟
وقيل: صبيا في الحجر رضيعا ؟ وكان المهد حجر
أمه الذي تربيه فيه إذ لم تكن هيأت له مهدا، عن
قتادة، وقيل: إنهم غضبوا عند إشارتها إليه، وقالوا: لسخريتها بنا أشد علينا من زناها،
فلما تكلم عيسى عليه السلام قالوا: إن هذا الامر عظيم، عن السدي. " قال
" عيسى بن مريم: " إني عبد الله
" قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من يدعي له الربوبية،
وكان الله سبحانه أنطقه بذلك لعلمه بما يقوله الغالون فيه، ثم قال " آتاني
الكتاب وجعلني نبيا " أي حكم لي بإيتاء الكتاب والنبوة، وقيل: إن الله سبحانه أكمل
عقله في صغره وأرسله إلى عباده وكان نبيا مبعوثا إلى الناس في ذلك الوقت مكلفا عاقلا،
ولذلك كانت له تلك المعجزة، عن الحسن والجبائي، وقيل: إنه كلمهم وهو ابن أربعين
يوما، عن وهب، وقيل: يوم ولد، عن ابن عباس وأكثر المفسرين وهو الظاهر وقيل: إن
معناه إني عبد الله سيؤتيني الكتاب وسيجعلني نبيا، وكان ذلك معجزة لمريم عليها السلام
على براءة ساحتها " وجعلني مباركا أينما كنت " أي وجعلني معلما للخير عن مجاهد،
وقيل: نفاعا حيثما توجهت، والبركة: نماء الخير، والمبارك: الذي ينمي الخير
به، وقيل: ثابتا دائما على الايمان والطاعة، وأصل البركة الثبوت، عن الجبائي
" وأوصاني بالصلوة والزكوة " أي بإقامتهما " مادمت حيا " أي
ما بقيت حيا مكلفا " وبرا بوالدتي " أي
جعلني بارا بها أؤدي شكرها " ولم يجعلني جبارا " أي متجبرا
" شقيا " والمعنى أني بتوفيقه كنت محسنا إليها حتى لم أكن من الجبابرة الاشقياء
" والسلام علي " أي والسلامة علي من الله " يوم ولدت ويوم أموت
ويوم أبعث حيا " أي في هذه الاحوال الثلاث،
قيل: ولما كلمهم عيسى عليه السلام بذلك علموا براءة
مريم، ثم سكت عيسى فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [220]
تاريخ النشر : 2024-08-14