المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16450 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
The exponential atmosphere
2024-05-17
تـطويـر هيـكـل فعـال للمـكافـآت والحـوافـز في المـصارف
2024-05-17
The ideal gas law
2024-05-17
Temperature and kinetic energy
2024-05-17
Compressibility of radiation
2024-05-17
إنـشاء نـظم الإسـناد الإداري للإستـراتيجيـة فـي المـصارف
2024-05-17

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


إعجاز القرآن‏  
  
2187   06:26 مساءاً   التاريخ: 23-04-2015
المؤلف : محمد علي الاشيقر
الكتاب أو المصدر : لمحات من تاريخ القران
الجزء والصفحة : ص 281-296.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /

الاعجاز هو حدث خارق للعادة ولقوانين الطبيعة مقرون بالتحدي وسالم من المعارضة وشاهد على صدق دعواه.

وليس الاعجاز وحده هو خارق للعادة بل هناك (6) أقسام خارقة للعادة وللفائدة نوردها جميعا وهي : (1)

1- الارهاص : وهو الذي يسبق البعثة ودعوى النبوة كإشارة أو تلميح لهما ..

2- المعجز : وهو ما يقدّمه الأنبياء والمرسلون كدعوى لنبوتهم دون استطاعة أحد على الاتيان بمثلها أو ردها ويكون مع الدعوى بلا تهيئة ولا مهلة.

3- الكرامة : وهي استجابة الدعاء في الصالحين والأبرار من الناس ..

4- الاستدراج : وهو مكر اللّه ازاء الفارق بالمعاصي حيث يعطى بعض ما يتمنى خرقا للعادة فيغتر ويزعم ان ذلك من كراماته وفضائله ..

5- المكذبة : وهي ما تكون مخالفة للدعوى فتكذب دعوى المدعي لوقوعها على خلاف ما أراد، كما وقع لمسيلمة حيث دعا لأعور فعميت العين الصحيحة ودعا لجريان ماء البئر فجف ماؤها ..

6- السحر : وهو عمل خارق يكون بعد تهيئة أسبابه على مهلة بدون الدعوى حيث ان سحرة فرعون طلبوا الحبال والتمسوا المهلة للتهيئة ..

وحيث ان المجال لا يسع هنا لشرح كل فقرة ومقارنتها بالاعجاز لبيان مدى الاختلاف بينهما، لذا نكتفي هنا بشرح الاعجاز وانواعه وامده وأسبابه لارتباطه الوثيق بموضوع هذه الدراسة ان لم يكن أهم موضوع فيها .. «فالمعجز- اصطلاحا- هو الأمر الذي يأتي به مدعي النبوة أو الامامة بعناية اللّه الخاصة خارقا للعادة وخارجا عن القدرة البشرية ونواميس الطبيعة مع مطابقته للدعوى واقترافه بالتحدي ليكون ذلك دليلا على صدق دعواه» (2).

والمعجزة إما تكون محدودة وحسية تشاهد بالعين والبصر يراها من حضرها فقط ولا يمكن لغيرهم مشاهدتها كما وتزول بزوال وقتها مثل معجزة النبي موسى أو النبي عيسى- عليهما السلام.

وإما ان تكون - المعجزة - عقلية تدرك وتشاهد بالبصيرة ويستمر مفعولها وتحديها إلى النهاية كما هي الحال في معجزة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي القرآن الكريم ..

والمعجزة متى ما كانت محدودة وقصيرة الأمد ولم يتسنى للبعيد ان يراها أو ان يلمسها قد تنقطع اخبارها المتواترة فلا يمكن لهذا البعيد لا سيما بعد مرور فترة طويلة ان تحصل له القناعة الكافية على صدقها وصحتها ..

فاذا ما كلفه اللّه تعالى - جدلا- بالايمان بها كان ذلك من نوع التكليف بالممتنع وهو مستحيل على اللّه سبحانه فلا بد «اذن للنبوة والرسالة الدائمة المستمرة من معجزة تتجاوب معها في الديمومة والاستمرار والبقاء» (3).

لذا فتأسيا على ما سبق نخلص للقول بان الشرائع التي سبقت الاسلام قد باتت منتهية المفعول ومنقطعة الأثر بسبب انتهاء امد دليلها ومعجزتها، وبقول آخر لزوال ومضي المعجزة التي شهدت على صحة تلك الشرائع والرسالات ..

بينما نرى الشريعة الاسلامية هنا تتفوق وتسبق ما عداها بسبب ان معجزتها وهي- القرآن- باقية وخالدة إلى آخر الزمان وكون التحدي والاعجاز فيها ظاهرة ومستمرة بوجه كل جيل وفي كل وقت وزمان لأنها من عند اللّه تعالى ولا صنعة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا لغيره فيها ..

أجل ان معجزة القرآن هي ابدية وهي بين أيدينا كما كانت في عهد اجدادنا وستظل امام احفادنا تطاول الخلود ولن تكون اسطورة في يوم ما ولن تصبح موضع الشك أبدا وسيتحطم على صخرتها ويتناثر كل قلم يحاول التصدي لها أو يتحداها من قريب أو بعيد ..

وبصدد بيان وجه اعجاز القرآن فقد تكلم فيه فطاحل الكتاب والعلماء مشيرين إلى شتى أنواع وألوان الاعجاز واشكاله سواء ما كان منه في البلاغة والقصص والعلوم والفنون والتشريع والتصوير والفلسفة والاخلاق والسياسة والاقتصاد وفي غيرها ..

هذا وإذا لم نجد فروع هذه العلوم والفنون والآداب مبوبة ومفصلة في القرآن الكريم كما هي في الكتب الموضوعة لهذه الغاية، فاننا نجد فيه جميع اصولها واسسها ومبادئها والتي لا تشذ عنها مسألة واحدة يفرضها الواقع، وقد تجلت هذه الحقيقة شيئا فشيئا وبمرور الأيام وتطور العلوم ..

فكلما اكتشف جديد وجدنا له اساسا في القرآن ولهذا قال ابن عباس «ان في القرآن معان سوف يفسرها الزمن» (4).

وبشأن سبب الاعجاز في القرآن الكريم ومصدره وما اذا كان قد جاء عن طريق صرف اللّه سبحانه للناس ومنعهم عن الإتيان بمثله حين استعدادهم وشروعهم في محاولة التحدي، ام ان هذا الاعجاز قائم على خلاف ذلك أي نجده ساطعا وجليا في نفس القرآن وفي بلاغته وتشريعاته وعلومه وقصصه وأحكامه وصحة معانيه وسلامته من جميع العيوب .. الخ وان اللّه تعالى لا يصرف ولا يعيق أحدا ممن يقبل أو يسعى للتحدي.

لقد ذهب إلى الرأي الأول والمسمى «الصرفة» نفر قليل من الأدباء وارباب الفكر منهم النظام (5) وعبادة بن سليمان وهشام الفوطي وهم في عالم الارقام والحساب لا يتجاوزون عدد اصابع اليد الواحدة ..

وقد كتب هؤلاء في سبيل الانتصار والدفاع عن فكرتهم وآرائهم في الصرفة ما يلي : انهم «لا يرون ان القرآن معجز لبلاغته أو فصاحته أو أي شي‏ء آخر فيه حيث ان العرب وغيرهم قد كانوا قادرين ولا زالوا على ان يأتوا بمثله، ولكن اللّه تعالى صرفهم وسيصرفهم ومنعهم من كل ذلك تصديقا منه لنبيه المرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) - فليس القرآن عندهم هو المعجز وانما المعجز عندهم هو صرف اللّه الناس عن الاتيان بمثله أو محاكاته» (6) أي ان المنع- لدى هؤلاء- هو المعجز ..

كما واضاف هؤلاء في تأييد رأيهم ان اللّه تعالى «ما انزل القرآن‏ ليكون حجة على النبوة، بل هو مثل بقية الكتب المنزلة من قبل، انزل لبيان الاحكام والتعاليم من الحلال والحرام، والعرب انما لم يعارضوه مع قدرتهم عليه لأن اللّه تعالى صرفهم عن ذلك» (7).

و في الحقيقة ان هذه الحجج والدعاوى هي هزيلة وواهية ولا تقف على قدميها ولا تصمد امام الحقيقة والواقع وليس لها وزن يقام كما سنرى قريبا .. اما الأكثرية من الأدباء وارباب القلم والفكر والتي تذهب إلى ان الصرفة ليست هي سبب الاعجاز وان الاعجاز قائم في نفس الكتاب‏(8) في فصاحته وبلاغته وفنونه وعلومه وانظمته فتورد ادلة وحقائق عديدة من أجل اثبات رأيهم وقولهم ومنها ان اللّه تعالى لا يليق به ان يصرف الناس عن الاتيان بمثله- القرآن- وهو الذي يخاطبهم ويتحداهم فيه وبكل صدق وصراحة بقوله {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس : 38]  فلا يمكن هنا والحالة هذه التوفيق والملائمة بين تحدي اللّه الناس بالاتيان بمثل هذا القرآن أو سورة من مثله وبين صرفهم عنه وهو ما تقوله الفئة الأولى لأن هذا الفعل يوقع في التناقض والتصادم ومحال على اللّه تعالى ذلك أبدا ..

ومنها أيضا انه اذا لم يكن القرآن معجزا لما فيه من الوان البلاغة وفنون الأدب والبيان لكان نزوله عن مرتبة البلاغة ودرجة الفصاحة ابلغ في الاعجوبة والاعجاز والتحدي والاتيان بشي‏ء منه ..

ومنها لو أن العرب كانوا قد صرفوا عن معارضة القرآن فلم يكن من قبلهم من العرب مصروفين عنه بسبب انهم لم يتحدوا به، فربما كان من الطبيعي ان نجد ونقف على ما يناظر القرآن ويشبهه في كلام العرب السالفين وهذا ما لم نجده في الأدب العربي الخاص بهم ..

ومنها ما قرأنا في خضم التاريخ- كما سيرد بيانه- من ان هناك كثيرين منذ فجر الاسلام حتى العصور المتأخرة حاولوا تقليد القرآن والاتيان بمثله أو شي‏ء من مثله، إلا ان حصيلة اعمالهم وثمرة اتعابهم هذه لم تتعدى عن ان تكون كلمات وجمل هزيلة وجافة وغير منسجمة ولا منسقة ولا تقف ابدا بجانب اقل مستويات الأدب والثقافة والبيان ..

لذا فان اللّه سبحانه لم يصرف هؤلاء عن عملهم والذي تمخض عن عبارات وجمل ومقالات متداعية وضعيفة، بل فتح امامهم أبواب التحدي ولا زال على مصراعيه ..

ومنها كذلك انه لو كان عجز العرب عن المعارضة والصرفة غير صحيح لما استعظموا بلاغة القرآن وتعجبوا من بيانه وبلاغته- كما سيرد بيانه- وكما جاء على لسان بعض اعداء الاسلام كالوليد بن المغيرة وعتبة ابن ربيعة وغيرهم.

ولسنا الآن في صدد الاسهاب في هذا الموضوع أو ايراد كل ما كتب عن اعجاز القرآن ولو على وجه الايجاز والاختصار لأن الاشارة إلى اكثر من ذلك سيتطلب المزيد من البيان والوقت وهو يتعارض واسلوب هذه الدراسة ..

هذا فضلا عن ان موضوع اعجاز القرآن قد أصبح امرا وشيئا مفروغا منه بعد ان فلّت اسلحة المتحدين وباءت محاولاتهم وجهودهم بالفشل والخسران ..

علما بانه لو كان هناك شي‏ء من التحدي- جدلا- ولو بسورة واحدة فقط «لذكره ولرفعه الضالين نارا على علم ولاحتفلت فيه الملايين من اعداء الاسلام والقرآن ولسجّل في كتبهم وموسوعاتهم التي ملئت الخافقين ولتلقوه بالفرحة والغبطة لأنها الحجة التي ما وراءها حجة» (9).

فضلا عن انه «قد مضت على نزول القرآن أربعة عشر قرنا ودخل القرن الخامس عشر باكتشافات جديدة ومخترعات مدهشة وهذه سنة ثلاث واربعمائة بعد الألف ولم يقدر أحد على معارضته، فلو كان في وسع أحد الاتيان بمثل هذا القرآن أو بمثل سورة منه لأتى به، وهذا من أعظم الدلائل على اعجاز القرآن وانه وحي الهي لا يشبه كلام الانس ولا كلام الجان» (10)..

لذا فليس لدينا ما نقوله هنا إلا ان نذهب ونشد على عضد من صرّح بان «نفس موسى وعيسى- عليهما السلام- وسائر الأنبياء الآخرين لو جاءوا الآن لما وسعهم إلا الايمان القاطع بهذه المعجزة والاعتراف بصحتها وبقاءها» (11) مدى الزمن والدهر ..

اذن «فاعجازه- القرآن- من حيث الآية بداية ونهاية ومسافة وقافية وقد يكون الروي واحد ومقاطع صوتية متشابهة، واعجازه في السورة من حيث تعدد فصولها والصورة الفنية فيها، فسورة طويلة واخرى صغيرة وسورة بدأت بدعوى ثم اعقبتها بادلة وبراهين ثم بصيغ متقاربة وحديث وآخر وقصة واخرى» (12) ورغم كل هذا وذاك فإنه نرى انه ليس من المنطقي أو المعقول في شي‏ء ان نمر على موضوع اعجاز القرآن- والذي هو من أهم مواضيع هذه الدراسة- من دون ان نشير ولو بايجاز إلى بعض وجوه هذا الاعجاز واشكاله على ان نتولى أولا تعداد بعض الأوجه المهمة في الاعجاز ثم نعرج على تبيان وكشف وجه واحد أو أكثر منه والذي له ارتباط وثيق بروح العصر وبالتقدم العلمي الذي تعيشه البشرية، على ان نتوج كل‏ ذلك بمقدمة قصيرة تبحث في موقف اعداء القرآن منه، وكيف امكن للقرآن ان يأسر الباب وعقول كثير من هؤلاء فيعيدهم إلى صفوف المسلمين ليكونوا من انصار ودعاة الدين الجديد بعد ان كانوا من اشد الخصوم له ....

لقد نزل القرآن في بلد عربي وبين عوائل عربية كانت تعاني وتشكو من التأخر والانحطاط والتخلف في غالبية النواحي والميادين إلا في الفصاحة والبلاغة والبيان والتدوين، لذا نرى ان اللّه تعالى قد بعث لهؤلاء القوم كتابا بلغتهم و«على المستوى الفني والبلاغي الذي كان عليه هؤلاء ولم يتخذ فنا أو صياغة أو اسلوبا أو نهجا في الخطاب غير مألوف عندهم» (13) ليكون حجة لصدق نبوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ..

ورغم المعارضة المستميتة التي وجهها القرشيون للحط من اشراقة النبوة وطمس معالم الرسالة ورغم التهم والافتراءات الباطلة التي نثروها هؤلاء بسخاء في طريق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وانطلاقة الدعوة، رغم كل هذه وتلك لم تسمع قط بمحاولة جدية أو تصميم صادق من قبلهم للاتيان بمثل هذا القرآن أو بشي‏ء يسير منه ولو بمقدار سورة صغيرة واحدة عدا كلمات مضطربة لا يوحّدها نظام أو هدف محدد ..

لقد اراد نفر من المشركين- في عهد الرسول- ان يطعنوا بالقرآن عن طريق استخراج ما به من آيات غير فصيحة أو كلمات غير متداولة ليعلنوا عدم اعجاز القرآن- وقد قاموا باستخراج الكلمات الثلاثة وهي (يستهزئ، كبار، عجاب) وجاءوا إلى الرسول ليشعروه بما عثروا عليه، وان هذا سيذهب باعجاز القرآن وروعته، فأجابهم الرسول باحضار فصحائهم وبلغائهم التباحث معهم في أمر هذه الكلمات، وفعلا قدم هؤلاء على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعند دخولهم قام لهم الرسول‏ فقاموا ثم جلس فجلسوا معه ثم قام الرسول مرة أخرى فقاموا معه وجلس فجلسوا وهكذا إلى عدة مرات فما كان من كبيرهم إلا ان يخاطب الرسول بقوله : «أ تستهزئ بي وانا شيخ كبار ان هذا يا محمد لشي‏ء عجاب» فأجاب الرسول بأن هذا الكلام هو جواب هؤلاء فانصرفوا ..

واذا ما كانت هناك وبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو قبلها بقليل، اذا كانت هناك محاولات مشبوهة من قبل ادعياء النبوة كمسيلمة بن حبيب النجدي الكذاب في بني حنيفة باليمامة أو طليحة بن خويلد الأسدي في قبيلة بني سعيد أو سجاح بنت الحارث في بني تغلب أو الأسود العنسي في اليمن لمحاكاة القرآن أو الاتيان بمثله فان ما أورده هؤلاء من كلمات وأقوال لا يتعدى عن ان يكون هذيان محموم وسقطات مضطربة وغير مرتبطة بالقواعد النحوية والبلاغية ..

و باختصار فانها لا تصل إلى ألف باء الأدب واللغة فضلا عن مستوى ارفع منه بقليل، لذا آثرنا هنا ألا ننقل منها إلا نتفا قليلة لأنها لا تستحق النظرة العابرة فضلا عن قراءتها ودراستها بامعان وتدبر (14)..

لقد أورد مسيلمة الكذاب الذي زعم ان له قرآنا نزل عليه من‏ السماء ويأتي به اليه ملك يدعى «رحمن» أورد في قرآنه المزعوم ما يلي : «الباذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، والخابزات خبزا، والثاردات تردا، واللاقمات لقما، اهالة وسمنا، لقد فضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فأمنعوه، والمنعتر فآووه، والباغي فناوئوه ..... الخ.

وقال أو أورد في مكان آخر من هذا القرآن المزعوم : «الفيل ما الفيل، وما ادراك ما الفيل، له ذنب قصير وخرطوم طويل ...».

كما ورد فيه أيضا «يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، نصفك في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين».

هذا «و كل كلامه على هذا النمط واه سخيف لا ينهض ولا يتماسك، بل هو مضطرب النسج مبتذل المعنى مستهلك من جهتيه» (15).

اما الأسود العنسي الملقب بذي الخمار فله غريب وعجيب ونورد في أدناه احدى سوره التي يباري بها «سورة الأعلى» اذ يقول : «سبح اسم ربك الأعلى الذي يسر على الحبلى فاخرج منها نسمة تسعى بين اضلاع وحشى فمنهم من يموت ويدس في الثرى ومنهم من يعيش ويبقى ...»

هذا وان آيات القرآن الكريم لم تشل أيدي وقلوب والسنة العرب عامة والقرشيين خاصة وتتحداهم في ان يأتوا بمثلها فقط وانما اسرت قلوب بعض هؤلاء واخذت بالبابهم واجرت على افواههم والسنتهم الحق‏ والصدق عند ما ادركوا ما فيها من البلاغة والبيان والحكمة .... الخ فضلا عن ان «هذه الآيات كانت العامل الحاسم أو أحد هذه العوامل الحاسمة في ايمان من آمنوا في أوائل أيام الدعوة يوم لم يكن للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حول ولا طول ويوم لم يكن للاسلام قوة ولا منعة» (16).

فهذا الوليد بن المغيرة الذي عاش ومات على كفره لما سمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل : 90] يجيب قومه عند ما سألوه عن حقيقة ما سمع من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : «انه سمع من محمد آنفا كلاما لا يشبه شيئا من كلامنا، انه ليس من كلام الانس والجن ، ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق وان اصله لعذق وان فرعه لجناة وانه ليحطم ما تحته وانه ليعلو ولا يعلى عليه».

ولما طلبوا منه - وهو الشيخ الكبير المجرب الداهية - ان يصفه لهم قال : «قولوا ساحر جاء بقول يفرّق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته» (17).

ف «انظر إلى هذا الرجل المعاند كيف اعترف الحق في أول أمره بحسب ذوقه العربي الذي كان مفطورا عليه، ولكن لما اعترته الحمية وغلبت عليه الشقوة عدل عن مقاله وعاد إلى ضلاله» (18).

وذاك هو عتبة بن ربيعة الذي تبعثه قريش ليفاوض ويساوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ترك دعوته لقاء مغانم ومنافع هائلة ومغرية لا يكاد يعود من عنده بعد ان يسمع كلامه حتى يجيب قريش وهم بانتظار قدومه بقوله : «... اني سمعت قولا واللّه ما سمعت مثله قط واللّه ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش اطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو اللّه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وان يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم اسعد الناس به».

وتمضي السنين وتتلاحق الأيام فتتظافر تبعا لها الجهود المريبة وتلتقي الآمال المشبوهة النيل من القرآن أو محاكاته، ولكن كل ذلك كان ينتهي إلى الفشل الذريع والخسران المبين ..

ولا ضير هنا من ان نورد لونا آخر من هذه المساعي البائسة لنرى كيف بائت آمال ابطالها بالخسران وكيف أعترف فرسانها بالفشل وعجزهم عن محاكاة القرآن أو التصدي له.

وهذا اللون الجديد من هذه الجهود والمساعي المريبة تلخص في الرواية التالية والتي ننقلها بتصرف‏ (19).

يروى انه قد التقى في بيت اللّه الحرام عند مطلع الدولة العباسية أربعة من اقطاب الأدب وفرسان الزندقة والالحاد وهم عبد الكريم بن أبي العوجاء وأبو شاكر ميمون بن ديصان وعبد اللّه بن المقفع ‏(20) وعبد الملك البصري، فخاضوا في مسائل الحج ومناسكه والدعوة الاسلامية وما يذوقون في ظلها من صنوف التنكيل والمقاومة، وقد استقرت آراؤهم والتقت افكارهم في معارضة القرآن ومحاكاته وكشف ما به من اخطاء لأنه لو تحقق لهم ذلك تمكنوا من اسقاط الشريعة وابطال مفعولها، لأن هذه الشريعة تعتمد على القرآن، فلو سقط القرآن- برأيهم- لسقطت الشريعة وانهدمت الدعوة ..

ولقد اتفق الأربعة على ان يتولى كل واحد منهم القيام بعب‏ء نقض ربع من القرآن إلى نهاية السنة القادمة، وبجمع الأرباع الأربعة إلى بعضها فسيكون كل القرآن قد تم نقضه وبذلك سيريحوا انفسهم وجماهير المسلمين من تكاليف الاسلام واعباءه من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد .... الخ وستتحقق بذلك مبادئهم واهدافهم المتهرئة ..

فتفرق الأربعة كل إلى داره ومصره حاملا كل منهم ربع القرآن الذي وقع من نصيبه على ان يكون لقاءهم القادم في مثل هذا الوقت والمكان من السنة القادمة ..

ولما حان الوقت المحدد حضر الجميع، وبعد ان استقر مكانهم واخذوا في التداول فيما بينهم عن اتفاقهم السابق حول نقض واستخراج القرآن كان ابن أبي العوجاء أول من رفع يده بالكلام حيث قال لرفاقه :

«انه ليأسف ان يقدم اعتذاره الحار عما كلف به لأنه عند ما راجع بعض الآيات التي كلف بنقضها ادهشته وسلبت افكاره واصمت سمعه وبصره عند مروره بالآية : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء : 22]  فانقطع عن اتمام عمله ..

وجاء من بعده دور الثاني ميمون بن ديصان فاعتذر هو بدوره وقال : «إنه قد افزعته واذهلته الآية : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج : 73] فشغل بها عن القيام بعمله المكلف به من قبل ..

وعند ما جاء دور الثالث وهو عبد اللّه بن المقفع فإنه ابدى اعتذاره لأنه شعر بنفس ما شعر به زملائه عند ما مرت من أمامه الآية : {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود : 44] فاشغلته آية نوح هذه عن المضي في الأمر الذي اتفق عليه ..

اما الأخير وهو عبد الملك البصري فكانت آية يوسف وهي قوله تعالى : {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يوسف : 80] هي التي ذهبت بلبه وصرفته عن الشروع في إنجاز العمل الموكل إليه ..

وهكذا «سمع العرب آيات التحدي واشتهرت فيما بينهم ودارت على السنتهم ولكن عجزوا عن معارضة القرآن ولو بمثل اقصر سورة منه مع انهم كانوا ائمة الفصاحة والبيان» (21).

ودار الزمن من بعد ذلك دورته وسار الفلك ليقطع القرون‏ والسنوات حيث اوصلنا إلى عهد المبشرين والمتشككين واعداء الدين، هؤلاء الذين نراهم يتعبون أنفسهم وينفقون الأموال الطائلة في الحط من منزلة الاسلام ومكانة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعظمة القرآن المجيد، فلو كان في مكنة هؤلاء ان يعارضوا القرآن ولو بقدر سورة واحدة لما تخلفوا أو تأخروا لحظة واحدة ولكان هذا أعظم الحجج بيدهم لتقويض دعائم الاسلام واقرب الطرق لنسف وتحطيم حقائقه ومعالمه ولما كلفوا انفسهم عناء انفاق وصرف الأموال والاتعاب والجهود بدون طائل أو بدون نتيجة مثمرة ومضمونة (22)..

وعلى الرغم من كل ذلك نجد هناك وفي نفس الوقت افرادا بل جماعات كثيرة من غير المسلمين سواء من المستشرقين أو من غيرهم من حكّموا ضمائرهم وحرّكوا وجدانهم واستيقظت قلوبهم فقالوا وكتبوا عن القرآن واعجازه وفنونه ومعارفه الكثير وقد تم جمع بعض أقوالهم وكتاباتهم في فصل مستقل باسم «القرآن في نظر غير المسلمين» في نهاية هذه الدراسة ..

____________________________

(1) منهج البيان في تفسير القرآن - السيد ابن الحسن الرضوي.

(2) منهج البيان في تفسير القرآن - السيد ابن الحسن الرضوي.

(3) البيان في تفسير القرآن - السيد ابو القاسم الخوئي.

(4) علي والقرآن - محمد جواد مغنية.

(5) النظام هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هاني البصري شيخ المتكلمين وحجة المعتزلة، وقد عاصر كل من الرشيد والمأمون ومات في خلافة المعتصم العباسي شابا وفي سنة 231 هجرية عن عمر 36 سنة، ومن تلاميذه الجاحظ الأديب المعروف وإليه- النظام- تنسب المدرسة أو الفرقة النظامية وقد لقى هشام بن الحكم وأفاد منه كما وأخذ عن أبي هذيل العلاف ثم استقل عنه ..

(6) تجديد ذكرى أبي العلاء - الدكتور طه حسين.

(7) من بلاغة القرآن - الدكتور أحمد أحمد بدوي.

(8) الإتقان في علوم القرآن - جلال الدين السيوطي.

(9) آلاء الرحمن في تفسير القرآن - الشيخ محمد جواد البلاغي.

(10) منهج البيان في تفسير القرآن - السيد ابن الحسن الرضوي.

(11) القرآن والعلم الحديث- عبد الرزاق نوفل.

(12) القرآن والعقلية العربية- نعمة هادي الساعدي.

(13) القرآن والعقلية العربية- نعمة هادي السعدي.

(14) ربما يظن البعض بان نجاح الإسلام وانتشاره وقهر مناوئيه قد طمس على آثار هؤلاء المناوئين له سواء الفكرية أو الأدبية أو غيرها، وذلك لما نرى في عصرنا الحاضر من أن الكلمة المطاعة والأخيرة هي للغالب وان المغلوب سيناله الويل والثبور، إلّا أن الذي أوردناه عن آثار هؤلاء المناوئين للإسلام هو الحقيقة والواقع وذلك لسببين هما :

1- إن للإسلام ورسالته حاليا أعداء كثيرون وهدفهم الأوحد تشويه معالم هذا الدين بقلب الحق إلى باطل وبالعكس. فلو كان هناك أدب وفكر، لمناوئي الإسلام لا برزوه وأذاعوه وهذا ما لم نجده في الكتب أو مكان آخر ..

2- إن التاريخ يضم كل صغيرة وكبيرة وكل غث وسمين حيث هو سجل ناصع للحياة، ولم نشاهد في هذا السجل ما يشير إلى وجود تراث لاعداء الإسلام ومناوئيه ..

(15) إعجاز القرآن والبلاغة المحمدية- مصطفى صادق الرافعي.

(16) التصوير الفني في القرآن- سيد قطب.

(17) القرآن- محاولة فهم عصري- مصطفى محمود.

(18) منهج البيان في تفسير القرآن- السيد ابن الحسن الرضوي.

(19) المعجزة الخالدة- السيد هبة الدين الشهرستاني.

(20) ولد عبد اللّه بن المقفع في البصرة في النصف الأول من القرآن الثاني الهجري(عام 106 ه) وكانت- البصرة- حافلة بالأدباء والشعراء فبرع باللغة العربية وآدابها وأصبح كاتبا للخليفة أبي جعفر المنصور، ونشأ ابن المقفع- كأبيه- زرادشتيا وأسلم على يد عيسى بن علي عم المنصور وأصبح كاتبا عنده ..

ويرجع نسبه إلى الفرس، لذا كان عريقا في الفارسية عالما بآدابها متمكنا من أساليبها لأنها لغته ولغة آبائه ..

لذا فعند ما أقدم على ترجمة كتاب (كليلة ودمنة) من الفهلوية (الفارسية القديمة) إلى العربية كانت ترجمته أمينة وصادقة ..

قتله عامل المنصور في البصرة في عام 142 أو 143 ه وعمره لا يتجاوز الأربعين سنة .. وسبب قتله هو تشدّده في كتابة صيغة الأمان التي وضعها ليوقع عليها المنصور أمانا إلى عبد اللّه بن علي حيث أفرط ابن المقفع في الاحتياط بها حتى لا يجد المنصور منفذا فيها للاخلال بعهده، حيث غاظ المنصور ذلك فأوعز إلى عامله لقتله، ومن آثاره الأدبية هو« الأدب الصغير والأدب الكبير واليتيمة ورسالة الصحابة وكليلة ودمنة» ..

(21) منهج البيان في تفسير القرآن- السيد ابن الحسن الرضوي.

(22) البيان في تفسير القرآن- السيد أبو القاسم الخوئي، الإسلام على ضوء التشيع- الشيخ حسين الخراساني.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



اختتام الأسبوع الثاني من الشهر الثالث للبرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسية
راية قبة مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) تتوسط جناح العتبة العباسية في معرض طهران
جامعة العميد وقسم الشؤون الفكرية يعقدان شراكة علمية حول مجلة (تسليم)
قسم الشؤون الفكريّة يفتتح باب التسجيل في دورات المواهب