التخطيط لتنمية اقليم المدينة:

إن وظائف المدينة هي التي تحكم امتداد إقليمها، سواء كانت هذه الوظائف اقتصادية، أو اجتماعية، كما أن سهولة وسائل النقل والمواصلات وكثافة السكان وحركتهم تعتبر من الأسس الهامة في تحديد إقليم المدينة.

اذا كنت الجغرافية بشكل عام تهتم بالدراسات الإقليمية ، فان دراسة إقليم المدينة يحظى باهتمام خاص في جغرافية وتخطيط المدن ، كون إقليم المدينة يقوم على أساس الترابط والعلاقات الوظيفية مع المدينة التي يقع حولها ، فإذا كان الترابط والتفاعل قويا وواضحا فلا خلاف على تحديد الإقليم ، أما إذا كانت العلاقات ضعيفة وتتسم بالمنافسة مع المدن المجاورة الأخرى يصبح من الصعب على الباحث تحديد الإقليم بسهولة.

أن الروابط بين المدينة وإقليمها يمكن تحديدها بالربعة اتجاهات :

- الروابط الاقتصادية والمتمثلة بالتجارة المتبادلة بين المدينة واقليمها .

- الروابط الخدمية الاجتماعية مثل العلاقات الثقافية و التعليم والصحة.

- العلاقات السكانية وتتمثل في رحلة العمل اليومية بين المدينة وإقليمها سواء للعمل أو الترفيه أو التسويق وما يتعلق بملكية الأرض الزراعية من قبل سكان المدينة.

تأثير المدينة على أنماط استعمالات الأرض في اقليمها من خلال التوسع عل حساب الأرض الريفية من قبل المخططات الأساسية للمدن أو المحددات الإدارية. (إسماعيل، د احمد علي ،1993).

إن من أبرز الباحثون وأقدمهم الذين كان لهم اهتماما بدراسة إقليم المدينة هو فون تنن (Von Thunem) عندما وضع نظريته عن الدولة المنعزلة، وبالرغم من نظرية فون تقن وضعت عندما لم تكن وسائط النقل متطورة كما هو علية الحال في الوقت الحاضر وعندما لم تكن عملية النقل والخزن متطورة ايضا، فان بعض مناطق العلم لا تزال تشهد صورا من النطاقات الزراعية والتي اقترحها فون تنن حل المدينة كما هو الحال في اسبانيا وفي بلغاريا وفنلندة والباكستان ونيجريا وغانا وبعض أقطار أمريكيا اللاتينية.

إن معرفة الجغرافي بأسس هذه النظرية تعزز من خلفيته العلمية وخاصة إذا كان مهتما بشؤون التنمية الزراعية أو في مجال تنظيم البيئة حول المدن ، على هذا الأساس سنعرض الأفكار الرئيسية التي جاءت بها تلك النظرية:

الدولة المنعزلة عند فون تن:

وضع فون تنن نظريته من خلال تجربته في إدارة مزرعة خاصة قرب مدينة روستوك ولمدة 40 عما دون خلالها ملاحظاته لتكون أساسا في وضع النظرية التي حاول من خلالها إن يكشف القوانين التي تحكم سعر الإنتاج الزراعي ، ويرى أن الموقع ليس اقل اثرا في الريع الاقتصادي عن خصوبة التربة ، فكما ينخفض العائد الاقتصادي بانخفاض خصوبة التربة وإنتاجيتها فان السلع سريعة التلف تعطي ريعا اقتصاديا منخفضا بدرجة تزداد حده بازدياد البعد عن السوق.

(1966M. Chisholm) إقليم المدينة عند تنن يتمثل في أن دولته المنعزلة تضم مدينة واحده وظهيرها الزراعي ، والعلاقة بين المدينة وتظهيرها علاقة وثيقة ، لذا فان المدينة تعتمد على اقليمها فقط للحصول على حاجاتها من الإنتاج الزراعي ، كما أن الإقليم لا يبيع انتاجه إلا لتلك المدينة ، وافترض أن خصائص البيئة الطبيعية في الإقليم متجانسة وتصلح للإنتاج الزراعي ، وسكان الإقليم يمتازون بالنشاط والرغبة في مضاعفة دخولهم . بعد هذه الفروض توصل إلى أن نمط الزراعة حول المدينة يتطور في نطاقات تأخذ شكل حلقات أو دوائر تكون المدينة مركزها .

وبالنظر إلى أن تكلفة النقل تمثل متغيرا متحركا في حين أن بقية عناصر تكلفة الإنتاج واحده في كل اجزاء الاقليم ، فان تكلفة النقل تلعب الدور الحاسم في تقرير امتداد الحلقات بعيدا عن المدينة وأي ربح يحققه الفلاح يكون نتيجة للمعادلة الآتية:

ر = س - (ك + ن)

ر = الربح

س = سعر البيع

ك = تكلفة الإنتاج

ن = تكلفة النقل

وعلى هذا الأساس توصل إلى أن أنماط استخدام الأرض حول المدينة ياخذ شكل حلقات مركزية حول المدينة وعلى النحو الآتي:

- الحلقة الأولى : وهي الأقرب إلى السوق وتتخصص لإنتاج المحاصيل الزراعية سريعة التلف مثل الألبان والخضراوات ، وكلما زاد الطلب على هذا الإنتاج اتسعت الحلقة.

- الحلقة الثانية : تتخصص في إنتاج الأخشاب للوقود والتدفئة ، إذ كانت الأخشاب في ذلك الوقت تدر اكبر عائدا يلي الخضراوات والفواكه ويعتمد اتساع الحلقة بزيادة الطلب على الأخشاب وتكاليف النقل.

- الحلقات الثالثة والرابعة والخامسة وهي مخصصة لإنتاج الحبوب وغيرها من المحاصيل ، ولكن الفرق بين هذه الحلقات تتمثل في أنه كلما ازدادت بالبعد عن المدينة كلما بدأت تظهر ضرورة ترك مساحات في الأرض دون زراعة (نظام التبوير ) هذه الأراضي المتروكة لا تزيد نسبتها عن 14% من مساحة الحلقة الرابعة و32% من مساحة الحلقة الخامسة ، بينما لا تترك أي نسبة في الحلقة الثالثة.

- أما الحلقة السادسة فهي تتخصص بالمراعي وتربية الحيوان.

إن التعديلات التي يمكن أن تطرأ على نظام تلك الحلقات ، هي في حالة مرور نهر في المدينة وتوجد إمكانية لاستثماره لأغراض النقل بتكلفة اقل، يؤدي ذلك إلى استطالة الحلقات حول النهر وعلى طول مجراه، أما إذا ظهرت مدينة صغيرة في اطراف الإقليم فأنها ستخلق حلقات حولها بنفس الطريقة السابقة وتتناسب مساحتها تبعا للحجم السكاني لتلك المدينة.

إن توسع المدن في الوقت الحاضر نتيجة لزيادة السكان أدى إلى توسع المدن على المناطق المجاورة لها والتي كانت انتاجيتها مرتفعة في أنموذج فون تنن، إن المؤشر الثابت في نظرية فون تنن هو انخفاض الريع بالبعد عن سوق المدينة .