المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 8834 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
حرمة زواج زوجة الاب
2024-05-01
{ولا تعضلوهن}
2024-05-01
{وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الـموت}
2024-05-01
الثقافة العقلية
2024-05-01
بطاقات لدخول الجنة
2024-05-01
التوبة
2024-05-01

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


خطبة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام المعروفة بالخطبة الفدكية  
  
1145   05:51 مساءً   التاريخ: 26/12/2022
المؤلف : عبد الحميد ابن أبي الحديد
الكتاب أو المصدر : شرح نهج البلاغة
الجزء والصفحة : ج 16 ص211-213 و ص249 و252
القسم : سيرة الرسول وآله / السيدة فاطمة الزهراء / التراث الفاطمي الشريف /

روى عبد الله بنُ الحسن عليه السلام بإسنادِه عن آبائه عليهم السلام أنَّه لَمّا أجْمَعَ أبو بكر عَلى مَنْعِ فاطمةَ عليها السلام فَدَكَ، وبَلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله صلى الله عليه وآله، حَتّى دَخَلَتْ عَلى أَبي بَكْر وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وَ غَيْرِهِمْ فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ القومُ لها بِالْبُكاءِ. فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ. ثُمَّ أمْهَلَتْ هَنِيَّةً حَتَّى إذا سَكَنَ نَشيجُ القومِ، وهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ الله، فعادَ القومُ في بُكائِهِمْ، فَلَما أمْسَكُوا عادَتْ فِي كلامِها، فَقَالَتْ عليها السلام:

الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإَْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ.

وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ، إذِ الْخَلائِقُ بالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأَْهاويل مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور، وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الْمَقْدُورِ. ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ.

فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ.

ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إليْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاختِيارٍ، ورَغْبَةٍ وَإيثارٍ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله عَنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ في راحةٍ، قَدْ حُفَّ بالمَلائِكَةِ الأبْرارِ، وَرِضْوانِ الرَّبَّ الغَفارِ، ومُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ. صلى الله على أبي نبيَّهِ وأَمينِهِ عَلى الوَحْيِ، وَصَفِيِّهِ وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيِّهِ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ثُمَّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت:

أَنْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ، وَزَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ.

فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإْسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأْجْرِ، وَالأْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ، وَالْوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكاييلِ وَالْمَوَازينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السِّرْقَةِ إيجاباً لِلْعِفَّةِ. وَحَرَّمَ الله الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ بالرُّبُوبِيَّةِ، {فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وَ أطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّه {إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلِماءُ}.

ثُمَّ قالت: أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْعَلُ ما أفْعَلُ شَطَطاً: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم} فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَ لَنِعْمَ الْمَعْزِيُّ إلَيْهِ صَلى الله عليه وآله. فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ صادِعاً بِالنِّذارَةِ، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ، ضارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأكْظامِهِمْ، داعِياً إلى سَبيلِ رَبِّهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ، يَكْسِرُ الأَصْنامَ، وَيَنْكُتُ الْهامَ، حَتَّى انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُرَ، حَتّى تَفَرَّى اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدّينِ، وَخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطينِ، وَطاحَ وَشيظُ النِّفاقِ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَالشِّقاقِ، وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الإْخْلاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْبيضِ الْخِماصِ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، {تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ}.

فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ، {كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ}، أوْنَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطانِ، وَفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ، مُشْمِّراً ناصِحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ـ وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ.

فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.

فَخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُمْ، وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ، وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ، وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ}.

فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ، وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأَنَى تُؤْفَكُونَ؟ وَكِتابُ اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغَبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ، أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ، {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا الاّ رَيْثَ أنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسَ قِيادُها ثُمَّ أَخّذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطانِ الْغَوِيِّ، وَاطْفاءِ أنْوارِالدِّينِ الْجَلِيِّ، وَاهْمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارْتِغاءٍ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا، وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ ألاّ ارْثَ لَنا، {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفَلا تَعْلَمُونَ؟ بَلى تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنّيِ ابْنَتُهُ.

أَيُهَا الْمُسْلِمونَ أاُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا}، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ اذْ يَقُولُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}، وَقالَ فيمَا اخْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام اذْ قالَ رَبِّ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وَقَالَ: {وَاُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه} وَقالَ: {يُوصِكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ} وقال: {انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}. وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي ولارَحِمَ بَيْنَنَا!

أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟ أمْ هَلْ تَقُولونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، أوَ لَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً، تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ يخسَرُ المبطلون، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}

ثُمَّ رَمَتْ بِطَرْفِها نَحْوَ الْأَنْصارِ فَقالَتْ:

يا مَعاشِرَ الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله علبه وآله أبِي يَقُولُ: "اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ"؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ!

أَتَقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله؟! فَخَطْبٌ جَليلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ، وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَيْبَتِهِ، وَكُسِفَتِ النُّجُومُ لِمُصِيبَتِهِ، وَأَكْدَتِ الْآمالُ، وَخَشَعَتِ الْجِبالُ، وَاُضيعَ الْحَرِيمُ، وَاُزيلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَماتِهِ. فَتِلْكِ وَاللهِ النّازلَةُ الْكُبْرى، وَالْمُصيبَةُ الْعُظْمى، لا مِثْلُها نازِلَةٌ وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ -جَلَّ ثَناؤُهُ- فِي أَفْنِيَتِكُمْ فِي مُمْساكُمْ وَمُصْبَحِكَمْ هِتافاً وَصُراخاً وَتِلاوَةً وَإلحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضاءٌ حَتْمٌ: {وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ ماتَ أَو قُتِلَ انقلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرينَ}.

أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وتَشْمُلُكُمُ الْخَبْرَةُ، وَأنْتُمْ ذَوُو الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَالأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاحُ وَالْجُنَّةُ؛ تُوافيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغيثُونَ، وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْرُفُونَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَالنُّجَبَةُ الَّتي انْتُجِبَتْ، وَالْخِيَرَةُ الَّتِي اخْتيرَتْ! قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ، وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَناطَحْتُمُ الاُْمَمَ، وَكافَحْتُمً الْبُهَمَ، فَلا نَبْرَحُ أو تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ حَتَّى دَارَتْ بِنا رَحَى الإْسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَخَضَعَتْ نُعَرَةُ الشِّرْكِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ، وهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ؛ فَأَنّى جُرْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ، وَأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإْعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإْقْدامِ، وَأشْرَكْتُم ْبَعْدَ الإْيمانِ؟ {ألا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَداؤُكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْهُمْ فَاللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

أَلا قَدْ أرى أنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ، وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّيقِ بِالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ، {فَإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأْرْضِ جَمِيعاً فَإنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. ألا وَقَدْ قُلْتُ ما قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالْخَذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُمْ، وَالغَدْرَةِ التِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ، وَلكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَخَوَرُ الْقَنا، وَبَثَّةُ الصُّدُورِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ.

فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، {فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ}.

فَأَجابَها أَبُوبَكْرٍ (عَبْدُاللهِ بْنُ عُثْمانَ)، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ، لَقَدْ كانَ أَبُوكِ بالمُؤْمِنِينَ عَطُوفاً كَريماً، رَؤُوفاً رَحِيماً، وَعَلىَ الْكافِرِينَ عَذاباً ألِيماً وَعِقاباً عَظِيماً ؛ فَإنْ عَزَوْناهُ وَجَدْناهُ أباكِ دُونَ النِّساءِ، وَأَخاً لِبَعْلِكِ دُونَ الْأَخِلاّءِ، آثَرَهُ عَلى كُلِّ حَمِيمٍ، وَساعَدَهُ فِي كُلِّ أمْرٍ جَسيمٍ، لا يُحِبُّكُمْ إلّا كُلُّ سَعِيدٍ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إلّا كُلُّ شَقِيٍّ؛ فَأَنْتُمْ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله الطَّيِّبُونَ، وَالْخِيَرَةُ الْمُنْتَجَبُونَ، عَلَى الْخَيْرِ أَدِلَّتُنا، وَإلَى الْجَنَّةِ مَسالِكُنا، وَأَنْتِ -يا خَيْرَةَ النِّساءِ وَابْنَةَ خَيْرِ الْأنْبِياءِ- صادِقَةٌ فِي قَوْلِكَ، سابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقْلِكِ، غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ حَقِّكِ، وَلا مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِكِ، وَوَاللهِ، ما عَدَوْتُ رَأْيَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله يَقُولُ: ((نَحْنُ مَعاشِرَ الْأَنْبِياءِ لا نُوَرِّثُ ذَهَباً وَلا فِضَّةً وَلا داراً وَلا عِقاراً، وَإنَّما نُوَرِّثُ الْكُتُبَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَنا أنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ)). وَقَدْ جَعَلْنا ما حاوَلْتِهِ فِي الكُراعِ وَالسِّلاحِ يُقابِلُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَيُجاهِدُونَ الْكُفّارَ، وَيُجالِدُونَ الْمَرَدَةَ ثُمَّ الْفُجّارَ، وَذلِكَ بِإجْماعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أَتَفَرَّدْ بِهِ وَحْدِي، وَلَمْ أَسْتَبِدَّ بِما كانَ الرَّأْيُ فِيهِ عِنْدِي. وَهذِهِ حالي، وَمالي هِيَ لَكِ وَبَيْنَ يَدَيْكِ، لانَزْوي عَنْكِ وَلا نَدَّخِرُ دُونَكِ، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ اُمَّةِ أبِيكِ، وَالشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ لِبَنِيكِ، لا يُدْفَعُ ما لَكِ مِنْ فَضْلِكِ، وَلا يُوضَعُ مِنْ فَرْعِكِ وَأَصْلِكِ؛ حُكْمُكِ نافِذٌ فِيما مَلَكَتْ يَداي، فَهَلْ تَرينَ أَنْ اُخالِفَ فِي ذلِكِ أباكِ صلّى الله عليه وآله؟

فَقَالَتْ عليها السلام: سُبْحانَ اللهِ! ما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآلهِ عَنْ كِتابِ الله صادِفاً، وَلا لِأَحْكامِهِ مُخالِفاً، بَلْ كانَ يَتَّبعُ أَثَرَهُ، وَيَقْفُو سُورَهُ، أَفَتَجْمَعُونَ إلى الْغَدْرِ اْغتِلالاً عَلَيْهِ بِالزُّورِ؛ وَهذا بَعْدَ وَفاتِهِ شَبِيهٌ بِما بُغِيَ لَهُ مِنَ الْغَوائِلِ فِي حَياتِهِ. هذا كِتابُ اللهِ حَكَماً عَدْلاً، وَناطِقاً فَصْلاً، يَقُولُ: {يَرِثُني وَيَرِثُ مَنْ آلِ يَعْقوبَ} ،{وَوَرِثَ سُلَيْمانَ داوُدَ} فَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ فيما وَزَّعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَقْساطِ، وَشَرَّعَ مِنَ الفَرايِضِ وَالميراثِ، وَأَباحَ مِنْ حَظَّ الذُّكْرانِ وَالإِناثِ ما أَزاحَ عِلَّةَ المُبْطِلينَ، وأَزالَ التَّظَنّي وَالشُّبُهاتِ في الغابِرينَ، كَلاّ {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُم أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفونَ}.

فَقالَ أَبو بَكْرٍ: صَدَقَ اللهُ وَرَسولُهُ، وَصَدَقَتِ ابْنَتَهُ؛ أَنْتِ مَعْدِنُ الحِكْمَةِ، وَمَوْطِنُ الهُدى وَالرَّحْمَةِ، وَرُكْنُ الدِّينِ وَعَيْنُ الحُجَّةِ، لا أُبْعِدُ صوابَكِ، وَلا أُنْكِرُ خِطابَكِ هؤلاءِ المُسْلِمونَ بَيْنِيَ وبَيْنَكِ، قَلَّدوني ما تَقَلَّدْتُ، وَباتِّفاقٍ مِنْهُمْ أَخَذْتُ ما أَخَذْتُ غَيْرَ مُكابِرٍ وَلا مُسْتَبِدٍّ وَلا مُسْتَأْثِرٍ، وِهُمْ بِذلِكَ شُهودٌ.

فَالتَفَتَتْ فاطِمَةُ عَلَيْها السَّلام وَقالَتْ: مَعاشِرَ النّاسِ المُسْرِعَةِ إِلى قِيلِ الباطِلِ، المُغْضِيَةِ عَلى الفِعْلِ القَبيحِ الخاسِرِ {أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلوبِهِم أَقْفالُها} كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلوبِكُمْ ما أَسَأتُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ، فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبْصارِكُمْ، وَلَبِئْسَ ما تَأَوَّلْتُمْ، وَساءَ ما أَشَرْتُمْ، وشَرَّ ما مِنْهُ اعتَضْتُمْ، لَتَجِدَنَّ وَاللهِ مَحْمِلَهُ ثَقيلاً، وَغِبَّهُ وَبيلاً إِذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ، وَبانَ ما وَراءَهُ الضَراءُ، {وَبَدا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ما لَمْ تَكونوا تَحْتَسِبونَ} وَ {خَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلونَ}.

ثُمَّ عَطَفَتْ عَلى قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَقالَتْ:

قَدْ كان بَعْدَكَ أَنْباءٌ وَ هَنْبَثَــةٌ   *   لَوْ كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْبُرِ الخَطْبُ

إِنّا فَقَدْناكَ فَقْدُ الأَرْضِ وابِلُهـا   *   وَاخْتَلَّ قَوِمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَقَدْ نَكِبوا

وَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبى وَمَنْزِلَـــةٌ  *   عِنْدَ الإِلهِ عَلَى الأَدْنَيْنِ مُقْتَــرِبُ

أَبْدَتْ رِجالٌ لَنا نَجْوى صُدورِهِمِ *   لَمّا مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ التُّرَبُ

تَجَهَّمَتْنا رِجالٌ واسْتُخفَّ بِنـا   *   لَمّا فُقِدْتَ وَكُلُّ الأَرْضِ مُغْتَصَـبُ

وَكُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضاءُ بِـهِ  *  عَلَيْكَ تُنْزَلُ مِنْ ذي العِزَّةِ الكُتُـبِ

وَكانَ جِبْريلُ بِالآياتِ يونِسُنـا  *   فَقَدْ فُقِدْتَ فَكُلُّ الخَيْرِ مُحْتَجِـبٌ

فَلَيْتَ قَبْلَكَ كانَ المَوْتُ صادَفَنـا *  لِما مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ الكُتُبُ

إِنّا رُزِئْنا بِما لَمْ يُرْزَ ذُو شَجَـنٍ  *  مِنَ البَرِيَّةِ لا عُجْمٌ وَلا عَــرَبُ

ثُمَّ انْكَفَأَتْ عليها السلام وأميرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام يَتَوَقَّعُ رُجُوعَها إليْهِ، وَيَتَطَلَّعُ طُلُوعَها عَلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِها الدّارُ قالتْ لأميرِ المُؤمنينَ عليه السلام: يا ابْنَ أبِي طالِب! اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الجَنِينِ، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنينِ! نَقَضْتَ قادِمَةَ الأَجْدِلِ، فَخانَكَ ريشُ الأَعْزَلِ؛ هذا ابْنُ أبي قُحافَةَ يَبْتَزُّنِي نُحَيْلَةَ أبي وَبُلْغَةَ ابْنِي، لَقَدْ أجْهَرَ في خِصامِي، وَالفَيْتُهُ أَلَدَّ في كَلامِي، حَتَّى حَبَسَتْنِي قَيْلَةُ نَصْرَها، وَالمُهاجِرَةُ وَصْلَها، وَغَضَّتِ الجَماعَةُ دُونِي طَرْفَها؛ فَلا دافِعَ وَلا مانِعَ، خَرَجْتُ كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً، أَضْرَعْتَ خَدَّكَ يَوْمَ أَضَعْتَ حَدَّكَ، إِفْتَرَسْتَ الذِّئابَ، وَافْتَرَشْتَ التُّرابَ، ما كَفَفْتُ قائِلاً، وَلا أَغْنَيْتُ باطِلاً، وَلا خِيارَ لي، لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ هَنِيَّتِي وَدُونَ زَلَّتِي [ذِلَّتي]، عَذيريَ اللهُ مِنْكَ عادِياً وَمِنْكَ حامِياً. وَيْلايَ في كُلِّ شارِقٍ، ماتَ الْعَمَدُ، وَوَهَتِ الْعَضُدُ. شَكْوايَ إلى أبي، وَعَدْوايَ إلى رَبِّي. اللّهُمَّ أنْتَ أشَدُّ قُوَّةً وَحَوْلاً، وَأحَدُّ بَأْساً وَتَنْكِيلاً.

فَقالَ أمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: لا وَيْلَ عَلَيْكِ، الْوَيْلُ لِشانِئِكِ، نَهْنِهي عَنْ وَجْدِكِ يَا ابْنَةَ الصَّفْوَةِ وَبَقِيَّةَ النُّبُوَّةِ، فَما وَنَيْتُ عَنْ ديِني، وَلا أَخْطَأْتُ مَقْدُوري، فَإنْ كُنْتِ تُريدينَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَكَفيلُكِ مَأمُونٌ، وَما أعَدَّ لَكِ أفْضَلُ ممّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي اللهَ، فَقالَتْ: حَسْبِيَ اللهُ، وَأمْسَكَتْ.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.






بالصور: عند زيارته لمعهد نور الإمام الحسين (عليه السلام) للمكفوفين وضعاف البصر في كربلاء.. ممثل المرجعية العليا يقف على الخدمات المقدمة للطلبة والطالبات
ممثل المرجعية العليا يؤكد استعداد العتبة الحسينية لتبني إكمال الدراسة الجامعية لشريحة المكفوفين في العراق
ممثل المرجعية العليا يؤكد على ضرورة مواكبة التطورات العالمية واستقطاب الكفاءات العراقية لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين
العتبة الحسينية تستملك قطعة أرض في العاصمة بغداد لإنشاء مستشفى لعلاج الأورام السرطانية ومركز تخصصي للتوحد