جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: المسئولية الفردية: ان المسئولية الفردية في الاسلام تشكل أساس التعاليم الإنسانية و التوصل إلى السعادة المعنوية في النظام الاسلامي يتوقف على عمل الشخص نفسه، و التكاليف التي وضعها على عاتق الإنسان في جميع الشئون الدينية و الدنيوية يجب أن تؤدي بالعمل المباشر، و على هذا الأساس يترتب مبدأ الثواب و العقاب. و القرآن الكريم ينبه إلى: "أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى و كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر 37). و قال تعالى أيضا: "مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً، وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل 97). و في هذه الدنيا يستوفي الإنسان نتائج أعماله. جاء عن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: (من عمل سوءا يجز به في الدنيا). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (من يزرع خيرا يحصد رغبة، و من يزرع شرا يحصد ندامة). و قال عليه السّلام في استغلال الوقت لصالح الفرد و حثه على تحمل المسئولية في هذه الحياة الدنيا: (من استوى يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه أشرهما فهو ملعون، و من لم يعرف الزيادة على نفسه فهو في النقصان، و من كان إلى النقصان أكثر فالموت خير له من الحياة).
عن الحب الخالص و الود الخالد يقول مؤلف الكتاب الدكتور حسين الحاج حسن: و هل أروع و أعظم من هذا الرباط الوثيق الذي يجعل المسلمين كالبنيان المرصوص قال تعالى في كتابه العزيز: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الحجرات 10) و قد عرض سبحانه لدفع البشر إلى هذه المحبة الصافية النزيهة بواعث و أشواقا، و لذلك أوجد في ضمير الإنسان حبا للذات متوازنا و متناغما، و يبلغ في تعاليمه إلى قاعدة ينطلق في ظلها من قيود الغرور و عبادة الذات بحيث لا يظهر فيه اتجاه مفرط في حبه لذاته. و هذا على عكس ما وجدنا عند هارون و المنصور و الهادي إن الكبرياء يختص بذات اللّه وحده لا شريك له، اللّه الذي لا يتطرق إليه الفقر و الحاجة، بل تحتاج إليه جميع الموجودات من جميع الجهات: قال تعالى: "يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر 15). و الاصابة بالغرور و حب الظهور و التعالي على الناس هو انحراف أكيد عن البرامج الالهية. و القرآن الكريم يلفت نظر المغرور إلى عجزه و احتقاره و بذلك يهبط بروح القوة عنده من قمة الخيالات الواهبة إلى حضيض الهاوية فيقول تعالى: "وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا" (الاسراء 37) إن من لا ينصرف عن النظر إلى المبدأ الأعلى للوجود لا تسيطر عليه في مواقع الرفاهية و النعمة حالة الغرور بل يبقى على ما هو عليه، إذ أن الاسلام يدعو إلى التواضع و الاعتدال، و لا يجب الكبر و الاستعلاء لذلك دعا اللّه جل و علا رسوله الكريم ليتواضع و يلين جانبه مع الناس قال تعالى: "فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران 159). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: (إن العفو لا يزيد العبد إلا عزا، فاعفوا يعزكم اللّه و إن المتواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم اللّه، و إن الصدقة لا تزيد المال إلا إنماء، فتصدقوا يزدكم اللّه). و قال الإمام الكاظم عليه السّلام: (إياك و الكبر فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، الكبر رداء اللّه فمن نازعه رداءه أكبه اللّه في النار على وجهه). و سبب وجود الغرور و القيم الكاذبة المسيطرة على الروح و المدركات هو عدم وجود القيم الالهية في القلوب المؤمنة. ذلك أن المؤمن يتجنب كل خضوع مذل تنزل به شخصيته في مجتمعه، لأنه أمام ذات الكبرياء المقدسة التي تعطيه الدفع الكبير و القوة الهائلة في سائر حالاته. و اللّه تعالى يوصي أهل الايمان بهذه المزية الايمانية الخاصة في جميع المواقع و كل المراحل. قال تعالى: "وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران 139). و الإمام الكاظم عليه السّلام قال: (إن قلوب المؤمنين مطوية). روى الكليني عن علي بن جعفر عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: (إن اللّه خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة على الايمان فإذا أراد استنارة ما فيها نضحها بالحكمة، و زرعها بالعلم، و زارعها و القيم عليها رب العالمين). و هكذا قال قلب الإمام الكاظم عليه السّلام مزروعا بالحكمة و العلم و القيم من رب العالمين.
وعن مناظرات الإمام الكاظم عليه السّلام مع هارون الرشيد يقول مؤلف الكتاب حسين الحاج حسن: دخل إليه و قد عمد على القبض عليه، لأشياء كذبت عليه عنده، فأعطاه طومارا طويلا فيه مذاهب و شنعة نسبها إلى شيعته فقرأه عليه السّلام ثم قال له: يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا، و ربنا غفور ستور، أبى أن يكشف أسرار عباده إلا في وقت محاسبته: "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء 88-89). ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات اللّه عليهم: الرحم إذا مست اضطربت ثم سكنت، فان رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه و يصافحني فعل. فتحول عند ذلك عن سريره و مد يمينه إلى موسى عليه السّلام فأخذ بيمينه ثم ضمه إلى صدره، فاعتنقه و أقعده عن يمينه و قال: أشهد أنك صادق وجدك صادق و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم صادق و لقد دخلت و أنا أشد الناس حنقا و غيظا لما رقي إليّ فيك فلما تكلمت بما تكلمت و صافحتني سرّى عني و تحول غضبي عليك رضى. و سكت ساعة ثم قال له: أريد أن أسألك عن العباس و علي بما صار عليّ أولى بميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من العباس، و العباس عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و صنو أبيه؟ فقال له الإمام عليه السّلام: أعفني. قال: و اللّه لا أعفيتك، فأجبني. قال: فان لم تعفني فآمني. قال: آمنتك، قال موسى بن جعفر عليه السّلام: إن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إن أباك العباس آمن و لم يهاجر، و إن عليا آمن و هاجر، و قال اللّه: "وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا" (الأنفال 73) فتغيّر لون هارون. ثم تابع الرشيد فقال: ما لكم لا تنسبون إلى عليّ و هو أبوكم و تنسبون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو جدكم؟ فقال الكاظم عليه السّلام: إن اللّه نسب المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام إلى خليله إبراهيم عليه السّلام بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالى: "وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الأنعام 84) "وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ" (الأنعام 85) فنسبه لأمه وحدها إلى خليله إبراهيم عليه السّلام. كما نسب داود و سليمان و أيوب و موسى و هارون عليه السّلام بآبائهم و أمهاتهم، فضيلة لعيسى عليه السّلام و منزلة رفيعة بأمه وحدها. و ذلك قوله في قصة مريم (عليها السّلام): "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ" (آل عمران 42). بالمسيح من غير بشر. و كذلك اصطفى ربنا فاطمة عليها السّلام و طهرها و فضلها على نساء العالمين بالحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة فقال له هارون- و قد اضطرب و ساءه ما سمع-: من أين قلتم الانسان يدخل الفساد من قبل النساء و من قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله، فقال الإمام الكاظم عليه السّلام: هذه مسألة ما سئل عنها أحد من السلاطين غيرك، و لا تيم و لا عدي و لا بنو أمية و لا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها. قال الرشيد: فان بلغني عنك كشف هذا رجعت عما آمنتك. فقال موسى عليه السّلام: لك ذلك. قال عليه السّلام: فإن الزندقة قد كثرت في الاسلام و هؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار، هم المنسوبون إليكم. فقال هارون: فما الزنديق عندكم أهل البيت؟ فقال عليه السّلام: الزنديق هو الراد على اللّه و على رسوله و هم الذين يحادّون اللّه و رسوله. قال تعالى: "لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ" (المجادلة 22). و هم الملحدون، عدلوا عن التوحيد إلى الالحاد.
ويستطرد الدكتور حسين الحاج حسن عن عن مناظرات الإمام الكاظم عليه السّلام مع هارون الرشيد قائلا: فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد و تزندق؟ فقال عليه السّلام: أول من ألحد و تزندق في السماء إبليس اللعين، فاستكبر و افتخر على صفي اللّه و نجيه آدم عليه السّلام فقال اللعين: "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" (الأعراف 12) (ص 77) فعتا عن أمر ربه و ألحد فتوارث الالحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة فقال هارون: و لا بليس ذرية؟ فقال عليه السّلام: نعم أ لم تسمع إلى قول اللّه عز و جل: "إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا * ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً" (الكهف 50-51) فهل عرف الرشيد من أي فريق هو؟ ثم قال له الرشيد: بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه فقال عليه السّلام: نعم. و أوتي بدواة و قرطاس فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، جميع أمور الأديان أربعة: - أمر لا اختلاف فيه و هو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها، الأخبار المجمع عليها و هي الغاية المعروض عليها كل شبهة و المستنبط منها كل حادثة و هو إجماع الأمة. - و أمر يحتمل الشك و الإنكار، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب اللّه مجمع على تأويلها، و سنّة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله و لا يسع خاصة الأمة و عامتها الشك فيه و الإنكار له. و هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه و أرش الخدش فما فوقه. فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، و ما غمض عليك صوابه نفيته. فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بيّنها اللّه في قوله لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: "قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ" (الأنعام 149). يبلغ الحجّة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، لأن اللّه عدل لا يجور، يحتج على خلقه بما يعملون، و يدعوهم الى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون و ينكرون. فأجازه الرشيد و أحسن لقاءه. و انصرف الإمام عليه السّلام و قد دلّ خصمه- المسمى بأمير المؤمنين و خليفة المسلمين- على أمور الدين كما أوضح له منزلة أهل البيت عليهم السّلام و صحة أقوالهم و دعم ما ذهب إليه بأوثق الأدلة و البراهين و لا غرو فهذا الغصن الطيّب هو من تلك الشجرة الطيّبة التي غرسها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تعهّد سقايتها و رعايتها.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN