أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير مجمع البيان
قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله
تعالى: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت
": أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت، وكانت الحيتان تجتمع في
يوم السبت لأمنها فحبسوها في السبت وأخذوها في الاحد، فاعتدوا في السبت، أي ظلموا
وتجاوزوا ما حد لهم لان صيدها هو حبسها. وروي عن الحسن أنهم اصطادوا يوم السبت مستحلين
بعد ما نهوا عنه. " فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " هذا إخبار عن سرعة
مسخه إياهم، لا أن هناك أمرا، ومعناه:
جعلناهم قردة، كقوله: " فقال لها وللأرض ائتيا طوعا
أو كرها ". قال ابن عباس: فمسخهم الله عقوبة لهم، وكانوا يتعاوون وبقوا ثلاثة
أيام لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا، ثم أهلكهم الله تعالى وجاءت ريح فهبت
بهم فألقتهم في الماء، وما مسخ الله أمة إلا أهلكها، فهذه القردة والخنازير ليست
من نسل أولئك، ولكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء يدل عليه إجماع المسلمين على أنه ليس
في القردة والخنازير من هو من أولاد آدم، ولو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني
آدم. وقال مجاهد: لم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله كما قال: " كمثل الحمار
يحمل أسفارا " وحكي عنه أيضا أنه قال: مسخت قلوبهم، فجعلت كقلوب القردة لا
تقبل وعظا ولا تتقي زجرا، وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من
غير ضرورة تدعو إليه.
وقوله: " خاسئين " أي مبعدين
عن الخير، وقيل: أذلاء صاغرين مطرودين. وقال رحمه الله
في قوله تعالى: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " أي مجاورة
البحر وقريبة منه وهي أبلة عن ابن عباس،
وقيل: هي مدين، عنه أيضا، وقيل: الطبرية، عن الزهري
" إذ يعدون في السبت " أي يظلمون فيه بصيد السمك، ويتجاوزون الحد في أمر السبت
" إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا " أي ظاهرة على وجه الماء، عن ابن
عباس، وقيل: متتابعة، عن الضحاك، وقيل: رافعة
رؤوسها، قال الحسن: كانت تشرع إلى أبوابهم مثل
الكباش البيض لأنها كانت آمنة يومئذ " ويوم لا يسبتون لا تأتيهم " أي
ويوم لا يكون السبت كانت تغوص في الماء. واختلف
في أنهم كيف اصطادوا فقيل: إنهم ألقوا الشبكة
في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك، ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء
إلا يوم الاحد وهذا تسبب محظور، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس: اتخذوا الحياض فكانوا
يسوقون الحيتان إليها ولا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الاحد، وقيل: إنهم
اصطادوها وتناولوها باليد في يوم السبت " كذلك نبلوهم " أي مثل ذلك
الاختبار الشديد نختبرهم " بما كانوا
يفسقون " أي بفسقهم وعصيانهم، وعلى المعنى الآخر لا تأتيهم
الحيتان مثل ذلك الاتيان الذي كان منها يوم السبت، ثم استأنف فقال: " نبلوهم ".
" وإذ قالت أمة " أي جماعة منهم أي من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا
وكانوا ثلاث فرق: فرقة قانصة، وفرقة ساكتة، وفرقة
واعظة، فقال الساكتون للواعظين الناهين: " لم
تعظون قوما الله مهلكهم " أي يهلكهم الله. ولم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم ولكن لإياسهم
أن يقبل هؤلاء القوم الوعظ، فإن الامر بالمعروف إنما يجب عند عدم اليأس عن القبول،
عن الجبائي، ومعناه: ما ينفع الوعظ ممن لا يقبل، والله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم
" أو معذبهم عذابا شديدا " في الآخرة " قالوا " أي قال
الواعظون في جوابهم " معذرة إلى ربكم " معناه:
موعظتنا إياهم معذرة إلى الله، وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر
لئلا يقول لنا: لم لم تعظوهم، ولعلهم بالوعظ يتقون ويرجعون " فلما نسوا ما ذكروا
به " أي فلما ترك أهل القرية ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن ارتكاب المعصية
بصيد السمك " أنجينا الذين ينهون عن السوء " أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية
" وأخذنا الذين ظلموا أنفسهم بعذاب بئيس " أي شديد " بما كانوا
يفسقون " أي بفسقهم وذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا
قردة، عن الجبائي، ولم يذكر حال الفرقة الثالثة
هل كانت من الناجية أو من الهالكة. وروي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال: أحدها:
أنه نجت الفرقتان وهلكت الثالثة وبه قال السدي. والثاني: أنه هلكت الفرقتان ونجت
الفرقة الناهية وبه قال ابن زيد، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. والثالث:
التوقف فيه، روي عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكي
ويقرأ هذه الآية، ثم قال: قد علمت أن الله تعالى أهلك الذين أخذوا الحيتان، وأنجا
الذين نهوهم، ولم أدر ما صنع بالذين لم ينهوهم ولم يواقعوا المعصية، وهذا حالنا،
واختاره الجبائي، وقال الحسن: إنه نجا الفرقة الثالثة لانه ليس شئ أبلغ في الامر
بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وهم قد ذكروا الوعيد فقالوا: " الله مهلكهم أو معذبهم
عذابا شديدا " وقال: قتل المؤمن أعظم والله من أكل الحيتان " فلما عتوا عما
نهوا عنه " أي عن ترك ما نهوا عنه، يعني لم يتركوا ما نهوا عنه وتمردوا في الفساد
والجرأة على المعصية وأبوا أن يرجعوا عنها " قلنا لهم كونوا قردة " أي جعلناهم
قردة " خاسئين " مبعدين مطرودين، وإنما ذكر " كن " ليدل على
أنه سبحانه لا يمتنع عليه شئ، وأجاز الزجاج أن يكون
قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية
النازلة بهم، وحكي ذلك عن أبي الهذيل، قال قتادة: صاروا قردة لها أذناب تعاووا
بعد أن كانوا رجالا ونساء، وقيل: إنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا
ولم يتناسلوا، عن ابن عباس قال: ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة
أيام، وقيل: عاشوا سبعة أيام ثم ماتوا، عن مقاتل، وقيل: إنهم توالدوا، عن الحسن،
وليس بالوجه، لان من المعلوم أن القردة ليست من أولاد آدم، كما أن الكلاب ليست
منهم، ووردت الرواية عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله
تعالى لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا وعقبا. القصة: قيل: كانت هذه القصة في زمن داود
عليه السلام. وعن ابن عباس قال: أمروا باليوم الذي أمرتم به يوم الجمعة فتركوه واختاروا
يوم السبت فابتلوا به، وحرم عليهم فيه الصيد، وأمروا بتعظيمه، فكانت الحيتان
تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا حتى لا يرى الماء من كثرتها، فمكثوا كذلك ما
شاء الله لا يصيدون، ثم أتاهم الشيطان وقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا
الحياض والشبكات فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة، ثم يأخذونها يوم الاحد،
وعن ابن زيد قال: أخذ رجل منهم حوتا وربط في ذنبه خيطا وشده إلى الساحل، ثم أخذه
يوم الاحد وشواه، فلاموه على ذلك، فلما لم يأته العذاب أخذوا ذلك وأكلوه وباعوه،
وكانوا نحوا من اثني عشر ألفا، فصار الناس ثلاث فرق على ما تقدم ذكره، فاعتزلتهم
الفرقة الناهية ولم تساكنهم، فأصبحوا يوما ولم يخرج من العاصية أحد فنظروا
فإذا هم قردة ففتحوا الباب فدخلوا وكانت القردة تعرفهم وهم لا يعرفونها، فجعلت
تبكي فإذا قالوا لهم: ألم ننهكم ؟ قالت برؤوسها: أن نعم، قال قتادة: صارت الشبان
قردة، والشيوخ خنازير.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [59]
تاريخ النشر : 2024-08-13