URLfailed: 22 الأوامر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7452 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
أنزيم الكرياتين كاينيز (CK) Creatine Kinase
2024-04-16
أنزيم الفوسفاتيز القاعدي (ALP) Alkaline phosphatase
2024-04-16
أنزيم GPT
2024-04-16
أنزيم GOT
2024-04-16
الانزيمــات Enzymes
2024-04-16
البروتينات الدهنية عالية الكثافة (HDL)
2024-04-16

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الأوامر  
  
1718   12:52 مساءاً   التاريخ: 28-8-2016
المؤلف : الشيخ محمد رضا المظفر
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج1 ص 57- 79.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

وفيه بحثان:

- في مادة الأمر.

- وصيغة الأمر.

- وخاتمة في تقسيمات الواجب.

المبحث الأول مادة ( الأمر  ) :

وهي كلمة (الأمر) المؤلفة من الحروف (أ. م. ر) وفيها ثلاث مسائل:

1- معنى كلمة الأمر قيل: إن كلمة (الأمر) لفظ مشترك بين الطلب وغيره مما تستعمل فيه هذه الكلمة، كالحادثة والشأن والفعل، كما تقول (جئت لأمر كذا)، أو (شغلني أمر) أو (أتى فلأن بأمر عجيب). ولا يبعد إن تكون المعاني التي تستعمل فيه كلمة الأمر ما خلا الطلب ترجع إلى معنى واحد جامع بينها، وهو مفهوم (الشيء). فيكون لفظ الأمر مشتركا بين معنيين فقط: (الطلب) و (الشيء).

والمراد من الطلب: إظهار الإرادة والرغبة بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو نحو هذه الأمور مما يصح إظهار الإرادة والرغبة وإبرازهما به (1) فمجرد الإرادة والرغبة من دون إظهارها بمظهر ل تسمى طلبا، والظاهر إنه ليس كل طلب يسمى أمرا، بل بشرط مخصوص سيأتي ذكره في المسألة الثانية فتفسير الأمر بالطلب من باب تعريف الشيء بالأعم.

والمراد من الشيء من لفظ الأمر أيضا ليس كل شيء على الإطلاق، فيكون تفسيره به من باب تعريف الشيء بالأعم أيضا، فإن الشيء لا يقال له (أمر) الا إذا كان من الأفعال والصفات، ولذا لا يقال: رأيت أمر إذا رأيت إنسانا أو شجرا أو حائطا. ولكن ليس المراد من الفعل والصفة المعنى الحدثي أي المعنى المصدري بل المراد منه نفس الفعل أو الصفة بما هو موجود في نفسه يعني لم يلاحظ فيه جهة الصدور من الفاعل والإيجاد وهو المعبر عنه عند بعضهم بالمعنى: الاسم المصدري، أي ما يدل عليه اسم المصدر.

ولذا لا يشتق منه فلا يقال: (أمر. يأمر. أمر. مأمور) بالمعنى المأخوذ من الشيء، ولو كان معنى حدثيا لاشتق منه. بخلاف الأمر بمعنى الطلب فإن المقصود منه المعنى الحدثي وجهة الصدور والإيجاد، ولذا يشتق منه فيقال: (أمر. يأمر. أمر. مأمور).

والدليل على إن لفظ الأمر مشترك بين معنيين الطلب والشيء، لا إنه موضوع للجامع بينهما:

1- إن (الأمر) - كما تقدم - بمعنى الطلب يصح الاشتقاق منه، ولا يصح الاشتقاق منه بمعنى الشيء. والاختلاف بالاشتقاق وعدمه دليل على تعدد الوضع.

2- إن (الأمر) بمعنى الطلب يجمع على أوامر وبمعنى الشيء على (أمور) واختلاف الجمع في المعنيين دليل على تعدد الوضع.

 

2- اعتبار العلو في معنى الأمر: قد سبق إن الأمر يكون بمعنى الطلب، ولكن لا مطلقا بل بمعنى طلب مخصوص. والظاهر إن الطلب المخصوص هو الطلب من العالي إلى الداني، فيعتبر فيه العلو في الأمر، وعليه لا يسمى الطلب من الداني إلى العالي أمرا، بل يسمى (استدعاء). وكذا لا يسمى الطلب من المساوي إلى مساويه في العلو أو الحطة أمرا، بل يسمى (التماسا)، وإن استعمل الداني أو المساوي وأظهر علوه وترفعه وليس هو بعال حقيقة. أما العالي فطلبه يكون أمرا وإن لم يكن متظاهرا بالعلو، كل هذا بحكم التبادر وصحة سلب الأمر عن طلب غير العالي، ولا يصح إطلاق الأمر على الطلب من غير العالي الا بنحو العناية والمجاز وإن استعلى.

 3 دلالة لفظ الأمر على الوجوب: اختلفوا في دلالة لفظ الأمر بمعنى (الطلب) على الوجوب، فقيل: إنه موضوع لخصوص الطلب الوجوبي، وقيل: للأعم منه ومن الطلب الندبي. وقيل مشترك بينهما اشتراك لفظيا. وقيل غير ذلك.

والحق عندنا إنه دال على الوجوب وظاهر فيه، فيما إذا كان مجردا وعاريا عن قرينة على الاستحباب. وإحراز هذا الظهور بهذا المقدار كاف في صحة استنباط الوجوب من الدليل الذي يتضمن كلمة (الأمر) ولا يحتاج إلى إثبات منشأ هذ الظهور هل هو الوضع أو شيء آخر. ولكن من ناحية علمية صرفة يحسن إن نفهم منشأ هذ الظهور، فقد قيل: إن معنى الوجوب مأخوذ قيدا في الموضوع له لفظ الأمر.

وقيل: مأخوذ قيدا في المستعمل فيه إن لم يكن مأخوذا في الموضوع له، والحق إنه ليس قيدا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه. بل منشأ هذا الظهور من جهة حكم العقل بوجوب طاعة الأمر، فإن العقل يستقل بلزوم الانبعاث عن بعث المولى والإنزجار عن زجره، قضاء لحق المولوية والعبودية، فبمجرد بعث المولى يجد العقل إنه لا بد للعبد من الطاعة والانبعاث ما لم يرخص في تركه ويأذن في مخالفته. فليس المدلول للفظ الأمر الا الطلب من العالي، ولكن العقل هو الذي يلزم العبد الانبعاث ويوجب عليه الطاعة لأمر المولى ما لم يصرح المولى بالترخيص ويأذن بالترك.

وعليه فلا يكون استعماله في موارد الندب مغايرا لاستعماله في موارد الوجوب من جهة المعنى المستعمل فيه اللفظ. فليس هو موضوعا للوجوب، بل ولا موضوعا للأعم من الوجوب والندب، لأن الوجوب والندب ليسا من التقسيمات اللاحقة للمعنى المستعمل فيه اللفظ، بل من التقسيمات اللاحقة للأمر بعد استعماله في معناه الموضوع له.

المبحث الثاني صيغة الأمر : 

1 - معنى صيغة الأمر صيغة الأمر، أي هيئته، كصيغة افعل ونحوها:

 (1): تستعمل في موارد كثيرة: (منها) البعث، كقوله تعالى {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 103] {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] و (منها) التهديد، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } [فصلت: 40] و (منه) التعجيز، كقوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]. وغير ذلك، من التسخير، والإنذار، والترجي، والتمني، ونحوها، ولكن الظاهر إن الهيئة في جميع هذه المعاني استعملت في معنى واحد، لكن ليس هو واحدا من هذه المعاني، لأن الهيئة مثل (افعل) شأنها شأن الهيئات الأخرى وضعت لإفادة نسبة خاصة كالحروف ولم توضع لإفادة معان مستقلة، فل يصح إن يراد منها مفاهيم هذه المعاني المذكورة التي هي معان اسمية، وعليه فالحق إنها موضوعة للنسبة الخاصة القائمة بين المتكلم والمخاطب والمادة، والمقصود من المادة الحدث الذي وقع عليه مفاد الهيئة، مثل الضرب والقيام والقعود في اضرب وقم واقعد، ونحو ذلك.

وحينئذ ينتزع منها عنوان طالب ومطلوب منه ومطلوب. فقولنا: (اضرب)، يدل على النسبة الطلبية بين الضرب والمتكلم والمخاطب، ومعنى ذلك جعل الضرب على عهدة المخاطب وبعثه نحوه وتحريكه إليه، وجعل الداعي في نفسه للفعل. وعلى هذا فمدلول هيئة الأمر ومفادها هو النسبة الطلبية، وإن شئت فسمها النسبة البعثية، لغرض إبراز جعل المأمور به - أي المطلوب - في عهدة المخاطب، وجعل الداعي في نفسه وتحريكه وبعثه نحوه. ما شئت فعبر، غير إن هذا الجعل أو الإنشاء يختلف فيه الداعي له من قبل المتكلم، (فتارة) يكون الداعي له هو البعث الحقيقي وجعل الداعي في نفس المخاطب لفعل المأمور به، فيكون هذا الإنشاء حينئذ مصداقا للبعث والتحريك وجعل الداعي، أو إن شئت فقل يكون مصداقا للطلب، فإن المقصود واحد. و(أخرى) يكون الداعي له هو التهديد، فيكون مصداقا للتهديد، ويكون تهديد بالحمل الشايع.

و(ثالثة) يكون الداعي له هو التعجيز فيكون مصداقا للتعجيز وتعجيز بالحمل الشايع.. وهكذا في باقي المعاني المذكورة وغيرها.

والى هنا يتجلى ما نريد إن نوضحه، فإنا نريد إن نقول بنص العبارة، إن البعث أو التهديد أو التعجيز أو نحوه ليست هي معاني لهيئة الأمر قد استعملت في مفاهيمها - كما ظنه القوم - لا معاني حقيقة ولا مجازية، بل الحق إن المنشأ بها ليس الا النسبة الطلبية الخاصة، وهذ الإنشاء يكون مصداقا لأحد هذه الأمور باختلاف الدواعي فيكون تارة بعثا بالحمل الشايع وأخرى تهديدا بالحمل الشايع وهكذا لا إن هذه المفاهيم مدلولة للهيئة ومنشأة بها حتى مفهوم البعث والطلب لاختلطوا في الوهم بين المفهوم والمصداق هو الذي جعل أولئك يظنون إن هذه الأمور مفاهيم لهيئة الأمر وقد استعملت فيها استعمال اللفظ في معناه، حتى اختلفوا في إنه أيها المعنى الحقيقي الموضوع له الهيئة وأيها المعنى المجازي.

2 - ظهور الصيغة في الوجوب :

اختلف الأصوليون في ظهور صيغة الأمر في الوجوب وفي كيفيته على أقوال. والخلاف يشمل صيغة افعل وما شابهها وما بمعناها من صيغ الأمر والأقوال في المسألة كثيرة، وأهمها قولان:

(أحدهما) إنها ظاهرة في الوجوب، أم كونها موضوعة فيه، أو من جهة انصراف الطلب إلى أكمل الأفراد.

 (ثانيهما) إنها حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو - أي القدر المشترك - مطلق الطلب الشامل لهما من دون إن تكون ظاهرة في أحدهما، والحق إنها ظاهرة في الوجوب، ولكن لا من جهة كونها موضوعة للوجوب ولا من جهة كونها موضوعة لمطلق الطلب وإن الوجوب أظهر أفراده. وشأنها في ظهورها في الوجوب شأن مادة الأمر على ما تقدم هناك، من إن الوجوب يستفاد من حكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى ووجوب الانبعاث عن بعثه، قضاء لحق المولوية والعبودية، ما لم يرخص نفس المولى بالترك ويأذن به وبدون الترخيص فالأمر لو خلى وطبعه شأنه إن يكون من مصاديق حكم العقل بوجوب الطاعة ،  فيكون الظهور هذا ليس من نحو الظهورات اللفظية، ولا الدلالة هذه على الوجوب من نوع الدلالات الكلامية  إذ صيغة الأمر - كمادة الأمر - لا تستعمل في مفهوم الوجوب لا استعمالا حقيقيا ولا مجازيا، لأن الوجوب كالندب أمر خارج عن حقيقة مدلولها ولا من كيفياته وأحواله.

وتمتاز الصيغة عن مادة كلمة الأمر إن الصيغة لا تدل إلا على النسبة الطلبية كما تقدم، فهي بطريق أولى لا تصلح للدلالة على الوجوب الذي هو مفهوم اسمي، وكذا الندب، وعلى هذ فالمستعمل فيه الصيغة على كلا الحالين (الوجوب والندب) واحد لا اختلاف فيه ، واستفادة الوجوب - على تقدير تجردها عن القرينة على أذن الأمر بالترك - إنما هو حكم كالعقل كما قلنا، إذ هو من لوازم صدور الأمر من المولى ، ويشهد لما ذكرناه من كون المستعمل فيه واحدا في مورد الوجوب والندب ما جاء في كثير من الأحاديث من الجمع بين الواجبات والمندوبات بصيغة واحدة وأمر واحد أو أسلوب واحد مع تعدد الأمر، ولو كان الوجوب والندب من قبيل المعنيين للصيغة لكان ذلك في الأغلب من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو مستحيل، أو تأويله بإرادة مطلق الطلب البعيد أرادته من مساق الأحاديث فإنه تجوز - على تقديره - لا شاهد له ولا يساعد عليه أسلوب الأحاديث الواردة.

تنبيهان :

(الأول) ظهور الجملة الخبرية الدالة على الطلب في الوجوب.

اعلم إن الجملة الخبرية في مقام إنشاء الطلب شأنها شأن صيغة إفعل في ظهورها في الوجوب، كما أشرنا إليه سابقا، بقولنا صيغة افعل وما شابهه . والجملة الخبرية مثل قول: يغتسل. يتوضأ. يصلي بعد السؤال عن شيء يقتضي مثل هذا الجواب ونحو ذلك. والسر في ذلك إن المناط في الجميع، واحد فإنه إذا ثبت البعث من المولى بأي مظهر كان وبأي لفظ كان، فلا بد إن يتبعه حكم العقل بلزوم الانبعاث ما لم يأذن المولى بتركه ، بل ربما يقال إن دلالة الجملة الخبرية على الوجوب آكد، لأنها في الحقيقة أخبار عن تحقق الفعل بادعاء إن وقوع الامتثال من المكلف مفروغ عنه.

(الثاني) ظهور الأمر بعد الحظر أو توهمه.

قد يقع إنشاء الأمر بعد تقدم الحظر - أي المنع - أو عند توهم الحظر، كما لو منع الطبيب المريض عن شرب الماء، ثم قال له: اشرب الماء. أو قال ذلك عندما يتوهم المريض إنه ممنوع منه ومحظور عليه شربه ، وقد اختلف الأصوليون في مثل هذا الأمر إنه هل هو ظاهر في الوجوب أو ظاهر في الإباحة، أو الترخيص فقط أي رفع المنع فقط من دون التعرض لثبوت حكم آخر من إباحة أو غيرها، أو يرجع إلى ما كان عليه سابقا قبل المنع؟ على أقوال كثيرة وأصح الأقوال هو الثالث وهو دلالتها على الترخيص فقط. والوجه في ذلك: إنك قد عرفت إن دلالة الأمر على الوجوب إنما تنشأ من حكم العقل بلزوم الانبعاث ما لم يثبت الأذن بالترك.

ومنه تستطيع إن تتفطن إنه لا دلالة للأمر في المقام على الوجوب، لأنه ليس فيه دلالة على البعث وإنما هو ترخيص في العقل لا أكثر ، وأوضح من هذا إن نقول: إن مثل هذا الأمر هو إنشاء بداعي الترخيص في الفعل والإذن به، فهو لا يكون الا ترخيص وإذنا بالحمل الشايع ، ولا يكون بعثا الا إذا كان الإنشاء بداعي البعث ، ووقوعه بعد الحظر أو توهمه قرينة على كونه بداعي البعث، فلا يكون دالا على الوجوب وعدم دلالته على الإباحة بطريق أولى، فيرجع فيه إلى دليل آخر من أصل أو أمارة ، مثاله قوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا فإنه أمر بعد الحظر عن الصيد حال الإحرام فلا يدل على وجوب الصيد. نعم لو اقترن الكلام بقرينة خاصة على إن الأمر صدر بداعي البعث أو لغرض بيان إباحة الفعل فإنه حينئذ يدل على الوجوب أو الإباحة. ولكن هذا أمر آخر ل كلأم فيه، فإن الكلام في فرض صدور الأمر بعد الحظر أو توهمه مجردا عن كل قرينة أخرى غير هذه القرينة.

3 - التعبدي والتوصلي:

 تمهيد :

كل متفقه يعرف إن في الشريعة المقدسة واجبات لا تصح ولا تسقط أوامرها الا بإتيانها قريبة إلى وجه الله تعالى. وكونه قريبة إنما هو بإتيانها بقصد امتثال أوامرها أو بغيره من وجوه قصد القربة إلى الله تعالى، على ما ستأتي الإشارة إليها ، وتسمى هذه الواجبات (العباديات)أو(التعبديات) كالصلاة والصوم ونحوها، وهناك واجبات أخرى تسمى (التوصليات) وهي التي تسقط أوامرها بمجرد وجودها وإن لم يقصد بها القربة، كإنقاذ الغريق وأداء الدين ودفن الميت وتطهير الثوب والبدن للصلاة، ونحو ذلك.

وللتعبدي والتوصلي تعريف آخر كان مشهورا عند القدماء وهو إن التوصلي : (ما كان الداعي للأمر به معلوما) وفي قباله التعبدي وهو: (ما لم يعلم الغرض منه) ، وإنما سمي تعبديا لأن الغرض الداعي للمأمور ليس الا التعبد بأمر المولى فقط ، ولكن التعريف غير صحيح ال إذا أريد به اصطلاح ثان للتعبدي والتوصلي، فيراد بالتعبد التسليم لله تعالى فيم أمر به وإن كان المأمور به توصليا بالمعنى الأول، كما يقولون مثلا: (نعمل هذ تعبدا) ويقولون: (نعمل هذا من باب التعبد) أي نعمل هذا من باب التسليم لأمر الله وإن لم نعلم المصلحة فيه ، وعلى ما تقدم من بيان معنى التوصلي والتعبدي - المصطلح الأول - فإن علم حال واجب بأنه تعبدي أو توصلي فلا إشكال، وإن شك في ذلك فهل الأصل كونه تعبديا أو توصليا؟ فيه خلاف بين الأصوليين. وينبغي لتوضيح ذلك وبيان المختار تقديم أمور:

 (أ) منشأ الخلاف وتحريره إن منشأ الخلاف هنا هو الخلاف في أمكان اخذ قصد القربة في متعلق الأمر - كالصلاة مثلا - قيدا له على نحو الجزء أو الشرط، على وجه يكون المأمور به المتعلق للأمر هو الصلاة المأتي بها بقصد القربة، بهذا القيد، كقيد الطهارة فيها إذ يكون المأمور به الصلاة عن طهارة المجردة عن هذا القيد من حيث هي هي، فمن قال بإمكان أخذ هذا القيد - وهو قصد القربة - كان مقتضى الأصل عنده التوصلية، الا إذا دل دليل خاص على التعبدية، كسائر القيود الأخرى، لما عرفت إن إطلاق كلام المولى حجة يجب الأخذ به ما لم يثبت التقييد، فعند الشك في اعتبار قيد يمكن أخذه في المأمور به فالمرجع (أصالة الإطلاق) لنفي اعتبار ذلك القيد، ومن قال باستحالة أخذ قيد قصد القربة فليس له التمسك بالإطلاق، لأن الإطلاق ليس الا عبارة عن عدم التقييد فيما من شأنه التقييد، لأن التقابل بينهما من باب تقابل العدم والملكة (الملكة هي التقييد، وعدمها الإطلاق). وإذا استحالت الملكة استحال عدمها بما هو عدم ملكة، لا بما هو عدم مطلق، وهذا واضح لأنه إذا كان التقييد مستحيلا فعدم التقييد في لسان الدليل لا يستكشف منه إرادة الإطلاق، فإن عدم التقييد يجوز إن يكون لاستحالة التقييد ويجوز إن يكون لعدم إرادة التقييد، ولا طريق لإثبات الثاني بمجرد عدم ذكر القيد وحده.

وبعد هذا نقول: إذا شككنا في اعتبار شيء في مراد المولى وما تعلق به غرضه واقعا، ولم يمكن له بيانه فلا محالة يرجع ذلك إلى الشك في سقوط الأمر إذا خلا المأتي به من ذلك القيد الا شكوك ، وعند الشك في سقوط الأمر - أي في امتثاله - يحكم العقل بلزوم الإتيان به مع القيد المشكوك كيما يحصل له العلم بفراغ ذمته من التكليف، لأنه إذا اشتغلت الذمة بواجب يقينا فلا بد من إحراز الفراغ منه في حكم العقل. وهذا معنى ما اشتهر في لسان الأصوليين من قولهم: (الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني) وهذا ما يسمى عندهم بأصل الاشتغال أو أصالة الاحتياط

(ب)- محل الخلاف من وجوب قصد القربة إن محل الخلاف في المقام هو أمكان اخذ قصد امتثال الأمر في المأمور به. وأما غير قصد الامتثال من وجوه قصد القربة، كقصد محبوبية الفعل المأمور به الذاتية باعتبار إن كل مأمور به لا بد إن يكون محبوب للأمر ومرغوبا فيه عنده، وكقصد التقرب إلى الله تعالى محضا بالفعل لا من جهة قصد امتثال أمره بل رجاءا لرضاه، ونحو ذلك من وجوه قصد القربة فإن كل هذه الوجوه لا مانع قطعا من اخذها قيدا للمأمور به، ولا يلزم المحال الذي ذكروه في أخذ قصد الامتثال على ما سيأتي ، ولكن الشأن في إن هذه الوجوه هل هي مأخوذة في المأمور به فعلا على نحو لا تكون العبادة عبادة الا بها؟ الحق إنه لم يؤخذ شيء منها في المأمور به.

والدليل على ذلك ما نجده من الاتفاق على صحة العبادة - كالصلاة مثلا - إذا أتى بها بداعي أمره مع عدم قصد الوجوه الأخرى. ولو كان غير قصد الامتثال من وجوه القربة مأخوذا في المأمور به لما صحت العبادة ولما سقط أمرها بمجرد الإتيان بداعي أمرها بدون قصد ذلك الوجه. فالخلاف - أذن - منحصر في أمكان أخذ قصد الامتثال واستحالته.

(ج‍)- الإطلاق والتقييد في التقسيمات الأولية للواجب إن كل واجب في نفسه له تقسيمات باعتبار الخصوصيات التي يمكن إن تلحقه في الخارج، مثلا - الصلاة تنقسم في ذاتها مع قطع النظر عن تعلق الأمر بها إلى:

1- ذات سورة، وفاقدتها.

2- ذات تسليم، وفاقدته.

3- صلاة عن طهارة، وفاقدتها.

4- صلاة مستقبل بها القبلة، وغير مستقبل بها.

5- صلاة مع الساتر وبدونه.

وهكذا يمكن تقسيمها إلى ما شاء الله من الأقسام بملاحظة أجزائها وشروطها وملاحظة كل ما يمكن فرض اعتباره فيها وعدمه. وتسمى مثل هذه التقسيمات: التقسيمات الأولية ، لأنه تقسيمات تلحقها في ذاتها مع قطع النظر عن فرض تعلق شيء بها، وتقابله التقسيمات الثانوية التي تلحقها بعد فرض تعلق شيء بها كالأمر مثلا وسيأتي ذكره.

فإذا نظرنا إلى هذه التقسيمات الأولية للواجب فالحكم بالوجوب بالقياس إلى كل خصوصية منها لا يخلو في الواقع من أحد احتمالات ثلاثة:

(1) إن يكون مقيدا بوجودها، ويسمى ب‍ (شرط شيء) مثل شرط الطهارة والساتر وإلاستقبال والسورة والركوع والسجود وغيره من إجزاء وشرائط بالنسبة إلى الصلاة.

(2) إن يكون مقيدا بعدمها، ويسمى ب‍شرط لا، مثل شرط الصلاة بعدم الكلام والقهقهة والحديث، إلى غير ذلك من قواطع الصلاة.

(3) إن يكون مطلقا بالنسبة اليهما أي غير مقيد بوجودها ولا بعدمها ويسمى (لا بشرط)، مثل عدم اشتراط الصلاة بالقنوت، فإن وجوبها غير مقيد بوجوده ولا بعدمه ، هذا في مرحلة الواقع والثبوت، وأما في مرحلة الإثبات والدلالة، فإن الدليل الذي يدل على وجوب شيء إن دل على اعتبار قيد فيه أو على اعتبار عدمه فذاك، وإن لم يكن الدليل متضمنا لبيان التقييد بما هو محتمل التقييد لا وجودا ولا عدما، فإن المرجع في ذلك هو أصالة الإطلاق، إذا توفرت المقدمات المصححة للتمسك بأصالة الإطلاق على ما سيأتي في بابه - وهو باب المطلق والمقيد -، وبأصالة الإطلاق يستكشف إن إرادة المتكلم الأمر متعلقة بالمطلق واقعا، أي إن الواجب لم يؤخذ بالنسبة إلى القيد ال على نحو اللابشرط.

(د)- عدم أمكان الإطلاق والتقييد في التقسيمات الثانوية للواجب والخلاصة إنه لا مانع من التمسك بالإطلاق لرفع احتمال التقييد في التقسيمات الأولية. ثم إن كل واجب - بعد ثبوت الوجوب وتعليق الأمر به واقعا - ينقسم إلى م يؤتى به في الخارج بداعي أمره، وما يؤتى به لا بداعي أمره. ثم ينقسم أيضا إلى معلوم الواجب ومجهوله.

وهذه التقسيمات تسمى التقسيمات الثانوية لأنها من لواحق الحكم وبعد فرض ثبوت الوجوب واقعا، إذ قبل تحقق الحكم لا معنى لفرض إتيان الصلاة - مثلا - بداعي أمرها، لأن المفروض في هذه الحالة لا أمر بها حتى يمكن فرض قصده ، وكذا الحال بالنسبة إلى العلم والجهل بالحكم. وفي مثل هذه التقسيمات يستحيل التقييد أي تقييد المأمور به، لأن قصد امتثال الأمر - مثلا - فرع وجود الأمر، فكيف يعقل إن يكون الأمر مقيدا به ولازمه إن يكون الأمر فرع قصد الأمر، وقد كان قصد الأمر فرع وجود الأمر، فيلزم إن يكون المتقدم متأخرا والمتأخر متقدما. وهذا خلف أو دور، وإذ استحال التقييد استحال الإطلاق أيضا، لما قلنا سابقا إن الإطلاق من قبيل عدم الملكة بالقياس إلى التقييد فلا يفرض الا في مورد قابل للتقييد ومع عدم أمكان التقييد ل يستكشف من عدم التقييد إرادة الإطلاق.

(النتيجة) وإذا عرفنا هذه المقدمات يحسن بن إن نرجع إلى صلب الموضوع، فنقول: قد اختلف الأصوليون في إن الأصل في الواجب - إذ شك في كونه تعبديا أو توصليا - هل إنه تعبدي أو توصلي؟ ذهب جماعة إلى إن الأصل في الواجبات إن تكون عبادية الا إن يقوم دليل خاص على عدم دخل قصد القربة في المأمور به، لأنه لا بد من الإتيان به تحصيلا للفراغ اليقيني مع عدم الدليل على الاكتفاء بدونه ولا يمكن التمسك بالإطلاق لنفيه حسب الفرض وقد تقدم ذلك في الأمر الأول فتكون أصالة الاحتياط في المرجع هنا وهي تقتضي العبادية، وذهب جماعة إلى إن الأصل في الواجبات إن تكون توصلية، لا لأجل التمسك بأصالة الإطلاق في نفس الأمر، ولا لأجل أصالة البراءة من اعتبار قيد القربة، بل نتمسك لذلك بإطلاق المقام. توضيح ذلك: إنه لاريب في إن المأمور به إطلاقا وتقييدا يتبع الغرض سعة وضيقا، فإن كان القيد دخيل في الغرض فلا بد من بيانه وأخذه في المأمور به قيدا وإلا فلا.

غير إن ذلك فيما يمكن أخذه من القيود في المأمور به - كما في التقسيمات الأولية- أما ما لا يمكن أخذه في المأمور به قيدا - كالذي نحن فيه وهو قيد قصد الامتثال - فلا يصح من الأمر إن يتغافل عنه حيث لا يمكن أخذه قيدا في الكلام الواحد المتضمن للأمر، بل لا مناص له من أتباع طريقة أخرى ممكنة لاستيفاء غرضه، ولو بأنشاء أمرين أحدهما يتعلق بذات الفعل مجردا عن القيد، والثاني يتعلق بالقيد. مثلا - لو فرض إن غرض المولى قائم بالصلاة المأتي بها بداعي أمرها فإنه إذا لم يمكن تقييد المأمور به بذلك في نفس الأمر المتعلق بها لما عرفت من امتناع التقييد في التقسيمات الثانوية.. فلا بد له (أي الأمر) لتحصيل غرضه إن يسلك طريقة أخرى كان يأمر أولا بالصلاة ثم يأمر ثانيا بإتيانها بداعي أمرها الأول، مبينا ذلك بصريح العبارة. وهذان الأمران يكونان في حكم أمر واحد ثبوتا وسقوطا، لأنهما ناشئ إن من غرض واحد، والثاني يكون بيانا للأول، فمع عدم امتثال الأمر الثاني لا يسقط الأمر الأول بامتثاله فقط وذلك بأن يأتي بالصلاة مجردة عن قصد أمرها، فيكون الأمر الثاني بانضمامه إلى الأول مشتركا مع التقييد في النتيجة وإن لم يسم تقييدا اصطلاحا. إذا عرفت ذلك، فإذا أمر المولى بشيء - وكان في مقام البيان - واكتفى بهذا الأمر، ولم يلحقه بما يكون بيان له فلم يأمر ثانيا بقصد الامتثال، فإنه يستكشف منه عدم دخل قصد الامتثال في الغرض، وإلا لبينه بأمر ثان ، وهذا ما سميناه بإطلاق المقام وعليه فالأصل في الواجبات كونها توصلية حتى يثبت بالدليل إنها تعبدية.

 4 - الواجب العيني وإطلاق الصيغة الواجب العيني: (ما يتعلق بكل مكلف ولا يسقط بفعل الغير) كالصلاة اليومية والصوم ويقابله الواجب الكفائي، وهو: (المطلوب فيه وجود الفعل من أي مكلف كان) فيسقط بفعل بعض المكلفين عن الباقي، كالصلاة عن الميت وتغسيله ودفنه. وسيأتي في تقسيمات الواجب ذكرهما ، وفيما يتعلق في مسألة تشخيص الظهور نقول: إن دل الدليل على إن الواجب عيني أو كفائي فذاك، وإن لم يدل فإن إطلاق صيغة افعل تقتضي إن يكون عينيا سواء أتى بذلك العمل شخص آخر أم لم يأت به، فإن العقل يحكم بلزوم امتثال الأمر ما لم يعلم سقوطه بفعل الغير. فالمحتاج إلى مزيد البيان على أصل الصيغة هو الواجب الكفائي، فإذا لم ينصب المولى قرينة على أرادته - كما هو المفروض - يعلم إن مراده الوجوب العيني. 5 - الواجب التعييني وإطلاق الصيغة الواجب التعييني: هو (الواجب بلا واجب آخر يكون عدلا له وبديلا عنه في عرضه) كالصلاة اليومية. ويقابله الواجب التخييري كخصال كفارة الإفطار العمدي في صوم رمضان، المخيرة بين إطعام ستين مسكينا، وصوم شهرين متتابعين، وعتق رقبة ، وسيأتي في الخاتمة توضيح الواجب التعييني والتخييري ، فإذا علم واجب إنه من أي القسمين فذاك، وإلا فمقتضى إطلاق صيغة الأمر وجوب ذلك الفعل سواء أتى بفعل آخر أم لم يأت به، فالقاعدة تقتضي عدم سقوطه بفعل شيء آخر، لأن التخيير محتاج إلى مزيد بيان مفقود.

6- الواجب النفسي وإطلاق الصيغة الواجب النفسي: هو (الواجب لنفسه لا لأجل واجب آخر) كالصلاة اليومية ويقابله الواجب الغيري كالوضوء فإنه إنما يجب مقدمة للصلاة الواجبة، لا لنفسه إذ لو لم تجب الصلاة لما وجب الوضوء ، فإذا شك في واجب إنه نفسي أو غيري فمقتضى إطلاق تعلق الأمر به سواء وجب شيء آخر أم لا، إنه واجب نفسي فالإطلاق يقتضي النفسية ما لم تثبت الغيرية.

 7 - الفور والتراخي : اختلف الأصوليون في دلالة صيغة الأمر على الفور والتراخي على أقوال.

 1 - إنها موضوعة للفور. 2 - إنها موضوعة للتراخي. 3 - إنه موضوعة لهما على نحو الاشتراك اللفظي. 4 - إنها غير موضوعة لا للفور ولا للتراخي ولا للأعم منهما، بل لا دلالة لها على أحدهما بوجه من الوجوه ، وإنما يستفاد أحدهم من القرائن الخارجية التي تختلف باختلاف المقامات. والحق هو الأخير.

والدليل عليه: ما عرفت من إن صيغة افعل إنما تدل على النسبة الطلبية، كما إن المادة لم توضع ال لنفس الحدث غير الملحوظة معه شيء من خصوصياته الوجودية ، وعليه فلا دلالة لها - ل بهيئتها ولا بمادتها - على الفور أو التراخي بل لا بد من دال آخر على شيء منهما، فإن تجردت عن الدال الآخر فإن ذلك يقتضي جواز الإتيان بالمأمور به على الفور أو التراخي ، هذا بالنظر إلى نفس الصيغة، أما بالنظر إلى الدليل الخارجي المنفصل فقد قيل بوجود الدليل على الفور في جميع الواجبات على نحو العموم الا ما دل عليه دليل خاص ينص على جواز التراخي فيه بالخصوص وقد ذكروا لذلك آيتين:

(الأولى) - قوله تعالى في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } [آل عمران: 133]. وتقريب الاستدلال بها إن المسارعة إلى المغفرة لا تكون الا بالمسارعة إلى سببها، وهو الإتيان بالمأمور به، لأن المغفرة فعل الله تعالى فلا معنى لمسارعة العبد إليها ، وعليه فيكون الاسراع إلى فعل المأمور به واجبا لما مر من ظهور صيغة افعل في الوجوب.

(الثانية) - قوله تعالى في سورة البقرة 148 والمائدة 48: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} فإن الاستباق بالخيرات عبارة أخرى عن الإتيان بها فورا.

و(الجواب) عن الاستدلال بكلت الآيتين: إن الخيرات وسبب المغفرة كما تصدق على الواجبات تصدق على المستحبات أيضا، فتكون المسارعة والمسابقة شاملتين لما هما في المستحبات أيضا. ومن البديهي عدم وجوب المسارعة فيها، كيف وهي يجوز تركها رأسا، وإذا كانتا شاملتين للمستحبات بعمومهم كان ذلك قرينة على إن طلب المسارعة ليس على نحو الإلزام فلا تبقى لهما دلالة على الفورية في عموم الواجبات.

بل لو سلمنا باختصاصهما في الواجبات لوجب صرف ظهور صيغة افعل فيها في الوجوب وحملها على الاستحباب، نظرا إلى إنا نعلم عدم وجوب الفورية في أكثر الواجبات، فيلزم تخصيص الأكثر بإخراج أكثر الواجبات عن عمومها، ولاشك إن الإتيان بالكلام عاما مع تخصيص الأكثر وإخراجه من العموم بعد ذلك قبيح في المحاورات العرفية ويعد الكلام عند العرف مستهجنا، فهل ترى يصح لعارف بأساليب الكلام إن يقول مثلا: (بعت أموالي)، ثم يستثني واحدا فواحدا حتى لا يبقى تحت العام إلا القليل؟ لشك في إن هذا الكلام يعد مستهجنا لا يصدر عن حكيم عارف ، أذن لا يبقى مناص من حمل الآيتين على الاستحباب.

8 - المرة والتكرار (3) : واختلفوا أيضا في دلالة صيغة افعل على المرة والتكرار على أقوال،

كاختلافهم في الفور والتراخي والمختار هنا كالمختار هناك، والدليل نفس الدليل من عدم دلالة الصيغة لا بهيئتها ولا بمادتها على المرة ولا التكرار، لما عرفت من إنه لا تدل على أكثر من طلب نفس الطبيعة من حيث هي فلا بد من دال آخر على كل منهم ، أما الإطلاق فإنه يقتضي الاكتفاء بالمرة ، وتفصيل ذلك: إن مطلوب المولى لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة (ويختلف الحكم فيها من ناحية جواز الاكتفاء وجواز التكرار) :

1- إن يكون المطلوب صرف وجود الشيء بلا قيد ولا شرط ، بمعنى إنه يريد ألا يبقى مطلوبه معدوما، بل يخرج من ظلمة العدم إلى نور الوجود لا أكثر، ولو بفرد واحد ولا محالة - حينئذ - ينطبق المطلوب قهرا على أول وجوداته، فلو أتى المكلف بما أمر به أكثر من مرة فالامتثال يكون بالوجود الأول، ويكون الثاني لغوا محضا، كالصلاة اليومية.

2- إن يكون المطلوب الوجود الواحد بقيد الوحدة، أي بشرط ألا يزيد على أول وجوداته فلو أتى المكلف حينئذ بالمأمور به مرتين لا يحصل الامتثال أصلا، كتكبيرة الإحرام للصلاة فإن الإتيان بالثانية عقيب الأولى مبطل للأولى وهي تقع باطلة.

3- إن يكون المطلوب الوجود المتكرر، أما بشرط تكرره فيكون المطلوب هو المجموع بما هو مجموع، فلا يحصل الامتثال بالمرة أصلا كركعات الصلاة الواحدة، وأما لا بشرط تكرره بمعنى إنه يكون المطلوب كل واحد من الوجودات كصوم أيام شهر رمضان، فلكل مرة امتثالها الخاص ، ولاشك إن الوجهين الأخيرين يحتاجان إلى بيان زائد على مفاد الصيغة، فلو أطلق المولى ولم يقيد بأحد الوجهين - وهو في مقام البيان - كان إطلاقه دليلا على إرادة الوجه الأول. وعليه يحصل الامتثال - كما قلنا - بالوجود الأول ولكن لا يضر الوجود الثاني، كم إنه لا أثر له في الامتثال وغرض المولى. ومما ذكرنا يتضح إن مقتضى الإطلاق جواز الإتيان بأفراد كثيرة معا دفعة واحدة ويحصل الامتثال بالجميع ، فلو قال المولى: تصدق على مسكين، فمقتضى الإطلاق جواز الاكتفاء بالتصدق مرة واحدة على مسكين واحد، وحصول الامتثال بالتصدق على عدة مساكين دفعة واحدة، ويكون امتثالا واحدا بالجميع لصدق صرف الوجود على الجميع، إذ الامتثال كما يحصل بالفرد الواحد يحصل بالأفراد المجتمعة بالوجود.

9 - هل يدل نسخ الوجوب على الجواز؟ :

إذا وجب شيء في زمان بدلالة الأمر، ثم نسخ ذلك الوجوب قطعا. فقد اختلفوا في بقاء الجواز الذي كان مدلولا للأمر، لأن الأمر كان يدل على جواز الفعل مع المنع من تركه، فمنهم من قال ببقاء الجواز ومنهم من قال بعدمه ، ويرجع النزاع - في الحقيقة - إلى النزاع في مقدار دلالة نسخ الوجوب، فإن فيه احتمالين:

1 - إنه يدل على رفع خصوص المنع من الترك فقط، وحينئذ تبقى دلالة الأمر على الجواز على حالها ل يمسها النسخ وهو القول الأول ومنشأ هذا إن الوجوب ينحل إلى الجواز والمنع من الترك ولا شأن في النسخ الا رفع المنع من الترك فقط ولا تعرض له لجنسه وهو الجواز أي الأذن في الفعل.

2 - إنه يدل على رفع الوجوب من أصله، فلا يبقى لدليل الوجوب شيء يدل عليه. ومنشأ هذا هو إن الوجوب معنى بسيط لا ينحل إلى جزأين فلا يتصور في النسخ إنه رفع للمنع من الترك فقط. والمختار هو القول الثاني، لأن الحق إن الوجوب أمر بسيط، وهو الإلزام بالفعل ولازمه المنع من الترك، كما إن الحرمة هي المنع من الفعل ولازمها الإلزام بالترك، وليس الإلزام بالترك الذي هو معناه وجوب الترك جزءا من معنى حرمة الفعل، وكذلك المنع من الترك الذي معناه حرمة الترك ليس جزءا من معنى وجوب الفعل، بل أحدهما لازم للآخر ينشأ منه تبعا له. فثبوت الجواز بعد النسخ للوجوب يحتاج إلى دليل خاص يدل عليه ولا يكفي دليل الوجوب، فلا دلالة لدليل الناسخ ول لدليل المنسوخ على الجواز، ويمكن إن يكون الفعل بعد نسخ وجوبه محكوما بكل واحد من الأحكام الأربعة الباقية وهذا البحث لا يستحق أكثر من هذا الكلام لقلة البلوى به ، وما ذكرناه فيه الكفاية.

 10 - الأمر بشيء مرتين إذا تعلق الأمر بفعل مرتين : فهو يمكن إن يقع على صورتين:

 1 - إن يكون الأمر الثاني بعد امتثال الأمر الأول وحينئذ لا شبهة في لزوم امتثاله ثانيا.

 2 - إن يكون الأمر الثاني قبل امتثال الأمر الأول وحينئذ يقع الشك في وجوب امتثاله مرتين أو كفاية المرة الواحدة في الامتثال ، فإن كان الأمر الثاني تأسيس لوجوب آخر تعين الامتثال مرة أخرى، وإن كان تأكيدا للأمر الأول فليس لهما ال امتثال واحد ، ولتوضيح الحال وبيان الحق في المسألة نقول: إن هذا الفرض له أربع حالات:

(الأولى) - إن يكون الأمران معا غير معلقين على شرط، كان يقول مثلا: (صل) ثم يقول ثانيا (صل) - فإن الظاهر حينئذ إن يحمل الأمر الثاني على التأكيد، لأن الطبيعة الواحدة يستحيل تعلق الأمرين بها من دون امتياز في البين، فلو كان الثاني تأسيس غير مؤكد للأول لكان على الأمر تقييد متعلقه ولو بنحو (مرة أخرى) ، فمن عدم التقييد وظهور وحدة المتعلق فيهما يكون اللفظ في الثاني ظاهرا في التأكيد، وإن كان التأكيد في نفسه خلاف الأصل وخلاف ظاهر الكلام لو خلي ونفسه.

(الثانية) - إن يكون الأمران معا معلقين على شرط واحد، كان يقول المولى مثلا: (إن كنت محدثا فتوضأ)، ثم يكرر نفس القول ثانيا ففي هذه الحالة أيضا يحمل على التأكيد لعين ما قلناه في الحالة الأولى بلا تفاوت.

 (الثالثة) - إن يكون أحد الأمرين معلقا والآخر غير معلق كان يقول مثلا: (اغتسل) ثم يقول: (إن كنت جنبا فاغتسل) ففي هذه الحالة أيضا يكون المطلوب واحدا ويحمل على التأكيد، لوحدة المأمور به ظاهرا المانعة من تعلق الأمرين به، غير إن الأمر المطلق - أعني غير المعلق - يحمل إطلاقه على المقيد - اعني المعلق - فيكون الثاني مقيدا لإطلاق الأول وكاشفا عن المراد منه.

 (الرابعة) - إن يكون أحد الأمرين معلقا على شيء والآخر معلقا على شيء آخر، كان يقول مثلا: (إن كنت جنب فاغتسل) ويقول: (إن مسست ميتا فاغتسل)، ففي هذه الحالة يحمل - ظاهرا - على التأسيس، لأن الظاهر إن المطلوب في كل منهما غير المطلوب في الآخر، ويبعد جدا حمله على إن المطلوب واحد، أما التأكيد فلا معنى له هنا، وأما القول بالتداخل بمعنى الاكتفاء بامتثال واحد عن المطلوبين فهو ممكن، ولكنه ليس من باب التأكيد، بل لا يفرض الا بعد فرض التأسيس وإن هناك أمرين يمتثلان معا بفعل واحد ، ولكن التداخل - على كل حال - خلاف الأصل، ولا يصار إليه الا بدليل خاص، كما ثبت في غسل الجنابة إنه يجزي عن كل غسل آخر، وسيأتي البحث عن التداخل مفصلا في مفهوم الشرط.

11- دلالة الأمر بالأمر على الوجوب: إذا أمر المولى أحد عبيده إن يأمر عبده الآخر بفعل - فهل هو أمر بذلك الفعل حتى يجب على الثاني فعله؟ على قولين. وهكذا يمكن فرضه على نحوين:

1- إن يكون المأمور الأول على نحو المبلغ لأمر المولى إلى المأمور الثاني، مثل أن يأمر رئيس الدولة وزيره إن يأمر الرعية عنه بفعل ، وهذا النحو - لا شك - خارج عن محل الخلاف، لأنه لا يشك أحد في ظهوره في وجوب الفعل على المأمور الثاني. وكل أوامر الأنبياء بالنسبة إلى المكلفين من هذا القبيل.

2- ألا يكون المأمور الأول على المبلغ، بل هو مأمور إن يستقل في توجيه الأمر إلى الثاني من قبل نفسه، وعلى نحو قول الأمام عليه السلام (مرهم بالصلاة وهم أبناء سبع) يعني الأطفال. وهذا النحو هو محل الخلاف والبحث ، ويلحق به ما لم يعلم الحال فيه إنه على أي نحو من النحوين المذكورين.

والمختار: إن مجرد الأمر بالأمر ظاهر عرفا في وجوبه على الثاني ، وتوضيح ذلك: إن الأمر بالأمر لا على نحو التبليغ يقع على صورتين:

 (الأولى) - إن يكون غرض المولى يتعلق في فعل المأمور الثاني، ويكون أمره بالأمر طريقا للتوصل إلى حصول غرضه ، وإذا عرف غرضه إنه على هذه الصورة يكون أمره بالأمر - لا شك - أمرا بالفعل نفسه.

 (الثانية) - إن يكون غرضه في مجرد أمر المأمور الأول، من دون إن يتعلق له غرض بفعل المأمور الثاني، كما لو أمر المولى ابنه - مثلا - إن يأمر العبد بشيء، ولا يكون غرضه الا إن يعود ابنه على إصدار الأوامر أو نحو ذلك، فيكون غرضه - فقط - في إصدار الأول أمره، فلا يكون الفعل مطلوبا له أصلا في الواقع. وواضح لو علم الثاني المأمور بهذا الغرض لا يكون أمر المولى بالأمر أمرا له، ولا يعد عاصيا لمولاه ولو تركه، لأن الأمر المتعلق لأمر المولى يكون مأخوذا على نحو الموضوعية وهو متعلق الغرض، لا على نحو الطريقية لتحصيل الفعل من العبد المأمور الثاني ، فإن قامت قرينة على إحدى الصورتين المذكورتين فذاك، وإن لم تقم قرينة فإن ظاهر الأوامر - عرفا - مع التجرد عن القرائن هو إنه على نحو الطريقية. فأذن، الأمر بالأمر مطلقا يدل على الوجوب الا إذا ثبت إنه على نحو الموضوعية ، وليس مثله يقع في الأوامر الشرعية.

الخاتمة في تقسيمات الواجب : 

للواجب عدة تقسيمات لا بأس بالتعرض لها إلحاقا بمباحث الأوامر وإتماما للفائدة:

1- المطلق والمشروط إن الواجب إذا قيس وجوبه إلى شيء آخر خارج عن الواجب،، فهو لا يخرج عن احد نحوين:

1- أن يكون متوقفا وجوبه على ذلك الشيء، وهو - أي الشيء - مأخوذا في وجوب الواجب على نحو الشرطية، كوجوب الحج بالقياس إلى الاستطاعة وهذا هو المسمى (بالواجب المشروط)، لاشتراط وجوبه بحصول ذلك الشيء الخارج، ولذا لا يجب الحج الا عند حصول الاستطاعة.

2- أن يكون وجوب الواجب غير متوقف على حصول ذلك الشيء الآخر، كالحج بالقياس إلى قطع المسافة، وإن توقف وجوده عليه وهذا هو المسمى (بالواجب المطلق)، لأن وجوبه مطلق غير مشروط بحصول ذلك الشيء الخارج ، ومنه الصلاة بالقياس إلى الوضوء والغسل والساتر ونحوها، ومن مثال الحج يظهر إنه - وهو واجب واحد - يكون واجبا مشروطا بالقياس إلى شيء وواجبا مطلق بالقياس إلى شيء آخر فالمشروط والمطلق أمران إضافيان ، ثم اعلم إن كل واجب هو واجب مشروط بالقياس إلى الشرائط العامة وهي البلوغ والقدرة والعقل، فالصبي والعاجز والمجنون لا يكلفون بشيء في الواقع ، وأما (العلم) فقد قيل إنه من الشروط العامة، والحق إنه ليس شرطا في الوجوب ولا في غيره من الأحكام، بل التكاليف الواقعية مشتركة بين العالم والجاهل على حد سواء ، نعم العلم شرط في استحقاق العقاب على مخالفة التكليف على تفصيل يأتي في مباحث الحجة وغيرها إن شاء الله تعالى وليس هذا موضعه.

2- المعلق والمنجز لا شك إن الواجب المشروط بعد حصول شرطه يكون وجوبه فعليا شأن الواجب المطلق، فيتوجه التكليف فعل إلى المكلف ولكن فعلية التكليف تتصور على وجهين:

1- إن تكون فعلية الوجوب مقارنة زمانا لفعلية الواجب، بمعنى إن يكون زمان الواجب نفس زمان الوجوب ويسمى هذا القسم (الواجب المنجز)، كالصلاة بعد دخول وقتها، فإن وجوبها فعلي، والواجب وهو الصلاة فعلي أيضا.

2- إن تكون فعلية الوجوب سابقة زمانا على فعلية الواجب فيتأخر زمان الواجب عن زمان الوجوب ويسمى هذا القسم (الواجب المعلق) لتعليق الفعل - لا وجوبه - على زمان غير حاصل بعد، كالحج - مثلا - فإنه عند حصول الاستطاعة يكون وجوبه فعلي - كما قيل - ولكن الواجب معلق على حصول الموسم، فإنه عند حصول الاستطاعة وجب الحج، ولذا يجب عليه إن يهيئ المقدمات والزاد والراحلة حتى يحصل وقته وموسمه ليفعله في وقته المحدد له وقد وقع البحث والكلام هنا في مقامين:

(الأول) - في أمكان الواجب المعلق، والمعروف عن صاحب الفصول القول ب إمكانه ووقوعه، والأكثر على استحالته، وهو المختار، وسنتعرض له إن شاء الله تعالى في مقدمة الواجب مع بيان السر في الذهاب إلى  إمكانه ووقوعه، وسنبين إن الواجب فعلا في مثال الحج هو السير والتهيئة للمقدمات وأما نفس أعمال الحج فوجوبها مشروط بحضور الموسم والقدرة عليها في لسان.

و(الثاني) - في إن ظاهر الجملة الشرطية في مثل قولهم: (إذا دخل الوقت فصل) هل إن الشرط شرط للوجوب فلا تجب الصلاة في المثال الا بعد دخول الوقت، أو إنه شرط للواجب فيكون الواجب نفسه معلق على دخل الوقت في المثال، وأما الوجوب فهو فعلي مطلق؟ وبعبارة أخرى هل إن القيد شرط لمدلول هيئة الأمر في الجزاء، أو إنه شرط لمدلول مادة الأمر في الجزاء؟ وهذا البحث يجري حتى لو كان الشرط غير الزمان، كما إذا قال المولى: (إذا تطهرت فصل). فعلى القول بظهور الجملة في رجوع القيد إلى الهيئة - أي إنه شرط للوجوب - يكون الواجب واجبا مشروطا، فلا يجب تحصيل شيء من المقدمات قبل حصول الشرط ، وعلى القول بظهوره في رجوع القيد إلى المادة - أي إنه شرط للواجب - يكون الواجب واجبا مطلقا، فيكون الواجب فعليا قبل حصول الشرط، فيجب عليه تحصيل مقدمات المأمور به إذا علم بحصول الشرط فيما بعد. وهذا النزاع هو النزاع المعروف بين المتأخرين في رجوع القيد في الجملة الشرطية إلى الهيئة أو المادة ...

3- الأصلي والتبعي (الواجب الأصلي): ما قصدت إفادة وجوبه مستقلا بالكلام، كوجوبي الصلاة والوضوء المستفادين من قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة)، وقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } [المائدة: 6] ، و(الواجب التبعي): ما لم تقصد إفادة وجوبه، بل كان من توابع ما قصدت إفادته وهذا كوجوب المشي إلى السوق المفهوم من أمر المولى بوجوب شراء اللحم من السوق، فإن المشي إليها حينئذ يكون واجبا لكنه لم يكن مقصود بالإفادة من الكلام ، كما في كل دلالة إلتزامية فيما لم يكن اللزوم فيها من قبيل البين بالمعنى الأخص.

4- التخييري والتعييني (الواجب التعييني): ما تعلق به الطلب بخصوصه، وليس له عدل في مقام الامتثال، كالصلاة والصوم في شهر رمضان، فإن الصلاة واجبة لمصلحة في نفسها لا يقوم مقامها واجب آخر في عرضها. وقد عرفناه ... بقولنا: (هو الواجب بلا واجب آخر يكون عدلا له وبديلا عنه في عرضه) وإنما قيدن البديل في عرضه، لأن بعض الواجبات التعيينية قد يكون لها بديل في طولها ولا يخرجه عن كونها واجبات تعيينية كالوضوء مثلا الذي له بدليل في طوله وهو التيمم، لأنه إنما يجب إذا تعذر الوضوء، وكالغسل بالنسبة إلى التيمم أيضا كذلك، وكخصال الكفارة المرتبة نحو كفارة قتل الخطأ، وهي العتق أولا فإن تعذر فصيام شهرين فإن تعذر فإطعام ستين مسكينا.

(الواجب التخييري): ما كان له عدل وبديل في عرضه، ولم يتعلق به الطلب بخصوصه، بل كان المطلوب هو أو غيره يتخير بينهما المكلف وهو كالصوم الواجب في كفارة فطار شهر رمضان عمدا، فإنه واجب ولكن يجوز تركه وتبديله بعتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا والأصل في هذا التقسيم إن غرض المولى ربما يتعلق بشيء معين، فإنه لا مناص حينئذ من إن يكون هو المطلوب والمبعوث إليه وحده فيكون (واجبا تعييني).

 وربما يتعلق غرضه بأحد شيئين أو أشياء لا على التعيين بمعنى إن كلا منها محصل لغرضه، فيكون البعث نحوها جميعا على نحو التخيير بينها وكلا القسمين واقعان في أرادتنا نحن أيضا، فلا وجه للإشكال في أمكان الواجب التخييري، ولا موجب لإطالة الكلام. ثم إن أطراف الواجب التخييري إن كان بينهما جامع يمكن التعبير عنه بلفظ واحد، فإنه يمكن إن يكون البعث في مقام الطلب نحو هذا الجامع فإذا وقع الطلب كذلك فإن التخيير حينئذ بين واقعان يسمى (عقليا)، وهو ليس من الواجب التخييري المبحوث عنه، فإن هذا يعد من الواجب التعييني فإن كل واجب تعييني كلي - يكون المكلف مخيرا عقلا بين أفراده، والتخيير يسمى حينئذ عقليا ، مثاله قول الأستاذ لتلميذه (اشتر قلما) الجامع بين أنواع الأقلام من قلم الحبر وقلم الرصاص وغيرهما، فإن التخيير بين هذه الأنواع يكون عقليا كما إن التخيير بين أفراد كل نوع يكون عقلي أيضا ، وإن لم يكن هناك جامع مثل ذلك - كما في مثال خصال الكفارة - فإن البعث أما إن يكون نحو عنوان إنتزاعي كعنوان (أحد هذه الأمور)، أو نحو كل واحد منها مستقلا ولكن مع العطف ب‍ (أو) ونحوها مما يدل على التخيير. فيقال في النحو الأول مثلا: أوجد أحد هذه الأمور ، ويقال في النحو الثاني مثلا: صم أو أطعم أو اعتق ويسمى حينئذ التخيير بين واقعان (شرعيا) وهو المقصود من التخيير المقابل للتعيين هنا ، ثم هذا التخييري الشرعي (تارة) يكون بين المتباينين كالمثال المتقدم، و(أخرى) بين الأقل والأكثر كالتخيير بين تسبيحة واحدة وثلاث تسبيحات في ثلاثية الصلاة اليومية ورباعيتها على قول ، وكما لو أمر المولى برسم خط مستقيم - مثلا - مخيرا فيه بين القصير والطويل وهذا الأخير - اعني التخيير بين الأقل والأكثر - إنما يتصور فيما إذا كان الغرض مترتبا على الأقل بحده، ويترتب على الأكثر بحده أيضا، أما لو كان الغرض مترتبا على الأقل مطلقا وإن وقع في ضمن الأكبر فالواجب حينئذ هو الأقل فقط، ولا تكون الزيادة واجبة فلا يكون من باب الواجب التخييري، بل الزيادة لا بد إن تحمل على الاستحباب.

 5 - العيني والكفائي: ...الواجب العيني ما يتعلق بكل مكلف ولا يسقط بفعل الغير ويقابله الواجب الكفائي وهو المطلوب فيه وجوب الفعل من أي مكلف كان فهو يجب على جميع المكلفين ولكن يكتفي بفعل بعضهم فيسقط عن الآخرين ول يستحق العقاب بتركه ، نعم إذا تركوه جميعا من دون إن يقوم به واحد فالجميع منهم يستحقون العقاب، كما يستحق الثواب كل من اشترك في فعله ، وأمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشريعة، منها تجهيز الميت والصلاة عليه، ومنها إنقاذ الغريق ونحوه من التهلكة، ومنها إزالة النجاسة عن المسجد، ومنها الحرف والمهن والصناعات التي به نظام معايش الناس، ومنها طلب الاجتهاد، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والأصل في هذا التقسيم إن المولى يتعلق غرضه بالشيء المطلوب له من الغير على نحوين:

1- أن يصدر من كل واحد من الناس، حينما تكون المصلحة المطلوبة تحصل من كل واحد مستقلا، فلا بد إن يوجه الخطاب إلى كل واحد منهم على إن يصدر من كل واحد عينا، كالصوم أو الصلاة وأكثر التكاليف الشرعية. وهذا هو (الواجب العيني).

2- أن يصدر من أحد المكلفين لا بعينه، حينما تكون المصلحة في صدور الفعل ولو مرة واحدة من أي شخص كان، فلا بد إن يوجه الخطاب إلى جميع المكلفين لعدم خصوصية مكلف دون مكلف، ويكتفى بفعل بعضهم الذي يحصل به الغرض، فيجب على الجميع بفرض الكفاية الذي هو (الواجب الكفائي). وقد وقع الأقدمون من الأصوليين في حيرة من أمر (الوجوب الكفائي) وتطبيقه على القاعدة في الوجوب الذي قوامه بل لازمه المنع من الترك، إذ رأوا إن وجوبه على الجميع لا يتلاءم مع جواز تركه بفعل بعضهم، ولا وجوب بدون المنع من الترك ، لذا ظن بعضهم إنه ليس المكلف المخاطب فيه الجميع بل البعض غير المعين أي أحد المكلفين، وظن بعضهم إنه معين عند الله غير معين عندنا ويتعين من يسبق إلى الفعل منهم فهو المكلف حقيقة.. إلى غير ذلك من الظنون.

ونحن لما صورناه بذلك التصوير المتقدم لا يبقى مجال لهذه الظنون، فلا نشغل أنفسن بذكرها وردها. وتدفع الحيرة بأدنى التفات، لأنه إذا كان غرض المولى يحصل بفعل البعض فلا بد إن يسقط وجوبه عن الباقي، إذ لا يبقى ما يدعو إليه فهو - أذن - واجب على الجميع من أول الأمر، ولذا يمنعون جميعا من تركه ويسقط بفعل بعضهم لحصول الغرض منه.

6- الموسع والمضيق: ينقسم الواجب باعتبار الوقت إلى قسمين: موقت وغير موقت ثم الموقت إلى: موسع ومضيق ثم غير الموقت إلى فوري وغير فوري ولنبدأ بغير الموقت (مقدمة)، فنقول: (غير الموقت): ما لم يعتبر فيه شرعا وقت مخصوص وإن كان كل فعل ل يخلو - عقلا- من زمن يكون ظرفا له، كقضاء الفائتة وإزالة النجاسة عن المسجد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك ، وهو - كما قلنا - على قسمين: (فوري) وهو مال يجوز تأخيره عن أول أزمنة  إمكانه كإزالة النجاسة عن المسجد، ورد السلام، والأمر بالمعروف و(غير فوري) وهو ما يجوز تأخيره عن أول أزمنة  إمكانه، كالصلاة على الميت، وقضاء الصلاة الفائتة، والزكاة، والخمس ، و(الموقت): ما اعتبر فيه شرعا وقت مخصوص، كالصلاة والحج، والصوم ونحوها وهو لا يخلو - عقلا - من وجوه ثلاثة: أما إن يكون فعله زائدا على وقته المعين له أو مساويا له أو ناقصا عنه.

و(الأول) ممتنع، لأنه من التكليف بما لا يطاق.

و(الثاني) لا ينبغي الإشكال في  إمكانه ووقوعه وهو المسمى (المضيق) كالصوم إذ فعله ينطبق على وقته بلا زيادة ولا نقصان من طلوع الفجر إلى الغروب.

و(الثالث) هو المسمى (الموسع)، لأن فيه توسعة على المكلف في أول الوقت وفي أثنائه وآخره، كالصلاة اليومية وصلاة الآيات، فإنه لا يجوز تركه في جميع الوقت، ويكتفى بفعله مرة واحدة في ضمن الوقت المحدد له ولا إشكال عند العلماء في ورود ما ظاهره التوسعة في الشريعة، وإنما اختلفوا في جوازه عقلا على قولين:  إمكانه وامتناعه، ومن قال بامتناعه أول ما ورد على الوجه الذي يدفع الإشكال عنده على ما سيأتي.

والحق عندنا جواز الموسع عقلا ووقوعه شرعا، ومنشأ الإشكال عند القائل بامتناع الموسع، إن حقيقة الوجوب متقومة بالمنع من الترك - كما تقدم -، فينافيه الحكم بجواز تركه في أول الوقت أو وسطه، والجواب عنه واضح، فإن الواجب الموسع فعل واحد، وهو طبيعة الفعل المقيد بطبيعة الوقت المحدود بحدين على ألا يخرج الفعل عن الوقت، فتكون الطبيعة بملاحظة ذاتها واجبة لا يجوز تركها، غير إن الوقت لما كان يسع لإيقاعها فيه عدة مرات، كان لها أفراد طولية تدريجية مقدرة الوجود في أول الوقت وثانية وثالثة إلى آخره، فيقع التخيير العقلي بين الأفراد الطولية كالتخيير العقلي بين الأفراد العرضية للطبيعة المأمور بها، فيجوز الإتيان بفرد وترك الآخر من دون إن يكون جواز الترك له مساس في نفس المأمور به، وهو طبيعة الفعل في الوقت المحدود فلا منافاة بين وجوب الطبيعة بملاحظة ذاتها وبين جواز ترك أفرادها عدا فرد واحد ، والقائلون بالامتناع التجأوا إلى تأويل ما ظاهره التوسعة في الشريعة، فقال بعضهم: بوجوبه في أول الوقت، والإتيان به في الزمان الباقي يكون من باب القضاء والتدارك لما فات من الفعل في أول الوقت وقال آخر بوجوبه في آخر الوقت، والإتيان به قبله من باب النقل يسقط به الغرض، نظير أيقاع غسل الجمعة في يوم الخميس وليلة الجمعة وقيل غير ذلك.

وكلها أقوال متروكة عند علمائنا، واضحة البطلان فلا حاجة إلى الإطالة في ردها.

هل يتبع القضاء الأداء؟:

مما يتفرع عادة على البحث عن الموقت (مسألة تبعية القضاء للأداء) وهي من مباحث الألفاظ، وتدخل في باب الأوامر ولكن أخر ذكرها إلى الخاتمة مع إن من حقها إن تذكر قبلها، لأنها -كما قلنا - من فروع بحث الموقت عادة فنقول: إن الموقت قد يفوت في وقته أما لتركه عن عذر أو عن عمد واختيار، وأما لفساده لعذر أو لغير عذر ، فإذا فات على أي نحو من هذه الانحاء، فقد ثبت في الشريعة وجوب تدارك بعض الواجبات كالصلاة والصوم، بمعنى إن يأتي بها خارج الوقت ويسمى هذا التدارك (قضاء)، وهذا لا كلام فيه الا إن الأصوليين اختلفوا في إن وجوب القضاء: هل هو على مقتضى القاعدة، بمعنى إن الأمر بنفس الموقت يدل على وجوب قضائه إذا فات في وقته، فيكون وجوب القضاء بنفس دليل الأداء، أو إن القاعدة لا تقتضي ذلك، بل وجوب القضاء يحتاج إلى دليل خاص غير نفس دليل الأداء؟ وفي المسألة أقوال ثلاثة: قول بالتبعية مطلقا وقول بعدمها مطلقا، وقول بالتفصيل بين ما إذا كان الدليل على التوقيت متصلا، فلا تبعية، وبين ما إذا كان منفصلا، فالقضاء تابع للأداء.

والظاهر إن منشأ النزاع في المسألة يرجع إلى المستفاد من التوقيت هو وحدة المطلوب أو تعدده؟ أي إن في الموقت مطلوبا واحدا هو الفعل المقيد بالوقت بما هو مقيد، أو مطلوبين، وهما ذات الفعل وكونه واقعا في وقت معين؟ فعلى الأول إذا فات الامتثال في الوقت لم يبق طلب بنفس الذات، فلا بد من فرض أمر جديد للقضاء بالإتيان بالفعل خارج الوقت ، وعلى الثاني إذا فات الامتثال في الوقت فإنما فات امتثال أحد الطلبين وهو طلب كونه في الوقت المعين، وأما الطلب بذات الفعل فباق على حاله، ولذا ذهب بعضهم إلى التفصيل المذكور باعتبار إن المستفاد من دليل التوقيت في المتصل وحدة المطلوب فيحتاج القضاء إلى أمر جديد، والمستفاد في المنفصل تعدد المطلوب، فلا يحتاج القضاء إلى أمر جديد ويكون تابعا للأداء ، والمختار هو القول الثاني، وهو عدم التبعية مطلقا لأن الظاهر من التقييد إن القيد ركن في المطلوب: فإذا قال مثلا: (صم يوم الجمعة) فلا يفهم منه الا مطلوب واحد لغرض واحد وهو خصوص صوم هذا اليوم، لا إن الصوم بذاته مطلوب، وكونه في يوم الجمعة مطلوب آخر.

وأما في مورد دليل التوقيت المنفصل، كما إذا قال: (صم) ثم قال مثلا: (اجعل صومك يوم الجمعة)، فأيضا كذلك، نظرا إلى إن هذا من باب المطلق والمقيد، فيجب فيه حمل المطلق على المقيد، ومعنى حمل المطلق على المقيد هو: تقييد أصل المطلوب الأول بالقيد، فيكشف ذلك التقييد عن إن المراد بالمطلق واقعا من أول الأمر خصوص المقيد، فيصبح الدليلان بمقتضى الجمع بينهما دليلا واحدا، لا إن المقيد مطلوب آخر غير المطلق، وإلا كان معنى ذلك بقاء المطلق على إطلاقه، فلم يكن حملا ولم يكن جمعا بين الدليلين، بل يكون أخذا بالدليلين.

نعم يمكن إن يفرض - وإن كان هذا فرضا بعيد الوقوع في الشريعة - إن يكون دليل التوقيت المنفصل مقيدا بالتمكن كان يقول في المثال: (اجعل صومك يوم الجمعة إن تمكنت) أو كان دليل التوقيت ليس فيه إطلاق يعم صورتي التمكن وعدمه، وصورة التمكن هي القدر المتيقن منه. فإن في هذا الفرض يمكن التمسك بإطلاق دليل الواجب لإثبات وجوب الفعل خارج الوقت ، لأن دليل التوقيت غير صالح لتقييد إطلاق دليل الواجب الا في صورة التمكن، ومع الاضطرار إلى ترك الفعل في الوقت يبقى دليل الواجب على إطلاقه.

وهذا الفرض هو الذي يظهر من الكفاية لشيخ أساتذتنا الآخند - قدس سره- ، ولكنه فرض بعيد جدا. على إنه مع هذا الفرض لا يصدق الفوت ولا القضاء، بل يكون وجوبه خارج الوقت من نوع الأداء.

_________________
(1) والظاهر إن تفسير بعض الأصوليين للفظ الأمر بأنه (الطلب بالقول) ليس القصد منه إن لهم اصطلاحا مخصوصا فيه، بل باعتبار إنه أحد مصاديق المعنى. فإن الأمر كما يصدق على الطلب بالقول يصدق على الطلب بالكتابة أو الإشارة أو نحوهم.

(2) المقصود بنحو صيغة أفعل: أية صيغة وكلمة تؤدي مؤداها في الدلالة على الطلب والبعث، كالفعل المضارع المقرون بلأم الأمر أو المجرد منه إذا قصد به إنشاء الطلب نحو قولنا: (تصلي. تغتسل. أطلب منك كذا) أو جملة اسمية نحو (هذا مطلوب منك) أو اسم فعل نحو: صه ومه ومهلا، وغير ذلك.

(3) المرة والتكرار لهما معنيان: (الأول): الدفعة والدفعات، (الثاني): الفرد والأفراد. والظاهر إن المراد منهما في محل النزاع هو المعنى الأول. والفرق بينهم إن الدفعة قد تتحقق بفرد واحد من الطبيعة المطلوبة، وقد تتحقق بأفراد متعددة إذا جيء بها في زمان واحد، فلذلك تكون الدفعة أعم من الفرد مطلقا، كما إن الأفراد أعم مطلق من الدفعات، لأن الأفراد - كما قلنا - قد تحصل دفعة واحدة وقد تحصل بدفعات.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


في ذي قار.. العتبة العباسيّة تقدم دعوة لجامعة العين للمشاركةِ في حفل التخرّج المركزي للطلبة
العتبة العباسية تقدم دعوة لجامعة المثنى لمشاركة طلبتها في حفل التخرج المركزي
جامعة بغداد تؤكد مشاركتها في الحفل المركزي الرابع لتخرج طلبة الجامعات العراقية
جامعة الكرخ للعلوم: مشاركة طلبتنا في حفل التخرّج المركزي مدعاة فخر لنا