إِنَّ مِن أَهَمِّ شُرُوطِ نُهُوضِ اَلأُمَمِ وَتَقَدُّمِهَا ، هُوَ شُعُورُهَا وَإِدرَاكُهَا بِأَهَمِّيَّةِ اَلزَّمَنِ ، وَحُسنُ إِدَارَتِهَا لِلوَقتِ وَاستِثمَارِهِ وَسَنُوجِزُهُ بِنِقَاطٍ:
أولاً: قِيمَةُ الزَّمَن
فَالزَّمَانُ - كَمَا نَعلَمُ - هُوَ ظَرفٌ وَوِعَاءٌ لِحَرَكَةِ اَلأَحدَاثِ ، وَهُوَ مُتَكَوِّنٌ مِن أَجزَاءٍ : ثَوَانٍ ، دَقَائِقَ ، سَاعَاتٍ ، أَيَّامٍ ، أَسَابِيعَ ، شُهُورٍ ، سِنِينَ ، عُقُودٍ ، قُرُونٍ . . وَهُوَ حَرَكَةٌ مُستَمِرَّةٌ فِي دَوَرَانِهَا ، لَا تُهمِلُ وَلَا تُمهِلُ أَحَدًا ، فَهُوَ كَالسَّيفِ إِن لَم تَقطَعْهُ قَطَعَكَ ، وَهُوَ أَيضًا لَا يَتَكَرَّرُ أَبَدًا وَلَا يَعُودُ إِلَى اَلوَرَاءِ.
ثانياً: استِثمارُ الوَقتِ
إِنَّ بَعضَ اَلنَّاسِ لَا يُحسِنُونَ اِستِثمَارَ أَموَالِهِم وَإِدَارَتِهَا ، وَهَذَا مَا يُؤَدِّي إِلَى ضَيَاعِ اَلمَالِ وَخَسَارَتِهِ ، وَلَكِنَّ اَلكَثِيرِينَ مِنَ اَلنَّاسِ لَا يُحسِنُونَ إِدَارَةَ أَوقَاتِهِم وَلَيسَ أَموَالَهُم فَحَسَب ، فَكَأَنَّنَا مُتَمَرِّسُونَ فِي اَلهَدرِ ، فَكَمَا نَهدِرُ اَلمَالَ نَهدِرُ اَلأَعمَارَ ، وَهَدرُ اَلعُمرِ أَخطَرُ بِكَثِيرٍ مِن هَدرِ اَلمَالِ ، فَالمَالُ يُمكِنُ تَعوِيضُهُ لَكِنَّ اَلأَعمَارَ لَا يُمكِنُ تَعوِيضُهَا.
ثالثاً: الفَراغُ مَفسَدَةُ الشَّبابِ
مَنْ لَم يُحسِنِ اِستِثمَارَ وَقتِهِ وَقَعَ فِي حِبَالِ الفَرَاغِ ، وَالفَرَاغُ مَفسَدَةٌ لِلإِنسَانِ وَلَا سِيَّمَا الجِيلُ الشَّابُّ، وَهُوَ آفَةٌ خَطِيرَةٌ ، فَهُوَ مَنبَتٌ خِصبٌ لِلجَرِيمَةِ وَالرَّذِيلَةِ وَالإِدمَانِ عَلَى اَلعَادَاتِ اَلسَّيِّئَةِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِانتِشَارِ الأَمرَاضِ النَّفسِيَّةِ وَالخُلُقِيَّةِ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِن اَلآثَارِ السَّلبِيَّةِ وَالعَوَاقِبِ الوَخِيمَةِ اَلَّتِي يَترُكُهَا اَلفَرَاغُ عَلَى اَلفَردِ وَعَلَى اَلمُجتَمَعِ.
رابعاً: تنظيمُ الوَقتِ
إِنَّ الإِنسَانَ النَّاجِحَ هُوَ الَّذِي يُنَظِّمُ حَيَاتَهُ وَوَقتَهُ بِطَرِيقَةٍ فَاعِلَةٍ وَبَنَّاءَةٍ ، وَيَملَأُ أَيَّامَهُ وَسَاعَاتِهِ بِمَا يَنفَعُهُ وَيُغْنِي حَيَاتَهُ . وَقَد أَرشَدَتِ الأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ إِلَى تَقسِيمِ الوَقتِ، فَفِي الحَدِيثِ عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ( عَلَيهِ السَّلَامُ ) قَالَ: (لِلمُؤمِنِ ثَلاثُ ساعاتٍ : فَساعَةٌ يُناجي فيها رَبَّهُ ، وساعَةٌ يَرُمُّ مَعاشَهُ ، وساعَةٌ يُخَلِّي بَينَ نَفسِهِ وبَينَ لِذَّتِها فيما يَحِلُّ ويَجمُلُ).