أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/النبي محمد صلى الله عليه واله/وقائع الرسول/الإمام الصادق (عليه السلام)
محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن علي بن
الحكم، عن الحسين ابن أبي العلاء الخفاف، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: لما انهزم الناس يوم احد عن النبي صلى الله عليه وآله
انصرف إليهم بوجهه وهو يقول: أنا محمد، أنا رسول الله لم اقتل ولم أمت، فالتفت إليه
فلان وفلان فقالا: الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا، وبقي معه علي عليه السلام وسماك
بن خرشة أبو دجانة رحمه الله، فدعاه النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا أبا دجانة
انصرف وأنت في حل من بيعتك فأما علي فهو أنا،
وأنا هو، فتحول وجلس بين يدي النبي صلى الله عليه
وآله وبكى، وقال: لا والله، ورفع رأسه إلى السماء وقال: لا والله لا جعلت نفسي في
حل من بيعتي، إني بايعتك، فإلى من أنصرف يا رسول الله ؟ إلى زوجة تموت، أو ولد يموت،
أو دار تخرب، ومال يفنى، وأجل قد اقترب ؟ فرق له النبي صلى الله عليه وآله فلم
يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة وهو في وجه، وعلي في وجه فلما اسقط احتمله علي عليه
السلام فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أوفيت
ببيعتي ؟ قال: نعم، وقال له النبي صلى الله عليه وآله: خيرا، وكان الناس يحملون
على النبي صلى الله عليه وآله الميمنة فيكشفهم علي عليه السلام، فإذا كشفهم أقبلت
الميسرة إلى النبي صلى الله عليه وآله فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع، فجاء
إلى النبي صلى الله عليه وآله فطرحه بين يديه وقال: هذا سيفي قد تقطع، فيومئذ أعطاه
النبي صلى الله عليه وآله ذا الفقار، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله اختلاج
ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال: " يا رب وعدتني أن تظهر
دينك وإن شئت لم يعيك " فأقبل علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال:
يا رسول الله أسمع دويا شديدا، وأسمع أقدم حيزوم، وما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا
قبل أن أضربه، فقال: هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل والملائكة، ثم جاء جبرئيل
فوقف إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إن هذه هي المواساة،
فقال: إن عليا مني وأنا منه فقال جبرئيل عليه السلام وأنا منكما، ثم انهزم
الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي امض بسيفك حتى
تعارضهم، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة، وإن رأيتهم
قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة، فأتاهم علي عليه السلام
فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعلي عليه السلام: يا علي ما تريد هو ذا نحن
ذاهبون إلى مكة، فانصرف إلى صاحبك، فأتبعهم جبرئيل عليه السلام، فكلما سمعوا وقع
حوافر فرسه جدوا في السير، وكان يتلوهم، فإذا ارتحلوا قال هو ذا عسكر محمد
قد أقبل، فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر، وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا:
رأينا عسكر محمد، كلما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على أشقر يطلب آثارهم،
فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبخونه. ورحل النبي صلى الله عليه وآله والراية
مع علي عليه السلام وهو بين يديه، فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس
نادى علي عليه السلام: أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل، فقال صاحب الكلام
الذي قال: الآن يسخر بنا وقد هزمنا: هذا علي والراية بيده، حتى هجم عليهم النبي
صلى الله عليه وآله ونساء الانصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرجال إليه
يلوذون به ويثوبون إليه، والنساء نساء الانصار قد خدشن الوجوه، ونشرن الشعور،
وجرزن النواصي، وخرقن الجيوب، وحزمن البطون على النبي صلى الله عليه وآله،
فلما رأينه قال لهن خيرا، وأمرهن أن يتسترن ويدخلن منازلهن، وقال: إن الله
عزوجل وعدني أن يظهر دينه على الاديان كلها، وأنزل الله على محمد صلى الله عليه
وآله: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا " الآية.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 20 / صفحة [107]
تاريخ النشر : 2024-06-24