أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير مجمع البيان
قال الطبرسي رحمه الله " اسكن أنت
وزوجك الجنة " أي اتخذاها مسكنا " وروي عن ابن عباس
وابن مسعود أنه لما اخرج إبليس من الجنة ولعن بقي آدم
وحده فاستوحش إذ ليس معه من يسكن إليه فخلقت حواء ليسكن إليها، وروي أن الله تعالى
ألقى على آدم النوم وأخذ منه ضلعا " فخلق منه حواء فاستيقظ آدم فإذا عند رأسه امرأة
فسألها من أنت ؟ قالت: امرأة، قال: لم خلقت ؟ قال: لتسكن إلى، فقالت الملائكة:
ما اسمها يا آدم ؟ فقال: حواء، قالوا: ولم سميت حواء ؟ قال: لأنها خلقت من حي.
فعندها قال الله: " اسكن أنت وزوجك الجنة " وقيل: إنها خلقت قبل أن يسكن
آدم الجنة ثم ادخلا معا " الجنة. وفي كتاب
النبوة أن الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حواء
من آدم فهمة الرجال الماء والطين، وهمة النساء الرجال. قال أهل التحقيق: ليس يمتنع
أن يخلق الله حواء من جملة جسد آدم بعد أن لا يكون مما لا يتم الحى حيا " إلا معه،
لان ما هذه صفته لا يجوز أن ينقل إلى غيره، أو يخلق منه حي آخر من حيث يؤدي إلى
أن لا يمكن إيصال الثواب إلى مستحقه " رغدا " أي كثيرا " واسعا
" لا عناء فيه " ولا تقربا هذه الشجرة
" أي لا تأكلا منها وهو المروي عن الباقر عليه السلام، وكان
هذا نهي تنزيه " فتكونا من الظالمين " يجوز أن يقال لمن يبخس نفسه الثواب
: إنه ظالم لنفسة " فأزلهما " أي
حملهما على الزلة " عنها " أي عن الجنة " فأخرجهما مما
كانا فيه " من النعمة والدعة، أو من الجنة، أو من الطاعة، وإنما اخرج
من الجنة لا على وجه العقوبة، بل لأن المصلحة قد تغيرت بتناوله من الشجرة فاقتضت
الحكمة إهباطه إلى الأرض وابتلاءه والتكليف بالمشقة، وسلبه ما ألبسه من ثياب الجنة
لإن إنعامه بذلك كان على وجه التفضل والامتنان، فله أن يمنع ذلك تشديدا " للبلوى
والامتحان، كما له أن يفقر بعد الإغناء ويميت بعد الإحياء ويسقم بعد الصحة " وقلنا
اهبطوا " الخطاب لآدم وحواء وإبليس وإن كان إبليس وإن كان إبليس قد اخرج قبل ذلك
لأنهم قد اجتمعوا في الهبوط وإن كانت أوقاتهم متفرقة، وقيل: أراد آدم وحواء والحية،
وقيل: أراد آدم وحواء وذريتهما، وقيل: خاطب الاثنين خطاب الجمع " بعضكم لبعض
عدو " يعني آدم وذريته، وإبليس وذريته " مستقر " أي مقر ومقام وثبوت
" ومتاع " أي استمتاع " إلى حين " أي إلى
الموت أو إلى القيامة " فتلقى " أي قبل وأخذ " من ربه
كلمات " وأغنى قوله: " فتلقى " عن أن يقول: فرغب إلى الله بهن، أو سأله
بحقهن لأن التلقي يفيد ذلك واختلف في الكلمات
فقيل: هي قوله: " ربنا ظلمنا أنفسنا " الآية،
وقيل: هي قوله: " اللهم لا إله الا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر
لي إنك خير الغافرين اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب
علي إنك أنت التواب الرحيم " وهو المروي عن الباقر عليه السلام، وقيل، بل هي
" سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر " وقيل - وهي رواية تختص بأهل البيت
عليهم السلام -: إن آدم رأى مكتوبا " على العرش أسماء " مكرمة معظمة، فسأل عنها
فقيل له: هذه أسماء أجلة الخلق عند الله منزلة، والأسماء: محمد وعلي وفاطمة والحسن
والحسين عليهم السلام فتوسل آدم إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته " فتاب
عليه " أي تاب آدم فتاب الله عليه، أي قبل توبته، و قيل: أي وفقه للتوبة وهداه إليها
" إنه هو التواب " أي كثير القبول للتوبة، وإنما قال: " فتاب عليه
" ولم يقل: " عليهما " لأنه اختصر وحذف للإيجاز
والتغليب. وقال الحسن لم يخلق الله آدم إلا للأرض،
ولو لم يعص لأخرجه إلى الأرض على غير تلك الحال. وقال غيره: يجوز أن يكون
خلقه للأرض إن عصى، ولغيرها إن لم يعص وهو الأقوى "
قلنا اهبطوا " قيل: الهبوط الأول من الجنة إلى السماء، وهذا من السماء إلى الأرض وقيل:
إنما كرر للتأكيد، وقيل: لاختلاف الحالين فقد بين بالأول أن الإهباط إنما كان حال
عداوة بعضهم لبعض، وبهذا أن الإهباط للابتلاء والتكليف " فإما يأتينكم مني هدى "
أي بيان ودلالة، وقيل: أنبياء ورسل، وعلى الأخير يكون الخطاب في " اهبطوا
" لآدم وحواء وذريتهما " فمن تبع هداي
" أي اقتدى برسلي " فلا خوف عليهم " في القيامة من العقاب
" ولا هم يحزنون " على فوات الثواب. " ليبدي لهما " قال البيضاوي:
أي ليظهر لهما، واللام للعاقبة أو للغرض، على
أنه أراد أيضا بوسوسته أن يسوأهما بانكشاف عورتهما، ولذلك عبر عنها بالسوءة
" ما وري عنهما من سوآتهما " أي ما غطي عنهما
من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر " إلا أن تكونا "
إلا كراهة أن تكونا " ملكين أو تكونا من الخالدين " الذين لا يموتون أو يخلدون
في الجنة، واستدل به على فضل الملائكة على
الأنبياء، وجوابه أنه كان من المعلوم أن الحقائق
لا تنقلب، وإنما كان رغبتهما في أن يحصل لهما أيضا " ما للملائكة من الكمالات
الفطرية والاستغناء عن الأطعمة والأشربة، وذلك لا يدل على فضلهم مطلقا "
" وقاسمهما " " أي أقسم لهما، وأخرجه
على زنة المفاعلة للمبالغة، وقيل: أقسم لهما بالقبول،
وقيل: أقسما عليه بالله: " إنه لمن الناصحين " وأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة "
فدلهما " فنزلهما " فنزلهما إلى الأكل من الشجرة نبه به على أنه أهبطهما
بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة، فإن التدلية
والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل " بغرور
" بما غرهما به من القسم، فإنها ظنا أن أحدا " لا يحلف بالله كاذبا
"، أو متلبسين بغرور. " فلما ذاقا الشجرة
" قال الطبرسي: أي ابتدآ بالأكل ونالا منها شيئا
" يسيرا " على خوف شديد " بدت لهما سوآتهما " قال الكلبي: فلما
أكلا منها تهافت لباسهما عنهما، فأبصر كل منهما سوأة
صاحبه فاستحيا " وطفقا يخصفان عليهما من ورق
الجنة " أي أخذا يجعلان ورقة على ورقة " ليسترا سوآتهما،
وقيل: جعلا يرقعان ويصلان عليهما من ورق الجنة
وهو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب، والخصف أصله الضم والجمع، ومنه خصف النعل "
ظلمنا أنفسنا " أي بخسناها الثواب، بترك المندوب إليه، وقيل: ظلمنا أنفسنا بالنزول
إلى الأرض ومفارقة العيش الرغد " وإن لم تغفر لنا " أي وإن تستر علينا
" وترحمنا " أي ولم تتفضل علينا بنعمتك
التي تتم بها ما فوتناه نفوسنا من الثواب " لنكونن
من الخاسرين " أي ممن خسر ولم يربح. " كما أخرج أبويكم " نسب الإخراج إليه
لما كان بإغوائه " لباسهما " قيل: كان لباسهما الظفر عن ابن عباس، أي كان شبه
الظفر وعلى خلقته، وقيل: كان نورا "، عن وهب " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل
" أي أمرناه وأوصينا إليه أن لا يقرب الشجرة
" فنسي " أي فترك الأمر " ولم نجد له عزما
" " ثابتا "، وقيل: فنسي من النسيان " ولم نجد له عزما "
على الذنب لأنه لم يتعمد " فتشقى " أي فتقع في تعب
العمل وكد الاكتساب والنفقة على زوجتك، ولذلك قال: "
فتشقى " ولم يقل: " فتشقيا " وقيل: لأن أمرهما في السبب واحد فاستوى
حكمهما، وقيل: ليستقيم رؤوس الآي، قال ابن جبير: اهبط على آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويرشح
العرق عن جبينه فذلك هو الشقاوة " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى " أي في الجنة
لسعة طعامها وثيابها " وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " أي لا تعطش ولا يصيبك
حر الشمس فإنه ليس في الجنة شمس وإنما فيها
ضياء ونور وظل ممدود " على شجرة الخلد " أي من أكل
منها لم يمت " وملك لا يبلى " جديد لا ينفى " وعصى آدم ربه فغوى
" أي خالف ما أمره به ربه فخاب من ثوابه " ثم
اجتباه ربه " أي اختاره للرسالة " فتاب عليه وهدى
" أي قبل توبته وهداه إلى ذكره، أو إلى الكلمات التي تلقاها منه " قال اهبطا
" يعني آدم وحواء " فلا يضل " أي
في الدنيا " ولا يشقى " أي في الآخرة "
فإن له معيشة ضنكا " أي عيشا " ضيقا " في الدنيا، أو هو عذاب القبر،
أو طعام الضريع والزقوم في جهنم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 11 / صفحة [ 156 ]
تاريخ النشر : 2024-08-13