المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7454 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
Measurement of position and momentum
2024-04-20
Probability wave amplitudes
2024-04-20
The uncertainty principle
2024-04-20
First principles of quantum mechanics
2024-04-20
أثر شطب العلامة التجارية على انقضاء حق الملكية
2024-04-20
Watching the electrons
2024-04-20

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قاعدة « لا ضرر ولا ضرار »  
  
3975   08:33 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج1 ص28 - 111.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / لا ضرر ولا ضرار /

هذه القاعدة من أشهر القواعد الفقهية، يستدل بها في جل أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، بل هي المدرك الوحيد لكثير من المسائل؛ ولهذا أفردوها بالبحث وصنف فيها غير واحد من أعاظم المتأخرين رسالات مستقلة بينوا فيها حال القاعدة من حيث مدركها ومعناها، وفروعها ونتائجها.

منهم العلامة الأكبر شيخنا الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري قده؛ صنف فيها رسالة طبعت في ملحقات مكاسبه بعد ان تعرض لها استطرادا في فرائده ذيل قاعدة الاشتغال، والعلامة المحقق شيخ الشريعة الأصفهاني قده، والعلامة النحرير النائيني قده، وجعلها العلامة النراقي قده، العائدة الرابعة من «عوائده».

فبعضهم تقبّلها بقبول حسن وجعلها مدركا لكثير من الفروع الفقهية، وبعضهم خرّب بنيانها من القواعد واعتقد بعدم إمكان الاعتماد عليها لإثبات شي‌ء من الفروع التي لا يوجد لها مدرك سواها، وبعضهم رآها حكما قضائيا يعتمد عليها في أبواب القضاء لا غير؛ بما سنتلو عليك منها ذكرا فهذه القاعدة تليق بالبحث والتفتيح التام لكي يتضح حال تلك الفروع الكثيرة المتفرعة عليها في الأبواب المختلفة من الفقه.

فنقول- ومن اللّٰه جل ثنائه التوفيق والهداية- ان الكلام فيها يقع في مقامات :

المقام الأول في مدركها :

لا ريب في ان نفى الضرر والضرار في الجملة من الأمور التي يستقل بها العقل، ويشهد له في مقامات خاصة آيات من الكتاب العزيز‌ قال اللّٰه تعالى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } [البقرة: 233] نهى سبحانه عن إضرار الام بولدها بترك إرضاعه غيظا على أبيه لبعض الجهات، كما انه نهى عن إضرار الأب بولده بمنع رزقهن وكسوتهن بالمعروف مدة الرضاع، فيمتنعن عن إرضاع الولد، فيتضرر منه الولد، وهذا أظهر الاحتمالات في معنى الآية الشريفة، ويشهد له صدرها أيضا حيث قال سبحانه {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فإنه يشتمل على حكمين: حكم إرضاع الام حولين كاملين وحكم الإنفاق عليهن مدة الرضاع، وذيل الآية متمم لهذين الحكمين فكأنه سبحانه قال: فان ابى أحدهما عن القيام بما هو وظيفة له- الأب من الإنفاق والام من الإرضاع- فعلى الأخر ان لا تعامله بترك وظيفته فيضر بالولد من هذه الناحية، ويؤيده أيضا قوله تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] كما لا يخفى، وعلى هذا يكون قوله «لٰا يُضَارَّ» مبنيا للفاعل والباء زائدة فإن المضارة تتعدى بنفسها.

و قد يذكر في معنى الآية احتمالات أخر مبتنية على كون «لٰا تُضَارَّ» مبنيا للمفعول والباء للسببية مثل ما ذكره الفاضل المقداد في «كنز العرفان في فقه القرآن» حيث قال: «قيل ان المراد ان لا يضار بالوالدة بأن يترك جماعها خوفا من الحمل ولا هي تمتنع من الجماع خوفا من الحمل فتضر بالأب روى عن الباقر والصادق عليهما السلام» وعلى هذا المعنى، الآية تدل على نهى الأب عن الإضرار بالأم وبالعكس بسبب خوف الولد، وعلى الأول تدل على نهيهما عن الإضرار بالولد، فهي على كل حال دالة على نفى الضرر والنهى عن الإضرار في الجملة وهو المطلوب واما تمام الكلام في فقه الآية فهو في محله وقال أيضا في حق النساء المطلقات {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } [الطلاق: 6] نهى سبحانه عن الإضرار والتضييق على المطلقات في السكنى والنفقة في أيام عدتهن، كما اوصى بهن في موضع آخر بقوله { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا } [البقرة: 231] نهى عن الرجوع الى المطلقات الرجعية لا لرغبة فيهن بل لطلب الإضرار بهن كالتقصير في النفقة أو‌ لتطويل المدة حتى تلجأ الى بذل مهرها- كما أشار إليه في كنز العرفان.

و قال سبحانه ناهيا عن الإضرار بالوارث وتضييع حقوقهم {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] نهى عن الإضرار بالوراث في الوصية بأن يوصي ببعض الوصايا إجحافا عليهم ودفعا لهم عن حقهم أو يقر بدين ليس عليه دفعا للميراث عنهم ويشير إليه أيضا قوله تعالى {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ } [البقرة: 182] والجنف هو الميل إلى إفراط أو تفريط والإضرار بالورثة.

و قال أيضا {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] نهى عن إضرار كاتب الدين والشاهد عليه أو على البيع، بان يكتب ما لم يمل أو يشهد بما لم يستشهد عليه، هذا إذا قدر الفعل اعنى لا يضار مبنيا للفاعل، واما إذا قدر مبنيا للمفعول فالنهي انما هو عن الإضرار بالكتاب والشهداء إذا أدوا حق الكتابة والشهادة، على اختلاف الأقوال في تفسير الآية الشريفة.

هذا ولكن العمدة في إثبات هذه القاعدة على وجه عام هي الروايات الكثيرة المدعى تواترها، المروية من طرق الفريقين، وان اختلفت من حيث العبارة بل المضمون حيث ان بعضها عام وبعضها خاص الا ان مجموعها كاف في إثبات هذه الكلية.

و بما ان في استقصاء هذه الروايات فوائد جمة لا تنال الا به فاللازم ذكر ما وقفنا عليه في كتب اعلام الفريقين مما ذكرها المحققون في رسالاتهم المعمولة في المسألة وما لم يذكروها ليتم الفائدة بذلك إنشاء اللّٰه، وانى وان بذلت جهدي في جمعها واستقصائها وأوردت ما أوردها الأصحاب في هذا الباب وأضفت عليها ما ظفرت به مما لم يشيروا اليه، لكن لعل باحثا يقف على ما لم أقف عليه فان العلم غير محصور على قوم وكم ترك الأول للآخر. وكيف كان نبدء بذكر أخبار أصحابنا الاعلام، ثمَّ نتبعها بذكر ما أورده الجمهور في أصولهم.

فما يدل على هذه القاعدة بعمومها من طرق الأصحاب روايات:

1- ما رواه الكليني رضوان اللّٰه عليه في الكافي عن ابن مسكان عن زرارة عن‌ أبي جعفر الباقر عليه السّلام، قال: ان سمرة بن جندب «1» كان له عذق، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار، فكان يجي‌ء ويدخل الى عذقه بغير اذن من الأنصاري فقال الأنصاري:

يا سمرة! لا تزال تفجأنا على حال لا نحب ان تفجأنا عليه، فاذا دخلت فاستأذن.

فقال : لا استأذن في طريق، وهو طريقي إلى عذقي. قال: فشكاه الأنصاري إلى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله فأرسل إليه رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله فأتاه فقال: ان فلانا قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلى اهله بغير إذنه، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل، فقال يا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله استأذن في طريق إلى‌ عذقي؟ فقال له رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) خل عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا، فقال: لا، قال:

فلك اثنان قال: لا أريد، فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق فقال: لا، قال فلك عشرة في مكان كذا وكذا. فأبى، فقال: خل عنه ولك مكانه عذق في الجنة قال: لا أريد، فقال له رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال ثمَّ أمر بها رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) فقلعت ورمى بها اليه وقال له رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) انطلق فاغرسها حيث شئت (نقله في الوسائل في الباب 12 من كتاب احياء الموات).

2- ما رواه في الكافي أيضا عن عبد اللّٰه بن بكير عن زرارة عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان، فكان يمر به الى نخلته ولا يستأذن، فكلمه الأنصاري ان يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فلما تأبى جاء الأنصاري إلى رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) فشكا اليه وخبره الخبر فأرسل إليه رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) وخبره بقول الأنصاري وما شكاه، قال: إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى، فلما ابى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء اللّٰه فأبى ان يبيع، فقال لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبى أن يقبل، فقال رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار، (رواه في الوسائل في الباب 12 من كتاب احياء الموات ثمَّ قال: ورواه الصدوق بإسناده عن ابن بكير نحوه، ورواه الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن خالد مثله).

و لا يخفى ان هذه الرواية وما قبلها رواية واحدة تحكي عن قضية واحدة نقلها‌ زرارة عن ابى جعفر الباقر عليه السّلام وعمدة الفرق بين الطريقين هو ذكر قيد «على مؤمن» في قوله «لا ضرر ولا ضرار على مؤمن» في الأول منهما دون الأخير، وسيأتي ان له دخلا في فهم مغزى الحديث،

3- ما رواه الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» : بإسناده عن الحسن الصيقل عن «ابى عبيدة الحذاء» قال :

قال أبو جعفر (عليه السلام) كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بنى فلان فكان إذا جاء الرجل الى نخلته نظر الى شيء من أهل الرجل فكرهه الرجل فذهب الرجل الى رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) فشكاه فقال يا رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) ان سمرة يدخل عليّ بغير اذنى فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي خدرها منه، فأرسل إليه رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) فدعاه فقال: يا سمرة! ما شأن فلان يشكوك ويقول تدخل بغير اذنى فترى من اهله ما يكره ذلك؟ يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت، ثمَّ قال له رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) يسرك ان يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال لا، قال: لك ثلثة قال: لا؛ قال: ما أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها واضرب بها وجهة (رواه فيمن لا يحضره الفقيه في باب حكم الحريم) وهذه الرواية كما ترى خالية عن ذكر فقرة «لا ضرر ولا ضرار» ولكنها مشتملة على صغراها وهي قوله: ما أراك يا سمرة إلا مضارا»، وكيف كان فلا ريب في ان هذه الروايات الثلاث حكاية عن قضية واحدة وان اختلفت عباراتها وبعض خصوصياتها، نقلها «زرارة» تارة و«أبو عبيدة الحذاء» اخرى، ويظهر منها انه كان لسمرة بن جندب حق العبور الى نخلته من باب البستان الذي كان عنده دار الأنصاري؛ ولكن أراد استيفاء حقه مع الإضرار بالأنصاري ولم يرض بالجمع بين حقه وحق الأنصاري بأن يكون دخوله مع استيذان منه بل ولم يرض بالاستبدال عنها فدفع عنه رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) شره وأمر بقلع نخلته، لانحصار طريق استخلاص الأنصاري الظالم المجحف فيه، وفي فقه الرواية أبحاث تأتي في محله عن قريب إنشاء اللّٰه.

4- ما رواه في الكافي عن عقبة بن خالد عن ابى عبد اللّٰه (عليه السلام):

قضى رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال: لا ضرر ولا ضرار وقال إذا أرفت الأرف وحدث الحدود فلا شفعة (رواه في الوسائل عن الكافي في الباب 5 من أبواب‌ الشفعة، ثمَّ أشار الى رواية الشيخ والصدوق له بطرقهما الا ان في رواية الصدوق زيادة وهي: «و لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم»).

و يظهر من هذا الحديث ان العلة أو الحكمة في جعل «حق الشفعة» للشريك هي لزوم الضرر والإضرار عند فقده فإن الإنسان لا يرضى بأي شريك، ويدل أيضا على ان هذا الحق ثابت في المشاع وقبل القسمة، واما بعدها فلا شفعة وهو المراد من قوله: إذا أرفت الأرف (اى أعلمت علامات القسمة) وحدّت الحدود فلا شفعة، ويدل عليه أيضا الزيادة الواردة في طريق الصدوق وهو قوله (عليه السلام) ولا شفعة إلا لشريك غير مقاسم «2».

و في هذا الحديث أيضا أبحاث تدور حول قوله (عليه السلام) لا ضرر ولا ضرار وانها رواية مستقلة ذكره الراوي مع حكم الشفعة من باب الجمع في الرواية والنقل، أو انها من تتمة رواية الشفعة، والكلام فيها يأتي عن قريب إنشاء اللّٰه.

و رواها في «مجمع البحرين» في مادة «ضرر» الى قوله لا ضرر ولا ضرار الا ان فيه التقييد بقوله «في الإسلام» بعد قوله ولا ضرار. وليكن هذا على ذكر منك.

5- ما رواه في الكافي عن عقبة بن خالد عن ابى عبد اللّٰه (عليه السلام)

قال: قضى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله بين أهل المدينة في مشارب النخل انه لا يمنع نفع الشي‌ء «3» وقضى بين أهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، فقال: لا ضرر ولا ضرار (رواه في الوسائل في الباب السابع من أبواب إحياء الموات).

قال العلامة المدقق شيخ الشريعة الأصفهاني قدس سره ان في النسخة المصححة من الكافي عنده: «و قال لا ضرر ولا ضرار»- لا- فقال إلخ بأن يكون هذه الفقرة معطوفة على ما قبلها بالواو لا بالفاء، فليكن هذا أيضا على ذكر منك.

أقول: وهنا شي‌ء‌ يجب التنبيه عليه وهو انه قد وقع الخلاف بينهم في ان مالك البئر إذا قضى حاجته وحاجة مواشيه وزرعه من مائها وفضل بعد ذلك شي‌ء فهل يجب عليه بذله بلا عوض لمن احتاج اليه لشربه أو شرب ماشيته أو سقى زرعه، أو مع العوض، أم لا؟ والمعروف بينهم انه لا يجب، ولكن المحكى عن شيخ الطائفة في المبسوط وفي الخلاف وعن ابن الجنيد والسيد ابى المكارم بن زهرة انه يجب بذله لمن احتاج اليه لشربه وشرب ماشيته خاصة والمسألة معنونة في كتاب «احياء الموات» ولنا في تأييد مختار الشيخ قدس سره وتضعيف ما ذهب اليه المشهور كلام يأتي.

و في معنى قوله: «لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء احتمالات أحدها ان صاحب البئر إذا منع فضل مائها عن أهل البادية، حتى منعوا عن سقى مواشيهم عند العطش الحاصل عادة بعد الرعي، لم يقدروا على رعى مواشيهم حول الآبار ومنعوا من الاستفادة عن كلائها، فمنع فضل الماء يمنع عن فضل الكلاء ثانيها ان صاحب البئر إذا منع فضل مائها عن أهل البادية قابله صاحب الكلاء بمنع فضل كلائه منه ثالثها ان صاحب البئر إذا منع فضل مائها فلعل أهل البادية يحتاجون اليه لزرعهم وكلائهم وذلك يضر بهم ويمنعهم عن الزرع والكلاء فلهذا أمر صاحب البئر بان لا يمنع فضل مائها حتى لا يمنع فضل الكلاء.

و لعل أوجه الاحتمالات هو الأول فتدبر.

6- ما أرسله الصدوق قدس سره قال : قال النّبي صلّى اللّٰه عليه وآله وسلم: الإسلام يزيد ولا ينقص

، قال وقال لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فالإسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرا قال وقال: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (أخرجه في الوسائل في الباب الأول من أبواب الإرث في المجلد الثالث).

و الظاهر ان الصدوق قده جمع هنا بين روايات ثلث واردة بطرق مختلفة ليستدل بها على ان المسلم يرث عن غير المسلم:

أحدها- قوله: الإسلام يزيد ولا ينقص، ثانيها- لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

ثالثها- الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. اما قوله «فالإسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرا» فالظاهر انه تفريع على الرواية الاولى، والذي يؤيد ذلك ما رواه في الوسائل في هذا الباب‌ بعينه عن «معاذ» انه ورث المسلم عن أخيه اليهودي- وكان عندئذ باليمن- وقال:

سمعت رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) يقول: الإسلام يزيد ولا ينقص فاستدل معاذ بهذه الرواية على ان المسلم يرث عن أخيه اليهودي فعلى هذا ليس مجموعها رواية واحدة واردة في باب الإرث مشتملة على نفى الضرر والضرار كي تعد رواية مغايرة لغيرها من الروايات. ويؤيده أيضا ما رواه «الحاكم» في المستدرك «4» عن النبي (صلى الله عليه واله) الإسلام يزيد ولا ينقص، مجردا عن هذا الذيل اعنى قوله لا ضرر ولا ضرار.

7- ما رواه المحدث النوري في المستدرك «5» عن دعائم الإسلام عن ابى عبد اللّٰه (عليه السلام) انه سئل عن جدار الرجل وهو سترة بينه وبين جاره، سقط عنه، فامتنع من بنائه قال: ليس بجبر على ذلك الا ان يكون وجب ذلك لصاحب الدار الأخرى بحق أو بشرط في أصل الملك، ولكن يقال لصاحب المنزل اشتر على نفسك في حقك إن شئت، قيل له:

فان كان الجدار لم يسقط ولكنه هدمه أو أراد هدمه إضرارا بجاره لغير حاجة منه الى هدمه، قال: لا يترك «6» وذلك ان رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) قال: لا ضرر ولا ضرار، وان هدمه كلف ان يبنيه.

و لكن لا يظهر من هذه الرواية ان هذه الفقرة كانت مذكورة في كلام النّبي (صلى الله عليه واله) مجردة عن غيرها فلعله (عليه السلام) أخذه من قول النّبي (صلى الله عليه واله) الوارد في قضية سمرة بن جندب بعنوان كبرى كلية يستدل بها على مورد السؤال، وهذا أمر جائز للإمام (عليه السلام) كما يجوز لغيره فلا يجوز الاستشهاد بهذه الرواية على كون هذه الفقرة قضية مستقلة من قضايا النّبي (صلى الله عليه واله) كما قد يتوهم. فكن على بصيرة منه، حتى أحدث لك منه ذكرا.

8- ما رواه في المستدرك أيضا عن دعائم الإسلام عن أبي عبد اللّٰه عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) ان رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) قال: لا ضرر ولا ضرار.

وهذه أيضا- كالتي قبلها- لا تدل على كون الفقرة المذكورة كلاما مستقلا من كلمات النّبي (صلى الله عليه واله) وقضاء أغير ما ورد في ذيل رواية سمرة.

9- ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام):

في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع، فاشتراه رجل بعشرة دراهم وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد، فقضى ان البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير قال فقال :

لصاحب الدرهم خمس ما بلغ، فان قال: أريد الرأس والجلد فليس له ذلك، هذا الضرار وقد اعطى حقه إذا اعطى الخمس (رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة).

و يمكن عدّ هذه الرواية من الروايات العامة نظرا الى ظهور قوله «هذا الضرار» في كونه صغرى لكبرى كلية مفهومة من العبارة، كما هو المعمول في حذف الكبريات في مقام التعليل والاكتفاء بذكر صغراها فكأنه قيل: هذا الضرار ولا ضرار، أولا يجوز الضرار. واحتمال كون الكبرى المحذوفة مقيدة بقيود لم يكن المقام مقام ذكرها، لكونه من مصاديقها على كل حال، بعيد عن ظاهر العبارة كما لا يخفى على من لاحظ نظائرها، مضافا الى ان ظاهره كون التعليل بأمر ارتكازي عقلي ولا قيد في هذا الحكم بنظر العقل فتدبر، وكيف كان فهي دالة على نفى الضرار فقط فلو قلنا بالفرق بينه وبين عنوان الضرر كما هو الأقوى فلا تكون دالة على نفى الضرر.

هذه هي الروايات الدالة على هذا الحكم عموما.

و إليك بعض ما ورد في الموارد الخاصة المؤيدة لما سبق من العمومات:

10- ما رواه في الكافي عن محمد بن حفص عن رجل عن ابى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: سألته عن قوم كانت لهم عيون في أرض، قريبة بعضها من بعض، فأراد رجل ان يجعل عينه أسفل من موضعها الذي كانت عليه، وبعض العيون إذا فعل بها ذلك أضر بالبقية من العيون، وبعضها لا يضر من شدة الأرض قال فقال: ما كان في مكان شديد فلا يضر وما كان في أرض رخوة بطحاء فإنه يضر، وان عرض رجل على جاره ان يضع عينه كما وضعها وهو على مقدار واحد؟ قال: ان تراضيا فلا يضر، وقال يكون بين العينين ألف ذراع (رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب كتاب احياء الموات).

ويظهر من هذه الرواية ان الإضرار بالغير غير جائز حتى إذا كان منشأه التصرف في أمواله التي يتسلط على التصرف فيها كيف يشاء بمقتضى قاعدة تسلط الناس على أموالهم، فإن صاحب العين انما أراد التصرف في عينه المملوكة بأن يجعلها أسفل مما كانت فمنعه الامام (عليه السلام) من ذلك لما فيه من الإضرار بالعيون القريبة منها هذا ولكن لا عموم فيها يمكن التمسك به في غير موردها. نعم لا يبعد التعدي عنه الى غير البئر من التصرفات والى سائر الجيران والاملاك المتقاربة.

و قد عنون الفقهاء هذه المسألة في باب «حريم العين» من كتاب احياء الموات والمشهور بينهم ان حريم العين والقناة ألف ذراع في الأرض الرخوة وخمسمأة ذراع في الأرض الصلبة، ولكن المحكى عن الإسكافي والمختلف والمسالك ان حده ان لا يضر الثاني بالأول.

و كيف كان هذا الخلاف لا دخل له فيما نحن بصدده فإنه لا شك في ان الحكمة أو العلة في التحديد بالألف وخمسمأة على القول به هو رفع الإضرار، ولا يبعد القول بكفاية أحد الأمرين أعني البعد بالمقدار المذكور والعلم بعدم تضرر الجار، وتمام الكلام في محله.

ثمَّ لا يخفى ان منصرف الرواية هو ما إذا كان ترك ذاك التصرف موجبا لفوات بعض المنافع الزائدة المترقبة لمالك العين لا ما إذا كان يتضرر بتركه حتى يئول الأمر إلى تعارض الضررين، وليكن هذا على ذكر منك حتى نبحث عنه في بحث تعارض الضررين من التنبيهات الاتية إنشاء اللّٰه تعالى.

11- ما رواه الكليني بإسناده عن محمد بن الحسين قال:

كتبت الى ابى محمد (عليه السلام) رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل ان يحفر قناة أخرى إلى قرية له كم يكون بينهما في البعد حتى لا يضر إحديهما بالأخرى في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقّع (عليه السلام)، على حسب ان لا تضر إحديهما بالأخرى ان شاء اللّٰه (رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب إحياء الموات).

و هذه الرواية دالة على ان هذا الحكم، اعنى عدم جواز الإضرار بالغير- حتى بان يتصرف‌ الإنسان في ملكه أو ملك مباح فيلزم منه ضرر على غيره- كان مرتكزا في ذهن الراوي فلذا لم يسئل عن أصل الحكم وانما سئل عن صغراه بقوله: كم يكون بينهما في البعد حتى لا يضر إحديهما بالأخرى، ومنشأ هذا الارتكاز اما التعارف الخارجي وما هو الدائر بين العقلاء في أمثال هذه الموارد، واما عمومات لا ضرر، واما ما روى عن الأئمة السابقين عليهم السلام من لزوم التباعد بين العينين بألف أو خمسمأة ذراع على اختلاف الأراضي، مثل ما روى عن الصادق (عليه السلام) في الرواية السابقة.

وكيف كان فطريق الاستدلال بهذه الرواية هو عين ما هو بيانه في الرواية السابقة، الا ان مورد السؤال هناك هو خصوص التصرف في العيون المستحدثة من قبل، والسؤال هنا عن احداث عين جديدة في أرض قريبة من عين اخرى.

12- ما رواه بذلك الاسناد قال: كتبت الى ابى محمد (عليه السلام) رجل كانت له رحى على نهر قرية ، والقرية لرجل، فأراد صاحب القرية ان يسوق الى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذا الرحى، إله ذلك أم لا؟ فوقع عليه السلام: يتقى اللّٰه ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر أخاه المؤمن (رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب إحياء الموات).

و الظاهر ان صاحب الرحى كان له حق الانتفاع من ذاك النهر من قبل، والا كان تصرفه فيه عدوانيا وجاز لصاحب القرية نهيه عن التصرف فيه بمثل هذا وتعطيل رحاه حتى إذا لم يرد سوق الماء في غير ذلك النهر، فإن الناس مسلطون على أموالهم وعلى هذا سوق الماء في غير هذا النهر مزاحم لحقه ويكون تعديا عليه فالمنع منه استنادا الى هذه الجهة لا دخل له بما نحن بصدده، ولكن الذي يستقرب دلالة الرواية على المطلوب ان الامام (عليه السلام) لم يسند الحكم اليه، بل أسنده إلى عنوان آخر وهو عنوان الإضرار فقال: لا يضر أخاه المؤمن، ويستفاد منه حكم عام بعدم جواز إضرار المؤمن باخاه في كل الموارد وهو وان كان حكما تكليفيا في بادي النظر الا انه يستفاد منه الحكم الوضعي أيضا عند التأمل فتأمل.

13- ما رواه الكليني رضوان اللّٰه عليه عن عقبة بن خالد عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في‌ رجل اتى جبلا فشق فيه قناة فذهبت الأخر بماء قناة الأول قال فقال: يتقايسان «7» بحقائب البئر ليلة ليلة، فينظر أيتهما أضرت بصاحبتها، فإن رأيت الأخيرة أضرت بالأولى فلتعور ورواه الصدوق بإسناده عن عقبة بن خالد، وزاد: قضى رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) بذلك وقال: ان كانت الأولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الاولى سبيل (رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب إحياء الموات، وبمضمونه رواية أخرى عن الشيخ بإسناده عن عقبة بن خالد عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام) وفي مجمع البحرين «حقائب البئر» أعجازها، وهذه الرواية أيضا تدل على عدم جواز الإضرار بالغير وان كان بالاستفادة من أرض مباحة، حتى انه أمر بالاختبار والمقايسة والنظر الى ماء القناتين ليلة ليلة، فإن ثبت ان القناة الأخيرة تضر بالأولى فلتعور والا فلا، واما عدم حكمه بعور الاولى لو أضرت بالثانية فوجهه واضح لعدم صدق الإضرار عليه بعد اقدامه بنفسه على حفر قناته قرب الاولى الذي يكون معرضا لذلك عادة ولا يخفى ان المستفاد من هذه الرواية الحكم الوضعي أيضا‌ .

14- ما رواه في الكافي عن طلحة بن زيد عن ابى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال ان الجار كالنفس غير مضار ولا اثم (رواه في الوسائل في الباب 12 من كتاب احياء الموات).

و هي تدل على عدم جواز الإضرار بالجار بما لا يضر الإنسان بنفسه، وقوله:

ولا اثم لعل معناه انه لا يجوز ارتكاب الإثم في حق الجار وان كل إضرار به اثم، أو انه كفى في أداء حق المجاورة ان لا يضر به فاذا لم يضر به فلا اثم، ورواه المحدث الكاشاني قدس سره في الوافي في باب «حسن المجاورة» ثمَّ قال: لعل المراد بالحديث ان الرجل كما لا يضار نفسه ولا يوقعها في الإثم أو لا يعد عليها الأمر اثما، كذلك ينبغي ان لا يضار أخاه ولا يوقعه في الإثم أو لا يعد الأمر عليه اثما، يقال إثمه: أوقعه في الإثم، إثمه اللّٰه في كذا أعده عليه اثما انتهى كلامه.

15- ما رواه الطبرسي في المجمع مرسلا في تفسير قوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] من انه جاء في الحديث: ان الضرار في الوصية من‌ الكبائر (و رواه في الوسائل عنه في الباب 8 من أبواب الوصية) والظاهر منها- بقرينة سائر الروايات الواردة في ذلك الباب- ان الضرار في الوصية هو الوصية بتمام المال أو بأكثر من الثلث، ولا يخفى ان المستفاد منها عدم صحة هذه الوصية وعدم نفوذها، سيما بملاحظة الآية الشريفة فهي لا تدل على حكم تكليفي فحسب بل عليه وعلى الحكم الوضعي.

16- ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال بإسناده عن النّبي صلّى اللّٰه عليه وآله وسلم في حديث ومن أضر بامرأة حتى تفتدي منه نفسها لم يرض اللّٰه له بعقوبة دون النار- الى ان قال- ومن ضار مسلما فليس منا ولسنا منه في الدنيا والآخرة.

و غير خفي ان الفقرة الأخيرة مطلقة تدل على عدم جواز الإضرار بالمسلم مطلقا‌ .

17- ما رواه الكليني بإسناده عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (عليه السلام) :

في حديث : انه نهى ان يضار بالصبي أو تضار امه في رضاعه (رواه في الوسائل في باب أقل مدة الرضاع وأكثرها من أبواب أحكام الأولاد)، وفي ذيل هذا الباب رواية أخرى قريبة منها.

18- ما رواه الكليني أيضا بإسناده عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (عليه السلام) :

قال سالته عن الشي‌ء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره فقال: كل شي‌ء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه (رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات).

فحكم عليه السلام بان التصرف في الشارع المباح بما يوجب الإضرار بالغير موجب للضمان، وان كون الطريق عاما لا يمنع من هذا الحكم‌ .

19- ما رواه الشيخ بإسناده عن ابى الصباح الكناني عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

كل من أضر بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن (رواه في ذاك الباب بعينه) .

20- ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن زياد عن ابى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال:

لا ينبغي للرجل ان يطلق امرأته ثمَّ يراجعها وليس به فيها حاجة ثمَّ يطلقها، فهذا الضرار الذي نهى اللّٰه عز وجل عنه، الا ان يطلق ثمَّ يراجع وهو ينوي الإمساك (رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق).

وقوله فهذا الضرار الذي نهى اللّٰه عز وجل عنه إشارة إلى قوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وفي ذاك الباب بعينه روايات أخر في هذا المعنى فراجع.

هذه ما وصل إلينا من طرق الأصحاب عموما وخصوصا، وهنا روايات أخر خاصة وأرده في أبواب مختلفة يعثر عليها المتتبع قد طوينا الكشح عنها، والعمدة هي العمومات المتقدمة‌

و اما ما ورد من طرق العامة فهي روايات:

1- ما رواه أحمد في مسنده «8» قال حدثنا عبد اللّٰه، قال حدثنا أبو كامل الجحدري، قال حدثنا الفضيل بن سليمان، قال حدثنا موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى عن الوليد بن عبادة بن صامت عن عبادة قال: ان من قضاء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم ان المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار، والعجماء البهيمة من الانعام والجبار هو الهدر الذي لا يغرم، وقضى في الركاز الخمس، وقضى ان النخل لمن أبرها الا ان يشترط المبتاع، وقضى ان مال المملوك لمن باعه. الى ان قال: وقضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما، وقضى ان من أعتق شركاء في مملوك فعليه جواز عتقه ان كان له مال، وقضى ان لا ضرر ولا ضرار وقضى انه ليس لعرق ظالم حق، وقضى بين أهل المدينة في النخل لا يمنع نفع بئر، وقضى بين أهل البادية (المدينة خ ل) انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل الكلاء.

قال في المجمع: الجبار بالضم والتخفيف (كغراب) الهدر يعنى لا غرم، والعجماء البهيمة سميت بذلك لأنها لا تتكلم؛ والمعنى: ان البهيمة العجماء تنفلت فيتلف شيئا فذلك الشي‌ء هدر وكذلك إذا انهار على احد فهو هدر (يعنى لا غرامة في التلف في شي‌ء من هذه الموارد).

أقول: لا شك في ان هذه الأقضية صدرت في وقائع مختلفة ولكن «عبادة» ذكر متون الأقضية وحذف مواردها وجمعها في حديث واحد، ومضمونها من أقوى الشواهد‌ على ذلك، وعلى هذا فمن القريب جدا ان يكون قوله: «لا ضرر ولا ضرار» غير صادر عنه صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم مستقلا وبلا سابقة دعوى ولا منازعة، بل لعله كان ذلك قضاء في واقعة أو وقائع متعددة؛ نقله عبادة مجردا عنها، فيحتمل قريبا ان يكون بعينه ما ورد في قضية سمرة مع الأنصاري، أو ما ورد فيها وفي حكمي الشفعة ومنع فضل الماء (بناء على القول بوروده في ذيلها أيضا على ما سيأتي شرحه) وحينئذ لا يجوز لنا الأخذ بما يظهر منه بادي النظر من وروده مستقلا والاستدلال به على انه كان قضاء مستقلا فليكن هذا أيضا على ذكر منك.

2- ما أرسله ابن الأثير في النهاية انه صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم قال: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام واحتمال التقطيع في كلام ابن الأثير عند النقل أيضا قريب فلا يصح عده قضاء مستقلا.‌

3- وهنا عبارات مختلفة من محققي أصحابنا تدل على ان الحديث كان متفقا عليه بين العامة والخاصة:

منها ما ذكره العلامة قدس اللّٰه سره في التذكرة في المسألة الاولى من خيار الغبن، قال الغبن سبب الخيار للمغبون عند علمائنا وبه قال مالك واحمد لقوله صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم لا ضرر ولا ضرار في الإسلام انتهى.

و يظهر من عبارته ان مستند مالك واحمد أيضا في هذا الحكم هو حديث نفى الضرر، ولكن يحتمل ان يكون دليلا لمختاره ومختار الأصحاب فقط، وكيف كان فتمسك العلامة بهذا الحديث في هذا المقام شاهد على كونه معتمدا عليه عند العامة والخاصة ومنها ما افاده السيد أبو المكارم بن زهرة في الغنية في أواخر أبواب الخيار من كتاب البيع لإثبات حكم الأرش من قوله: ويحتج على المخالف بقوله (صلى الله عليه واله): لا ضرر ولا ضرار.

و منها ما افاده شيخ الطائفة في المسألة 60 من كتاب البيع من الخلاف في باب حكم خيار الغبن: دليلنا ما روى عن النّبي (صلى الله عليه واله) انه قال: لا ضرر ولا ضرار انتهى وليعلم انه قدس سره لم يذكر هنا قيد «في الإسلام» مع ذكره في كتاب الشفعة من الخلاف بعينه حيث قال: في المسألة 14 منه ان قوله النّبي صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم لا ضرر ولا ضرار في الإسلام يدل على ذلك فاذن يشكل الاعتماد على ذكره هذا القيد هناك والاستدلال به‌ على وجوده في متن الرواية.

و الحاصل ان أمثال هذه التعبيرات والاستدلالات في كتب العامة والخاصة تدل على كون هذه الرواية كالمجمع عليهم بينهم، حيث أرسلوها إرسال المسلمات.

و مما ينبغي التنبيه عليه هنا ان صاحب الوسائل قدس سره روى هذه الفقرة أعني قوله «لا ضرر ولا ضرار» مجردة عن غيرها في أبواب مختلفة من الوسائل مثل الباب 17 من أبواب الخيار، وقد يوهم ذلك انها رواية أو روايات أخر حتى يستند إليها في إثبات صدور هذه الفقرة مستقلة، ولكن هذه الشبهة تزول بسرعة بعد ملاحظة إسناد هذه الاخبار، فإن اسنادها بعينه اسناد رواية زرارة الواردة في قضية سمرة بن جندب، ورواية عقبة الواردة في قضاء رسول اللّٰه في منع فضل الماء فراجع، وديدن صاحب الوسائل في تقطيع الروايات معلوم لكل من له أنس بكتابه.

هذا ما وقفنا عليه من الروايات الدالة على هذه القاعدة عموما وخصوصا في كتب الفريقين، وقد تحصل منه ان هذه الفقرة (لا ضرر ولا ضرار) نقلها زرارة وأبو عبيدة الحذاء عن الامام الباقر عليه السّلام، وعقبة بن خالد عن الامام الصادق عليه السّلام، ورواها الصدوق والقاضي نعمان المصري مرسلا، وأرسله الشيخ والعلامة وابن زهرة رضوان اللّٰه عليهم في كتبهم إرسال المسلمات ومن طرق العامة رواه احمد مسندا وابن الأثير مرسلا.

وقد وردت روايات خاصة في مواضع شتى تؤيد مضمونها، فاذن لو لم ندع التواتر فيها- كما ادعاه فخر الدين في محكي الإيضاح من باب الرهن؛ فلا أقل انها من المستفيضات التي لا ينبغي التأمل في جواز الاعتماد عليها حتى من القائلين بعدم حجية خبر الواحد هذا تمام الكلام في مدرك القاعدة.

المقام الثاني في مفاد هذه القاعدة :

و قبل الشروع في بيان مفاد القاعدة ومغزاها‌ لا بد من تقديم أمرين لهما دخل تام في فهم معنى هذه الروايات.

الأول- قد عرفت ان قوله «لا ضرر ولا ضرار» مذيل في غير واحد من طرق الرواية بقوله (في الإسلام) فهل هذا القيد ثابت بطرق صحيحة يركن إليها، بحيث لو توقف استظهار بعض ما ذكر في معناها عليه يحكم به أم لا؟.

الذي يظهر بعد التأمّل التام في أسانيد الروايات ومضامينها ان تذييل الحديث بهذا الذيل غير ثابت. لما عرفت عند بيان الاخبار من عدم وروده إلا في مرسلة الصدوق «9» ومرسلة ابن الأثير «10» ومرسلة الطريحي في مجمع البحرين في مادة «ضرر» ذيل حديث الشفعة «11» لكن الظاهر انه سهو من قلمه الشريف لان حديث الشفعة مذكورة في جوامع أخبارنا بدون هذا القيد ولا شك انه أخذ الحديث منها، وفي كلام الشيخ في كتاب الشفعة في المسألة الرابعة عشرة «12» وقد عرفت انه نفسه نقله مجردا عن هذا القيد «المسألة الستين» من كتاب البيع، وفي كلام العلامة في التذكرة في المسألة الاولى من خيار الغبن «13».

و الانصاف ان شيئا من هذه المرسلات بل ولا مجموعها مع ما عرفت من السهو والاشتباه في غير واحد منها لم تبلغ حدا يمكن الركون عليها، فما يظهر من بعض كلمات‌ شيخ الشريعة الأصفهاني قدس سره من عدم وجود هذا القيد إلا في كلام ابن الأثير في النهاية وان كان مخالفا للواقع، لما عرفت من نقله في كلام الصدوق وكلام غير واحد من ائمة الفقه.

الا ان هذا المقدار غير كاف في إثباته، كما ان ما نقله من بعض معاصريه من دعوى التواتر في هذا القيد وإسناده إلى المحققين أيضا في غير محله، والحاصل ان إثبات هذه الزيادة بنقل من عرفت دونه خرط القتاد.

وعلى هذا لا تصل النوبة إلى ملاحظة التعارض بين طرق الرواية، وما ورد فيه هذه الزيادة وما لم يرد، حتى يقال بتقديم ما اشتمل على الزيادة، لما قرر في محله من تقديم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة، نظرا الى ان الزيادة سهوا من الراوي نادر الوقوع جدا بخلاف النقيصة.

فيؤخذ بما اشتمل على الزيادة، حتى يجاب عنه بما افاده المحقق النائيني بأن مبنى ذلك ليس إلا سيرة العقلاء؛ ولا يعلم بنائهم على تقديم أصالة عدم الزيادة في أمثال هذه المقامات التي يحتمل قريبا كون الزيادة من الراوي عند النقل بالمعنى لمغروسيتها في ذهنه، بمناسبة الحكم والموضوع، وملاحظة أشباهه من قوله: لا رهبانية في الإسلام، لا إخصاء في الإسلام، وغير ذلك من أمثالهما انتهى ما افاده ملخصا.

هذا مع انا لم نجد أصلا لهذا الأصل وما أشبهه مما ينسب الى بناء العقلاء فإنه ليس عندهم اثر من هذه الأصول التي تنسب إليهم بل الذي وجدنا منهم ان مدارهم في هذه المقامات، إذا أدت حاجتهم إليها في عمل أنفسهم، على الاطمئنان من اى طريق حصل وعند الاحتجاج مع خصومهم على قرائن لفظية أو حالية أو مقامية توجب الاطمئنان عادة لمن اطلع عليها، ولم نجد لهم تعبد خاص بتقديم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة، وان شئت اختبر نفسك عند مطالعة الكتب التي ترد عليك كل يوم فهل تأخذ بأصالة عدم الزيادة بعنوان أصل عقلائي ولو لم تفد الاطمئنان، والانصاف ان العقلاء لا يعرفون كثيرا من هذه الأصول التي تنسب إليهم وان بنائهم في هذه الموارد على الأخذ بما تطمئن به أنفسهم لا غير‌ واما التذييل بقوله «على مؤمن» فقد عرفت انه وارد في رواية ابن مسكان عن زرارة مجردة المروية في الكافي، ولكن عرفت ان ابن بكير روى هذه الرواية بعينها عن زرارة مجرد عن هذا القيد، وروى أيضا هذه القضية بعينها أبو عبيدة الحذاء عن الباقر عليه السّلام مجردة عنه، فأحد الروايتين عن زرارة وأبو عبيدة الحذاء نقلاه مجردا والراوي الأخر عنه نقله مقيدا فكيف يمكن الاعتماد على الأخير في إثباته، سيما مع ملاحظة انه ليس قيدا يهتم بشأنه في بادي النظر.

ثمَّ اعلم ان هذا البحث أعني زيادة «في الإسلام، أو على مؤمن» لو ثبت يترتب عليه بعض الفوائد الهامة، وليس كما افاده المحقق النائيني قده خاليا عن الفائدة؛ لظهور الفائدة في تنقيح مفاد الحديث وتأييد كون كلمة «لا» نافية؛ الذي استند اليه العلامة الأنصاري في إثبات حكومة القاعدة على العمومات، لا ناهية حتى يكون مفادها حكما فرعيا بعدم إضرار الناس بعضهم ببعض. بيان ذلك:

ان الجار والمجرور (أعني في الإسلام) هنا متعلق بفعل عام مقدر وعلى اصطلاح النحاة الظرف هنا ظرف لغو، والتقدير لا ضرر موجود في الإسلام؛ ومعناه انه لا يوجد حكم ضرري في أحكام الإسلام وهذا المعنى يوافق حكومة القاعدة على عمومات الاحكام، ولا يناسب كون لا ناهية بأن يكون معناه لا تضروا في الإسلام، لأن الإسلام ليس ظرفا لا ضرار الناس بعضهم ببعض الأعلى تكلف بعيد، والعجب من المحقق النائيني قدس اللّٰه نفسه حيث أنكر ذلك واعتقد بجواز إرادة النهي مع هذا القيد أيضا وكان الشبهة نشأت عن الخلط بين اصطلاح النحاة في الظرف، وبين الظرف والمظروف بمعناهما العرفي فراجع وتأمل وسيأتي تتمة لهذا الكلام عند تحقيق مفاد الحديث.

الثاني- لا يخفى على الناظر في روايات الباب ورود قوله «لا ضرر ولا ضرار» ذيل قضية سمرة ، وظاهر غير واحد منها وروده مستقلا أيضا، ولكن الإنصاف أنه ظهور بدوي يزول بالتأمل، فإن احتمال التقطيع فيها قوى جدا وقد أشرنا الى بعض ما علم التقطيع فيه، عند نقل الاخبار، هذا مضافا الى عدم اعتبار الطرق المشتملة على ذكر هذه القضية‌ مجردة عن غيرها، فلا يمكن الركون إليها.

و لكن ظاهر حديثي الشفعة ومنع فضل الماء المرويين عن عقبة بن خالد ورودها ذيل قضاء رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم في الشفعة ومنع فضل الماء، لكن قد وقع التشكيك من غير واحد من محققي الأصحاب في هذا الظهور واحتمل كونه من باب الجمع في الرواية، وأول من فتح باب هذا التشكيك العلامة الجليل شيخ الشريعة الأصفهاني قده فإنه إصرار على عدم ورودها في هاتين القضيتين وأتعب نفسه الزكية في جمع القرائن على ذلك، وتبعه المحقق النائيني وأيده بقرائن أخر.

و تظهر ثمرة هذا النزاع في تحقيق مفاد الحديث وانه نفى الأحكام الضرورية الحاكم على عمومات أدلة الاحكام، أو ان مفاده النهى عن إضرار الناس بعضهم ببعض؛ فإنه لو ثبت ورودها ذيل حديثي الشفعة ومنع فضل الماء كانت كالعلة لتشريع هذين الحكمين في الشريعة وهذا لا يناسب النهى بل يناسب النفي كما هو ظاهر.

و كيف كان فعمدة ما استند اليه المحقق المذكور في إثبات هذا المدعى المخالف لظاهر الرواية مقايسة قضايا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم المحكية عن طرق العامة المنتهية الى «عبادة بن صامت»، وما ورد من طرق الخاصة المنتهية في كثير من مواردها الى «عقبة بن خالد» فان توافقهما واتحادهما في كثير من عباراتهما مع خلو رواية «عبادة» من هذا الذيل مع انه نقل قضائه في الشفعة وفضل الماء بعينه، كما نقله «عقبة بن خالد» مما يضعف الاعتماد على هذا الظهور البدوي ويوجب قوة الظن بان الجمع بين هذه الفقرة وسائر فقرات الرواية كان من باب الجمع في الرواية من ناحية الراوي، لا انها صدرت في قضية واحدة عن النّبي صلّى اللّٰه عليه وآله، سيما مع كون عبادة ضابطا متقنا في نقل الأحاديث ومن خيار الشيعة على ما قيل.

كما انه لا يمكن الاستشهاد بظهور لفظة «فاء» في قوله «فلا ضرر ولا ضرار» في ذيل حديث منع فضل الماء في كون ما بعده متفرعا على ما قبله ومتصلا به، لما عرفت سابقا من ان النسخ المصححة من الكافي خالية عنها بل المذكور فيها هو الواو بدل الفاء (فراجع الروايات السابقة وتأملها) هذا ملخص ما أفاده العلامة الأصفهاني في كلام طويل له في رسالته المعمولة في المسألة، ولكن الإنصاف ان رواية عقبة بن خالد أقوى ظهورا في اتصال هذه الفقرة بقضائه صلّى اللّٰه عليه وآله في الشفعة ومنع فضل الماء من رواية عبادة في الانفصال، بيان ذلك:

انه لا شك لمن تأمل رواية عبادة بن صامت انه لخص قضايا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله وارتكب التقطيع فيها ولم ينقلها مع مواردها بل نقلها مجردة عن ذكر المورد، لأنا نعلم قطعا بعدم صدور هذه القضايا أو أكثرها عنه صلّى اللّٰه عليه وآله بلا مقدمة، بل كل واحد منها كان واردا في مورد خاص، مثل قضية سمرة بن جندب وشبهها؛ ولكن عبادة لخصها وجمعها في عبارة واحدة، ومن هنا يحتمل قريبا ان يكون قد حذف قوله لا ضرر ولا ضرار عن ذيل قضائه في منع فضل الماء؛ حيث لا يتفاوت معه المعنى حتى يعد خارجا عن حدود النقل بالمعنى المتداول بين الروات، واكتفى بذكر هذه الفقرة أعني لا ضرر بعنوان قضاء مستقل لوروده في موارد مختلفة.

و مما يقرب هذه الاحتمال انه لا شك في ورود «لا ضرر» في ذيل قضية سمرة ولكن عبادة لم ينقل موردها بل اكتفى بنقل قضائه بان لا ضرر ولا ضرار مجردا عن كل شي‌ء؛ فيستكشف من ذلك عدم اعتنائه بنقل هذه الخصوصيات، فاكتفائه بذكر هذه الفقرة مستقلة؛ عن تذييل قضائه صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم في الشفعة ومنع فضل الماء بها، قريب جدا.

هذا مع ان الكلام بعد في سند رواية عبادة بن صامت، فان مجرد توثيق عبادة لو ثبت لا يكفي في الاعتماد على الرواية، لاشتمال سندها على رجال آخرين لم يثبت لنا وثاقتهم لما عرفت من ان أحمد نقلها في مسنده بست وسائط عن عبادة؛ هذا كله مضافا الى ان الجمع بين الروايات في نقل واحد بهذا الوجه (بإلحاق حكم يكون كالكبرى برواية خاصة تكون كالصغرى له) غير معهود من الروات، بل هو أشبه بالفتاوى والاجتهادات التي تداولت بعد عصر الروات كما لا يخفى؛ فالحاصل ان صرف النظر عن ظهور رواية عقبة في ورود جميع فقراتها في واقعة واحدة وارتباط بعضها ببعض بأمثال هذه الاحتمالات مشكل جدا، ووجود «فاء التفريع» وان كان مؤيدا للاتصال ولكن عدمها لا يدل على عدمه، بل العطف بالواو أيضا ظاهر فيه وان كان‌ أضعف ظهورا من الفاء.

و قد تبع هذا المحقق على هذا القول، المحقق النائيني قدس سرهما في رسالته المعروفة واستدل له مضافا الى ما ذكره بوجوه أخرى:

أحدهما- أن أقضية النّبي صلّى اللّٰه عليه وآله مضبوطة عند الإمامية وأهل السنة، وبعد اتفاق ما رواه العامة عنه صلّى اللّٰه عليه وآله مع ما رواه أصحابنا عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام وبعد ورود «لا ضرر» مستقلا في طريقهم، يحدس الفقيه ان ما ورد في طريقنا أيضا كان قضاء مستقلا من دون ان يكون تتمة لحديثى الشفعة ومنع فضل الماء وانما الحقه بها عقبة بن خالد من باب الجمع في الرواية والثقل ثانيها- ان جملة «و لا ضرار» على ما سيجي‌ء من معناها لا تناسب حديث الشفعة ولا حديث منع فضل الماء فلا يحتمل تذييلهما بها في كلام النّبي صلّى اللّٰه عليه وآله.

ثالثها- ان بيع الشريك بغير رضا شريكه ليس مقتضيا للضرر فضلا عن ان يكون علة له فلا يصح تعليل فساده بحديث لا ضرر، وكذلك كراهة منع فضل الماء- على ما هو الأقوى من انه ليس وجه التحريم- لا يمكن تعليلها بلا ضرر، فيستكشف من هذا عدم كونه من تتمة الحديثين.

ثمَّ أورد على نفسه بإمكان كونه من قبيل العلة في التشريع (يعنى به حكمة الحكم فأجاب عنه بأن حكمه الاحكام لو لم تكن دائمية فلا أقل من لزوم كونها غالبية والحال انه ليس الضرر في موارد الشفعة ومنع فضل الماء غالبيا هذه خلاصة ما افاده.

هذا ولكن يدفع الأول ما عرفت آنفا من ان القرائن شاهدة على عدم كون هذه الفقرة قضاء مستقلا حتى يلزم خلو رواية عقبة عنها، بل الظاهر ان عبادة هو الذي حذف موردها أو مواردها وجعلها قضاء مستقلا؛ وليس عليه حرج لعدم كونه بصدد نقل جميع الخصوصيات كما تنادي به روايته.

و يشهد له أيضا ترك ذكر قضائه في حق سمرة بن جندب الذي وردت هذه الفقرة في ذيلها وكذلك عقبة بن خالد لم يذكر قضية سمرة وما حكمه النّبي صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم هناك، فلعله أو كل أمرها إلى شهرتها، أو لم يكن بصدد استقصاء جميع قضاياه صلّى اللّٰه عليه وآله فإنه لم يثبت لنا كونه بصدد ذلك، فلا «عقبة بن خالد» كان بصدد‌ استقصاء قضايا النّبي صلّى اللّٰه عليه وآله ولا «عبادة» كان بصدد بيان خصوصيات قضاياه.

ويجاب عن الثاني بأنه يمكن ان يكون ذكر «ولا ضرار» بعد قوله «لا ضرر» من قبيل الاستشهاد بثلث فقرات من حديث الرفع (رفع ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوه وما اخطأوا) في رواية البزنطي وصفوان عن ابى الحسن عليه السّلام الواردة في رجل اكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، فان مورد استشهاده عليه السّلام لم يكن جميع الثلاثة، بل خصوص رفع الإكراه، وهذا أمر شائع عند الاستشهاد بالقضايا التي تشتهر بعبارة مخصوصة وجيزة، فإنها كثيرا ما تنقل بجميعها في مقام الاستشهاد وان كان مورد الاستشهاد خصوص بعض فقراتها، فذكر لا ضرار في كلام النبي صلّى اللّٰه عليه وآله عقيب قوله لا ضرر عند قضائه في الشفعة أو منع فضل الماء، تتميما لهذه القضية التي اعتمد عليها في غير مقام لا ينافي عدم انطباقه على مورد الحديثين، وان هذا إلا مثل سؤال بعضنا عن بعض عن حكم النائم والجواب عنه بما ورد من رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ، مع ان مورد الاستشهاد احدى فقراتها فقط؛ هذا مضافا الى ان منافاة قوله «ولا ضرار» لمورد الحديثين غير واضح كما سيأتي البحث عنه إنشاء اللّٰه عند البحث عن معنى كلمتي الضرر والضرار فانتظر.

ويدفع الثالث ان حمل النهي في مسألة منع فضل الماء على الكراهة غير معلوم، بيان ذلك: ان القدر المتيقن من مورد الرواية هو ما إذا كان الممنوع في حاجة شديدة، ويشق عليه تحصيل ماء آخر لسقيه أو سقى مواشيه بحيث لو منع من فضل ماء البئر وقع في مضرة شديدة وحرج وضيق في المعيشة، ولا إطلاق لها يشمل غير هذه الصورة، فإنها واردة في حق أهل بوادي المدينة ومن ضاهاهم والظاهر ان الأمر بالنسبة إليهم، وتلك الابار في ذاك العصر كان من هذا القبيل ولا أقل من الشك فلا يمكن التعدي عنها الى غير هذه الموارد. ثمَّ انه لا يبعد من مذاق الشارع المقدس ان يأمر مالك البئر ان لا يمنع فضل مائه في أمثال المقام اما مجانا وبلا عوض أو في مقابل القيمة، على خلاف في ذلك بين القائلين بوجوب البذل كما عرفت شرحه عند نقل الأحاديث رعاية لمصالح جمع من ذوي الحاجة من المسلمين. وقاعدة تسلط الناس على أموالهم‌ وان كانت قاعدة مسلمة ثابتة عند الشرع والعقلاء؛ الا انه لا مانع من تحديدها من بعض النواحي من قبل الشارع المقدس، لمصالح هامة كما وقع التحديد من ناحية العقلاء في بعض الموارد، كيف وقد حددها الشارع في مواضع أخر؛ في مورد الاحتكار والأكل في المخمصة وأمثالهما.

ولا مانع من القول بوجوب بذل فضل الماء هنا كما صار اليه جمع من الفقهاء، هذا شيخ الطائفة قد أوجب على مالك البئر بذل فضل مائه مجانا حيث قال فيما حكى عن مبسوطه: «ان كل موضع قلنا فيه يملك البئر فإنه أحق بمائها بقدر حاجته لشربه وشرب ماشيته وسقي زرعه، فاذا فضل بعد ذلك شي‌ء وجب بذله بلا عوض لمن احتاج اليه لشربه وشرب ماشيته- الى ان قال- اما لسقي زرعه فلا يجب عليه؛ لكنه يستحب» وذكر في الخلاف نحوه، وفي المختلف حكايته عن ابن الجنيد وعن الغنية أيضا، فراجع.

نعم ظاهر المشهور عدم وجوب البذل ولعل الوجه فيه ترددهم في صحة أسانيد الروايات الدالة على هذا الحكم- كما حكى عن المسالك- أو استنادهم فيه الى عموم السلطنة وغيرها واستبعاد تخصيصها بأمثال هذه الروايات، واستيفاء البحث عن هذا الحكم موكول الى محله من كتاب «احياء الموات».

و الغرض من جميع ما ذكرنا ان القول بحرمة منع فضل الماء مما لا استبعاد فيه، كما ان انطباق عنوان الضرر على القدر المتيقن من مورد الرواية بالنظر الوسيع العرفي قريب جدا كانطباقه على مورد الاحتكار وشبهه؛ فاذن لا وجه للقول بان الذيل كان حديثا مستقلا وقع الجمع بينه وبين سائر فقرات الرواية من الراوي، فانطباق لا ضرر على مورد الرواية قريب بعد ملاحظة ما ذكرنا في توضيحه، والعجب ان المحقق النائيني قده لم يكتف بما ذكر حتى منع انطباق لا ضرر على مورد الرواية ولو بعنوان حكمة الحكم. مع ما عرفت من ان انطباقه على القدر المتقن من مورد الرواية بعنوان علة الحكم أيضا قريب فضلا عن حكمة الحكم. هذا كله مضافا الى ان التعليل بما يشتمل على حكم إلزامي لتأكيد الا وأمر الاستحبابية أو النواهي‌ التنزيهية المؤكدة غير بعيد، فمجرد كون الحكم المعلل غير إلزامي لا يكفى شاهدا للحكم بعدم تذييله بهذه العلة المشتملة علي حكم إلزامي فتدبر.

و اما حديث الشفعة فلا مانع من ورود لا ضرر فيه بعنوان حكمة الحكم والقول بأن الحكمة لا بد أن تكون امرا غالبيا، وليس الضرر الحاصل بترك الأخذ بالشفعة ولزوم بيع الشريك على شريكه كذلك ممنوع بعدم الدليل على لزوم كونها امرا غالبيا بل يكفى كونها كثير الوقوع، وان لم يكن غالبيا بل لا يبعد كفاية عدم كونها نادرا، الا ترى انه قد ورد في غير مورد من المناهي انه يورث الجنون أو البرص أو أمثال ذلك، مع ان هذه اللوازم ليست دائمية بل ولا غالبية.

و أضعف منه القول بان الضرر الناشي من ترك الشفعة اتفاقي نادر الوقوع- كما يظهر من بعض كلمات المحقق النائيني في رسالته الميل إليه- فإنه ممنوع جدا لما نشاهد من حال الناس وعدم رضائهم بأي شريك بل الذين يرضونهم للشركة أقل بمراتب بالنسبة الى من لا يرضونه. ولا شك لمن لا حظ حال الشركاء في المساكن والأرضين وغيرها انه لو لا حكم الشفعة وجاز للشريك بيع حصته ممن شاء عمن دون رعاية نظر شريكه، لوقع بين الناس من التشاجر والتنازع والبغضاء وفساد الأموال والأنفس ما لا يخفى.

نعم هذا الضرر ليس دائميا حتى يصلح لان يكون علة لهذا الحكم ولكنه يصلح ان يكون حكمة له بلا اشكال.

ولقائل أن يقول: كيف يجعل حكم واحد (مثل لا ضرر) علة في مقام مثل قضية سمرة؛ وحكمة في مقام آخر كما فيما نحن فيه؟ وقد أشار الى هذا الاشكال المحقق النائيني في رسالته وارتضاه.

لكن الإنصاف انه أيضا في غير محله لعدم المانع من ذلك أصلا، وهل ترى مانعا من جعل حفظ النفوس حكمة في باب القصاص والديات؛ وعلة في باب وجوب بذل الطعام عند المخمصة لمن لا يجد اليه سبيلا بل قد يكون حكم واحد في قضية واحدة علة من جهة وحكمة من اخرى، كما نريهم يسرحون بان الإسكار علة لتحريم الخمر ولذا يجوز التعدي عن الخمر إلى سائر المسكرات؛ مع ما يرى منهم انه من قبيل الحكمة من جهة المقدار والكم؛ وان «ما أسكر كثيره فقليله حرام»‌ كما ورد في عدة روايات، وحينئذ أي مانع من جعل قول الشارع «لأنه مسكر» مثلا علة في بعض المقامات وحكمة في أخرى مع جوازه في مقام واحد من جهتين.

ولا يتوهم ان ذلك يوجب اختلافا في معنى هذه الفقرة حتى يستبعد استعمالها في معنيين مختلفين (و لو في مقامين مختلفين كما في محل البحث) فان المعنى في الجميع واحد لا اختلاف فيه أصلا، وانما الاختلاف في كيفية التعليل بها ونحو ارتباط هذه الكبرى مع صغراها، فإنها قد تكون علة لتشريع حكم عام فتكون حكمة، ولا يجب دوران ذلك الحكم مدارها بل قد تتخلف عنها كما في حكم الشفعة، وفي بعض المقامات تكون ضابطة كلية تلقى الى المكلفين يدور الحكم معها حيثما دارت، واما تشخيص كون العلة من قبيل الأول أو الثاني فإنما هو من القرائن اللفظية والمقامية وكيف كان فلا يتوجه على الحديث إيراد من هذه الناحية أيضا.

وقد تحصل مما ذكرنا ان الاستشكال في مناسبة لا ضرر لمورد الحديثين ضعيف جدا، ولو بنى على أمثال هذه التشكيكات جرى الإشكال في كثير من الظواهر المرتبطة بعضها ببعض، والانصاف انا لو خلينا وأنفسنا لا نجد أي فرق بين هذين الحديثين وسائر الروايات الواردة في وقائع مختلفة المشتملة على ذكر التعليلات والكبريات، بل لعله لو لم يفتح باب هذا التشكيك ما كان يبدو في أذهانهم قدس اللّه أسرارهم شي‌ء من هذه الإيرادات وانما حصلت ما حصلت بعد إبداء هذا الاحتمال.

وإذ قد عرفت ذلك فلنرجع الى بيان مفاد هذه الفقرة التي هي العمدة في مدرك هذه القاعدة، والبحث عنها تارة يكون حول مفردات الحديث اعنى كلمتي «الضرر» و«الضرار» واخرى في معنى الجملة، فيقع البحث في مقامين:

الأول في معنى الضرر والضرار :

قد اختلف عبارات اللغويين في معناهما فاما الضرر:

فعن «الصحاح» انه خلاف النفع.

وعن «القاموس»: انه ضد النفع وانه سوء الحال.

وعن «النهاية» و«مجمع البحرين»: انه نقص في الحق.

وعن «المصباح» انه فعل المكروه بأحد والنقص في الأعيان.

وذكر الراغب في «مفرداته» انه سوء الحال، اما في النفس لقلة العلم والفضل واما في البدن لعدم جارحة ونقص، واما في الحال من قلة مال وجاه «14».

والظاهر ان الاختلاف بين هذه التعبيرات من جهة وضوح معنى الكلمة لا لاختلاف في معناها، بل الرجوع الى أقوال أهل اللغة- لو قلنا بحجية قول اللغوي- في أمثال هذه المقامات التي يكون المعنى ظاهرا عند أهل العرف يعرفه كل من انس بهم ولو من غير أهل لسانهم، مشكل، لان الرجوع إليهم من باب رجوع الجاهل الى العالم وأهل الخبرة، وهنا ليس كذلك لان كل من يزاول هذه اللغة كمزاولتنا يكون من أهل الخبرة بالنسبة إلى أمثال هذه اللغات الدارجة، بحيث يحصل له من تتبع موارد استعمالاتها الكثيرة نوع ارتكاز بالنسبة إلى معناها اللغوي يمكنه الرجوع اليه عند الشك في بعض مصاديقه؛ مضافا الى انه ليس من دأب اللغويين التعرض لخصوصيات معنى هذه اللغات اتكالا على وضوحها، فاللازم علينا الرجوع الى ما ارتكز في أذهاننا وأذهان أهل العرف من معناها.

و الذي نجده من ارتكازنا الحاصل من تتبع موارد استعمالات هذه الكلمة ان معناها هو «فقد كل ما نجده وننتفع به من مواهب الحيات من نفس أو مال أو عرض أو غير ذلك» وما قد يقال بعدم صدقه في موارد فقد العرض كما ترى نعم استعماله في بعض موارد فقد العرض قليل، بل الظاهر صدقه في موارد اجتماع الأسباب وحصول المقتضى لبعض وتلك المنافع إذا منع منه مانع، كما ان الظاهر انه مقابل للنفع كما يشهد به كثير من آيات الذكر الحكيم مثل قوله تعالى {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ } [البقرة: 102] وقوله :

{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ} [الحج: 12] ، وقوله {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} [الحج: 13] ، وقوله عز من قائل {لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا } [الرعد: 16] ؛ الى غير ذلك.

هذا والأمر فيه سهل بعد إمكان الرجوع الى ما ارتكز في الذهن من تتبع موارد‌ استعمالاته عند الشك في بعض مصاديقه فان الرجوع الى هذا الارتكاز يغني عن إتعاب النفس في تحصيل ضابطة كلية له.

واما الضرار فهو مصدر باب المفاعلة من ضاره يضاره؛ وذكر في معناه أمور:

الأول- انه فعل الاثنين والضرر فعل الواحد.

الثاني- انه المجازاة على الضرر.

الثالث- انه الإضرار بالغير بما لا ينتفع به بخلاف الضرر فإنه الإضرار بما ينتفع.

الرابع- انهما بمعنى واحد.

ذكر هذه المعاني الأربعة في «النهاية» وظاهرها انه مشترك لفظي بين هذه المعاني.

الخامس- انه بمعنى الضيق ذكره في القاموس.

السادس- انه الإضرار العمدي والضرر أعم منه؛ مال اليه المحقق النائيني في آخر كلامه بعد ان جعلهما بمعنى واحد في أول كلامه ولذا احتمل كونه للتأكيد في محل الكلام والتحقيق ان المعنى الأخير أقرب من الجميع فإنه الذي يظهر بالتتبع في موارد استعماله في الكتاب العزيز والروايات قال اللّه تعالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] فان قوله لِتَعْتَدُوا من أقوى الشواهد على ان الضرار هنا بمعنى التعمد في الضرر بقصد الاعتداء وقد مر في رواية العشرين من الروايات السابقة ما يؤيده ويؤكده وقوله تعالى {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] وقد مر ان المعروف في تفسيرها انه تعالى نهى عن إضرار الا بولدها بترك إرضاعه غيظا على أبيه وعن إضرار الأب بولده بانتزاعه عن امه طلبا للإضرار بها.

و قوله تعالى {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] وكونه بمعنى الإضرار العمدي بالسحر واضح، وقوله عز من قائل {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12] وقد مر ان المعروف في تفسيرها النهى عن الإضرار بالورثة بإقراره بدين ليس عليه‌ دفعا لهم عن ميراثهم.

و قوله تعالى {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] نهى عن الإضرار بالمطلقات والتضييق عليهن في النفقة والسكنى طلبا للإضرار بهن. وقد مضى في الحديث التاسع من الأحاديث السابقة المروية عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام من ان البعير المريض إذا برء وطلب الشريك الرأس والجلد فهو الضرار، ولا يخفى انه إذا ازدادت القيمة بالبرء ومع ذلك طلب الرأس والجلد فليس الا لقصد الإضرار بصاحبه بل الظاهر ان قوله في رواية سمرة: انك رجل مضار ناظر الى هذا المعنى فإن القرائن تشهد على انه لم يقصد بعمله إلا الإضرار بالأنصاري فهذا المعنى أقرب معانيه.

و اما احتمال كونه فعل الاثنين فالظاهر انه بملاحظة كونه من باب المفاعلة، ولكنه قياس في غير محله لعدم استعماله في شي‌ء من الموارد التي أشرنا إليها آنفا في هذا المعنى.

و اما كونه بمعنى المجازاة على الضرر، فلعله مأخوذ من سابقة وهو أيضا ضعيف لما عرفت.

و اما كونه بمعنى الإضرار بالغير بما لا ينتفع، فالظاهر انه من لوازم المعنى المختار في كثير من الموارد فهو من قبيل ذكر الملزوم وارادة اللازم.

و اما كونهما بمعنى واحد فهو في الجملة صحيح على ما ذكرنا لان الضرر أعم من العمدي وغيره فيتصادقان في العمدي ويفترقان في غيره.

و اما كونه بمعنى «الضيق» كما ذكره في القاموس بناء على ان المراد منه الإيقاع في الحرج والكلفة في مقابل الضرر الذي هو إيراد نقص في الأموال والأنفس (كما قد يفسر بذلك) فهو أيضا مما لا يمكن المساعدة عليه، فإنه لا يلائم موارد استعماله، فان قوله تعالى {أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12]

 ناظر إلى الإضرار بالورثة ضررا ماليا بان يوصي بوصية أو يقر بدين ليس عليه، منعا لهم عن حقهم كما عرفت في أوائل الكتاب، ولو قيل ان هذا عين الإلقاء في الضيق والكلفة قلنا بان جميع موارد إيراد النقص في الأموال والأنفس‌ من هذا القبيل.

وقد مر في الرواية الخامسة عشرة أيضا: ان الضرار في الوصية من الكبائر، وهو أيضا مستعمل في هذا المعنى أعني إيراد النقص المالى على الغير، وقد مر في رواية هارون بن حمزة الغنوي (الرواية العاشرة) استعماله في مورد الضرر المالى، وأيضا قوله تعالى {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يشمل الضرر في الأموال والأنفس بلا إشكال فإنه من أوضح مصاديق السحر وقد استعمل الضرر أيضا في هذا المورد بعينه في قوله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ }.

و بالجملة القرائن الكثيرة المستفادة من موارد استعمال هذه الكلمة تؤكد كونها بمعنى التعمد في الضرر.

و اما سائر المعاني المذكورة فهي اما ناشئة من توهم كونه بين الاثنين لكونه مصدرا لباب المفاعلة واما تكون من لوازم المعنى المختار أو غير ذلك من الأمور التي لا يسعنا الاعتماد عليه. هذا تمام الكلام في معنى كلمتي «الضرر» و«الضرار»‌

الثاني -  في معنى الحديث ومفاده :

اعلم ان في معنى الحديث الشريف احتمالات قال بكل منها قائل:

الأول - ان معنى نفى الضرر نفى الأحكام الضررية :

اما بان يكون مجازا من باب ذكر المسبب وارادة السبب كما يظهر من شيخنا الأعظم العلامة الأنصاري فإن لزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون وكذا الحكم بجواز دخول سمرة دار الأنصاري بغير اذنه موجب للضرر (وان كان له حق العبور في الجملة) فنفى الضرر هنا بمعنى نفى ذلك الحكم الوضعي أو التكليفي المستلزم له ، وهكذا في سائر المقامات واما يكون إطلاق الضرر على الحكم الموجب له من باب الحقيقة الادعائية؛ كما هو الشأن في جميع المجازات على قول جمع من المحققين، واما من باب الإطلاق الحقيقي بلا احتياج الى الادعاء كما اختاره المحقق النائيني قدس سره.

الثاني- انه من قبيل نفى الحكم بلسان نفى الموضوع :

بان يكون نفى الضرر كناية عن نفى احكام الضرر في الشريعة، اختاره المحقق الخراساني قدس سره في‌ الكفاية وفي حاشيته على الفوائد، ولكن الظاهر ان مختاره في الكتابين وان كان متقارب المضمون الا ان بينهما فرقا من حيث ان ظاهر كلامه في الأول ان نفى الضرر كناية عن نفى جميع احكامه، وظاهر الثاني انه كناية عن نفى الإضرار بالغير أو تحمل الضرر عنه خاصة، فراجعهما وتأمل.

الثالث- ان يكون المراد من نفى الضرر نفى صفة من صفاته :

اعنى «عدم التدارك» فقوله: لا ضرر اى: لا ضرر غير متدارك موجود في الشريعة، حكاه العلامة الأنصاري في رسالته المطبوعة في ملحقات المكاسب من بعض الفحول ولم يسمه. وهذه الاحتمالات الثلاثة تبتنى على إرادة النفي من لفظة «لا».

الرابع- ان يكون المراد منه النهى عن إضرار الناس بعضهم ببعض :

بان يراد من لفظة «لا» النهى، اختاره جمع من اعلام المتأخرين وفي مقدمهم علامة عصره شيخ الشريعة الأصفهاني في رسالته التي صنفها في هذه القاعدة وهي رسالة نافعة مشتملة على فوائد جمة من أشباه التركيب أيضا بما سيأتي الإشارة اليه، ومن كلمات أئمة اللغة أيضا.

فهذه أقوال أربعة في معنى الحديث، لو لم نجعل ما ذكره المحقق الخراساني في الحاشية والكفاية قولين مختلفين، ويختلف مفادها ونتائجها: فعلى الأخير يسقط الحديث عن الاستدلال به في الأبواب المختلفة من الفقه بالكلية، ولا يستفاد منه الا حكم فرعى تكليفي بعدم جواز إضرار الناس بعضهم ببعض؛ وعلى الثالث لا يستفاد منه إلا لزوم الغرامة والتدارك في موارد الإضرار، واما على الأولين يكون مشتملا على قاعدة عامة حاكمة على عمومات الاحكام الأولية بما سنتلو ذكره إنشاء اللّه، ولكن الحق انه لا تظهر ثمرة مهمة بين هذين كما ستعرف.

المختار في معنى الحديث :

ولنذكر أولا ما قيل أو يمكن ان يقال في توجيه كل واحد من المعاني المذكورة حتى تكون على بصيرة من أمرها، ثمَّ لنبحث عما هو المختار سواء أ كان بين هذه المعاني أو معنى آخر سواها فنقول ومن اللّه الهداية‌ أما المعنى الرابع فغاية ما يمكن ان يقال في توجيهه ما ذكره شيخ الشريعة الأصفهاني في رسالته، فإنه (قده) انتصر له باوفى البيان واتى بما لا مزيد عليه وإليك نص عبارته :

«ان حديث الضرر محتمل عند القوم لمعان: أحدها ان يراد به النهى عن الضرر، فيكون نظير قوله تعالى {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وقوله تعالى {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ} [طه: 97] ، اى لا يمس بعض بعضا فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع لا يمس أحدا؛ ولا يمسه احد؛ عاقبه اللّه تعالى بذلك وكان إذا لقي أحدا يقول: لا مساس! اى لا تقربني ولا تمسني، ومثل قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام، وقوله لا جلب ولا جنب ولا اعتراض، وقوله لا إخصاء في الإسلام ولا بنيان كنيسة وقوله لا حمى في الإسلام، وقوله ولا مناجشة، وقوله لا حمى في الأراك؛ وقوله لا حمى الا ما حمى اللّه ورسوله، وقوله لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل، وقوله لا صمات يوم الى الليل، وقوله لا صرورة في الإسلام، وقوله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقوله لا هجر بين المسلمين فوق ثلثة أيام وقوله لا غش بين المسلمين.

هذا كله مما في الكتاب والسنة النبوية، ولو ذهبنا لنستقصى ما وقع من نظائرها في الروايات واستعمالات الفصحاء نظما ونثرا لطال المقال وادى الملال، وفيما ذكرنا كفاية في إثبات شيوع هذا المعنى في هذا التركيب، اعنى تركيب «لا» التي لنفى الجنس وفي رد من قال في إبطال احتمال النفي ان النفي بمعنى النهى وان كان ليس بعزيز الا انه لم يعهد من مثل هذا التركيب».

ثمَّ ذكر في تأييد هذا المعنى في كلام له في غير المقام ما نصه: ولنذكر بعض كلمات أئمة اللغة ومهرة أهل اللسان تراهم متفقين على إرادة النهي لا يرتابون فيه ولا يحتملون غيره، ففي «النهاية الأثيرية»: قوله لا ضرر اى لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه؛ والضرار فعال من الضرر اى لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه، وفي «لسان العرب» وهو كتاب جليل في اللغة في عشرين مجلدا معنى‌ قوله لا ضرر اى لا يضر الرجل أخاه وهو ضد النفع وقوله لا ضرار اى لا يضار كل منهما صاحبه ؛ وفي «الدر المنثور» للسيوطي: لا ضرر اى لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه، ولا ضرار اى لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه، وفي «تاج العروس» مثل هذا بعينه، وكذا «الطريحي في المجمع» انتهى موضع الحاجة من كلامه.

هذا ولكن الإنصاف ان ما افاده هذا الشيخ الجليل العلامة المدقق غير كاف في إثبات مرامه، لأن إرادة النهي من لفظة «لا» فيما نقله من التراكيب المشابهة لحديث الضرر غير معلوم، بل الظاهر- كما يظهر بالتأمل- ان «لا» في جميعها حتى في قوله تعالى {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [البقرة: 197] ، وقوله تعالى «لٰا مِسٰاسَ» مستعملة في معنى النفي؛ فليس معنى قوله {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ، لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الحج، بل مفادها نفى وجود هذه الأمور عن ناحية الحج وان كان لازمه النهى عنها ولكن بينه وبين ما افاده من استعمال «لا» في النهي فرق ظاهر ستطلع على آثاره عند بيان المعنى المختار، والشاهد عليه ان المتبادر من أمثال هذه التراكيب عند العرف الساذج ليس إلا النفي فهل يحتمل احد ان قوله تعالى {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ، معناه المطابقي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الحج؟ ولعل منشأ الشبهة هو ما ذكرنا من ان النفي في كثير من هذه التراكيب كناية عن النهى فاشتبه المعنى الكنائي بالمعنى المطابقي، وسيظهر لك ان بينهما فرقا كثيرا من حيث النتيجة.

ثمَّ لا يخفى عليك ما في هذا التعبير الكنائي من لطف البيان وافادة المراد بوجه آكد، وان هذا الا نظير قول الرجل لخادمه: ليس في بيتي الكذب والخيانة ليعرفه بأبلغ البيان ان هذه الأمور مما لا ينبغي له ارتكابه في بيته ابدا ومن ارتكبها كان خارجا عن أهل البيت ويظهر ذلك بالرجوع الى الارتكاز الذي نعهده من مثل هذه التراكيب في العربية بل وفي غيرها من الألسنة، فإنا لا نشك بعد التأمل في موارد استعمالها ان كلمة «لا» ومعادلها من سائر اللغات في هذه الموارد استعملت في النفي الذي هو معناها الأصلي إذا دخلت على الاسم.

و من أقوى الشواهد على ذلك انه يصح تبديلها بغيرها من حروف النفي، فيقال‌ بدل قوله {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ، ليس في الحج رفث ولا فسوق ولا جدال فهل يمكن القول بان «ليس» أيضا استعملت في معنى النهى؟- هذا مضافا الى عدم إمكان إرادة النهي من بعض هذه التراكيب بوجه من الوجوه وهل يمكن ان يقال ان معنى قوله «لا إخصاء في الإسلام» هو «لا تخصوا في الإسلام» وهل لنا انس بهذا التعبير وهل الإسلام يمكن ان يكون ظرفا للاخصاء؟

واما ما نقله «قدس سره» عن أئمة اللغة فلعل نظرهم إلى النتيجة والمغزى لا الى المعنى المطابقي كما هو دأبهم في سائر المقامات لما قد عرفت من انا لا نضائق عن القول بإرادة معنى النهى بالمآل عن هذا النفي بعنوان الكناية وانما الكلام هنا في مفاد كلمة «لا» هذا مضافا الى ان حجية قولهم في أمثال هذه التراكيب التي نعلم وضع مفرداتها بل وهيئاتها في الجملة من دون الحاجة الى الرجوع إليهم مشكل ولو قلنا بحجية قول اللغوي.

هذا كله مع ما عرفت في مقدمات البحث من قوة احتمال ورود هذه الفقرة ذيل رواية الشفعة التي لا تناسب النهى أصلا بل ظاهرها النفي لجعلها كبرى كلية للحكم الوضعي المذكور في صدر الرواية ولو قلنا بورود قيد «في الإسلام» بعد قوله لا ضرر ولا ضرار كان ارادة النفي هنا أوضح كما مر في المقدمات.

واما المعنى الثالث فغاية ما يمكن ان يقال في توجيهه ان الضرر إذا كان متداركا لم يصدق عليه عنوان «الضرر» بنظر العرف وان صح إطلاقه عليه بالدقة العقلية فنفى الشارع للضرر على الإطلاق مع ما نرى من وجوده في الخارج دليل على ان جميع أنواع الضرر الحاصلة من ناحية المكلفين متداركة بحكم الشرع، وان فاعلها مأمور بتداركها وجبرانها ، والألم يصح نفيها، فهذا القيد اعنى «عدم التدارك» انما يستفاد من الخارج من باب دلالة الاقتضاء.

وأورد عليه العلامة الأنصاري قدس سره بعد عده اردء الوجوه بان الضرر الخارجي لا ينزل منزلة العدم بمجرد حكم الشارع بلزوم تداركه وانما يصح ذلك إذا كان الضرر متداركا فعلا وخارجا، واستحسنه المحقق النائيني (قده) وقال: انه حرى بالتحقيق‌ خصوصا لو أريد من لزوم التدارك وجوبه التكليفي من دون اشتغال ذمة الضار بشي‌ء، فإن مجرد حكم الشارع بوجوب تداركه لا يبرر عده كالعدم.

هذا والانصاف ان شيئا مما ذكراه- أعلى اللّه مقامهما- غير وارد على هذا الوجه بل لقائله أن يقول: ان النفي هنا بلحاظ عالم التشريع والخارج كما التزم به المحقق النائيني في بيان مختاره على ما عرفت في الوجه الأول؛ فالشارع لا يرى الضرر الذي حكم بتداركه من قبل الضار ضررا في عالم التشريع، لأنه متدارك فعلا بلحاظ حكمه، فلا يرى منه بهذا النظر عين ولا اثر فالتدارك فعلى بهذه الملاحظة لا شأنى.

ومنه تعرف انه لا فرق في ذلك بين الإلزام تكليفا بتدارك الضرر أو اشتغال ذمة الضار بشي‌ء لأن وجهة نظر الشارع في مقام التشريع في الحقيقة الى من يأتمر بأوامره وينتهى بنواهيه، ولو لا ذلك لم يكن لاشتغال الذمة أيضا أثر في عده كالمعدوم إذا فرضنا المكلف عاصيا غير معتن بتشريعات الشارع المقدس وأحكامه الوضعية والتكليفية.

نعم يرد على هذا الوجه أمران آخران يخربان بنيانه من القواعد: أحدهما- انه لو كان مراده النفي بلحاظ عالم التشريع (و قد عرفت انه لا مناص منه) فلا داعي لتقييد الضرر المنفي بغير المتدارك بل يجوز نفى وجود الضرر بهذا اللحاظ مطلقا فيرجع الى عدم جعل الأحكام الضررية كما هو مفاد الوجه الأول فلا تصل النوبة الى هذا الوجه، والحاصل انه لا دليل على تقييد نفى الضرر بغير المتدارك على كل حال ثانيهما ان التدارك في عالم التشريع بل وفي الخارج أيضا لا يكفي في سلب عنوان الضرر حقيقة عما هو مصداقه مع قطع النظر عن التدارك بل هو نوع من التسامح العرفي أو نحو من المجاز بلحاظ الاشتراك في الاثار، فان الضرر المتدارك في حكم العدم من جهة كثير من الاثار نعم لو كان التدارك من جميع الجهات والحيثيات بحيث لا يرى أهل العرف فرقا بين التالف والبدل في شي‌ء من الخصوصيات حتى من جهة الزمان بان يكون التدارك بعد التلف بلا فصل أمكن الحكم بسلب عنوان الضرر منه بالنظر العرفي وان كان ضررا بالدقة العقلية، ولكنه أيضا غير صاف عن شوب الاشكال.

و اما الوجه الأول فغاية ما يمكن ان يقال في تقريبه هو ما ذكره المحقق النائيني‌ في كلام طويل له في المقام حاصله:

«ان النفي في المقام وأشباهه من حديث الرفع ولا صلاة الا بطهور وغيرهما محمول على معناه الحقيقي بالنظر الى عالم التشريع، فإن الأحكام التكليفية وكذا الوضعية أمرها بيد الشارع ان شاء رفعها وان شاء وضعها، فالنفي إذا تعلق بحكم شرعي يكون نفيا حقيقيا لارتفاعه واقعا في عالم التشريع، هذا بالنسبة إلى النفي، واما إطلاق «الضرر» على الأحكام المستلزمة له فهو أيضا حقيقي، لأن إطلاق المسببات التوليدية كالإحراق على إيجاد أسبابها شائع ذائع، فمن ألقى شيئا في النار يقال انه أحرقه، قولا حقيقيا.

وحينئذ نقول: كما ان الشارع إذا حكم بحكم شرعي وضعي أو تكليفي يوجب الضرر على المكلفين يصدق انه أضر بهم وليس هذا إطلاقا مجازيا، فكذا إذا نفاه يصدق عليه انه نفى الضرر عنه، نعم لو كانت الأحكام الشرعية من قبيل المعدات للضرر لا من قبيل الأسباب، أو كان من قبيل الأسباب غير التوليدية كان اسناد الضرر الى من أوجدها إسنادا مجازيا، ولكن الأحكام الشرعية ليست، كذلك بل حكم الشارع بالنسبة إلى محيط التشريع كالسبب التوليدي لا غير، اما في الأحكام الوضعية فواضح، فان حكم الشارع بلزوم البيع الغبني مثلا يوجب إلقاء المغبون في الضرر وكذا في أشباهه واما في الأحكام التكليفية فإسناد الإضرار فيها الى الشارع انما هو بملاحظة داعي المكلف وإرادته المنبعثة عن حكم الشرع؛ ففي الحقيقة الحكم التكليفي سبب لانبعاث اراده المكلف وهي سبب للفعل، فهو أيضا من سنخ الأسباب التوليدية» هذه خلاصة ما افاده وقد لخصناه لطوله.

و يرد عليه أمور:

أولها- ان النفي بلحاظ عالم التشريع دون الخارج بنفسه نوع من المجاز، لأن ألفاظ النفي والإثبات موضوعة للوجود والعدم الخارجيين، اما الوجود والعدم في وعاء الاعتبار والتشريع فليسا وجودا وعدما حقيقيا، بل هما نوع من الوجود والعدم الادعائيين، فالحكم بالعدم على ما انعدم في ذاك العالم وبالوجود على ما وجد فيه؛ وكذا حمل‌ عنوان الضرر على الأحكام المجعولة فيها كلها تحتاج الى نوع من العناية والمسامحة، بل إطلاق العالم على ذاك العالم الفرضي الاعتباري أيضا من باب المجاز؛ غاية الأمر انها من باب الحقيقة الادعائية (و المجازات كلها أو جلها من هذا القبيل على المختار) فالشارع المقدس إذا اعتبر شيئا نفيا أو إثباتا في عالم التشريع فقد جعله فردا ادعائيا للوجود والعدم الخارجيين وأطلق الألفاظ عليه بهذه الملاحظة، والحاصل ان النفي في المقام وأشباهه ليس محمولا على معناه الحقيقي.

- كما افاده- لم تبق حاجة في توجيه انطباق عنوان «الضرر» على الأحكام الضررية إلى بحث الأسباب التوليدية، فإن جعل الأحكام الضررية؛ وضعية كانت أو تكليفية، بنفسه مصداق لعنوان الإضرار في وعاء التشريع لا سبب له، فان الجعل والاعتبار في عالم التشريع كالإيجاد في عالم التكوين، فمن شرع قانونا ضرريا فقد أضر بمن يشمله بنفس هذا الجعل وبعبارة أخرى: الحكم بجواز أخذ مال الغير بغير حق، بالنسبة إلى عالم التشريع كالأخذ منه في عالم الخارج، فكما ان أخذه منه بنفسه مصداق للضرر فكذلك الحكم بالجواز في عالم التشريع مصداق له بهذا النظر فبنفس هذا الحكم ينتزع منه المال في عالم الاعتبار ويعطى غيره ولا فرق فيه بين الأحكام التكليفية والوضعية، نعم لو كان النفي بلحاظ عالم التكوين مست الحاجة الى بحث الأسباب التوليدية في توجيه انطباق عنوان الضرر على الأحكام الضررية كما لا يخفى.

ثالثها- ان ما ذكره من كون الأحكام التكليفية من سنخ الأسباب التوليدية بتوسيط ارادة المكلفين المنبعثة من تلك الاحكام فهو أيضا في غير محله، فإن أفعال المكلفين وان استندت إلى إراداتهم الا ان إراداتهم مستندة الى اختيارهم- على ما هو التحقيق من بطلان الجبر- فليست الأحكام الشرعية عللا توليدية للإرادة بل العلة لها هو الاختيار والاحكام من قبيل المعدات والدواعي المؤكدة لاختيار احد الطرفين لا غير هذا مضافا الى انه لو تمَّ هذا البيان كان اللازم الحكم بصدق عنوان الضرر في عالم الخارج لا عالم التشريع لان انبعاث الإرادة عن الأحكام التكليفية يوجب تحقق الفعل‌ في الخارج، فنفى التكليف الضرري يستلزم نفى وجود الضرر في هذا الوعاء ولو من طريق إعدام إرادة المكلفين المنبعثة عنه، فكأنه وقع الخلط في كلامه قدس سره بين ظرفى الخارج والتشريع.

وهذه الإيرادات واردة على التقريب الذي اختاره المحقق النائيني في بيان الوجه الأول، واما ما يرد على هذا الوجه على جميع تقريباته ويهدم بنيانه من القواعد فهو: انه مبنى على ان الفاعل للضرر في قوله لا ضرر ولا ضرار هو الشارع المقدس بان يكون المنفي في الحقيقة إضرار الشارع بالمكلفين ، ومئاله الى نفى الأحكام المستلزمة للضرر فحاصل معنى الرواية على هذا انه لا ضرر ولا ضرار من ناحية الشارع على المكلفين فإنه لم يكتب عليهم أحكاما وضعية أو تكليفية توجب الإضرار بهم كلزوم البيع الغبني على المغبون ووجوب الوضوء والصوم الضرريين وغيرها من أشباهها؛ فنفى العبادات الضررية بهذه القاعدة تنادي بأعلى صوته بان الفاعل للضرر في هذه الفقرة عندهم هو الشارع لا غير.

مع ان هناك قرائن كثيرة تشهد على ان الفاعل هو الناس بعضهم ببعض، فالمنفي في الحقيقة نفى جواز إضرار بعضهم ببعض (وضعا أو تكليفا) لا أقول ان النفي بمعنى النهى كما اختاره المحقق الأصفهاني، بل هو بمعناه الأصلي ولكن المنفي هو الضرر الناشي من ناحية المكلفين، وسيأتي تحقيق هذا المعنى وبيان نتائجه عند بيان المذهب المختار إنشاء اللّه، والذي يدل على ان الفاعل في هذه الفقرة هو الناس لا الشارع المقدس أمور:

منها- ان قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم «انك رجل مضار» بمنزلة الصغرى لقوله «لا ضرر ولا ضرار» ولا شك ان الفاعل في هذه الجملة هو «سمرة بن جندب» فهو من أقوى الشواهد على ان الفاعل في الفقرة الثانية أيضا هم المكلفون لا غير.

ومنها- ان كلمة «ضرار» بما له من المعنى وهو الضرر العمدي الناشي عن الأغراض الفاسدة كما قويناه لا تناسب كون الفاعل هو الشارع المقدس قطعا ؛ لان احتمال إضرار الشارع بالمكلفين بهذا الوجه منفي مطلقا عند كل احد من غير الحاجة الى البيان‌ بل الذي يحتاج اليه هو نفى إضرار بعض المكلفين ببعض كذلك، مثل ما في قضية سمرة ومنها- قوله في ذيل رواية «منع فضل الماء» التي رواها عقبة بن خالد: «انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء وقال لا ضرر ولا ضرار» بناء على ان ورود هذه الفقرة ذيلها كما قويناه ظاهر في ان نفى الضرر والضرار بمنزلة التعليل للنهى عن منع فضل الماء، فكأنه قال لا يمنع صاحب البئر فضل مائه لما فيه من الإضرار بالممنوع، وإضرار الناس بعضهم ببعض منفي في الشريعة ، فظاهر هذه الرواية أيضا كون الفاعل، المكلفين واحتمال كونه هو الشارع يحتاج الى تكليف بعيد.

هذا مضافا الى ظهور كلمات أئمة اللغة في ذلك حيث انهم فسروه بما يرجع الى النهي عن الإضرار، ومن الواضح انه لا يتم الا على كون الفاعل هو الناس وقد عرفت عند التعرض لما اختاره المحقق الأصفهاني ونقده انه لا يستفاد من تفسيرهم ان لفظة «لا» استعملت في النهى وان كان كناية عنه فراجع، والحاصل ان هذه التفسيرات أيضا مؤيدة لما ذكرنا ، وكذا ما يظهر من ائمة الفقه ومهرته من التمسك بهذه القاعدة في أبواب المعاملات وما يحذو حذوها مما يرجع الى مناسبات بين الناس وليس التمسك بها في أبواب العبادات بهذه المثابة كما لا يخفى على من له انس بكلماتهم.

ومما ذكرنا يظهر حال الوجه الثاني من الوجوه المذكورة في معنى الحديث، حيث انه يشترك مع الوجه الأول من جهات شتى وان كان قابلا للتطبيق على المذهب المختار كما سنشير اليه فيما يلي.

فذلك الكلام في معنى الحديث :

قد عرفت مما ذكرنا في توضيح الوجوه التي ذكرها الاعلام في تفسير الحديث وما يتوجه إليها من الإيرادات أمورا:

الأول- ان كلمة «لا» هنا بمعنى النفي لا النهي .

لثاني- ان الفاعل للضرر في قوله «لا ضرر ولا ضرار» هو الناس لا الشارع المقدس .

الثالث- ان المنفي هو نفس الضرر والضرار لا الاحكام التي ينشأ منها الضرر ولكنه كناية عن عدم امضائهما في الشرع، ومن هذه الأمور يستنتج المذهب المختار في‌ تفسير الحديث.

بيان ذلك: ان ظاهر هذه الفقرة نفى وجود الضرر والضرار بين المكلفين، ولكن عدم صدق هذا المعنى في الخارج، مضافا الى قرينة المقام، وهو كونه صلّى اللّه عليه وآله بصدد بيان الحكم الشرعي والقضاء بين الأنصاري وسمرة بن جندب، يكون شاهدا على انه كناية عن عدم إمضاء هذا الفعل الضرري في الشريعة لا وضعا ولا تكليفا فكأنه إذا لم يمضه لا يرى منه عين ولا أثر في محيط التشريع؛ وان هو إلا نظير قول الرجل لخادمه لا يكون: في بيتي الخيانة والكذب وقول الزور، يعنى ان هذه الأمور غير مجازة عندي فكأني لا ارى منها عينا ولا أثرا؛ فنفى هذه الأمور كناية عن نفى إمضائها وعدم ترخيصها بوجه من الوجوه وكذا الكلام في أشباهه مثل قوله: لا رهبانية في الإسلام ولا إخصاء في الإسلام حيث ان المنفي فيها أيضا نفس هذه الافعال ولكنه تفيد نفى الترخيص والإمضاء بأبلغ الوجوه كما هو الشأن في جميع الكنايات.

و من ذلك تعرف ان مفاد الحديث لا ينحصر في النهي التكليفي عن الإضرار بالغير بل يعمه والأحكام الوضعية، فكما ان دخول سمرة بن جندب على الأنصاري بغير استيذان منه ضرر منهي عنه تكليفا فكذلك البيع الغبني إذا ووقع على وجه اللزوم بنفسه مصداق للضرر والإضرار فهو أيضا غير ممضى من ناحية الشرع وعدم إمضائه يساوق عدم نفوذه وتأثيره.

وهذا المعنى المختار وان وافق ما ذهب إليه الأكثر من حيث النتيجة في أكثر نواحيها الا انه يفارق عنه في أبواب العبادات الضررية من الوضوء والصوم الضرريين وما ضاهاهما، فعلى مختارهم يمكن نفى وجوبهما بهذه القاعدة ولكن على المختار لا يمكن لعدم أوله إلى الضرر والإضرار بين الناس وقد عرفت ان الفاعل للضرر المنفي هو الناس لا الشارع المقدس وهذا فرق ظاهر بين المذهبين من حيث النتيجة، فلا تغفل.

لا يقال-: ان قوله لا ضرر ولا ضرار وان لم يكن ناظرا الى غير الضرر الناشي من أفعال المكلفين ؛ من المضار الناشئة من احكامه تعالى، الا انه يمكن استفادة حكمه منه بالأولوية القطعية فإن الشارع إذا نهى عن إضرار الناس بعضهم ببعض ومن عليهم بهذا‌ الحكم كيف يرضى بالقائهم في الضرر من ناحية أو أمره ونواهيه؛ فاذن لا يبقى شك في ان تكاليفه لا تشتمل على ضرر؛ وان وجد ما ظاهره ذلك من عموم أو إطلاق يشمل موارد الضرر فاللازم تخصيصه وتقييده.

واما الأحكام المشتملة على الضرر دائما أو غالبا فضررها متدارك لا محالة بما فيها من المصالح الغالبة ويكشف عن ذلك حكمه بها مع هذا الحال فهي وان كانت ضررية بظاهرها، ولكن لا ريب في ان الشارع حكم بها لمصالح تفوق على ما فيها من المضار فالجهاد وان كان فيه تلف النفوس، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، الا ان فيه عز المسلمين وحفظ بيضة الإسلام وثغوره، واحكامه وحدوده وفيه من المنافع العاجلة والآجلة ما لا يحصى، ومن الواضح ان كون الشي‌ء نافعا أو ضارا تابع لا قوى الجهات الموجودة فيه من المنافع والمضار، ولا يزال العقلاء يقدمون على أمور فيها ضرر من بعض الجهات لمنافع أقوى تترتب عليها، ولا يسمونها ضررا وشرا بل يعدونها نفعا وخيرا، والحاصل انه لا بد من تقييد إطلاقات الأحكام الواردة في غير هذه الموارد وحصرها على غير موارد الضرر.

لأنا نقول: إذا كان حكم الشارع في الموارد التي تستلزم الضرر دائما أو غالبا كاشفا عن مصالح تربو على المضار الظاهرة فيها ومعه لا يكون الحكم ضرريا فليكن إطلاق حكمه أو عمومه في مثل الصوم والوضوء الشامل للصوم والوضوء الضرريين أيضا كاشفا عن وجود مصالح في هذه الموارد ينتفي معها عنوان الضرر، فالتمسك بالأولوية القطعية في هذه الموارد والتعدي من دليل نفى الضرر إليها بهذه الأولوية ممنوع جدا بعد عدم إحراز موضوع الضرر فيها بل وإحراز عدمه.

و من أقوى المؤيدات على ما ذكرنا من عدم شمول دليل نفى الضرر للعبادات الضررية وأمثالها من التكاليف التي ينشأ منها الضرر في بعض مصاديقها ان قدماء الأصحاب بل وكثير من متأخريهم (فيما حضرني من كلماتهم) مع استقامة أنظارهم في فهم المفاهيم العرفية من الكتاب والسنة لم يفهموا من قاعدة نفى الضرر شمولها لمثل هذه الاحكام ولم يستندوا إليها في أبواب العبادات الضررية، وانما استدلوا بها في أبواب المعاملات مثل خيار الغبن وغيره مما يرجع الى إضرار الناس بعضهم ببعض‌ فقط فهذا من المؤيدات القوية لما استظهرناه من ان دليل نفى الضرر لا يدل على نفى هذه الاحكام لا بمعناه المطابقي ولا بالأولوية القطعية، وإليك بعض ما حضرني من كلماتهم عاجلا ولا بد من التتبع والتأمل لكي يظهر حقيقة الحال.

قال شيخ الطائفة في المسألة 110 من كتاب الطهارة في باب أحكام الجبائر:

«انه إذا خاف التلف من استعمال الماء أو الزيادة في العلة يمسح عليها، ثمَّ قال دليلنا قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] وإيجاب نزع الجبائر فيه حرج، ثمَّ استدل بالإجماع وببعض الاخبار ولم يستدل بقاعدة لا ضرر، ومثله استدلاله في غير واحد من مسائل التيمم فراجع.

و قال المحقق في «المعتبر» في مسألة خوف زيادة المرض أو بطؤ برئه أو ظهور الشين في الأعضاء انه يجوز التيمم في هذه الحالات ثمَّ استدل له بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وغيره من الأدلة ولم يستدل بهذه القاعدة.

و كذا العلامة قد استدل في «التذكرة» بجواز التيمم عند خوف الشين في البدن باستعمال الماء بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ، ولم يستند إلى قاعدة نفى الضرر.

و افتى صاحب المدارك في مسألة من وجد الماء بثمن يضر بالحال بجواز التيمم، وذكر في تأييد هذه الفتوى بعد الاستدلال بالروايات بقوله {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وقوله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ، وهكذا في غير واحد من موارد الضرر في أبواب التيمم استدل بقاعدة نفى الحرج ولم يتعرض لقاعدة نفى الضرر أصلا.

فهؤلاء الاعلام وغيرهم رضوان اللّه عليهم مع استنادهم غالبا في أبواب المعاملات مثل مسألة خيار الغبن وغيرها بقاعدة نفى الضرر لا يستندون إليها- فيما حضرنا من كلماتهم- في أبواب العبادات الضررية وغيرها من التكاليف التي تكون من حقوق اللّه ولا ترجع إلى معاملة الناس بعضهم ببعض، وأظن أن الاستناد بهذه القاعدة في هذه الأبواب نشأ بين المتأخرين أو متأخري المتأخرين من الأصحاب، وقد عرفت ان القرائن‌ الكثيرة الموجودة في نفس روايات الباب تشرف الفقيه على القطع بعدم شمولها لها، وفتاوى الأصحاب أيضا شاهدة له، ولو تنزلنا منه وحكمنا باجمالها فاللازم أيضا الأخذ بالمتيقن منها فتبقى إطلاقات أدلة هذه التكاليف سليمة عن المعارض أو الحاكم.

هذا ولكن الذي يسهل الخطب إمكان الاستناد إلى قاعدة «نفى الحرج» في جل هذه الموارد فيستغنى بها عن غيرها ولكن مع ذلك تظهر الثمرة في موارد نادرة يصدق عليها عنوان الضرر دون الحرج فراجع وتأمل.

و هنا احتمال آخر في معنى الحديث يحكى عن بعض «أعاظم العصر» وهو ان مفاد هذه القاعدة حكم سلطاني بمنع إضرار الناس بعضهم ببعض، فإن للنبي صلى اللّه عليه وآله مقامات ثلثة: مقام النبوة وتبليغ الرسالة وهو من هذه الجهة مبلغ عن اللّه وحاك لاحكامه الظاهرية والواقعية، كالمجتهد بالنسبة إلى الأحكام الشرعية المستفادة من الكتاب والسنة، و«مقام القضاء» وذاك عند تنازع الناس في حقوقهم وأموالهم فللنبى القضاء وفصل الخصومة بينهم، و«مقام السلطنة» والرئاسة من قبل اللّه، نافذ امره ونهيه فيما يراه مصلحة للأمة كنصب أمراء الجيوش والقضاة وأشباهها.

و ظاهر ان حكمه صلى اللّه عليه وآله في قضية سمرة بنفي الضرر والضرار ليس من الأول ولا الثاني، لأنه لم يكن للأنصاري- ولا لسمرة- شك في حكم تكليفي أو وضعي في قضيتهما، أو تنازع في حق اختلفا فيه من جهة اشتباههما في المصاديق أو الحكم، وانما وقع ما وقع من الأنصاري في مقام الشكوى والتظلم والاستنصار منه صلى اللّه عليه وآله بما انه سلطان على المسلمين وسائسهم مع وضوح الحكم والموضوع كليهما، فأمره صلى اللّه عليه وآله بقلع النخلة حسما لمادة الفساد ثمَّ عقبه بقوله لا ضرر ولا ضرار، فهذا حكم سلطاني عام بعد حكمه الخاص؛ ومعناه انه لا يضر أحد أحدا في حمى سلطاني وحوزة رعيتي وعلى جميع الأمة إطاعته في ذلك والانتهاء بنهية، لا بما انه حكم من احكام اللّه بل بما انه حكم من قبل سلطان مفترض الطاعة ويشهد لهذا المعنى تصدير هذه الفقرة في رواية «عبادة بن صامت» المروية من طرق العامة بقوله: وقضى. الظاهر في هذا النوع من الحكم. هذا ملخص ما يحكى‌ عنه دام علاء في كلام طويل له في المقام.

ولكن لا يخفى على المتأمل انه لا يمكن عد هذا معنى آخر للحديث بل يئول الى المعنى الثالث من المعاني السابقة الذي اختاره شيخ الشريعة الأصفهاني قدس اللّه سره الشريف (من ارادة النهي من هذه الفقرة) غاية الأمر ان ظاهر القائلين بهذا المعنى هو النهي التشريعي على وزان سائر الأحكام الشرعية ومفاد هذا البيان كونه سنخا آخر من النهى سماه نهيا سلطانيا، ومن المعلوم انه لا يظهر ثمرة بينهما بعد وجوب امتثال كل منهما على جميع الأمة بلا تفاوت في ذلك، والظاهر انه دام علاه أيضا ليس بصدد ذلك بل بصدد بيان تقريب آخر في إثبات كون «لا» بمعنى النهى لا النفي خلافا للعلامة الأنصاري قدس اللّه سره واتباعه، فلا يكون هذه القضية ناظرة إلى نفى الأحكام الضررية وحاكمة عليها ولا يجوز الاستدلال بها لنفي الأحكام الضررية مطلقا ومع ذلك يرد عليه أولا- ان كون «لا» هنا ناهية خلاف التحقيق كما مر بيانه مشروحا وثانيا- انه ان كان مراده من مقام سلطنة النبي صلى اللّه عليه وآله ان له تشريعا كتشريع اللّه في الأحكام الكلية على الموضوعات الكلية كالسلاطين في سابق الأيام- وان كانت سلطنته حقة- إعطاء اللّه ذلك رعاية لمقامه السامي، فهذا كما ترى ولا يظن ان يكون هذا مراده.

وان أراد ان له مقام ولاية الأمر والحكومة الشرعية بمعنى ان «الأمور الخاصة الجزئية» التي ترتبط بمصالح الأمة، مما لا تندرج تحت ضابطة كلية، كنصب الولاة وأمراء الجيوش وعمال الصدقات وغيرها من أمثالها؛ كلها بيده وان تطبيق هذه الأمور على ما يراها مصلحة للعباد وتشخيص مصاديقها موكول الى نظره الشريف فهو وان كان من مقاماته قطعا؛ الا انه لا يشمل مثل «الضرر والضرار» وما أشبههما «من الموضوعات الكلية» التي لها في الشرع حكم كلى لا محالة وليست من سنخ تلك الأمور الخاصة التي لا تنضبط تحت قاعدة كلية يرد فيها حكم كلى كما هو ظاهر.

وبعبارة اخرى: ان مقام السلطنة والحكومة وان كانت من مقامات النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام؛ بل وحكام الشرع في الجملة بلا إشكال، الا انها تختص بأمور شخصية جزئية ترتبط بمصالح الأمة مما لا تندرج تحت ضابط كلى ولا يمكن تشريعها‌ في ضمن أحكام كلية، كنصب أمراء الجيوش والقضاء وجباة الصدقات وأمثالها مما لا يحيط الأحكام الكلية بجزئياتها وتختلف بحسب الأزمنة والظروف.

فهذه الأمور وان كانت أحكامها الكلية واردة في الشرع بنحو بسيط، مثل ما ورد في صفات القاضي وجابى الصدقة وغير ذلك، الا ان تشخيص مواردها وتطبيقها على مصاديقها موكولة إلى نظر السلطان وولى الأمر.

واما غير هذه الأمور من الأحكام الكلية الواردة على موضوعاتها الكلية فليست بيد السلطان بل بيد الشارع المقدس، وليس للنبي تشريع في قبال تشريع اللّه حتى يكون هناك تشريعان في الأحكام الكلية.

وان شئت قلت: ما من «موضوع كلى» الا وله حكم كلي في الشرع من قبل اللّه سبحانه ولا يبقى مورد لتشريع النبي صلى اللّه عليه وآله أحكاما كلية على موضوعاتها الكلية، وانما سلطانه صلى اللّه عليه وآله على تعيين مصاديقها، وتطبيق مصالح المسلمين على مواردها فيما يختلف باختلاف الظروف المختلفة، ومن المعلوم ان الضرر والضرار من الموضوعات الكلية التي تحتاج الى حكم كلى فليستا في حيطة سلطنة ولى أمر المسلمين بل في حيطة التشريع الإلهي لا غير.

نعم لو كان حكمه مقصورا على قلع شجرة سمرة أمكن القول بأنه من قبيل الأحكام السلطانية ولكن ليس كذلك.

وثالثا- الظاهر ان حكمه صلى اللّه عليه وآله في قضية سمرة كان من باب القضاء وكان المقام من مقامات التنازع في الحقوق والأموال، غاية الأمر انه قد يكون النزاع ناشيا من الجهل بالحكم واخرى من الجهل بمصاديقه.

والشاهد على ذلك ان سمرة- كما يظهر من الرواية- كان يدعى ان وجوب الاستيذان من الأنصاري تضييق في دائرة سلطنته فيما كان له من حق العبور الى نخلته، فلذا قال: أستاذن في طريقي إلى عذقي؟ والأنصاري يرى ان له إلزامه بذلك فشكاه إلى النبي صلى اللّه عليه وآله فقضى له عليه، ثمَّ ذكر حكما عاما شرعيا يستفاد منه أحكام أشباهه ويشهد بذلك ما ورد في الرواية من التعبير بالقضاء وذكره في ضمن أقضية النبي صلى اللّه عليه وآله في روايات الفريقين وقد كان هذا العنوان (عنوان القضاء) مستعملا في هذا المعنى من لدن زمن النبي صلى اللّه عليه وآله إذا كان محفوفا بقرينة الدعوى والشكوى والمنازعة.

تنبيهات :

قد ذكر غير واحد من الاعلام هنا تنبيهات بينوا فيها حدود هذه القاعدة ومجراها، وفروعا تستنبط منها، ومغزاها ورفع ما يورد عليها من الإيرادات؛ فنذكرها ونذكر ما عندنا فيها ثمَّ نعقبها بما أهملوا ذكرها من الأمور المهمة التي لها دخل في تحقيق حدود القاعدة وفروعها فنقول ومن اللّه سبحانه نستمد التوفيق:

التنبيه الأول هل هذه القاعدة موهونة بكثرة التخصيصات :

ذهب غير واحد من المحققين تبعا لشيخنا العلامة الأنصاري (قده) فيما أفاده في الفرائد الى ان هذه القاعدة وان كانت متينة سندا ودلالة الا انها موهونة بكثرة التخصيصات الواردة عليها، بحيث يكون الخارج منها أضعاف ما بقي تحتها، بل لو أريد العمل بها على عمومها حصل منها فقه جديد، ومن هنا يعلم بان لها معنى آخر غير ما يظهر لنا في بادي النظر لا يرد عليه تخصيص كثير، وعليه تكون القاعدة مجملة لنا، وعلينا الاقتصار في العمل بها على موارد عمل بها الأصحاب مما يعلم انحصار مدرك المسئلة عندهم بهذه القاعدة، لا غير.

وزعموا ان عملهم جابر لها، كأنه وصلت إليهم قرائن بينت لهم مغزاها ومفادها مما لم تصل إلينا، مع ان الناظر في كلماتهم يعلم علما قطعيا بعدم وصول شي‌ء آخر إليهم هنا عدا هذه الروايات المعروفة المشهورة، عملوا بظواهرها وبنوا عليها أحكاما كثيرة في مختلف أبواب الفقه، فراجع كلام شيخ الطائفة والعلامة وغير هما من نظرائهما من القدماء والمتأخرين في أبواب بيع الغبن وشبهها مما استندوا فيها بهذه القاعدة تجدها شاهدة صدق على ما ادعينا، فكيف يكون عملهم- والحال هذه- جابرا لهذا الضعف ودافعا لهذا الاشكال وقد شاع اليوم هذا النحو من الاستدلال في موارد كثيرة لم يتسير لهم حل‌ بعض الإشكالات الواردة على بعض القواعد فاستراحوا الى عمل الأصحاب، مع ان التدبر في كلماتهم يرشدنا الى ان أصحابنا الأقدمين لم يزيدوا علينا في كثير من هذه المباحث شيئا إلا صرافة الذهن وجودة النظر العرفي الموجبة لكشف مغزى كلماتهم عليهم السلام لهم.

وكأن هذا المعنى قد ألجأ شيخنا العلامة الأنصاري في بعض كلماته الى حل هذا الإشكال، تارة بمنع أكثرية الخارج منها وان سلم كثرته، واخرى بخروج ما خرج بعنوان واحد بناء على ما اختاره في أبواب العموم والخصوص من عدم استهجان كثرة التخصيص إذا كان بعنوان واحد.

وأورد عليه «المحقق الخراساني» في بعض حواشيه على الفرائد بأن خروج أفراد كثيرة بعنوان واحد انما يمنع من استهجان التخصيص إذا كانت افراد العام هي العناوين لا الأشخاص.

أقول- الظاهر ان تسالمهم قدس اللّه أرواحهم على كثرة ما خرج من عموم قاعدة لا ضرر انما نشأ مما يتراءى في بادي النظر من وجود احكام ضررية كثيرة في الشريعة كوجوب الأخماس والزكوات وأداء الديات وتحمل الخسارات عند الإتلاف والضمانات وغير ذلك مما تتضمن ضررا ماليا، وكوجوب الجهاد والحج وغير هما مما يحتاج الى بذل الأموال والأنفس؛ وكوجوب تحمل الحدود الشرعية والقصاص وأشباهها مما تتضمن ضررا نفسيا أو عرضيا فان هذه الأحكام ثابتة في الشريعة ظاهرة عند أهلها، خواصهم وعوامهم.

وفيه أولا- ان هذا الاشكال على فرض صحته (و لكنه غير صحيح كما يأتي) انما يلزم القائلين بكون مفاد القاعدة نفى الأحكام الضررية في الشريعة، واما على المختار من ان مفادها نفى إضرار الناس بعضهم ببعض وان الشارع لم يمض الإضرار في عالمى الوضع والتكليف فلا مجال له قطعا. نعم قد عرفت ان هذه القاعدة تدل بالملازمة والأولوية على انه لا ضرر من ناحية أحكام الشرع على احد؛ ومن المعلوم ان هذه الملازمة لا تنفى شيئا من الاحكام التي يتراءى منها الضرر، بل أقصى ما يستفاد منها هو ان هذه الاحكام، بعد ثبوتها وتحققها ولو بطرق ظاهرية، مشتملة على مصالح جمة تكون بلحاظها نافعا محبوبا لا ضارا مبغوضا؛ وما نراه من الضرر أحيانا بادي الأمر انما هو لعدم علمنا بمنافعها ومصالحها، والا فالعالم بفوائد الخمس والزكاة والديات يراها لازمة ببداهة عقله وحكومة فطرته لما فيها من المصالح.

وثانيا- نمنع كون هذه الاحكام كلها أو جلها ضررية بنظر العرف والعقلاء، فإن أشباهها أو ما يقرب منها متداولة معروفة بينهم؛ يحكمون بها ويرونها حقا نافعا لا ضارا باطلا، فإنهم لا يزالون يحكمون بلزوم بذل الخراج والعشور وان فيها صلاح المجتمع الذي يقوم صلاح الافراد بصلاحه ولا يحفظ منافعهم الا به، وقد استدل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بهذا الارتكاز العقلائي في عهده المعروف الى «مالك» حيث قال:

«فالجنود بإذن اللّه حصون الرعية وزين الولاة وعز المسلمين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثمَّ لا قوام للجنود الا بما يخرج اللّه لهم من الخراج الذي يقومون به على جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم».

وكذلك عندهم حدود وديات، يرون إجرائها صلاح المجتمع الذي يرتبط به صلاح كل فرد فرد منهم وان كانت في الانظار البادية الساذجة ضررية والحاصل ان جل هذه الأمور أو أشباهها موجودة عند العقلاء ولا يرون فيها ضررا بل يرونها نافعة، والقول بان العرف بالنظر البادى يحكم بكونها ضررية فيشملها قاعدة لا ضرر، ساقط جدا؛ لان العرف لو حكم بكونها مصاديق للضرر من باب المسامحة لا يلزمنا متابعته بعد ما يحكم بعدم كونها كذلك بعد تكرار النظر، وبالجملة الصغرى في جل الأمثلة المذكورة ممنوعة فإن بقي هناك موارد يصدق عليها عنوان الضرر بالنظر الغير المسامحي العرفي فلا شك انها طفيفة لا يلزم منها تخصيص الأكثر.

واما ما أفاده العلامة الأنصاري من كفاية الخروج بعنوان واحد في دفع محذور تخصيص الأكثر، وما ذكره «المحقق الخراساني» من ان ذلك انما يصح إذا كان ما تحت العام هي العناوين لا الافراد، فكلاهما ممنوعان، لما حققناه في محله من استهجان التخصيص ببعض مراتبه وان كان بعنوان واحد أو كان ما تحت العام هي العناوين لا الافراد؛ كما يظهر بمراجعة أمثلتها العرفية.

التنبيه الثاني هل في هذا الحديث شي‌ء يخالف القواعد؟

قال شيخنا العلامة الأنصاري (رضوان اللّه عليه) بعد نقل قضية سمرة: «و في هذه القصة إشكال من حيث حكم النبي صلى اللّه عليه وآله بقلع العذق مع ان القواعد لا تقتضيه ونفى الضرر لا يوجب ذلك- ثمَّ قال- لكن لا يخل بالاستدلال» انتهى كلامه.

وحاصل الاشكال عدم انطباق بعض ما ذكر في الرواية على هذه القاعدة ولا على سائر القواعد المعمولة، لأن أقصى ما يستفاد من قاعدة نفى الضرر هو لزوم استيذان سمرة من الأنصاري لما في تركه من الضرر عليه، واما قلع نخلته ورميها اليه عند إبائه عن الاستيذان فلا، مع ان ظاهر الرواية ان هذا الحكم معلل بالقاعدة المذكورة.

أقول- ويمكن الذب عنه بان الظاهر ان حكمه صلى اللّه عليه وآله بذلك كان من باب حسم مادة الظلم والفساد وإحقاق الحق؛ لأن النخلة لو بقيت- والحال هذه- كان الأنصاري دائما في عذاب وشدة، بل لعلها صارت منشأ لمفاسد أخر؛ فلم يكن هناك طريق لدفع شر «سمرة» وقطع ظلمه عن الأنصاري، الواجب على ولى أمر المسلمين؛ الا بقلع نخلته ورميها اليه وعليه يستقيم تعليل هذا الحكم بنفي الضرر لان ضرر دخول سمرة على الأنصاري بلا اذن منه إذا كان منفيا في الشريعة وانحصر طريق دفعه في قلع النخلة صح تعليل الحكم بقلعه بأنه لا ضرر ولا ضرار، فهو من قبيل التعليل بالعلة السابقة، فالتعليل في محله والاشكال مدفوع.

وغير خفي ان هذا الحكم لا يختص بالنبي صلى اللّه عليه وآله بل لحكام الشرع أيضا ذلك إذا لم يجدوا بدا منه في قطع يد الظالم وحفظ حق المظلوم.

فما افاده المحقق النائيني في المقام من ان القلع لعله كان من باب قطع الفساد لكونه صلى اللّه عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، في غير محله.

وذكر هذا المحقق طريقا آخر في دفع هذا الاشكال حاصله: ان الضرر وان كان ينشأ من دخول سمرة على الأنصاري بلا استيذان منه ولكن كان منشأ جواز دخوله هو استحقاقه لكون النخلة باقية في البستان، فالضرر وان نشأ عن الدخول الا انه كان معلولا لاستحقاق إبقاء النخلة، فرفع هذا الحكم انما كان برفع منشأ وهو استحقاق الإبقاء كارتفاع وجوب المقدمة برفع ذيها، فالقاعدة رافعة لاستحقاق بقاء النخلة ولازمه جواز قلعه فيصح ح تعليل الحكم المزبور بالقاعدة «انتهى ملخصا» وأنت خبير بما فيه، فإنه مخالف للوجدان ولظاهر الرواية معا، لظهورها في ان سمرة لو كان يرضى بالاستيذان من الأنصاري لم يكن عليه بأس ولم يجز قلع نخلته ولكنه لما ابى وأصر على الإضرار بالأنصاري حكم بذلك في حقه، مع ان ما ذكره قدس- سره لو تمَّ لاقتضى جواز قلع النخلة في هذا الحال أيضا؛ لما ذكره من ان استحقاقه لإبقائها كان موجبا لجواز الدخول على الأنصاري بغير اذن منه وهذا الجواز بنفسه حكم ضرري وان لم يعمل بمقتضاه ولم يدخل على الأنصاري بغير اذن منه، هذا أولا واما ثانيا- ان بقاء العذق في البستان كان له آثار شرعية مختلفة، منها جواز الدخول بلا استيذان فاذا كان خصوص هذا الأثر ضرريا فاللازم نفى ترتبه لا نفى ذات المؤثر بجميع آثاره، والسر في هذا ان الحكم باستحقاق إبقاء النخلة كما انه من الأحكام الشرعية أمره بيد الشارع رفعا ووضعا؛ فكذلك ماله من الاثار المختلفة المترتبة عليه شرعا؛ والجزء الأخير من العلة التامة للضرر هو ترتب بعض آثاره عليه فاللازم رفع ذلك الأثر خاصة لا ذات الموضوع بجميع آثاره، فاللازم ان يحكم بجواز إبقاء النخلة وترتب جميع آثاره عليه ما عدا الدخول عليه بغير اذنه.

واما قياسه على باب المقدمة فهو كما ترى، للفرق الواضح بين المقامين فان الترتب هناك تكويني ليس أمرها بيد الشارع، بما انه شارع، فليس له رفع وجوب المقدمة إلا برفع وجوب ذيها، بخلاف المقام فكأنه قدس سره خلط بين الترتب الشرعي والتكويني فتدبر جيدا.

التنبيه الثالث في وجه تقديم هذه القاعدة على أدلة الأحكام الأولية :

المعروف في وجه تقديم عموم هذه القاعدة على أدلة الأحكام الشرعية انه من باب حكومتها عليها فليستا من قبيل المتعارضين حتى تلاحظ النسبة بينهما أو يطلب الترجيح، وقد ذكر في وجه تقديمها عليها وجوه أخر.

ولكن هذا البحث مبنى على مختاراتهم في معنى الحديث.

فمن قال بان معناه نفى الحكم الضرري فهو قائل بالحكومة لا محالة، لأنه بمدلوله اللفظي ناظر إلى أدلة الأحكام الأولية فيكون حاكما عليها، وكذلك الكلام على مذهب من يقول بان معناه نفى الحكم الضرري بلسان نفى موضوعه، واما بناء على ثالث الأقوال في معنى الحديث، وهو ان يكون النفي بمعنى النهى، فلا يبقى مورد للحكومة ولا ربط له بأدلة الاحكام، بل هو كسائر النواهي الشرعية الواردة في مواردها بلا تفاوت بينها وكذا الكلام على المعنى الرابع وهو ارادة نفى الصفة- اعنى صفة عدم التدارك- عن نفى الضرر ليكون إشارة إلى لزوم تدارك الضرر؛ فإنه حكم مستقل في قبال سائر الأحكام يختص بموارد الغرامات ويدل على اشتغال ذمة الضار بغرامة ضرره؛ فيقدم على العمومات الدالة على براءة الذمة منها، اما لكونه أخص منها، أو لعدم بقاء المورد له على فرض عدم التقدم، أو لقوته وإبائه عن التخصيص، هذا كله على مختارات القوم.

واما بناء على مختارنا في معنى الحديث من ان مفاده نفى إمضاء إضرار الناس بعضهم ببعض في عالمى الوضع والتكليف فالظاهر أيضا عدم حكومته على أدلة الأحكام الأخر لعدم كونه ناظرا إليها فإن الحكومة عبارة عن كون احد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظرا إلى الأخر بحيث لولاه لكان لغوا باطلا.

اما بان يتصرف في موضوعه كقول المولى لعبده: «ان الفاسق ليس بعالم، في قبال قوله أكرم العلماء.

أو بالتصرف في متعلقه كقوله «مجرد الإطعام ليس من الإكرام» أو بالتصرف في حكمه كقوله: «انما عنيت بذاك الأمر غير الفاسق».

أو بالتصرف في نسبة الحكم الى موضوعه كقوله «إكرام الفاسق ليس إكراما للعالم».

فاذن لا تنحصر الحكومة في الثلاثة الأولى كما افاده المحقق النائيني في بعض كلماته في المقام، ومن المعلوم ان شيئا من هذه الأمور غير موجود في المقام.

نعم هو مقدم على أدلة سائر الأحكام لوجهين آخرين: أحدهما: قوة الدلالة لاشتماله على نفى وجود الضرر رأسا الظاهر في كمال التحاشي والتباعد عنه، لاسيما إذا أضيف إليه قيد «في الإسلام» لو ثبت هذا القيد بحسب الاخبار وقد عرفت الكلام فيه في مقدمة البحث، ثانيهما: إبائه عن التخصيص لكونه في مقام الامتنان وللمناسبات المغروسة في الأذهان بين هذا الحكم وموضوعه كما لا يخفى على المتأمل الخبير، ولذا يستنفر الطبع من تخصيص هذا الحكم ولو بالتخصيص المتصل بان يقال لا يجوز لأحد ان يضر بأحد إلا في كذا وكذا، ولو خرج منه بعض الموارد كما إذا كان الإضرار بحق فهو في الحقيقة خروج موضوعي، لأنه إحقاق حق لا إضرار فتأمل.

التنبيه الرابع هل الحكم بنفي الضرر من باب الرخصة أو العزيمة ؟

قد عرفت عند بيان المختار في مفاد القاعدة انها لا تدل على نفى التكاليف الضررية كالوضوء والصوم الضرريين، وان اللازم الرجوع في هذه الموارد إلى «قاعدة نفى الحرج» واما على مختار القوم من دلالتها على نفيها فهل هو من باب الرخصة أو العزيمة:

لا إشكال في عدم وجوب الوضوء الضرري وشبهه إذا كان المكلف عالما بموضوع الضرر على مختارهم وانما الكلام في صحتها وان لم يكن واجبا.

نقل المحقق النائيني القول بالصحة عن بعض الأعاظم ولم يسمه واستدل له بان «لا ضرر» انما‌ يرفع الوجوب فإنه ضرري واما أصل الجواز والمشروعية فلا، لان الامتنان لا يقتضي أزيد مما ذكر، وببيان آخر أدلة وجوب هذه الأمور دالة بالالتزام على وجود ملاكاتها حتى في موارد الضرر، وأدلة نفى الضرر انما تعارضها في دلالتها المطابقية على الوجوب، ولا تعارضها في دلالتها الالتزامية على وجود ملاكاتها الموجب لمشروعيتها في هذه الموارد واستحسن هذا البيان «بعض أعاظم العصر» في مستمسكه.

وأورد المحقق النائيني على البيان الأول بأمرين: أحدهما ان هذه الأحكام أمور بسيطة لا تركيب فيها حتى يرتفع بعض اجزائها ويبقى الأخر. ثانيهما انه يستلزم كون ما في طول الشي‌ء في عرضه، فان التيمم متأخر عن الوضوء وإذا كان المكلف في موارد الضرر مرخصا شرعا في الطهارة المائية مع جواز الاكتفاء بالطهارة الترابية يلزم اتحادهما في الرتبة، وهو باطل؛ لان المكلف إذا كان قادرا على الطهارة المائية لم يدخل تحت قوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } [النساء: 43] .

أقول: يمكن الجواب عنهما اما عن الأول فبان طريقة غير منحصر في تجزية الحكم البسيط بل يمكن ان يكون من باب تقييد إطلاقات نفى الضرر بعدم اقدام المكلف على التكليف الضرري بأن يقال ان وجوب الوضوء الضرري منفي عند عدم الاقدام لا غير، ولازم ذلك مشروعيته وان لم يكن واجبا، والدليل عليه انصراف الإطلاقات إليه فتأمل فإن دعوى الانصراف فيها عن هذه الصورة مشكلة جدا وعن الثاني بعدم قيام دليل على كون الطهارة الترابية في طول الطهارة المائية دائما حتى في أمثال المقام ولو سلمنا شمول الآية الشريفة لها فهو إطلاق كسائر إطلاقات أدلة الأحكام محكومة لقاعدة «لا ضرر» أو مخصصة بها، فتأمل، والاولى في دفع هذا الاشكال منع شمول الآية ودلالتها على المقام ولا أقل من إجمالها من هذه الجهة فتدبر.

والتحقيق ان هذه المسألة مبنية على مسألة حرمة الإضرار بالنفس على الإطلاق فإن قلنا بالحرمة فهذا الوضوء حرام لا يمكن التقرب به بلا إشكال لأن حركات الوضوء متحدة مع عنوان الإضرار بالنفس، وعلى فرض كون الوضوء سببا له لا متحدا معه‌ لا يمكن أيضا التقرب به؛ لما حققناه في محله من سراية الحسن والقبح من المسببات إلى الأسباب التوليدية. هذا ولكن الكلام في حرمة الإضرار بالنفس بهذا العموم، وتمام الكلام في محله وان كان الأقوى في النظر عاجلا عدم مشروعية هذا الوضوء على القول بشمول لا ضرر لأمثال هذه التكاليف.

التنبيه الخامس هل الأمر يدور مدار الضرر الواقعي أو لا؟

إذا جهل بالضرر مع وجوده واقعا فقد يقال بالصحة لما يظهر اختياره من السيد السند المحقق اليزدي في باب الوضوء عند ذكر الشرط السابع من شرائطه حيث قال:

«و لو كان جاهلا بالضرر صح وان كان متحققا في الواقع والأحوط الإعادة أو التيمم» وكأنه عدل عنه في المسألة 34 من هذا الباب حيث قال: «لو كان أصل الاستعمال مضرا وتوضأ جهلا أو نسيانا فإنه يمكن الحكم ببطلانه لأنه مأمور واقعا بالتيمم» وكيف كان فقد افتى بالصحة غير واحد من أعلام محشيها قدس اللّه أسرارهم.

وغاية ما يستدل به على الصحة أمران: أحدهما: أن القاعدة واردة مورد الامتنان ولا منة في نفى صحة مثل هذا الوضوء فإنه لا يزيد المكلف إلا عناء وشدة كما لا يخفى ثانيهما ان الضرر هنا مسبب عن جهل المكلف لا عن حكم الشارع فان غفلته عن الواقع هي التي أو أوقعته في الضرر؛ ومن المعلوم ان المنفي بهذه القاعدة هو الضرر الناشي من قبل حكم الشارع لا غير.

ولكن يرد على الأول منهما ان المنة انما هي بلحاظ نوع الحكم لا بلحاظ اشخاصه وافراده وكل واحد واحد من الوقائع الشخصية، فرفع وجوب الوضوء الضرري إذا كان بحسب نوعه منة على العباد كان داخلا تحت القاعدة على الإطلاق، وما يتوهم كثيرا من دورانه مدار الأشخاص ولزوم المنة في كل واحد من الأحكام الشخصية المرفوعة، وكثيرا ما يرتب عليه فروع مختلفة، باطل جدا لان المتيقن انصراف أدلة لا ضرر عن الموارد التي لا تكون بحسب نوعها منة على العباد لا غير.

ويشهد على ذلك ان حديث الرفع أيضا وارد مورد الامتنان ولا يزالون يستدلون به على عدم نفوذ المعاملات التي وقعت عن اكراه- بل استدل به الامام عليه السّلام على ذلك أيضا- حتى فيما إذا كان في نفوذها مصلحة المكره (بالفتح) أحيانا وان لم يعلم هو به، فلا يراعى فيه ملاك الامتنان في كل واحد من الموارد الشخصية، ولو كان مراعاة ذلك لازما كان الحكم ببطلان عقد المكره على الإطلاق بمقتضى حديث الرفع في غير محله والقول بان نفوذ تلك المعاملة بغير رضى المالك مشتمل على الضرر دائما وان كان فيها منافع جمة له واقعا، لما فيه من سلب اختيار المالك وقصر دائرة سلطنته، شطط من الكلام، وهكذا الكلام في نفى آثار غير الإكراه من التسعة كالجهل والنسيان فإنه لا يكون فيه ملاك المنة في جميع الحالات مع إطلاقهم القول برفعها وليس ذلك الا من جهة كفاية ملاك المنة بحسب نوع الحكم ونوع مصاديقه.

فالصواب في وجه الحكم بصحة العبادة في المقام هو الوجه الثاني ويمكن تقريبه بوجه آخر أتم وأقوى وهو: انه لا إشكال في ان الضرر في هذه الموارد من قبيل العناوين الثانوية التي تكون مانعة عن تأثير العنوان الاولى بملاكه، الذي يكون على نحو الاقتضاء لا العلية التامة، فالوضوء الضرري في حد ذاته واجد للملاك ولكن هذا العنوان الثانوي بملاكه يمنع عن تأثيره؛ ومن المعلوم ان الضرر إذا كان متوجها نحو المكلف على كل حال، لجهله بالواقع؛ كان الحكم بنفيه بلا ملاك، لعدم إمكان استيفاء الشارع غرضه منه، فالحكم بنفيه (ح) حكم بلا ملاك ولغو محض، وان هو الا نظير الحكم ببطلان وضوء «المكره على استعمال الماء» مع كونه مضرا له، فهل يساعد وجدان احد على الحكم ببطلان وضوئه في هذا الحال إذا اتى به عن قصد؟

ومما ذكرناه يظهر ان المكلف غير مأمور بالتيمم في محل البحث، بل هو مأمور بالوضوء واقعا، فما ذكره في العروة من تعليل بطلان الوضوء بعدم الأمر به واقعا في غير محله، اللهم الا ان يقال ان نظره في ذلك الى إطلاق الأخبار الخاصة الواردة في باب التيمم فيما إذا كان استعمال الماء مضرا ولكن الإنصاف أن شمولها لصورة موجود الضرر واقعا مع جهل المكلف به محل تأمل واشكال هذا كله إذا كان الضرر موجودا في الواقع‌ مع جهله، به اما عكس المسألة وهو:

إذا كان استعمال الماء مضرا باعتقاده ومع ذلك توضأ واغتسل ثمَّ بان عدم الضرر فيه، فظاهر غير واحد منهم الحكم بالبطلان فيه؛ كما يظهر من كلماتهم في أبواب مسوغات التيمم. والوجه فيه اما كونه مأمورا بالتيمم وعدم كونه مأمورا بالوضوء نظرا الى صدق عدم التمكن من استعمال الماء في حقه لان المراد من «عدم الوجدان» في قوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا }  عدم التمكن من استعماله، سواء كان لعدم وجوده أو لعدم القدرة على استعماله لمانع شرعي أو عقلي ويظهر اختيار هذا الوجه من المحقق النائيني.

أو لعدم تمشي قصد القربة منه مع كونه باطلا وحراما باعتقاده، ولو فرض تمشيها منه فلا يكون الفعل مقربا، لا لأنه حرام واقعا بل لان الفعل إذا وقع بعنوان التجري فهو كالمعصية الحقيقية في كونه مبعدا للعبد من ساحة المولى ومانعا من التقرب اليه واعتمد على هذا الوجه في «المستمسك».

والانصاف ان شيئا من الوجهين لا يكفي في إثبات البطلان، اما الأول فلان مجرد تخيل الضرر لا يجعله غير واجد للماء وغير متمكن من استعماله، بل هو متخيل لعدم التمكن لا انه غير متمكن واقعا وان هو إلا نظير من يكون مستطيعا في الواقع وهو لا يعلم باستطاعته؛ أو يكون قادرا على الصلاة قائما وهو يزعم انه غير قادر، فهو مأمور واقعا بالطهارة المائية وان كان معذورا ما دام جهله واما قياس ذلك على ما ذكروه في باب صحة صلاة من يكون الماء في راحلته وهو لا يعلم به قياس مع الفارق، لان الجهل هناك مانع عقلي من استعمال الماء كما هو ظاهر بخلاف الجهل فيما نحن فيه فإنه ليس مانعا عقلا ولا شرعا، كيف والمفروض ان المكلف أقدم على الوضوء فكيف يقاس به فتدبر.

واما عدم تمشي قصد القربة فهو ليس دائميا كما يظهر من ملاحظة حال عوام الناس في أمثال المقام وكون التجري مبعدا ومانعا من التقرب أيضا محل للكلام.

فالعمدة في وجه البطلان هو استظهار الموضوعية من عنوان «الخوف» الوارد في أبواب التيمم، الصادق في المقام، لان المفروض كون المكلف خائفا من استعمال الماء بل عالما بالضرر؛ وان لم يكن كذلك في الواقع؛ ولكن في هذا الاستظهار أيضا كلام في محله من الفقه.

التنبيه السادس هل القاعدة شاملة للعدميات أم لا؟

لا إشكال في شمول القاعدة للاحكام الوجودية وانما الكلام في شمولها للعدميات وحاصل القول فيه انه هل يجوز التمسك بالقاعدة لإثبات احكام وجودية في موارد يلزم من فقدها الضرر بأن يكون عدم الحكم مشتملا على الضرر فيتمسك بالقاعدة لنفيه ويستنتج منه حكم وجودي، أم لا؟

ومثلوا له بضمان ما يفوت من عمل الحر بسبب حبسه؛ وبما لو فتح إنسان قفص طائر فطار، فان عدم الضمان في المقامين أمر ضرري وإثباته رافع لذلك الضرر. هذا ولكن في التمثيل الثاني إشكال ظاهر، لأنه مشمول لقاعدة الإتلاف، فإن فتح قفص الطائر سبب لإتلافه وداخل تحت أدلة الإتلاف بلا كلام. اللهم الا ان يقال: ان النظر هنا الى شمول قاعدة لا ضرر له وان كان حكمه معلوما من جهة قاعدة الإتلاف، ولكنه كما ترى؛ ولذلك اقتصروا في ذكر المثال الأول بعمل الحر مع انه لا فرق بين عمل العبد والحر من هذه الجهة، وانما الفرق بينهما من جهة صدق الإتلاف في عمل العبد لأنه مال وعدم صدقه في عمل الحر لعدم صدق المال عليه.

وكيف كان فهذا النزاع كما يتصور بين القائلين بدلالة الحديث على نفى الأحكام الشرعية الضررية مطلقا كذلك يتصور على المختار من عدم دلالتها الا على نفى إمضاء إضرار الناس بعضهم ببعض في عالمى الوضع والتكليف، فما نذكرها من الوجوه الاتية لتعميم القاعدة جارية على المذهبين.

وإذ قد عرفت ذلك فاعلم ان الحق عدم الفرق بين الأمور الوجودية والعدمية هنا‌ ويدل عليه أمور:

الأول- ان ما يطلق عليه الحكم العدمي في أمثال المقام يكون في الحقيقة حكما وجوديا فعدم الضمان في المثالين عبارة أخرى عن الحكم ببراءة الذمة وهي حكم شرعي تحتاج الى جعل الشارع كما يحتاج شغل الذمة اليه وان شئت قلت: براءة الذمة في باب الأحكام الوضعية نظير الإباحة في باب الأحكام التكليفية؛ فكما ان الإباحة والترخيص في مواردها من الأمور الوجودية فكذلك حكم الشارع ببراءة ذمة الحابس للحر عن الغرامة حكم وضعي وجودي.

وتوهم ان الإباحة التكليفية كالبراءة الوضعية من الأمور العدمية المطابقة للأصل غير محتاجة إلى التشريع والجعل، فاسد لأن الأحكام الخمسة بأجمعها أمور وجودية غاية الأمر ان بعضها محتاج الى البيان وبعضها يستكشف من عدم البيان؛ والحاجة الى البيان وعدمه غير الحاجة الى الجعل وعدمه كما هو ظاهر، ولذا يتراءى من الشارع المقدس إنشاء الإباحة في موارد كثيرة كقوله كل شي‌ء حلال إلخ فإن التحليل والترخيص والإباحة في هذه الموارد أمور وجودية أنشأها الشارع.

الثاني الظاهر من قوله «لا ضرر ولا ضرار» انه لا ضرر من ناحية الشارع على احد (على قولهم) أو من ناحية المكلفين بعضهم الى بعض (على المختار) فالمنفي الضرر المستند الى الشارع أو الى المكلفين؛ فلو لزم من عدم الجعل في بعض الموارد استناد الضرر اليه كما في مثال الحر المحبوس وجب نفيه بالقاعدة؛ فليس في عنوان الدليل «الحكم الضرري» حتى يتكلم في صدقه على العدميات بل المدار على صدق نسبة الإضرار إلى الشارع أو الى المكلفين، ودعوى ان استناد الضرر لا يصح الا في مورد الافعال الوجودية ممنوعة جدا، الا ترى انه لو صرح الشارع بان منافع الحر غير مضمونة لا يجب تداركها وان بلغ ضرره ما بلغ، صح لنا ان تقول ان الحر المحبوس لم يقع في هذه الخسارة العظيمة إلا لقول الشارع كذا وكذا.

والسر في ذلك ان محيط التشريع بجميع شئونه محيط حكومة الشارع والأمر فيه في جميع حركات المكلفين وسكناتهم اليه، فما ينشأ من إهمال جعل بعض الاحكام من الضرر مستند اليه مثل ما ينشأ من أحكامه المجعولة. ألا ترى ان الوالي إذا‌ أهمل في وضع النظامات اللازمة ونصب الحرس والشرط وتجنيد الجنود لحفظ الرعية ونظام عيشهم فحدث في أمورهم احداث، تنسب كلها الى سوء تدبير الوالي وإهماله في الأمور.

والحاصل ان ترك الفعل في الموارد التي يترقب وجوده، يصحح استناد لوازمه الى من يترقب منه، ولا يشترط في صحة الانتساب كون الفعل وجوديا دائما.

ومن المعلوم ان المترقب من الشارع المقدس في محيط التشريع جعل الأحكام الحافظة لمصالح العباد ومنافعهم فلو أخل بها فقد ألقاهم في الضرر وهو منفي بمقتضى الحديث، هذا على مختار القائلين بأن المنفي الضرر من ناحية الشرع؛ واما على المختار فالأمر أوضح لأن حبس الحر وإتلاف منافعه مثلا إضرار من ناحية بعض المكلفين ببعض، فهو منفي في الشريعة بجميع آثاره التكليفية والوضعية، ولا ينتفي إلا بثبوت الغرامة له عليه فتأمل.

ولعله اليه يرجع ما افاده شيخنا الأعظم العلامة الأنصاري قدس سره في رسالته المعمولة في المسألة في مقام توجيه القول بشمولها للعدميات حيث قال: «ان المنفي ليس خصوص المجعولات بل مطلق ما يتدين به وبعامل عليه في شريعة الإسلام، وجوديا كان أو عدميا، فكما انه يجب في حكمة الشارع نفى الأحكام الضررية كذلك يجب جعل الاحكام التي يلزم من عدمها الضرر» ولقد أجاد فيما أفاد، قدس اللّه سره الشريف.

الثالث- لو سلمنا عدم شمولها للعدميات بالدلالة اللفظية فلا أقل من دلالتها عليها بتنقيح المناط وإلغاء الخصوصية ومناسبة الحكم والموضوع، وأي خصوصية للوجود والعدم في هذا الباب وفيما منّ اللّه به على عباده من نفى الضرر عنهم وغير خفي ان كلما يتصور في الحكم بنفي الضرر والضرار من المصالح والملاكات فهي موجودة في طرفي الوجود والعدم من دون اى تفاوت ومجرد كون شي‌ء من الأمور الوجودية أو العدمية لا يكون مبدء للفرق في المقام وليت شعري ما ذا تصوره القائلون بالتفرقة بينهما.

وقد يذكر للتعميم وجوه أخر غير صافية عن الاشكال:

منها: ان الحكم العدمي يستلزم أحكاما وجودية دائما لا لما ذكرناه في‌ الوجه الأول بل لان عدم ضمان ما أتلفه على الحر من المنافع مثلا يستلزم حرمة مطالبته بالغرامة ومقاصته والتعرض له وجواز دفعه.

وفيه ان حرمة مزاحمة الناس في سلطنتهم على أموالهم وأنفسهم؛ بغير حق ثابت عليهم، ليس حكما ضرريا أصلا وانما الضرر في المقام ينشأ من عدم ثبوت حق للحر على من أتلف منافعه فلو أمكن إثبات حق له عليه بأدلة نفى الضرر فهو والا فلا يجوز الاستناد إليها لنفى حرمة المذكورات.

ومنها انه يمكن استفادة العموم من نفس قضية «سمرة» حيث انه سلّط الأنصاري على قلع النخلة وعلله بنفي الضرر فان الضرر هناك في عدم سلطنته على القلع فنفاه واثبت سلطانه عليه.

وفيه ما عرفت في التنبيه الثاني من ان تسليطه عليه انما كان من باب دفع المنكر ومقدمة لحفظ الحق وحسما لمادة الفساد بعد إبائه الشديد عن القيام بما هو وظيفته قبال الأنصاري، فالمرفوع أولا وبالذات هو تسلط سمرة على إتيان عذقه بغير اذن من الأنصاري فإن الضرر كان من ناحيته، ومن الواضح انه أمر وجودي.

ومنها- ان استشهاده عليه السّلام بها في حديث «الشفعة» لإثبات حق الشفعة للشريك مع ان الضرر انما هو في عدم هذا الحق، دليل على شمولها للعدميات وكذلك استشهاده بها لإثبات حق الانتفاع من فضل الماء في حديث «منع فضل الماء» وفيه ان المرفوع في حديث الشفعة هو لزوم البيع. وفي حديث منع فضل الماء هو جواز المنع وكلاهما أمر ان وجوديان فتأمل.

واما ما استدل به على عدم العموم فهو أمور ذكرها المحقق النائيني قدس سره في رسالته نذكرها ثمَّ نذكر ما عندنا في دفعها أحدها: ان الأمور العدمية لا يصح استنادها الى الشارع. وقد عرفت الجواب عنه.

ثانيهما: لو عمت القاعدة للأمور العدمية لزم منه فقه جديد، فيلزم مثلا كون أمر الطلاق بيد الزوجة لو كان بقائها على الزوجية مضرا بحالها كما إذا غاب عنها زوجها أو لم ينفق عليها لفقر أو عصيان بل يلزم الانفساخ بغير طلاق‌ ويلزم أيضا انعتاق العبيد إذا كانوا في الشدة ويلزم أيضا وجوب تدارك كل ضرر يتوجه الى مسلم اما من بيت المال أو من مال غيره.

ويدفعه ان ما يلزم منه ليس فقها جديدا وما يكون فقها جديد الا يلزم منه، اما كون الطلاق بيد الزوجة إذا غاب عنها زوجها فهو مخالف للنصوص الخاصة الواردة في كتاب الطلاق؛ وللمسألة صور كثيرة مذكورة هناك، لأنها اما تعلم بحياة زوجها أولا، وعلى الأول يجب عليها ان تصبر كما ورد في النصوص، وعلى الثاني اما ينفق عليها ولى الزوج أولا، فإن أنفق فعليها ان تصبر أيضا، وعلى الثاني ترفع أمرها إلى الحاكم يتفحص عن حالها اربع سنين، الى غير ما ذكروه هناك مع مداركها ونصوصها، وتحقيق الحق في محله، وبالجملة عدم حكمهم بجواز طلاق الزوجة هناك انما هو لاتباع النصوص ولولاها لم نستبعد التمسك بقاعدة لا ضرر في هذا الباب كسائر الأبواب.

هذا ولكن لا يلزم من التمسك بالقاعدة هنا كون أمر الطلاق بيد الزوجة- كما توهمه المحقق المذكور- بل غاية ما يستفاد منها جواز حل عقدة النكاح، اما كونه بيدها فلا، فاما نقول بكون امره بيد الحاكم أو بيد ولى الزوج فلو طلق فهو والا فيجبره الحاكم، فان هذا هو الذي تقتضيه قواعد المذهب والجمع بين النصوص كما سيأتي، وذهب جماعة الى عدم الحاجة الى الطلاق في بعض صور المسألة بل يأمره الحاكم بالاعتداد فتعتد وتبين من زوجها.

اما إذا كان الزوج حاضرا ولكن لا ينفق عليها لفقر أو عصيان، أو كان غائبا ولم يمكن استفسار حاله، لعدم بسط يد الحاكم أو لموانع أخر، وليس من ينفق عليها ولا ترضى بالصبر، فقد ذهب المحقق الطباطبائي اليزدي قدس سره فيما أفاده في ملحقات العروة إلى إمكان القول بجواز طلاقها للحاكم، لقاعدتي نفى الحرج والضرر خصوصا إذا كانت شابة واستلزم صبرها طول عمرها وقوعها في مشقة شديدة، ولما يستفاد من اخبار كثيرة واردة في باب «وجوب نفقة الزوجة» من انه «إذا لم يكسها ما يوارى عورتها ولم يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام ان يفرق بينهما» أو على الزوج ان يطلقها وفيها روايات صحاح.

ويؤيده ما أفاده انهم استدلوا بهذه الروايات في باب وجوب نفقة الزوجة ولم يستشكلوا عليها بمخالفتها للقاعدة من هذه الجهة ولو كان لوجب التنبيه عليه عادة فراجع الجواهر والرياض في باب وجوب النفقة تجد صدق ما ذكرنا، وقد حكى في «المسالك» في باب «من غاب عنها زوجها» قولا بأن للمرأة الخروج من النكاح بالإعسار بالنفقة وان لم يسم قائله، واستدل هو على جواز الطلاق في بعض صور المسئلة أعني مسألة من غاب عنها زوجها بقاعدتي نفى الحرج والضرر مضافا الى النصوص والحاصل ان مخالفة هذه الفتوى لفتاوي الأصحاب غير معلومة مع ذهاب هؤلاء الإعلام أو ميلهم اليه.

واما ما افاده المحقق النائيني فيما عرفت من كلامه من احتمال الحكم بانفساخه بلا حاجة الى الطلاق فهو أمر عجيب لأن الذي يقتضيه الجمع بين احكام الشرع وأغراضه وملاكات أحكامه أن يرفع الضرر بطريق يكون أقل محذورا، ومن المعلوم ان توقف حل عقدة النكاح على الطلاق (الا فيما استثنى) حكم ثابت في الشرع كما ان كون الطلاق بيد من أخذ بالساق حكم آخر، فإذا أمكن دفع الضرر بإلغاء الثاني الذي في الواقع شرط من شرائط الطلاق وإعطائه بيد ولى الأمر الحافظ لنفوس المسلمين وأموالهم وفروجهم؛ فما الوجه في إهمال حكم الطلاق وتوقف انفساخ الزوجية عليه من رأس؛ والحكم بانفساخها بنفس الضرر، والحاصل انه يقتصر في تخصيص عمومات الاحكام الأولية بعموم لا ضرر على مورد الضرورة لا غير.

كما ان ما ذكره من مسألة تدارك الضرر الذي ليس من ناحية أحكام الشرع ولا من ناحية المكلفين بعضهم ببعض من بيت المال فهو أعجب من سابقة، وليت شعري ما الوجه في لزوم تدارك هذا الضرر مع عدم استناده الى الشارع ولا الى مكلف، وهل يمكن اسناد الضرر الى الشارع واحكامه لو لم يحكم بوجوب تدارك هذا الضرر من بيت المال حتى يستدل بحديث نفى الضرر لإثبات وجوب التدارك، ولعمري انه أوضح من ان يخفى على مثل هذا المحقق النحرير.

التنبيه السابع هل المراد بالضرر هو الضرر الشخصي أو النوعي ؟

لا ينبغي الإشكال في ظهور أدلة الباب في الضرر الشخصي اما على المختار فواضح، لأن النهي عن الضرر كالنهي عن سائر الموضوعات تابع لوجود مصداقه الخارجي، الذي هو عين التشخص، وكون الضرر من العناوين الثانوية لا يصادم هذا الظهور في شي‌ء كما لا يخفى واما على القول بان مفاده نفى الأحكام الضررية مطلقا فهو أيضا كذلك فإن الألفاظ بأجمعها في هذه المقامات ظاهرة في مصاديقها الخارجية الشخصية أينما تحققت، فاذا كان الحكم بالنسبة الى بعض افراد المكلفين ضرريا دون بعض اختص جريان القاعدة بمن يصدق في حقه الضرر دون غيره، ولا يتوقف هذا الظهور على القول بتقدم القاعدة على عمومات الاحكام الأولية من باب الحكومة- كما لعله يظهر من بعض كلمات المحقق النائيني في المقام- بل يجرى على جميع الوجوه التي ذكروها في وجه تقديمها عليها.

نعم قد يتوهم ظهور كلمات الأصحاب في الضرر النوعي لأنهم استدلوا بها على خيار الغبن مع ان المعاملة الغبنية لا تكون ضررية دائما بل قد تكون المصلحة في بيع المتاع ولو بأقل من ثمن المثل، كما إذا كان في معرض الحرق والسرق أو كان المالك عاجزا عن حفظه وقدر غيره عليه، فاذا باعه، والحال هذا وهو لا يعلم، بأقل من ثمن المثل لم يتضرر من هذه المعاملة وان كان مغبونا فيها، فهذه المعاملة الغبنية لا تشتمل على الضرر بالنسبة الى هذا الشخص.

ولكن يدفعه ان المعاملة المذكورة المشتملة على الغبن من جهة بيع المتاع بأقل من ثمن مثله، ضررية من حيث كونها معاملة بلا اشكال وان كانت نافعة لملاحظات أخر خارجية، وان شئت قلت: ان هذه المعاملة كما أنها غبنية من حيث كونها معاملة فكذلك تكون ضررية من هذه الجهة، وكون المتاع في معرض الحرق والسرق أمر خارج من دائرة المعاملة، فلا يقال: انه انتفع بهذا البيع لان الانتفاع‌ بالبيع انما يكون فيما إذا باعه بأكثر من ثمن مثله، بل يقال: انه وان تضرر في هذه المعاملة الا انه انتفع بأمر خارج منها ولذا يقال في أمثال المقام «ان الضرر اليسير منع من الضرر الكثير» وانه لو لم يبعه بالضرر تضرر بأصله أو بأزيد منه ؛ فاذا لوحظ جميع الحيثيات الداخلية والخارجية بعد الكسر والانكسار لم يكن هذه المبادلة ضرريا في حقه، كما انه ليس مغبونا بهذه الملاحظة، ولكن هذه ملاحظات خارجة عن حقيقة المعاملة بما انها معاملة ولا يصح جعلها مقياسا لكون المعاملة ضرريا أو غير ضرري فالمعاملة الغبنية ضررية دائما والحاصل ان عنوان الضرر صادق على هذه المعاملة بلا اشكال.

نعم الحكم بالفساد في خصوص هذه الواقعة لا يكون منة على المكلف ولكن قد عرفت آنفا ان الامتنان انما هو بلحاظ الحكم الكلي في هذه المقامات، لا بحسب مصاديقة الشخصية، ودوران «الضرر» مدار الأشخاص أمر ودوران «الامتنان» مدار النوع أمر آخر ولا منافاة بينهما أصلا.

التنبيه الثامن هل يجوز الإضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس؟

قال شيخنا الأعظم العلامة الأنصاري في رسالته المعمولة في المسألة في ملحقات مكاسبه، في «التنبيه الرابع» من التنبيهات التي أوردها هناك ما لفظه: «مقتضى القاعدة ان لا يجوز لأحد إضرار إنسان لدفع الضرر المتوجه اليه، وانه لا يجب على احد دفع الضرر عن الغير بإضرار نفسه لان الجواز في الأول والوجوب في الثاني حكمان ضرريان» ثمَّ فرع على الأول ما ذكروه من عدم جواز إسناد الحائط المخوف وقوعه على جذع الجار، وعلى الثاني جواز إضرار الغير عند الإكراه والتقية بمعنى انه إذا أمر الظالم بإضرار أحد وأوعد على تركه جاز للمأمور إضراره لدفع الضرر المتوعد عن نفسه، ولا يجب عليه تحمل ذلك الضرر لدفع الضرر عن الغير.

وذكر في «الفرائد» في هذا المقام ما لفظه: «انه قد يتعارض الضرران بالنسبة‌ إلى شخص واحد أو شخصين، فمع فقد المرجح يرجع الى الأصول والقواعد الأخر كما انه إذا أكره على الولاية من قبل الجائر المستلزم للإضرار على الناس، فإنه يرجع الى «قاعدة نفى الحرج» لأن إلزام الشخص بتحمل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج، وقد ذكرنا توضيح ذلك في مسألة التولي من قبل الجائر من كتاب المكاسب» انتهى.

وذكر هناك ما حاصله: «ان الضرر إذا توجه الى شخص بمعنى حصول مقتضية فلا يجوز دفعه عن نفسه بإضرار غيره، كما إذا أجبره الظالم على دفع مال من أمواله فإنه لا يجوز له نهب مال غيره لدفع الضرر عن نفسه، اما إذا كان الضرر أولا وبالذات متوجها الى الغير كما إذا أجبره على نهب مال الغير وأوعده على ترك النهب بأخذ مال نفسه فيجوز له ذلك ولا يجب عليه بذل مال من أمواله وتحمل الضرر عن الغير، لان الضرر بحسب قصد المكره (بالكسر) وإرادته الحتمية متوجه نحو الغير؛ والمكره (بالفتح) وان كان مباشرا للإضرار الا انه ضعيف لا ينسب إليه الإضرار حتى يقال:

انه أضر بالغير لئلا يتضرر نفسه؛ نعم لو تحمل الضرر ولم يضر بالغير فقد صرف الضرر عنه الى نفسه عرفا، ولكن الشارع لم يوجب عليه هذا المعنى والامتنان بهذا على الأمة لا قبح فيه، هذا مع ان أدلة نفى الحرج كافية في الفرق بين المقامين، فإنه لا حرج في عدم الرخصة في دفع الضرر عن النفس بإضرار الغير بخلاف إلزام تحمل الضرر عن الغير بإضرار النفس فإنه حرجي قطعا» انتهى ملخصا.

أقول- اعلم ان هنا مسائل ثلث احديها عدم جواز الإضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس وهذا مستفاد من حديث لا ضرر بلا كلام ثانيتها- عدم وجوب تحمل الضرر عن الغير بإضرار النفس، وهذا مستفاد من أدلة البراءة ولا يحتاج إلى قاعدة لا ضرر لأنه ليس لنا دليل يقتضي بعمومه أو إطلاقه وجوب تحمل الضرر عن الغير حتى يحتاج في نفيه إلى أدلة نفى الضرر، بخلاف المسألة الأولى، لأن إطلاقات البراءة هناك تدل على الجواز على عكس ما نحن فيه فيحتاج في نفيه إلى قاعدة لا ضرر.

ثالثتها- مسألة تعارض الضررين في حق شخصين أو شخص واحد وسيأتي حكمه في التنبيه الآتي إنشاء اللّه، ولا دخل له بالمسألتين السابقتين، ومن العجب ان شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره قد جمع في الفرائد بين هذه المسائل الثلاث في عبارة واحدة كما عرفت؛ ولكنه (قده) فرق بينها في رسالته المطبوعة في ملحقات المكاسب فعقد للمسألتين الأوليين التنبيه الرابع ولتعارض الضررين التنبيه السادس من التنبيهات التي ذكرها.

وأعجب منه ما افاده «المحقق النائيني» في المقام حيث أورد على كلام الشيخ في رسالته المذكورة بأنه لا وجه لعقد مسألة واحدة للجميع وان الصواب جعل عنوان مسألة تعارض الضررين عنوانا مستقلا ومسألة الإضرار بالغير كالولاية من قبل الجائر عنوانا آخر.

أقول- كأنه زاغ بصره الشريف عن الأمر الرابع الذي ذكره الشيخ (قده) في تلك الرسالة فإنه بعينه هو ما رامه. وعلى كل حال فلنرجع الى البحث عن المسألتين الأوليين التين عقد لهما هذا التنبيه. ثمَّ لنبحث عن الثالثة في التنبيه الاتى إنشاء اللّه فنقول ومنه سبحانه نستمد التوفيق والعناية.

أما الإضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس فهو أمر غير جائز بلا اشكال فلا يجوز توجيه السيل الى دار الغير دفعا له عن داره، ولا إلقاء الغير عند السبع لصرفه عن نفسه، ويدل عليه أدلة نفى الضرر لا سيما على المختار في معناها.

لا يقال- ان ترك الإضرار بالغير في مفروض البحث أيضا يشتمل على الضرر فكما ان فعله مستلزم للضرر على الغير فكذلك تركه أيضا مستلزم للضرر على نفسه فهو داخل في مسألة تعارض الضررين ولعل هذا هو الوجه في جعل الجميع مسألة واحدة لأنا نقول- ترك الإضرار بالغير في مفروض البحث ليس في حد ذاته ضرريا وانما هو ترك للمانع عن مقتضى الضرر، توضيحه: ان مقتضى الضرر في مفروض الكلام وهو توجه السيل أو السبع مثلا- موجود بحسب أسبابه الطبيعية لا بسبب فعل المكلف ولكن يمكن خارجا دفع أثره بتوجيهه نحو الغير وصرفه عن نفسه، فترك هذا انما هو‌ ترك للمانع لا إيجاد للمقتضي كما لا يخفى.

ومن هنا تعرف ان أدلة لا ضرر لا تشمل هذا الترك رأسا لعدم موضوع له هنا فلا يحتاج الى القول بانصرافها بقرينة ورودها مورد الامتنان كما يظهر من بعض كلماتهم، لان ذلك فرع وجود الموضوع والمقتضى لها وقد عرفت عدمه في المقام. هذا بالنسبة إلى المسألة الاولى.

واما المسألة الثانية وهو تحمل الضرر بنفسه لدفعه عن غيره، كما إذا توجه السيل بحسب أسبابه الطبيعية نحو الغير فدفعه الى داره حفظا لدار الغير عن الضرر، فقد عرفت انه لا دليل يقتضي وجوبه ولو بالإطلاق كي يحتاج الى نفيه بقاعدة نفى الضرر أو قاعدة نفى الحرج، فالقاعدة أجنبية عنه، والمرجع فيه هو البراءة، نعم لو كان هناك عموم أو إطلاق يقتضي وجوبه أمكن التمسك بالقاعدة على نفيه.

بقي في المقام «مسألة الإضرار بالغير عند الإكراه»، كالتولي من قبل الجائر مكرها إذا استلزم إضرارا وظلما على بعض العباد، الذي صرح الشيخ (قده) بجوازه في مقامات مختلفة؛ مدعيا ان الضرر بحسب طبعه الاولى وارادة المكره (بالكسر) متوجه نحو الغير فلا يجب ترك الإضرار به وتحمله عنه فهو عنده من صغريات المسألة السابقة، وقد تبعه على هذا المعنى كثير من متأخريه.

ولكن ما ذكره ممنوع جدا لأنا نمنع من اندراجه تحت تلك المسألة، بيان ذلك: ان الضرر في هذه الموارد انما يتوجه نحو الغير من ناحية فعل المكره (بالفتح) فمع قطع النظر عن فعله لا يتوجه إليه شي‌ء؛ وان شئت قلت: مسألة عدم وجوب تحمل الضرر عن الغير انما هو في المواطن التي يكون مقتضى الضرر بحسب أسبابه الطبيعية والخارجية مع قطع النظر عن فعل هذا المكلف موجودا ومتوجها نحو الغير، ولكن مكلفا آخر يقدر على إيجاد المانع عن تأثيره بتوجيه الضرر الى نفسه، وفي باب الإكراه ليس الأمر كذلك، فان الضرر بحسب أسبابه الطبيعية والخارجية لم يتوجه نحو الغير، وانما يتوجه اليه بسبب ارادة المكره (بالفتح).

واما ما أفاده العلامة المذكور قدس سره في بعض كلماته من ان توجه الضرر نحو الغير في موارد الإكراه انما هو بسبب ارادة المكره (بالكسر) فهو ممنوع جدا، لان مجرد ارادة المكره (بالكسر) لا يوجب توجيه الضرر نحو الغير ما لم يكن المكره (بالفتح) كالالة، نعم لو كان المكره (بالفتح) مقهورا للمكره بحيث يعد مضطرا على العمل على وفق ارادته أمكن القول بذلك، لان الضرر بحسب أسبابه الخارجية، ومنها ارادة المكره (بالكسر) توجه نحو الغير ولم يتوسط هناك ارادة المكره (بالفتح) واختياره، ولكن الأمر في موارد الإلجاء والاضطرار سهل لأنه لا يبقى هناك مجال للبحث عن جواز الإضرار وعدمه لارتفاع التكليف فيها رأسا.

اما إذا لم يكن المكلف ملجئا بل كان مكرها مع بقاء ارادته واختياره المقابل للاضطرار والإلجاء فتوجه الضرر نحو الغير لا يكون الا بتوسيط ارادته؛ فإرادته واختياره متوسط في البين وبدونه لا يكون الضرر متوجها نحو الغير. وما يظهر من كلماته قدس سره من ان الفعل لا يسند الى المكره (بالفتح) وان كان مباشرا؛ لضعفه وقوة السبب وهو المكره (بالكسر)، أيضا ضعيف فإن إسناد الفعل في المقام انما هو الى المباشر قطعا بحسب أنظار أهل العرف لمقام ارادته واختياره، وانما لا ينسب إليه إذا كان مضطرا وملجئا وكان كالالة لفعل المكره (بالكسر) أو ما يجرى مجراه.

ومن أشنع ما يلزم هذا القول ان مقتضاه جواز الإضرار بالغير في موارد الإكراه بما دون النفس مطلقا؛ ولو كان بالمضار المؤلمة المشجية في الأموال والأنفس، وان بلغت ما بلغت، لدفع ضرر يسير عن نفس المكره (بالفتح) وماله وعرضه، فان الحكم في باب تحمل الضرر عن الغير ذلك، لعدم وجوب تحمل ضرر يسير على نفسه دفعا لضرر كثير عن غيره (الا في موارد مستثناة كالنفوس وشبهها) وقد عرفت ان باب الإكراه عند العلامة الأنصاري قدس سره ومن تبعه من مصاديق مسألة تحمل الضرر المتوجه الى الغير فتدبر تعرف.

فتلخص من جميع ما ذكرنا ان مسألة الإكراه على الضرر كما في التولي من قبل الجائر وأشباهه لا تكون من باب تحمل الضرر عن الغير بتضرر النفس، وانما تكون‌ من باب «تعارض الضررين» فيجري عليها الاحكام الاتية في التنبيه الاتى إنشاء اللّه فكن على بصيرة منه.

التنبيه التاسع حكم تعارض الضررين :

إذا تعارض ضرران فان كان بالنسبة إلى شخص واحد كما إذا تضرر إنسان من شرب دواء من بعض الجهات وانتقع به من جهات أخر، فالحكم فيه واضح فان الواجب عليه ترك الضرر الأقوى والأخذ بالأضعف، لو قلنا بأن الإضرار بالنفس محرم مطلقا، وان كانا متساويين فالحكم فيه التخيير.

الا ان الكلام بعد في حرمة الإضرار بالنفس مطلقا حتى في الموارد التي يكون هناك غرض عقلائي مع صدق عنوان الضرر ولم يكن هناك خوف هلاك النفس، والحكم بالتحريم مطلقا وان كان مشهورا الا انه قد وقع التأمل فيه من بعض المعاصرين من جهة عدم قيام دليل عليه.

والمسألة تحتاج إلى مزيد تتبع وتأمل، ولكن لا إشكال في عدم شمول إطلاقات أدلة نفى الضرر لها فإنها ناظرة إلى الإضرار بالغير على ما هو التحقيق، فمسألة الإضرار بالنفس خارجة عن محل البحث وله موقف آخر.

واما إذا دار الأمر بين ضررين بالنسبة إلى شخصين، وهو المقصود بالبحث هنا فقد وقع الكلام في حكمه بين الاعلام؛ وقد مثلوا له بما إذا أدخلت الدابة رأسها في قدر مالك آخر بغير تفريط من المالكين ولم يمكن إخراج رأسه إلا بكسر أحدهما أو وقع دينار من شخص في محبرة غيره كذلك ومثلوا له أيضا بما إذا كان تصرف المالك في ملكه موجبا لتضرر جاره وتركه موجبا لتضرر نفسه، كما إذا احتاج الى حفر بئر في داره بما يتضرر منه جاره.

أقول- مسألة تعارض ضرر المالك وغيره بالتصرف في مال نفسه، لها أحكام خاصة لا تجري في مطلق تعارض الضررين فلذا عقدنا لها بحثا آخر سيوافيك فاذن‌ لا بد لنا من البحث في مقامين مختلفين؛ وقد عرفت آنفا ان مسألة التولي من قبل الجائر وسائر موارد الإكراه على إضرار الغير داخلة في باب تعارض الضررين وليست من باب تحمل الضرر المتوجه الى الغير، فما نذكره من الاحكام هنا شاملة لها أيضا فنقول:

المقام الأول فيما إذا تعارض ضرران ودار الأمر بين الإضرار بأحد الشخصين أو أحد المالين لا على التعيين :

ولم يكن منشأه تصرف المالك في خصوص ملكه وحاصل القول فيه ان التأمل التام في أدلة نفى الضرر يرشدنا إلى انها لا تشمل صورة تعارض الضررين، إما لأنها واردة مورد الامتنان فلا تشمل الا الموارد التي تكون قابلة له لا مثل المقام الذي لا يكون قابلا له على كل حال فتأمل. والا لانصرف اخبار الباب الى ما لا يلزم منه الضرر إلا في أحد طرفيه دون ما يلزم منه ذلك في كلا طرفيه، والوجه فيه ان ظاهر الأدلة ولو بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع ان الشارع المقدس أراد بنفي الضرر في عالم التشريع إعدامه من صفحة الوجود بالنسبة إلى مناسبات المكلفين بعضهم ببعض، وهذه الغاية إنما تنال إذا كان الضرر في أحد طرفي الفعل والترك لا في كليهما فكما أن إخراج رأس الدابة عن القدر بكسر القدر مستلزم للضرر على صاحب القدر فكذلك ذبح الدابة وحفظ القدر يوجب الإضرار على صاحبها فلا يحصل غرض تشريع هذا الحكم من واحد منهما والحاصل ان مناسبة الحكم والموضوع هنا مع قطع النظر عن ورود القاعدة مورد الامتنان تقتضي انصرافها عن مورد التعارض.

فاللازم التماس دليل آخر للحكم هنا، والذي يظهر لنا بعد الرجوع الى «سيرة العقلاء» في أمثال هذه المقامات وما يقتضيه «قاعدة الجمع بين الحقوق مهما أمكن» هو لزوم تقديم جانب الضرر الأقوى بان يكسر القدر أو المحبرة في المثالين السابقين إذا كانت قيمتهما أقل من قيمة الدابة- كما هو الغالب- ثمَّ يجعل الخسارة على المالكين جميعا لا على واحد منهما فقط، والوجه في تضمين صاحب الدابة شقصا من الخسارة ان كسر القدر انما كان لحفظ ماله، وفي تضمين صاحب القدر شقصا آخر ان توجه هذا الضرر الى المالين لم يكن بتفريط من صاحب الدابة حتى يكون ضامنا لجميع القيمة بل انما‌ وقع ما وقع لأسباب خارجية متساوية النسبة إلى كليهما فكلاهما متساويان في لزوم تحمل هذا الضرر بالنسبة والحاصل: ان الضرر الحاصل من إدخال الدابة رأسها في القدر قد نشأ من ناحية أمور خارجية من غير دخل لأحد المالكين فيها (كما هو مفروض البحث) وهذا الضرر كما انه متوجه الى صاحب الدابة من جهة متوجه الى صاحب القدر من جهة أخرى، فعلى كل منها قبول شقص من الخسارة الحاصلة من توجه أسباب الضرر، لئلا يلزم ترجيح بلا مرجح في تحمل الخسارة المتساوية النسبة إليهما، وأهمية أحد المالين بالنسبة إلى الأخر لا تؤثر في تضمين احد المالكين دون الآخر؛ بل يمكن ان يقال ان الخسارة عليهما تكون بنسبة ما لهما فصاحب الدابة يضمن من الخسارة الحاصلة بنسبتها وصاحب القدر بنسبته، غاية الأمر انه يراعى جانب الأهم في حفظ تشخص احد المالين، بافناء الأخر والانتقال الى بدله فيكسر القدر ويخلص الدابة، ولو كانا متساويين من جهة المالية فلا يبعد الحكم بالقرعة كما لا يخفى.

هذا كله إذا لم يكن توجه الضرر من تفريط من ناحية أحد المالكين والا كانت الخسارة عليه فقط دون الأخر كما هو ظاهر.

ومن هنا يظهر النظر فيما ذكروه في «كتاب الغصب» من انه: «إذا حصلت دابة في دار لا تخرج الا بهدمها ولم يكن تفريط من احد المالكين يهدم وتخرج الدابة ويضمن صاحب الدار لمصلحته» قلت مجرد كون الهدم لمصلحة صاحب الدابة لا يوجب استقرار تمام الخسارة عليه بعد ما كانت الخسارة بسبب أمور خارجية متوجهة إليهما ولم يكن تفريط من صاحب الدابة فاللازم هو الحكم باستقرارها عليهما، جمعا بين الحقين.

المقام الثاني في تعارض ضرر المالك وغيره :

إذا لزم من ترك تصرف المالك في ملكه ببعض أنحاء التصرفات ضرر عليه ولزم من تصرفه ضرر على غيره، فهل هو من قبيل تعارض الضررين حتى يحكم عليه بما قدمناه في التنبيه السابق، أو يجب ترجيح جانب المالك دائما؛ فله التصرف في ملكه بما يشاء،ىكيف يشاء أو فيه تفصيل؟

التحقيق ان هاهنا مسائل أربع: أحدها ما إذا لزم من ترك تصرف المالك في ملكه ضرر عليه ثانيها ما إذا لزم منه فوت بعض منافعه من دون توجه ضرر عليه ثالثها ما إذا لم يلزم شي‌ء منهما ولكن بدا له ذاك التصرف عبثا وتشهيا رابعها ما إذا كان قصده من ذلك التصرف الإضرار بالغير من دون ان ينتفع به أصلا، لا إشكال في عدم جواز الأخير بل الظاهر ان مورد رواية سمرة هو بعينه هذه الصورة.

واما باقي الصور فظاهر المحكى عن المشهور الحكم بالجواز فيها مطلقا بل ادعى الإجماع على الجواز في الصورة الاولى، ولكن صريح بعضهم كالمحقق قدس سره؛ وظاهر آخرين كالعلامة في التذكرة، والشهيد في الدروس رحمة اللّه عليهما، استثناء الصورة الأخيرة حيث قيد الأول منهما الجواز بصورة «دعاء الحاجة اليه» والأخير ان بما «جرت به العادة» ومن المعلوم ان مفروض الكلام في الصورة الثالثة ما لم تدع الحاجة اليه ولا جرت به السيرة. بل الظاهر انصراف كلمات غير هؤلاء الاعلام أيضا عن هذه الصورة وعدم شمولها لغير الصورتين الأولتين.

وإذ قد عرفت ذلك فاعلم ان الذي اختاره شيخنا العلامة (قده) في فرائد هو الحكم بتقديم جانب المالك في هاتين الصورتين، بالرجوع الى عموم قاعدة تسلط الناس على أموالهم وقاعدة لا حرج، بعد سقوط أدلة نفى الضرر بالنسبة إليهما للتعارض.

وأورد عليه المحقق النائيني (قده) بفساد الصغرى والكبرى، اما الصغرى يعنى عدم كون المقام من مصاديق الحرج بل ولا من مصاديق تعارض الضررين فملخص ما أفاده في بيانه هو ان الحرج ليس مطلق المشقة بل هو المشقة الجوارحية، فالمشقة الطارية على الجوانح من منع المالك عن التصرف في ملكه غير منفي بأدلة نفى الحرج؛ فليس المقام من مصاديق «الحرج» بل ولا من تعارض الضررين لان الضرر الحاصل للمالك من ترك تصرفه ليس في عرض الضرر الحاصل للجار عند التصرف حتى يتعارضان، بل أحدهما في طول الأخر، وذلك لان المجعول في هذه الواقعة ليس الا حكما واحدا؛ اما جواز تصرف المالك أو حرمته، فالأول ضرري للجار فقط. والثاني للمالك فقط؛ فليس هناك حكمان ينشأ‌ منهما الضرر عليهما حتى يتعارضان، نعم بعد شمول أدلة نفى الضرر لجواز تصرف المالك ينشأ منه حكم ضرري على المالك وهو عدم سلطنته على تصرفه في ماله بهذا النحو من التصرف؛ ولكن من المعلوم ان هذا الحكم انما نشأ من ناحية أدلة لا ضرر ولا يعقل ان يكون منفيا بها وفي عرضها، فليس المقام من باب تعارض الضررين.

واما فساد الكبرى (يعنى عدم جواز الرجوع الى قاعدة السلطنة وأدلة نفى الحرج بعد تعارض الضررين) فقد ذكر في وجهه ما حاصله: ان الرجوع الى العام عند تعارض المخصصات انما يصح في موارد تعارض المخصص مع ما في رتبته، واما إذا تولد من تخصيص العام بمخصص، فرد آخر من سنخ المخصص، ووقع التعارض بين هذين الفردين من افراد المخصص، فذلك لا يوجب الرجوع الى العام، والمقام من هذا القبيل فإن حكومة أدلة نفى الضرر على عموم تسلط الناس على أموالهم أوجب الحكم بعدم جواز تصرف المالك بذاك النحو من التصرف وهذا الحكم ضرري بالنسبة إلى المالك وان شئت قلت:

التعارض هنا بين مصداقين لمخصص معلوم لا بين دليلين مختلفين أحدهما مخصص للعام إجمالا. هذا كله بالنسبة الى عدم جواز الرجوع الى قاعدة السلطنة، واما عدم جواز الرجوع الى دليل نفى الحرج فلان الرجوع اليه انما يصح إذا كان حاكما على دليل نفى الضرر وهو ممنوع. انتهى كلامه ملخصا.

أقول- وما افاده قدس سره قابل للنقد من جهات شتى، ولنذكر أولا ما عندنا في حكم المسألة بجميع صورها ؛ ثمَّ لنشر الى مواضع الاشكال فيما افاده تحقيقا للحق وتوضيحا للمختار اما الأول:

لا ينبغي الإشكال في أن قاعدة السلطنة مع قطع النظر عن دليل لا ضرر قاصرة عن شمول بعض أنحاء التصرف في المال، فإنها انما تدل على جواز تصرف المالك في ماله بما جرت عليه سيرة العقلاء من أنحاء التصرفات، ولا دليل على جوازها فيما عداها؛ ومنه يظهر حال كثير من الأمثلة التي ذكروها في المقام فان التصرفات التي لا يكون في فعلها نفع للمالك ولا في تركها ضرر عليه عادة وانما يقصد بها مجرد الإضرار بغيره، وكذلك ما يصدر منه عبثا مع العلم بتضرر غيره منه ضررا معتدا به، لا دليل على جوازها أصلا فإنها خارجة عن حدود السلطنة العرفية العقلائية في باب الأموال كما لا يخفى على الخبير بأحوال العقلاء واعتباراتهم وأمثلتها.

والوجه فيه ان سلطنة المالك على ماله كسائر الاعتبارات العقلائية لها حدود معلومة لا يتعدى منها، ومن يتعد حدودها فهو خارج عن حيطة اعتباراتهم، ولعل من ذلك ما ذكروه من مثال جعل حانوت حداد في صف العطارين مما يوجب تضررا فاحشا على جيرانه، أو جعل داره مدبغة عظيمة يتأذى منه جيرانه ويشتد عليهم الأمر إلى حد بعيد لا يتحمل عادة، فهل ترى العقلاء من أهل العرف يجوزون ذلك وهل يرون دائرة سلطنة المالك على ماله تشتمل هذه النواحي؟

وبذلك يظهر ان قاعدة السلطنة في حد ذاتها قاصرة عن شمول الصورة الرابعة من صور المسألة المتقدمة، بل الصورة الثالثة أيضا، حتى مع قطع النظر عن ورود أدلة لا ضرر.

اما إذا كان تصرف المالك في ماله لغرض عقلائي في حدوده المتعارفة المعمولة فيما بينهم ولكن لزم منه ضرر على غيره ولزم من تركه ضرر عليه أو فات منه بعض المنافع؛ فهو أيضا على قسمين لأنه تارة يكون صدق عنوان الإضرار بالغير ملازما لصدق عنوان التصرف في ماله أيضا، بأن يكون تصرف المالك في ماله مستلزما لتصرف ضرري في مال غيره، ولو بعنوان التسبيب، كما إذا حفر بئرا في داره خرج منه نضيض كثيرا سقط جدار الجار أو أسقط بعض بيوته عن حيز الانتفاع، فإنه لا إشكال في صدق التصرف في ملك الغير بحفر البئر ولو بعنوان التسبيب في هذا المثال وأشباهه.

واخرى لا يصدق عليه هذا العنوان وان لزم منه تضرره، كما إذا رفع جداره على جانب جدار جاره بما يتضرر به ويتنزل قيمة داره، ولعل منه ما ذكروه- وورد في الروايات أيضا من- نقص ماء قناة لحفر قناة أخرى في أرض قريبة منها، وكذا فساد ماء بئر جاره لحفر البالوعة في داره في مكان قريب منه في بعض الصور لا في جميعها كما لا يخفى.

وإذ قد عرفت ذلك فاعلم انه ان كان من قبيل القسم الأول فهو من باب تعارض الضررين والسلطنتين؛ فكما ان قاعدة السلطنة مع قطع النظر عن أدلة لا ضرر جارية في حق هذا‌ المالك فيجوز له التصرف في داره بحفر البئر فكذلك جارية في حق الأخر فيجوز منعه مما يوجب تصرفا في داره بمقتضى سلطنته بنفس تلك القاعدة، فالتعارض بين السلطنتين، كما ان أدلة لا ضرر متساوية النسبة إلى كليهما فكما ان تصرفه في داره بحفر البئر يكون ضرريا فكذلك ترك تصرفه فالحكم هنا هو الحكم في باب تعارض الضررين الذي فصلناه في المقام الأول وحاصله لزوم الجمع بين الحقين مهما أمكن.

واما ان كان من القسم الثاني فالحكم فيه هو الرجوع الى قاعدة السلطنة بعد تعارض الضرر من الجانبين، بل قد عرفت إمكان القول بعدم شمول أدلة لا ضرر لمورد التعارض رأسا، اما لعدم المقتضى للامتنان أو لانصرافها الى غير هذه الصورة، وعلى كل تقدير لا إشكال في جواز الرجوع الى قاعدة السلطنة هنا والحكم بجواز مثل هذه التصرفات، فللمالك التصرف في ملكه (بأنحاء التصرفات المتعارفة) وان تضرر منه جاره ما لم يلزم منه تصرف في ملكه؛ سواء تضرر المالك من ترك هذا التصرف أو فاته بعض منافعه، بل ترك تصرفه في ملكه بما يترقب منه من المنافع ضرر عليه غالبا.

هذا كله إذا لم يرد دليل خاص على المنع من بعض أنواع التصرف كما ورد في باب حريم البئر، وقد مضى بعض رواياته واحكامه عند ذكر اخبار الباب ويطلب تفصيله من كتاب احياء الموات وغيره.

واما ما افاده المحقق السابق الذكر ففيه مواقع للنظر:

أما أولا فلان ما ذكره في نفى الصغرى من ان ضرر المالك ليس في عرض ضرر الجار لان المجعول في هذه الواقعة ليس إلا حكما واحدا- الى آخر ما افاده- ممنوع، لأنه مبنى على كون حكم نفى الضرر من قبيل الرفع لا الأعم منه ومن الدفع، مع انه لا إشكال في كونه أعم، وكما يمكن الاستدلال به على نفى جواز تصرف المالك في ملكه بهذا النوع من التصرف لكونه ضرريا، فكذلك يمكن نفى حرمته أيضا لأنه ضرري، ولا نحتاج الى ورود دليل دال على الحرمة والجواز كليهما بعمومه أو إطلاقه، حتى يرفع اليد عنه في مورد الضرر بدليل نفى الضرر، فما افاده (قده) من «انه‌ لا يتصور هنا الا حكم واحد وان الحكم بحرمة التصرف انما نشأ من شمول لا ضرر بجواز التصرف الثابت بعموم دليل السلطنة» خال عن التحصيل. بل الضرر الناشي من التصرف ومن تركه في حد سواء بالنسبة إلى أدلة نفى الضرر بعد كون النفي هنا أعم من الدفع والرفع.

وثانيا- ان ما افاده من عدم شمول لا ضرر للضرر الناشي من قبل هذا الحكم أيضا ممنوع، للقطع بعدم خصوصية لبعض أنواع الضرر في هذا الحكم الامتنانى ؛ وان جميع الأحكام الضررية متساوية الإقدام فيما من اللّه به على عباده من رفعها عنهم في عالمى التكليف والوضع وجعلهم في فسحة منها، فلو كان لتنقيح الملاك مورد فهذا مورده؛ هذا كله لو لم نقل بشمول الدليل له بمقتضى الدلالة اللفظية لأن الحكم ورد على عنوان عام وطبيعة سارية الى جميع مصاديقها.

وثالثا- ان ما أفاده في منع الكبرى من عدم جواز الرجوع الى عموم دليل السلطنة بعد تعارض الضررين لعدم كونهما في رتبة واحدة، ففيه مضافا الى ما عرفت من ابتنائه على مبنى فاسد وهو كون نفى الضرر من قبيل الرفع لا الأعم منه ومن الدفع، انه لا مناص هنا من الرجوع الى العام الفوق بعد هذا التعارض، لان البحث في الكبرى انما هو بعد الفراغ عن الصغرى وقبول وقوع التعارض بين الضررين، ومعلوم انه لا ترجيح لا حدهما على الآخر حينئذ، فكيف لا يتساقطان ولم لا يرجع الى عموم قاعدة السلطنة، وليت شعري إذا فرضنا صغرى التعارض بين مصداقي الضرر في المقام ولم يجز الرجوع الى قاعدة نفى الضرر فما الوجه في عدم جواز التمسك بدليل المحكوم أعني قاعدة السلطنة، وما المرجع في المقام لو لم تكن هي المرجع؟.

ورابعا- ان ما افاده من نفى صغرى «الحرج» نظرا إلى انه عبارة عن مشاق الجوارح لا الجوانح فهو أيضا بإطلاقه ممنوع، لان مشاق الجوانح أيضا كثيرا ما يصدق عليها عنوان الحرج، فالمصايب المؤلمة والحوادث المفجعة أمور حرجية بلا اشكال مع انها من مشاق الجوانح، وقد قال اللّه تعالى {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} [الأعراف: 2] وقال أيضا: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] نعم مطلق ضرر المالك ومنعه من التصرف في ملكه لا يكون مصداقا للحرج كما أفاده العلامة الأنصاري قدس اللّه سرّه، ولا يكون ذلك إلا في بعض الموارد التي يصعب على المالك تحمله جدا ويكون في صدره حرج منه وضيق.

التنبيه العاشر في انه لا فرق بين توجه ضرر «الحكم» الى خصوص من كلف به أو غيره :

إذا لزم من تكليف بعض المكلفين ضرر على غيره، كما في المرضعة القليلة اللبن إذا أضر صيامها بولدها وكما في الحامل المقرب، فهل يصح نفى وجوبه منها بدليل نفى الضرر كما ينفى وجوب الوضوء والغسل الضرريين به (على القول به).

الظاهر ذلك، لعموم الدليل فإن المنفي على هذا القول هو الأحكام الضررية ومن المعلوم ان حكم الصوم هنا ضرري ولو باعتبار الولد، ولا دليل على لزوم توجه الضرر الناشي من قبل الحكم الضرري إلى خصوص من كلف به، بل لا يبعد نفى وجوب مثل هذا الصوم على المختار من عدم جواز نفى وجوب الوضوء والصوم الضررين بها فان صيامها- والحال هذا- إضرار بالولد وقد نفى الشارع «إضرار الناس بعضهم ببعض في عالمى الوضع والتكليف» فيشمله أدلة نفى الضرر، ويؤيده أيضا نهيه سبحانه عن إضرار الأب والام بالولد في قوله تعالى {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] وقد مر الكلام في تفسير الآية في صدر الكتاب.

التنبيه الحادي عشر تأييد للمختار في معنى الحديث :

ذكر شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره في بعض كلماته في المقام اشكالا وجوابا عن بعض معاصريه لا بأس بنقله والبحث عنه لما فيه من تأييد المذهب المختار في معنى القاعدة.

حاصل الاشكال انه: كيف يجوز الاستدلال بقاعدة نفى الضرر لرفع التكاليف الضررية، مثل وجوب الحج والصوم والوضوء إذا لزم منها الضرر، مع ان الضرر ما لا يحصل نفع دنيوي أو أخروي في مقابله، ونحن نعلم من عموم أوامر هذه التكاليف لموارد الضرر ان لها عوضا دينيا أو دنيويا يربو على ضررها فلا تكون اذن ضررية وحاصل الجواب ان المعلوم كون العوض في قبال ماهية هذه الأمور، المستحقة في حالتي الضرر وعدمه، لا في قبال الفرد الضرري منها، فالضرر غير منجبر بالعوض، نعم لو كان المأمور به متضمنا للضرر دائما بنفسه كما في الحكم بأداء الزكاة وسائر الواجبات المالية كان هذا البيان حقا، انتهى ملخصا.

وأورد هو قدس سره على كل من الإيراد والجواب، اما على الأول فبان الضرر عبارة عن خصوص الضرر الدنيوي، واما المنافع الأخروية الحاصلة في قباله لا تخرجه عن كونه ضررا، وعلى الثاني بما لفظه: «انه لو سلم وجود النفع في ماهية الفعل أو في مقدماته كان تضرر بنفس الصوم أو بالحج أو بمقدماته يكون الأمر بذلك الفعل نفسيا أو مقدمة امرا بالتضرر فلا يبقى فرق بين الأمر بالزكاة والأمر بالصوم المضر أو الحج المضر بنفسه أو بمقدماته» هكذا أفاد.

أقول- الإنصاف ان ما ذكره هذا المعاصر للشيخ العلامة قدس سرهما بعنوان الاشكال تحقيق لا محيص عنه وقد عرفته سابقا عند بيان المختار في معنى القاعدة ببيان اوفى وأتم، وحاصل ما ذكرناه هناك ان إطلاقات الأوامر الشرعية إذا شملت مورد الضرر كما هو المفروض دلت بالالتزام على وجود المصلحة في مورد الفعل على‌ مذهب أهل العدل (لا على مجرد نفع أخروي كما ذكره هذا المعاصر) ومعها لا يصدق عليه عنوان الضرر.

واما ما افاده الشيخ العلامة من ان الأجر الأخروي لا يخرجه من تحت عنوان الضرر فهو غير متوجه الى هذا البيان لان مصالح الافعال المأمور بها الموجودة في نفس الافعال غير الأجور الأخروية التي تكون بإزاء اطاعتها، مع ان ما ذكره (قده) أيضا قابل للبحث.

فهل يصح في لسان أهل العرف من المتشرعين إطلاق عنوان الضرر والغرم بمالهما من المعنى الحقيقي على الإنفاق في سبيل اللّه وقد قال اللّه تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96] الى غير ذلك مما دل على عدم نفاد ما يعطى في سبيل اللّه وبقائه بحسب النتيجة والأثر وان فني من جهة العين والظاهر والقول بان هذه الإطلاقات والتعبيرات لا تمنع من صدق عنوان «الضرر» بحسب أنظار أهل العرف مع قطع النظر عن أيمانهم بالأخرة، مدفوع فان صدق عنوان الضرر لغة وعرفا تابع لتحقق نقص بلا منفعة واما تشخيص الانتفاع به وعدمه ليس بنظر العرف فلو رأى أهل العرف بحسب أنظارهم البادية المبنية على الغفلة عن المصالح الموجودة في متعلقات احكام الشرع تحقق هذا العنوان في بعض الموارد ولكن لم نرها بعد الدقة والتأمل فلا يلزمنا متابعتهم في إطلاق هذا اللفظ بعد ذلك والحكم بصدق العنوان المزبور في تلك الموارد.

التنبيه الثاني عشر هل الاقدام مانع عن شمول لا ضرر أم لا ؟

الحق انه لا فرق في جريان هذه القاعدة بين تحقق موضوع الضرر بأسباب خارجة عن اختيار المكلف وبين تحققه بسوء اختياره، كمن شرب دواءا يضر معه الصوم، أو أجنب نفسه متعمدا في حال يخاف من استعمال الماء، ففي جميع هذه المقامات يجوز نفى الوجوب بأدلة لا ضرر (على القول بشمولها لأمثال هذه التكاليف) وذلك لعموم الأدلة، وحصول الموضوع بسوء اختيار المكلف غير مانع منه، ودعوى انصراف‌ الإطلاقات إلى غيره ممنوعة.

نعم في الأمور المالية، وكلما يكون من سنخها من الحقوق، إذا أقدم المكلف بنفسه على موضوع ضرري لا يجوز نفى صحته بأدلة لا ضرر؛ لما أشرنا إليه سابقا من ان هذه الأمور بمقتضى طبعها الاولى أمرها بيد المكلف يصنع بها ما يشاء فإذا أقدم البالغ الرشيد على البيع بما دون ثمن المثل عن علم واختيار، كان بيعه صحيحا ولا يمكن نفى صحته بأدلة نفى الضرر، لا لمجرد ورودها مورد الامتنان ونفى الصحة هنا مناف له، لما عرفت من ان ورودها في مقام الامتنان من قبيل الحكمة لا العلة بل لان باب الأموال والحقوق المشابهة لها بحسب طبيعتها الأولية يقتضي ذلك ويكون المكلف سلطانا عليها ينفذ تصرفه فيها، ضرريا كان أم لا، فكما ان الهبة والصلح بدون العوض وأشباهها أمور ضررية لا يجوز نفى صحتها بأدلة نفى الضرر فكذلك البيع بما دون ثمن المثل وشبهه.

ومن هنا تعرف النظر فيما افاده الشيخ الأعظم العلامة الأنصاري قدس سره في المقام حيث قال: «لو أقدم على أصل التضرر كالإقدام على البيع بدون ثمن المثل عالما، فمثل هذا خارج عن القاعدة، لأن الضرر حصل بفعل الشخص لا من حكم الشارع» انتهى أقول- بل حصل الضرر بحكم الشارع وان تحقق موضوعه بفعل المكلف لأنه لو لم يمض هذا البيع لما كان مجرد اقدام المكلف على إنشاء البيع امرا ضرريا وان هو من هذه الجهة إلا كسائر الموضوعات الضررية التي أوجدها المكلف بسوء اختياره كمن أجنب متعمدا في حال يضر معه استعمال الماء. فالوجه في صحة هذه المعاملات ما قدمناه من ان نفوذ المعاملة من آثار السلطنة الثابتة للمالك على ماله يقبله كيف يشاء ولولاه لما كان سلطانا عليه وهو مناف لطبيعة الملكية وسلطنة المالك على أمواله كما هو ظاهر.

فرع- قد افتى غير واحد من الأصحاب في «كتاب الغصب» بوجوب رد الخشبة المغصوبة المستدخلة في البناء ، أو اللوح المغصوب المنصوب في السفينة، وان تضرر‌ منه الغاصب، وكذلك أفتوا بوجوب قلع الشجر وطم الحفر وضمان كل نقص يحدث بسببه فيمن غرس يغير أرضه وان جرت عليه من الدواهي ما جرت.

واستدل له بان الغاصب هو الذي أدخل الضرر على نفسه بسبب الغصب، وكأن المستدل بهذا ناظر الى ما أشرنا إليه من ان الضرر المقدم عليه في باب الأموال غير منفي بأدلة نفى الضرر، فلا يرد عليه ما ذكره الشيخ قدس سره في بعض كلماته في المقام من ان حصول موضوع الضرر بسوء الاختيار غير مانع من شمول أدلته.

هذا ولكن يرد عليه ان المالك لا يجوز له تضييع المال بل له نقله الى غيره بأي وجه كان فاقد امه على أمر يوجب التضييع والفساد لا يكون ممضى من قبل الشارع وكون الموضوع من قبيل الأموال لا يقتضي نفوذ مثل هذه الأمور فتأمل.

هذا ويمكن الاستدلال له بما دل على أخذ الغاصب بأشق الأحوال وفي بعض موارد المسألة بما دل على انه «ليس لعرق ظالم حق» كما قيل، فان هذه قواعد عقلائية قبل ان تكون شرعية يستند إليها العقلاء في أمورهم فهي المانع من شمول أدلة لا ضرر لمثل المقام، لا سيما مع ملاحظة ورودها مورد الامتنان الذي يكون الغاصب أجنبيا عنه، فورودها في هذا المقام وان لم يكن دليلا على المطلوب- كما عرفت- لكنه مؤيد له محالة.

ويمكن الاستدلال له أيضا بأنه داخل في المسألة التي مر ذكرها من عدم جواز الإضرار بالغير لدفع الضرر عن نفسه، فإن الأمر هنا وان كان دائرا بين إضرار مالك السفينة ومالك اللوح، الا ان الضرر بحسب أسبابه الشرعية التي تكون هنا كالأسباب الخارجية متوجه الى الغاصب لأنه الذي جعل مال الغير في محل يكون مأمورا بنزعه بحكم الشرع فالضرر أولا وبالذات متوجه اليه لا الى المالك فلا يجوز له دفع هذا الضرر عن نفسه بإضرار الغير فتأمل.

وقد ذكر المحقق النائيني هنا وجها آخر وهو ان الهيئة الحاصلة من نصب اللوح في السفينة ليست مملوكة للغاصب وإذا لم تكن مملوكة فرفعها ليس ضرارا عليه، لان الضرر عبارة عن نقص ما كان واجدا له.

وفيه- مضافا الى أنه تدقيق عقلي في أمر عرفي كما لا يخفى- ان الكلام ليس في مجرد رفع الهيئة الحاصلة من نصب اللوح في السفينة أو الخشبة في الدار فقط بل فيما يحدث من الخلل في محمولات السفينة وسائر أجزائه أيضا الحاصلة بسبب رفع هذه الهيئة الاتصالية؛ فرفعها وان كان رفعا لا مر غير مملوك ومن هذه الجهة لا يكون ضرريا، الا انه منشأ لمضار كثيرة أخرى فيما يملكه الغاصب لصيرورة السفينة بسببه معرضا للغرق والفساد، وكذا الحال في الحائط المبنى على خشبة الغير فإن إخراج الخشبة لا يوجب رفع الهيئة الاتصالية فقط، بل يوجب الفساد في سائر نواحي البنيان هذا آخر ما أردنا تحريره في بيان هذه القاعدة المهمة وفروعها ونتائجها والحمد للّه أولا وآخرا وقد وقع الفراغ من تسويده ضحوة الجمعة 27 رمضان المبارك سنة 1379 ببلدة قم المشرفة.

________________

(1) «سمرة» بفتح الأول وضم الثاني وفتح الثالث؛ و«جندب» بضم الأول وسكون الثاني وفتح الثالث على وزن «لعبة» صحابي من بنى شمخ بن فزارة. والذي يظهر من تتبع كتب الرجال والسير، لا سيما ما نقله العلامة المامقاني وابن ابى الحديد؛ في ترجمة الرجل انه كان من أشد الناس قسوة وعداوة لأهل البيت (عليهم السّلام) وشيعتهم، وكان لا يبالي بقتل الابرياء وجعل الأكاذيب وتحريف الكلم عن مواضعه، وإليك نبذ مما التقطناها من مخازيه :

1- ان معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم على ان يروى عن النّبي (صلى الله عليه واله) ان هذه الاية نزلت في على عليه السّلام {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204] - الى قوله تعالى- {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] وان هذه نزلت في ابن ملجم {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207] فلم يقبل فزاده حتى بلغ أربعمائة ألف فقبل! (نقله ابن ابى الحديد في شرحه على نهج البلاغة).

2- استخلف زياد سمرة بن جندب على البصرة فاتى الكوفة وقد قتل ثمانية آلاف من الناس (و في رواية من الشيعة!) فقال له زياد هل تخاف ان تكون قتلت أحدا بريئا؟ قال لو قتلت مثلهم ما خشيت! (رواه أبو جعفر الطبري في أحداث سنة خمسين من تاريخه).

3- قال سمرة: واللّٰه لو أطعت اللّٰه كما أطعت معاوية لما عذبني ابدا! (نقله الطبري وابن الأثير).

4- ان سمرة بن جندب عاش حتى حضر مقتل الحسين (عليه السلام) وكان من شرطة ابن زياد وكان في أيام مسير الحسين عليه السّلام الى العراق يحرض الناس على الخروج الى قتاله (نقله ابن ابى الحديد في شرحه) ولكن الذي يوهن هذه الرواية ما نقله من جماعة منهم البخاري انه مات سنة 58 وفي نقل آخر 59 وفي نقل ثالث 60 مع ان وقعة الطف كانت سنة 61 فتدبر .

ولو لم يكن دليل على فسق الرجل ومعاداته للحق وأوليائه إلا هذه الرواية المنقولة في المتن عن الجوامع المعتبرة الحاكية عن اعتدائه على الأنصاري، لكان كافيا، فإنه صريح في طغيانه واجترائه على رسول اللّٰه (صلى الله عليه واله) والتبارز بعصيانه قبال امره المؤكد بأنواع التأكيد وقد قال اللّٰه تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] بل قد يلوح منها أمارات كفره، فان من البعيد ان يكون الإنسان مؤمنا بالمعاد ووعده تعالى بالثواب والجزاء ثمَّ لا يقبل ضمان رسوله (صلى الله عليه واله) نعم الجنة له ضمانا صريحا بثمن بخس.

(2) قال شيخ الطائفة قدس سره في الخلاف في كتاب الشفعة في المسألة الثالثة: ومعنى أرف عليه اعلم عليه قال أبو عبيدة: يقال ارفتها تأريفا اى أعلمت لها علامات وهي لغة أهل الحجاز. انتهى كلامه.

(3) الأصح على ما في بعض النسخ «النقع» وهو فاضل الماء، يقال، نقع البئر» اى فاضل مائها

(4) في المجلد الرابع ص 345

(5) في المجلد الثالث ص 150

(6) اى لا يترك حتى يفعل ذلك.

(7) وفي نسخة: «يتقاسمان» والأصح هو الأول وهو من المقايسة.

(8) المجلد الخامس ص 326 و327.

(9) ذكرناها تحت الرقم 6.

(10) ذكرناها تحت الرقم 2 من أحاديث العامة

(11) ذكرناها تحت الرقم 4.

(12) ذكرناهما تحت الرقم 3 من أحاديث العامة.

(13) ذكرناهما تحت الرقم 3 من أحاديث العامة.

(14) ذكره في معنى الضر بالضم والتشديد وهو والضرر بالفتح والضرر بمعنى واحد كما وقع التصريح به في بعض كلمات اللغويين.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


عبر مؤسسة الإمام الرضا (ع) الخيرية.. ممثل المرجعية العليا يستقبل مجموعة من العوائل المتعففة ويقدم المساعدات اللازمة والضرورية لها
الأمين العام للعتبة الحسينية: العتبات المقدسة هي المظلة الروحية والملاذ الأمن لجميع أطياف الشعب العراقي تحت خيمة المرجعية العليا
بمشاركة (60) مشتركا..أكاديمية الوارث التابعة للعتبة الحسينية تسهم في تأهيل كادر العلاقات العامة في العتبة العسكرية عبر دورة تدريبية متخصصة
بناءً على تقييم شامل لمؤهلاتهم وأدائهم في المقابلة.. برنامج (رواد التبليغ) الذي تنفذه العتبة الحسينية يعلن قبول (30) طالبا ضمن دورته الأولى