x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : معلومات عامة :

مشكلة المثقف

المؤلف:  السيد الدكتور سعد شريف البخاتي

المصدر:  الثقافة العقليَّة ودورها في نهضة الشعوب

الجزء والصفحة:  ص 41 ــ 50

2024-05-16

179

قد يسلط الضوء على المشكلة التي تعاني منها الثقافة في أصل بنيتها وتركيبها، وأين تكمن مشكلتها، وما هي الآثار التي تترتب عليها على الصعيد النفسي والسلوكي الفردي والاجتماعي. وقد يكون حديثنا يسلط الضوء على المثقف الذي يحمل هذه الثقافة او تلك، وما هي الاثار التي انعكست على شخصيته بسبب ثقافته.

ـ المشاكل في البناء الثقافي، يمكن تحسسها في سلوك الأشخاص الذين ينتمون الى الثقافة المعاصرة، فان الكثير من مثقفي العصر يكتب في غير ما تحتاجه الامة، فهو يطلق العنان لقلمه يشرق ويغرب من دون حدود. فيكتب عن السياسة يوماً، وعن التاريخ آخر، ويصول في ميدان الادب تارة وفي أروقة الفن أخرى، ويسجل رأيه في مجال الفلسفة ضمن مقال، وفي العرفان او الكلام و... في مقالٍ اخر. 

وتجد الأسس والمتبنيات التي اعتمدها في الأمس القريب يترفع عنها اليوم، ولا يجد في ذلك ضيراً ما دام هو- بحسب نظره - مشغولا في الثقافة والفكر.

وقد تسأل عن هذا التشرذم في شخصية الكاتب الواحد - فضلاً عن المجموعة - ما هي أسبابه؟ وكيف بلغ هذا الحد؟ 

إنها الثقافة، نعم إنها الثقافة التي يحملها، عندما يفتقد المثقف البناء الثقافي الممنهج، فلا تتوقع منه أن ينتج شيئاً ممنهجاً ومنظماً، وعندما تكون ثقافته التي تكونت شخصيته الثقافية منها غير منسجمة مع بعضها، فلا يمكن أن تكون كتاباته في ميادين شتى على نسق واحد وتنتمي إلى قواعد وأسس متفقةٍ مع بعضها.

يعيش المثقف في عزلة عن مجتمعه؛ لأنه لا يجد فيهم ما تحمله مخيلته عن المجتمع والنظام الاجتماعي، فهو يعيش خارج نطاق الواقع، وإنما هو فرد في دائرة الخيال، يقرأ عن الرفاه والترف والنظام الذي تنقله له الحروف والكلمات عن بعض الدول، فترتسم صورة ذلك في دواخله، ثم يدخل هو في مخيلة نفسه ليعيش أحلامه هناك، ولا يجرؤ أن يخطط ليخرج ما في مخيلته ويطبقه في الواقع الذي ينتمي إليه.

وبذلك يرى الفرق شاسعاً بين ما يعيشه هو في خياله، وما يعيشه أهله وناسه في العالم الخارجي، فيفر من ذلك إلى حيث لا يزعجه أحد.. المكتبات.. الأماكن المغلقة...؛ فيكون غريباً في مجتمعه، وهكذا يظل يبحث فيما ينسجه له الخيال والترف الفكري، لا ما يملي عليه الواقع المعاش، وتفرضه عليه صورة الحياة التي يحلم بها، لا ما يتطلبه إصلاح واقع مجتمعه وحل مشاكله.

وهذه أزمة أخرى يعاني منها المثقف - غير العزلة - وهي مشكلة الترف الفكري، وترفعه عما يحتاجه المجتمع.

ومما تقدم نستطيع أن نسجل مأساة أخرى يعيشها المثقف في بلادنا، وهي عدم الشعور بالمسؤولية، وهي طامة كبرى تجترف في طريقها الكثير الكثير، ومن مختلف المستويات.

عندما نقرأ عن حياة بعض مفكري الغرب، نجد أنهم وبسبب ثقافتهم يعيشون هم الإصلاح، فبدؤوا يعملون وبكل جهدٍ لإنقاذ أمتهم - بغض النظر عن كونهم وصلوا إلى أهدافهم أم لا- وإلا فإن المجتمع الغربي ما وصل إلى ما وصل إليه اليوم إلا بجهود أبنائه المثقفين والمفكرين، لا بالترف الفكري الذي يمليه الفراغ وعدم الشعور بالمسؤولية.

وهكذا عندما نطالع حياة المصلحين والمفكرين من أبناء الشرق ـ المسلمين وغيرهم -أمثال غاندي واللاهوري والأفغاني وابن نبي والصدر والمطهّري والإمام الخميني، نجد أنهم استطاعوا أن يغيروا الواقع الخارجي بسبب ثقافتهم التي تشعرهم بمسؤوليتهم.

ليست مسؤولية المثقف هي نقد الوضع الراهن والتشاؤم منه واليأس من إصلاحه، وانما وظيفته هي التخطيط لتخليص امته من محنتها ومأساتها ولو في مجالٍ خاص.

كلنا نعرف المشكلة، وكلنا لا نعرف الحل، او لا نسعى اليه، فنحن جزء من المشكلة التي تحتاج الى حل.

يأمل الشعب وتأمل الامة من أبنائها المثقفين ان ينهضوا بالعبء، ويرمي المثقفون بالعبء على كاهل الساسة او الدولة أو... وهكذا ندور في دوامة.

المشكلة ـ كما أشار اليها جملة من الباحثين ـ تكمن في ثقافة الامة، فإن استطعنا أن نبحث عن الثقافة الصائبة النقية، المنسجمة في جميع منظومتها، ثم بعد ذلك نلحظ الفرق بينها وبين الثقافة التي تربت عليها الأمة، فإنه سيكون الحل واضح المعالم، والخطوات جلية. فنعرف أساس الخلل ونبدأ برفعه، لكن بشرط أن نبدأ بتصحيح ثقافتنا أولاً. 

التراكم أم البناء الثقافي

هناك ثمة فرق بين التراكم الثقافي الذي يقوم على تجميع المعلومات وتكثيرها على قاعدة: (المثقف هو من يعلم عن كل شيء شيئاً، ويعلم عن شيء كل شيء)، وبين من يبني ثقافته لبنة لبنة، فيخطط لها، ويتفحصها قبل أن يجعلها جزءاً من شخصيته.

فالثقافة عند الثاني عبارة عن: منظومة فكرية تأتيه تباعاً كحلقات السلسلة، تجدها عنده منتظمة ومنسجمة مع بعضها، بخلاف الحالة الأولى التي قد تتقاطع فيما بينها؛ ولذا تشاهد أصحابها تتضارب آراؤهم؛ لعدم انسجام خزينهم الثقافي، وإنه مجرد تجميع معلوماتي معرفي غير قائم على أسس معينة، مما يسبب فوضى معرفية ثقافية في الوسط الثقافي العلمي.

ولذا فمن خطوات الإصلاح - بل الخطوة الأولى ـ هو التأسيس لمشروع بناء الثقافة، ثقافة تصلح الفرد وتزرع فيه الانتماء لواقعه، وتشعره بالمسؤولية تجاه أمته، فتصنع منه قائداً ودليلاً نحو صلاح المجتمع وخيره.

هناك سلبيات كثيرة للتجميع العشوائي للمعرفة، حيث يكون المثقف فيه تائها لا يعرف ما يريد سوى الشغف في المطالعة، والغيبوبة الكاملة عن آلام وآمال محيطه الذي يعيش فيه، فتتلاشى عنده سبل الرشد؛ فلا يمكنه أن يهدي نفسه ولا يسعف أمته، وتكون المعرفة عنده عبارة عن كثيبٍ هائل من المعلومات، أو كأنها خطوط المتاهة التي يجعلها أصحاب التسالي، فلا يعرف منها المدخل من المخرج.

وهذا ما نراه جلياً عند البعض عندما يتحدث، فلا يصل إلى المشكلة التي عناها، وإنما يحوم حولها، ولا يصيب الحل لتلك الأزمة، بل يهولها في داخله.

وهذا ما تنبهت له بعض الأمم منذ زمنٍ بعيد، فأخذت بزمام الأمور في الجنبة الثقافية، وقننت أصول ثقافة شعوبها بما يخدم البلد والمجتمع، وعلى ضوئه وضعت سائر العلوم، الإنسانية وغيرها.

إن الشخصية المتزنة هي ما توازنت فيها الثقافة، وانسجمت أطرافها. والشخصية الواعية هي التي رسمت الثقافة فيها طرق مداخلها ومخارجها، فهي على وعي بما ينفعها وما يضرها، وكيف تصل إلى منافعها، وتتخلص مما يهدد سلامتها، وبأي أداة، وضمن أي برنامج ومخطط.

وبإمكاننا أن نجعل مائزاً بين الشعوب التي استطاعت أن تتقدم، وبين غيرها ممن لم تتمكن من ذلك.

الثقافة ليست عبأ يثقل كاهل الأمة، بأن يسرق أبناءها ليضعهم في أطر المكتبات ورفوفها، بل الثقافة شعلة من الحيوية تأخذ بيد صاحبها ليكدح من أجل أمته، فيخرجها مما هي فيه من وضعٍ لا تحسد عليه.

فالأمة التي تمتلك أبناء يحملون ثقافة الإصلاح لا شك مآلها نحو النصر؛ لأن هؤلاء ستلتف سواعدهم ليخرجوا أمتمم من ظلمات التيه، فيعي الآخرون موقعهم، وواجباتهم ومسؤولياتهم.

وخلاصة ما نريد الوصول إليه: إن مفردة الثقافة يراد بها: مجموعة الأعراف والتقاليد والفنون والمعارف والعلوم الحاصلة لدى شخص كيفما اتفق. وهذا ما يعبر عنه بالتراكم الثقافي.    

أما البناء الثقافي؛ فهو عملية ممنهجة ومخطط لها مسبقاً، يراد لها أن تكون للفرد شخصية واعية حكيمة، تعي ما حولها، وتعرف ما يحاك ضدها، وكيف ترسم دربها ودرب أمتها.

وكلما كانت أسس الثقافة محكمة ومنهجها منظماً كان وعي الأمة أشد، وقربها من الصواب أكثر.

وأما كيف يتم ترشيد الثقافة حتى نصل بثقافة أمتنا إلى مرحلة البناء الثقافي، فذلك ما يحتاج إلى تضافر جهود الخيرين من مثقفين وعلماء، يدرسون حالة المجتمع وظروفه وما يعانيه من مشاكل وما يطمح إليه من مستويات أفضل، ثم توضع الخطة اللازمة التي تتكفل بعلاج الأزمة، وبناء المجتمع وإيصاله إلى مقامه اللائق به، في شتى المجالات الفكرية والمعنوية والمادية.

والثقافة هي التي لا بد أن تتكفل سعادة الفرد والمجتمع على مستوى العقل والروح والجسد؛ لكي تكون ثقافة منسجمة مع بعضها البعض، فلا حيف على الجسد لأجل العقل والروح، ولا كبت لهما وتضييع لأجل ملذات الجسد، بل لتكون الثقافة في داخل الفرد والمجتمع رمز العدالة والحكمة والحنكة السياسية.

والبناء الثقافي الصحيح، هو الذي يخلق الثقافة الحكيمة والثقافة العادلة التي يسعد بفيئها العقل والروح والجسد، كل بما يستحق.

والبناء الثقافي الممنهج، هو الذي يفتح الطريق للخروج من ظلام الحيرة والغفلة، وهو ما لا يسمح به من أراد استغفالنا حقبة من الزمن.

والبناء الثقافي هو الذي يوحد الجهود ويسعف الطاقات من الهدر؛ لتكون جميعاً في مصب واحد، وهو خدمة هذه الأمة وأبنائها، وهذا ما لا يرضي الكثير ممن يعيش على مستنقع جهل الأمة وسباتها.

إلا أن القرار لم يزل ولا يزال بيد أبناء الأمة أنفسهم، فما لم يرضوا بالهوان لم يحل ديارهم، وما لم يستسلموا أمام العدو لم يستعبدوا، وما لم. وما لم..، وما لم نرض بما يتخذ من قرارات في حقنا لم تطبق علينا.

فلا بد أن تبنى ثقافتنا من جديد على أساس حرية الفكر، وما يرضاه العقل ولا بد أن نؤسس لثقافة - بقيادة العقل - تطهرنا من ظلم أنفسنا حتى نتطهر من ظلم الآخرين؛ لنعيش في ظل ثقافة لا تقبع المرأة - فيها - في ظل حيف الرجل، ولا الضعيف مستهلكاً في قدرة القوي، ولا الفقير مكدوداً في مشروع الأغنياء، بل ينعم الجميع بحقوقهم، والحكم يومئذٍ للعقل الذي يستند في حكومته إلى ثقافة القانون.

ما هي المشكلة؟

قد يبتلى المجتمع بمصلحيه حين لا يشخصون أساس المشكلة التي يعاني منها، فيطلقون العنان لأفكارهم في التنظير وطرح الحلول لمشاكل أخرى تمثل تداعيات أو نتائج المشكلة الأساس، وحينها لا يتمكنون من رفع الهم الذي أثقل عاتق الأمة، فتظل تعيش مأساتها جيلاً بعد جيل.

إن النصر الذي تحلم به مجتمعاتنا ليس نصراً عسكرياً، ولا في مجال التكنولوجيا فحسب. وإنما تحلم بالنصر من الداخل؛ لأنها فقدت دوافع النصر الداخلية، وها هي تعيش الانهزام الروحي في كثير من المجالات، وعند القسم الأكبر والأغلبية الساحقة من أبنائها.

وعلينا أن نلتفت إلى الزوايا المظلمة في دواخلنا، لننطلق منها إلى الفضاء الوسيع في مجال الإصلاح والانتصارات.

ولنستعن على بيان الفكرة بنماذج قد ملأ الأسماع الحديث عنها حد الإشباع، لنقف معاً على عنصر هام في حياة المجتمع، وفي نفس الوقت يمثل أكثر من نصف المجتمع، حيث يمثل أساس المجتمع.

إنها المرأة، نعم هي المرأة بكل ما للكلمة من معنى.

لقد كثر الحديث - منذ عقود - حول المرأة ومظلوميتها، وحقوقها التي فقدتها في مجتمعاتنا، المتحضرة منها فضلا عن غيرها.

وهكذا يبقى الحديث عنها يدور ويطول به المسير في ظل أروقة المظلومية والحقوق المنتهكة، ولنصل في نهاية المطاف إلى اليأس عن الإصلاح الذي نخر دعائم الإصلاح عند المصلحين؛ ليفروا في النهاية إلى ترف الفكر، والعيش في غياهب الكتب وأروقة الثقافة المغلقة، والاعتزال عن المجتمع، تحت عشرات الذرائع التي نرضي بها ضمائرنا.

وهذه الحقيقة التي أفقدتنا صوابنا وتوازننا!!

لكن لو أردنا تخليص المرأة من مأساتها وواقعها المرير، الذي اعتادت عليه حتى كادت ألا تشعر به، وإذا أردنا أن نخلص المجتمع بأسره من عواقب مأساة المرأة، فعلينا أن نجد الجذر لتلك المأساة، ونقوم بإصلاحه وترميمه.

تتحرك المرأة - كما هو الرجل - من أسباب الحركة الطبيعية، فإذا أرادت أن تقوم بعمل ما، فإن هذا العمل لا يصدر الا من أسبابه الطبيعية التي تجعل المرأة تتحرك نحو هذا الفعل دون ذاك.

وما تلك الأسباب إلا مجموعة من الأفكار والعادات والتقاليد والمعتقدات، التي تراكمت بوعي أو من غير وعي لديها، فصارت تلك المجموعة التي نعبر عنها بـ (الثقافة)، هي التي تحركها من عالم الشعور أو اللا شعور.

فإن كانت تحمل ثقافة صائبة لا شك صدر عنها الفعل المرضي، وإن كانت ثقافتها ليست إلا مزيجاً من الأباطيل، فلا نتوقع أن نرى منها سوى ذلك. وإن كانت ثقافتها مشوهة ـ كما هو الغالب - قد امتزج الحق فيها مع الباطل، والخير مع الشر، بالإضافة إلى شعورها بالكبت والحرمان والمظلومية، فمن الطبيعي أن نراها ترسم في أفعالها صوراً متلونة وتحمل في دواخلها شخصيات متعددة؛ لأن الثقافات المتناحرة وغير المنسجمة التي تراكمت في شخصيتها لا تظهر معاً ولا تختفي معاً، بل تظهر الواحدة منها، فتلقي بظلالها على التفكير، ومنها يصدر الفعل المناسب لتلك الثقافة، التي قدر لها أن تبرز وتظهر على ساحة الفكر.

وما دامت امرأة لا تتحرك إلا من وحي ثقافتها، فعلينا أن نسلط الضوء على هذه الزاوية فيها، فهي أساس المشكلة، وبحلها تحل المشاكل الأخريات، وبأصلاح ثقافتها نكون قد أصلحنا لها حالها، ومكّناها من اخذ حقوقها بكل مشروعية، وألهمناها الحيوية والنشاط، لتمارس دورها كعضوٍ فعال في بناء المجتمع، وكبانية للإنسانية. فهي الام، وهي الزوجة، وهي الأخت وهي البنت، بل هي المربي الذي يصوغ لنا شخصيتنا شئنا أم ابينا.

فعلينا أن نجتمع ونوحد الجهود في رسم خطة عمل متكاملة، يوضح فيها الهدف العام للإنسان في هذه الامة، ثم تقسم الأدوار والوظائف التي توصل الى هذا الهدف، ليعرف الرجل دوره ومسؤوليته في الحياة، كما تعرف المرأة دورها ومسؤوليتها.

ثم يؤخذ دور كل واحدٍ منهما، ويفرّع إلى وظائف فرعية في مجالات الحياة المختلفة، من البيت والتربية والنشاط العلمي والصحي والإداري و..

مما يعني أن المجتمع لا بد أن تسوده ثقافة النظام، فلا بد من نظام يحكم البلد، ونظام يحكم المدينة - علاوة على نظام البلد العام - ونظام يحكم الأسرة، ونظام يحكم الفرد داخل الأسرة.

ولا نعني بقولنا (يحكم) أن يجبر عليه ـ وإن كان لا بد من الإلزام - بل مرادنا أن نعمل على تحويل النظام من كلمة مسطرة على بياض الورق، إلى ثقافة تعيش في شخصية الفرد والأمة، وتحكم سلوكه.

وبهذه الطريقة يمكن أن ندعي لأنفسنا، بأننا وضعنا أقدامنا على طريق النجاة، والتحقنا بركب الأمم المتحضرة.

وهذه الطريقة هي سيرة الأمم المتقدمة السالفة والمعاصرة، فعندما ننظر إلى أسبرطة اليونان في عمق التاريخ عندما آمنت حكومتها بأن الدفاع عن الوطن لا بد أن يتحول إلى مسؤولية عامة؛ لأن الخطر الذي يهددها كبير إلى حد ما، لم تعمد إلى أسلوب الجبر والاضطهاد - كما تفعل حكوماتنا إلى اليوم - بل عمدت إلى تحويل هذه المهمة إلى ثقافة راسخة في شخصية الفرد الأسبرطي، وأنزلته في مناهجها التعليمية.

وها هي اليوم دول الاستعمار توجه شعوب العالم الثالث المستضعفة عن بعدٍ، حيث تريد من خلال الترويج إلى الثقافة التي تخدم مصالحها، فتسير الأمم باختيارها نحو تحقيق مطامع المستعمرين.

ومن هنا، فإن الحل يكمن في رسم خطةٍ لبناء ثقافي منسجم مع نفسه، ويخدم أهداف الأمة، ويحقق لها طموحاتها. ولنتخل عن التراكم الثقافي المرقع غير المنسجم، فإنه جمع عشوائي لمعلومات ترجع إلى أسسٍ متناقضة، وتعتمد على مناهج معرفية غير منسجمة؛ وبالتالي فلا نجني من جرائها إلا الالتقاطية، والإزدواجية، والانكسار الداخلي، والهزيمة النفسية، أو في أفضل الظروف أن نعيش التبعية والانبهار بالغير.