التفسير بالمأثور/النبوة/الإمام الرضا (عليه السلام)
الهمداني، علي بن إبراهيم، عن القاسم
بن محمد البرمكي، عن أبي الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا
عليه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس
والصابئين وسائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلا وقد ألزم حجته كأنه قد القم حجرا
"، فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له: يابن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء
؟ قال: بلى، قال: فما تعمل في قول الله عزوجل: " وعصى آدم ربه فغوى " وقوله
عزوجل: " وذا النون إذ ذهب مغاضبا " فظن أن لن نقدر عليه " وقوله في
يوسف: " ولقد همت به وهم بها " وقوله عزوجل
في داود: " وظن داود أنما فتناه " وقوله في نبيه محمد
صلى الله عليه وآله: " وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه
" ؟ فقال مولانا الرضا عليه السلام: ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء
الله والفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك، فإن الله عزوجل يقول: " وما يعلم تأويله
إلا الله والراسخون في العلم " أما قوله عزوجل في آدم عليه السلام: و " عصى آدم
ربه فغوى فإن الله عزوجل خلق آدم حجة في أرضه، وخليفته في بلاده، لم يخلقه للجنة،
وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عزوجل، فلما
اهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عزوجل " إن الله اصطفى آدم ونوحا
" وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين
". وأما قوله عزوجل: " وذا النون إذ ذهب
مغاضبا " فظن أن لن نقدر عليه " إنما ظن أن الله
عزوجل لا يضيق عليه رزقه ألا تسمع قول الله عزوجل: " وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه
رزقه " ؟ أي ضيق عليه، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر. وأما قوله عزوجل
في يوسف: " ولقد همت به وهم بها " فإنها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته
لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله: " كذلك لنصرف عنه السوء
" يعني القتل " والفحشاء " يعني الزنا. وأما داود فما يقول من قبلكم
فيه ؟ فقال علي بن الجهم: يقولون: إن داود كان
في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير
أحسن ما يكون من الطيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج إلى الدار، فخرج في أثره
فطار الطير إلى السطح، فصعد في طلبه فسقط الطير في دار اوريا بن حنان، فاطلع داود
في أثر الطير فإذا بامرأة اوريا تغتسل، فلما نظر إليها هواها، وكان اوريا قد أخرجه
في بعض غزواته، فكتب إلى صاحبه أن قدم اوريا أمام الحرب، فقدم فظفر اوريا بالمشركين،
فصعب ذلك على داود، فكتب الثانية أن قدمه أمام التابوت، فقتل اوريا رحمه الله،
وتزوج داود بامرأته، فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته وقال: إنا لله وإنا
إليه راجعون، لقد نسبتم نبيا " من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر
الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل ! فقال: يابن رسول الله فما كانت خطيئته ؟ فقال: ويحك
إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عزوجل خلقا هو أعلم منه، فبعث الله عزوجل إليه الملكين
فتسورا المحراب فقالا: " خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط
واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها
وعزني في الخطاب " فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال: " لقد ظلمك
بسؤال نعجتك إلى نعاجه " فلم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه
فيقول: ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة حكمه، لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع قول الله عزوجل
يقول: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق " إلى
آخر الآية، فقلت: يابن رسول الله فما قصته مع
اوريا ؟ فقال الرضا عليه السلام إن المرأة في أيام
داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا "، وأول من أباح الله عزوجل
له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود، فذلك الذي شق على اوريا. وأما محمد نبيه صلى
الله عليه وآله وقول الله عزوجل له: " وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله
أحق أن تخشاه " فإن الله عزوجل عرف نبيه أسماء أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه
في الآخرة، وأنهن امهات المؤمنين، وأحد من سمى له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت
زيد بن حارثة، فأخفى صلى الله عليه وآله اسمها في نفسه ولم يبد له لكيلا يقول أحد
من المنافقين، إنه قال في امرأة في بيت رجل: إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين،
وخشي قول المنافقين، قال الله عزوجل: " والله أحق أن تخشاه " في نفسك، وأن
الله عزوجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا ترويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله
صلى الله عليه وآله، وفاطمة من علي عليه السلام، قال: فبكى علي بن الجهم وقال: يابن
رسول الله أنا تائب إلى الله عزوجل أن أنطق في أنبياء الله عزوجل بعد يومي هذا إلا
بما ذكرته.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 11 / صفحة [ 72 ]
تاريخ النشر : 2024-05-21