التفسير بالمأثور/النبوة/الإمام الصادق (عليه السلام)
قال: فحدثني أبي، عن صفوان، عن أبي
بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أراد
الله عزوجل هلاك قوم نوح عقم أرحام النساء أربعين سنة فلم يلد فيهم مولود، فلما
فرغ نوح من اتخاذ السفينة أمره الله أن ينادي بالسريانية، لا يبقى بهيمة ولا حيوان
إلا حضر، فأدخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين في السفينة، وكان الذين آمنوا
به من جميع الدنيا ثمانين رجلا " فقال الله عزوجل: " احمل فيها من كل
زوجين اثنين و أهلك إلا من سبق عليه القول
ومن آمن وما آمن معه إلا قليل " وكان نجر السفينة
في مسجد الكوفة، فلما كان في اليوم الذي أراد الله هلاكهم كانت امرأة نوح تخبز
في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة، وقد كان نوح اتخذ لكل ضرب
من أجناس الحيوان موضعا " في السفينة، وجمع لهم فيها ما يحتاجون إليه من الغذاء،
فصاحت امرأته لما فار التنور فجاء نوح إلى التنور، فوضع عليها طينا " وختمه
حتى أدخل جميع الحيوان السفينة، ثم جاء إلى التنور ففض الخاتم ورفع الطين، وانكسفت
الشمس، وجاء من السماء ماء منهمر صب بلا قطر، وتفجرت الأرض عيونا "، وهو قوله
عزوجل: " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على
أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر " قال الله عزوجل: " اركبوا
فيها بسم الله مجراها ومرساها " يقول:
مجراها أي مسيرها، ومرساها أي موقفها، فدارت السفينة ونظر
نوح إلى ابنه يقع ويقوم فقال له: " يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين
" فقال ابنه كما حكى الله عزوجل: "
سآوي إلى جبل يعصمني من الماء " فقال نوح: " لا عاصم
اليوم من أمر الله إلا من رحم " ثم قال نوح: " رب ان ابني من أهلي وإن
وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين " فقال
الله: " يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا
تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين " فقال نوح كما حكى
الله تعالى: " رب إني أعوذ بك أن أسألك
ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين
" فكان كما حكى الله: " وحال بينهما الموج فكان من المغرقين " فقال
أبو عبد الله عليه السلام: فدارت السفينة
وضربتها الأمواج حتى وافت مكة، وطافت بالبيت وغرق
جميع الدنيا إلا موضع البيت، وإنما سمي البيت
العتيق لأنه اعتق من الغرق، فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا "، ومن الأرض
العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء، قال: فرفع نوح يده ثم قال: (يا رهمان اتقن)
وتفسيرها رب أحسن، فأمر الله الأرض أن تبلع ماءها وهو قوله: " وقيل يا أرض
ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي " أي أمسكي " وغيض الماء وقضي الأمر واستوت
على الجودي " فبلعت الأرض ماءها فأراد
ماء السماء أن يدخل في الأرض فامتنعت الأرض من قبولها
وقالت: إنما أمرني الله عزوجل أن أبلع مائي، فبقي ماء السماء على وجه الأرض، واستوت
السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل جبل عظيم، فبعث الله جبرئيل فساق الماء إلى
البحار حول الدنيا، وأنزل الله على نوح: " يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى
امم ممن معك وامم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم " فنزل نوح بالموصل من السفينة
مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين، وكانت لنوح بنت ركبت معه السفينة فتناسل الناس
منها، وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: نوح أحد الأبوين، ثم قال الله عزوجل
لنبيه صلى الله عليه وآله " تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت
ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ".
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 11 / صفحة [312]
تاريخ النشر : 2024-06-02