المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16325 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
علي مع الحق والحق مع علي
2024-04-23
صفات المتقين / لا يشمت بالمصائب
2024-04-23
الخلاص من الأخلاق السيئة
2024-04-23
معنى التمحيص
2024-04-23
معنى المداولة
2024-04-23
الطلاق / الطلاق الضروري
2024-04-23

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قصة نفر من الجن  
  
2855   06:00 مساءً   التاريخ: 9-6-2021
المؤلف :  الدكتور محمود البستاني
الكتاب أو المصدر :  قصص القران الكريم دلاليا وجماليا 
الجزء والصفحة : ج2 ، ص455-468 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / مواضيع عامة في القصص القرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-06-2015 6211
التاريخ: 2023-03-28 732
التاريخ: 2023-03-20 668
التاريخ: 2-06-2015 2464

هذه القصة من حيث الشكل تظل منتسبة إلى نمط من العرض القصصي القائم على المحاورة .

والمحاورة قد تكون فردية وقد تكون جمعية ، كما قد ترد في سياق ما يسمى بقصص السيرة الذاتية ، أو ترد في سياق ما يطلق عليه مصطلح الحوار الداخلي .

والمهم أننا نواجه في القصة التي نتحدث عنها نمطا من السيرة الذاتية للجن ، ولكن وفق صياغة خاصة نتحدث عنها الآن :

الأبطال أو الشخصيات يشكلون في الأعمال القصصية عنصرا حيوياً ممتعاً ، يمدونها بالحركة التي تشد انتباه القارئ ما دامت كل واقعة وكل موقف يرتبطان بالضرورة بعنصر الأشخاص .

ومما يزيد الإمتاع والحيوية في القصة ، أن يتنوع الأبطال فيها وبخاصة إذا انضم إليهم عنصر من غير عضويتهم ، من نحو الملائكة أو الجن أو الطير مثلا .

وفي قصص قرآنية سابقة ، لحظنا عنصر الملائكة يشاركون الآدميين في أدوار القصة ، كما لحظنا عنصر الجن وعنصر الطير يساهمان في قصص سليمان أيضا .

هنا في القصة التي نتحدث الآن عنها يجيء عنصر الجن أبطالا مستقلين في القصة ... ، ينهضون بدور خاص مرسوم لهم .

وحيوية مثل هؤلاء الأبطال لا تـتمثل في مجرد كونهم عنصرا غير مرئي مثلا ، أو عنصرا يحمل في سماته ما هو مدهش أو غريب ، بل تـتمثل في مشاركتهم للآدميين في طبيعة همومهم وتطلعاتهم وحركتهم في الوجود بعامة.

إن القصة القرآنية الكريمة ، لا تستهدف عرض الحقائق أو الأبطال غير الآدميين بمجرد التسلية والإمتاع ، بل تستهدف من ذلك تحسيسنا ـ نحن البشر ـ بحقيقة مهمتنا العبادية في الأرض والإفادة من تجارب الآخرين ـ حتى لو كانوا من غير العضوية البشرية ـ في تصحيح سلوكنا وتعديله .

إن الجن مخلوقات غير مرئية ، لها بيئتها الخاصة التي كيفتها السماء لهم ، كما أنهم ـ مثل الآدميين وسائر المخلوقات ـ لم يخلقوا عبثا ، بل من أجل مهمات خاصة يضطلعون بها .

المهم أن القصة التي نحن في صددها ، تستهدف عرض بعض الحقائق المتصلة بهذا العنصر ، وصلته بالعنصر الآدمي من حيث مشاركتهما جميعا في تحقيق المهمة العبادية : هم ، أي الجن في بيئاتهم الخاصة ونحن في بيئتنا الأرضية .

والأهم من ذلك ، إفادتنا ـ نحن الآدميين ـ من تجربة الأبطال غير الآدميين في نطاق العمل العبادي الذي خلقنا من أجله .

والآن ما هي التجربة المطروحة في نطاق أبطال الجن ؟

التجربة المطروحة أمام هؤلاء الأبطال ، هي قضية إيمانهم برسالة الإسلام العظيم .

وقد يبدو لأول وهلة أن الإسلام رسالة بشرية صرف ، مادام الأمر متصلا بشخصية المرسل (صلَّ الله عليه وآله) والمرسل إليهم البشر .

غير أن الأمر يأخذ منعطفا آخر عندما تحدثنا القصة عن أبطال من غير البشر ، لهم تركيبتهم النارية الخاصة غير المرئية ولهم لغتهم الخاصة لا تفقه في إدراك الآدميين العاديين ، ولهم بيئاتهم التي تـتجاوز نطاق الأرض ، لكنها ذات تعامل مع رسالة القرآن .

التجربة المطروحة أمام هؤلاء الأبطال ، تعرضها القصة على النحو الآتي :

{اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}

{فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا​}

هذه البداية القصصية لا نمر عليها عابراً ، بل نقف عندها طويلاً .

فنحن حيال قصة تعرض الحقائق وفق شكل فني خاص ، مما يعني أن بدايتها بهذا النحو دون سواه له دلالة محددة .

القصة التي تواجهنا تعتمد شكل الحوار الخالص ، دون أن يتخلله تعقيب أو تعليق ، بل يظل الحوار طوليا يتم وفق محاورة جماعية مبهمة يتحدث فيها أبطال الجن مع أنفسهم ، أو أصحابهم على النحو الذي أوضحته بداية القصة ، حينما نقلت لنا جانبا من محادثاتهم بهذا الشكل : 

{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}

إن أهمية هذا الحديث أو الحوار تـتمثل في كونه حديثا أحادي الجانب ، لا أنه محاورة بين طرفين : أحدهما يسأل ، والآخر يجيب ، أو أحدهما يتحدث ، والآخر يعقب عليه . بل يجري وكأنه محاضرة يلقيها فرد على آخر ، أو جماعة على آخرين .

أو يمكننا أن نتصور الأمر على نحو ما نمارسه ـ نحن البشر ـ حين نتلقى نبأ خطيرا مثلا ، فيهرع كل واحد منا إلى صديقه أو جماعته ، وينقل إليه هذا النبأ .

طبيعيا عندما استمع نفر من الجن إلى القرآن ، وقالوا لأصحابهم : {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} ، نتوقع حينئذ أن يصدر من المخاطبين تعليق على هذا النبأ ، سواء أكان إيجابياً أم سلبياً .

غير أن القصة لم تنقل إلينا شيئا من تعليقات هؤلاء .

والسر في ذلك من الزاوية الفنية أن القصة في صدد التعريف برد الفعل الذي أحدثه نزول القرآن الكريم في نفوس أبطال الجن ، متمثلا في استجابتهم الخيرة حيال رسالة السماء على النحو الذي تفصله القصة لاحقاً .

إن القصة عندما بدأت بهذا الشكل :

{اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}

تركتنا ـ نحن القراء ـ أمام جملة من التصورات لهذه البداية الفنية في القصة .

إن القارئ يطرح أكثر من سؤال في هذا الصدد :

هل قرأ النبي (صلَّ الله عليه وآله) القرآن على الجن كما قرأه على الإنس ؟

هل إنهم استمعوا إليه خلال قراءته على الإنس ؟

هل قرئ بلغتهم ؟

وقبل ذلك : هل لهم لغة خاصة ؟ هل يفقهون اللغة العربية ؟

هل اتيح لمجموعة من الجن أن يستمعوا ذلك ، دون آخرين ، ولماذا ؟

إن هذه الأسئلة تثار في ذهن القارئ دون أدنى شك .

بيد أن القصة سكتت عن ذلك تاركة لنا تقليب الوجوه والاستنتاجات ، بغية أن نكتشف بأنفسنا احتمالات الموقف .

وواضح من حيث السمة الفنية أن القصة ليست في صدد تبيين لغة الجن ، أو تحديد نمط العلاقة الاجتماعية القائمة بينهم وبين الآدميين ، بضمنها طريقة تلقيهم للمعرفة ، بل في صدد المعرفة نفسها ، ... في صدد تبيين رد الفعل لديهم حيال مواجهتهم لرسالة الإسلام .

من هنا انتفت الحاجة إلى قص التفصيلات المتصلة بلغتهم وطريقة تلقيهم للمعرفة .

ويلاحظ أن النصوص المفسرة بدورها ، لم تلق إنارة تامة على هذا الجانب .

فبعضها ينفي أن يكون النبي (صلَّ الله عليه وآله) قد قرأ القرآن عليهم وإلى أن هذا النفر استمع إليه عبر محاولته معرفة السبب الذي حال بين الشياطين وبين السماء عند ظهور الرسالة .

وبعضها يذهب إلى أن بطلهم قد استمع فذهب إليهم يقرئهم في إحدى الليالي .

وبعضها يذهب إلى أن عددهم سبعة أبطال أو تسعة قابلهم وأرسلهم إلى الآخرين .

ومثلما قلنا ، فإن المهم فنيا ليس عددهم ولا نمط الرهط الذي ينتسبون إليه ، ولا طريقة استماعهم ، بل المهم هو استماعهم نفسه ، وإدراكهم لأهمية الرسالة التي أنزلتها السماء على محمد (صلَّ الله عليه وآله) ، فيما جعلتهم منبهرين منها بقولهم :

{سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}

والأهم من ذلك أنهم أدركوا تفصيلات الموقف الجديد ، وصلته بماضي سلوكهم ولاحقه على نحو ما يكشفون هم أنفسهم في الحوار الجماعي أو الحديث المطول الذي ألقوه على جماعتهم في هذا الميدان .

يبدو أن أبطال الجن الذين استمعوا إلى القرآن عند نزوله ، وعقبوا على ذلك قائلين : {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} ... يبدو أن هؤلاء الأبطال يشكلون مجموعة خاصة تـتميز بوعي ، أو بموقع اجتماعي متميز لم يتوفر عند الآخرين ، على نحو ما نجده في نطاقنا الآدمي مثلا ، وإلا لم تهيأ لهذا النفر منهم دون سواهم مثل هذا الاستماع للقرآن ، وإدراك رسالة السماء ، بحيث هرعوا إلى أصحابهم ينقلون إليهم مثل هذه الظاهرة العظيمة ؟

إن بيئة الجن لابد أن تشبه بيئة الآدميين في طبيعة بنائهم النفسي والفكري ، وفي مقدمتها الموقف الفلسفي من الكون ومبدعه ، وهو أمر يحدثنا به أبطال الجن أنفسهم ، ... فلنستمع إليهم أولا ، وهم يواصلون إلقاء كلمتهم على جمهور الجن ، ونعني بهم اولئك النفر المتميز الواعي الذي اتيح له أن يستمع إلى القرآن وينقل إلى الجمهور تجربته في هذا الصدد :

قال هؤلاء النفر :

{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ}

{وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}

إلى هنا فإن الكلمة التي ألقاها هذا النفر على جمهور الجن ، تـتحدث عن ظاهرة التوحيد وعدم الشرك بالله .

ومما لا شك فيه أن الحديث عن التوحيد وعدم الشرك يومئ بوجود عنصر التشكيك في أذهان البعض منهم على نحو ما هو متحقق عند الجهلة من الآدميين .

غير أن هذا الفرز بين نمطين من الجمهور : الجمهور الموحد والجمهور المشكك ، يأخذ تحديدا أوسع شمولاً ، حينما نجد هؤلاء النفر يعلنون عن المصدر الذي كان يثير في أذهان الجن عنصر التشكيك ، ألا وهو : الشيطان .

يقول هؤلاء النفر الواعون من الجن ، مواصلين إلقاء كلمتهم على الجمهور :

{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا}

إن هذه الكلمة ذات دلالة فنية وفكرية كبيرة ، وتـتمثل أهميتها في أنها صادرة من رهط ينتسبون إلى عنصر الجن ويعرفون رئيسهم تمام المعرفة ، حيث خلعوا عليه صفة السفيه .

وواضح أن كلمة السفيه لا تشرف صاحبها بأية حال من الأحوال ، لأن السفاهة نوع من أمراض التخلف العقلي .

ولا شيء أشد ألما في النفس من أن يرى كبيرهم الذي أضل مجموعة من الجن ، يرى هذا الرئيس أن متبوعيه يطلقون عليه صفة السفاهة ، بعد أن خيل إليه أنه قد نجح في إضلالهم .

إذن ، كم لهذه الكلمة من وقع حاد على نفسية الشيطان السفيه !! وإلى أي حد ستعرضه إلى التمزق والتوتر والانسحاق والقلق والرعب !

إنها كلمة مجلجلة ، تصعق الشيطان ، وترده مدحوراً ... على أن صفة السفيه التي أطلقها الواعون من الجن على الشيطان ، تنطوي على أهمية اخرى غير الأهمية التي تسحب أثرها النفسي على الشيطان ذاته ، ... هذه الأهمية ، هي انسحاب أثرها على القارئ والسامع أيضا. فالقارئ حينما يجد أن عنصر التشكيك الذي يثيره الشيطان ، إنما صدر من شخصية سفيهة تعاني مرض التخلف العقلي ، ... حينئذ لا يقيم القارئ أي وزن لهذه الشخصية وأفكارها ، لأنها أفكار نابعة من مرض عقلي هو السفاهة. فالأفكار من الممكن أن تجد لها صدى في النفوس إذا كانت صادرة من عقل سليم. أما إذا صدرت من سفيه فحينئذ تسقط الأفكار أساسا وتصبح موضع سخرية ، كما حدث بالنسبة إلى النفر الواعي من الجن ، عندما أدركوا سفاهة الشيطان وضربوا بأفكاره عرض الجدار ، واتجهوا إلى الإيمان بالله وبرسالة الإسلام .

للمرة الجديدة : نذكر القارئ بأهمية الكلمة التي أطلقها الواعون من الجن على الشيطان ، ونعني بها كلمة السفيه من حيث وقعها المر على الشيطان ذاته ومن حيث وقعها الإيجابي على القارئ الذي ستتعمق لديه حقائق الموقف بجلاء أشد.

ولنتابع الآن نص الكلمة التي ألقاها نفر واع من الجن على جمهورهم :

قال هذا النفر ، بعد أن تعرض لسمة السفاهة على الشيطان :

{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}

هنا يتم كشف شيء جديد من الموقف .

فأبطال الجن لم يتحدثوا لحد الآن إلا عن السفيه : الشيطان ، لكنهم في هذه الفقرة من كلمتهم تعرضوا إلى الإنس أيضا ، فخلعوا عليهم صفة مشاركة لصفة الجن ، ألا وهي : الكذب على الله .

لنقرأ الكلمة من جديد : {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}

والسؤال ـ من الزاوية الفنية ـ هو : لماذا أقحم أبطال الجن عنصر الإنس في هذه الكلمة مع أنهم يتحدثون عن تجربتهم الخاصة ؟

في تفسيرنا الفني لهذه الظاهرة ، أن القصة عندما نقلت لنا هذه الفقرة وسواها مما يتصل بعنصر الآدميين ، إنما استهدفت الآدميين في ذلك ، مادام الأمر متصلا بتجربة البشر الذي يقرأ القصة ، ... فضلا عن أ نها حقيقة ذات صلة بتجربة الجن أيضا .

إن الكذب على الله يشكل جريمة أو مفارقة عقلية واضحة .

فالله حقيقة تفرض وجودها بكل ما للحقيقة من دلالة ، فلماذا يحاول الإنس والجن نفي هذه الحقيقة ؟

من هنا ، فإن أبطال الجن محقون كل الحق في ظنهم الذاهب إلى أ نه لا يمكن لإنسي أو جني أن يفتري على الله كذبا.

ومن هنا أيضا جاء الإنس عنصرا يفرض وجوده في أذهان الواعين من الجن مادام محاولا بجهالة نفي حقيقة الله.

وإذا كان الجن قد اقحموا عنصر الإنس في كلمتهم المتقدمة للسبب الذي أوضحناه ، فإنهم في كلمة جديدة من خطابهم إلى جمهور الجن يقحمون عنصر الإنس أيضا عبر تجربة اخرى ، عرضوا لها في كلمتهم.

ولنستمع إليهم في هذا الصدد. قال هذا النفر الواعي من الجن :

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}

{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا}

في هذه الفقرات من خطاب الجن حقيقتان تـتصلان بعنصر الآدميين وعلاقتهم بعنصر الجن ، الاولى هي : أن البعض من الآدميين كان يستجير بالجن ، فزادتهم هذه الاستجارة رهقاً .

أما الحقيقة الثانية فهي : مشاركة الآدميين للجن في التشكيك باليوم الآخر.

مما لا شك فيه ، أن هذه الحقيقة الأخيرة ، أي التشكيك باليوم الآخر ، يظل متصلا بعنصر التشكيك في ظاهرة التوحيد أيضا. وقد سبق التحدث عنها ، لكنها في الحقيقة تبقى متصلة أيضا بعملية الاستجارة بالجن ، .. وهي الحقيقة التي ينبغي التوقف عندها ، نظرا لانطوائها على أهمية كبيرة في نطاق العلاقة القائمة بين عنصري الإنس والجن.

والسؤال ـ فنيا ـ هو : لماذا أقحم أبطال الجن الذين وجهوا كلمتهم إلى الجمهور ، ... لماذا أقحموا قضية الاستعاذة أو الاستجارة الآدمية برجال الجن ؟

هل لأن الجن يتميزون بقوى لا يملكها الآدميون ؟

هل لأشكالهم غير المرئية صلة بهذا التميز ؟

هل هناك تجارب بشرية في هذا الصدد فرضت على أبطال الجن عرضها بهذا النحو ؟

ثم ما هي صلة الفشل الذي لحق تجارب الآدميين في اعتصامهم بقوى الجن .

ما هي صلة الفشل المذكور بحقيقة الموقف الجديد الذي أعلنه أبطال الجن عند استماعهم للقرآن الكريم ، وإيمانهم بالإسلام ؟

هذه الأسئلة تـتطلب إجابة محددة مادامت متصلة بتجارب الآدميين الذين نقلت هذه القصة لهم .

يخيل للقارئ أو السامع أن أبطال الجن الذين كانوا يتحدثون لجمهورهم عن أن رجالا من الإنس يعوذون برجال من الجن ، ... يخيل أن ذلك بمثابة تقرير لحقيقة ثابتة هي أن الجن بصفتهم قوى غير مرئية ، وبصفتهم يتسمون بما هو غريب ومدهش بالنسبة للآدميين ، وبصفتهم يتنقلون بحرية ليس في البيئة الجغرافية الفاصلة بين السماء والأرض فحسب ، بل حتى في الأرض ، وبصفتهم يمتلكون إمكانات التأثير على الآدميين... كل ذلك حمل أبطال الجن الذين تحدثوا لجمهورهم عن رسالة القرآن العظيم ، ... حملهم على الإشارة لهذا الجانب ، وتحسيس جمهورهم بأن هذه الاستعانة بالجن ـ بالنسبة للآدميين ـ تظل عملا منكرا بدليل أن الجن زادوا الآدميين الذين اعتصموا بهم ، زادوهم رهقا ، وإثما ، وضعفا ، بل يمكن أن تكون هذه الاستعانة بهم ، عنصر تشجيع للجن أيضا ، بأن تـتورم ذواتهم ويطغوا بذلك ، حيث يحملهم الطغيان على التفكير بأنهم اولوا قوة وسطوة ، وهو أمر منكر دون أدنى شك إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الكهنة ـ كما تقول بعض النصوص المفسرة ـ كانت تنقل إلى الآخرين ما يسمعونه من الجن ، ...

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الكلمة الحقيقة تظل ليس لهذا الجنس أو ذاك ، أو أية قوة أرضية أو كونية اخرى .

إن هذه الدلالات التي استخلصناها من حديث أبطال الجن لجمهورهم ، تنطوي على أهمية كبيرة في هذا السياق القصصي الذي كتب لنا نحن الآدميين ، وليس لسوانا .

هذه الشريحة من القصة تريد أن تقول لنا : إن أية استعانة بغيرالله عديمة الفاعلية ، وإلى أ نها تنم عن الضعف وانعدام الثقة بالله .

كما تريد أن تقول القصة لنا ثانياً : إن سلالة الجن بالرغم من امتلاكها ـ في تصور الآدميين ـ إمكانات هائلة ، وبالرغم من طغيانها ، وبالرغم من وقوعها مباشرة تحت تأثير سفيههم الكبير : الشيطان ، ... بالرغم من ذلك ، ما أن سمع نفر منهم إلى القرآن الكريم ، حتى أسرع إلى الإيمان بالله ، وبرسالة محمد (صلَّ الله عليه وآله) .

وتريد القصة أن تقول لنا ، ثالثاً ـ بطريقة فنية غير مباشرة ـ : إن الجن بالرغم من انتسابهم إلى سلالة غير الآدميين ، وبالرغم من أن القرآن لم ينزل إلا بلغة الآدميين ، ... بالرغم من ذلك ، فقد أسرع أبطال الجن إلى الإيمان بمجرد استماعهم للرسالة ، في حين تلكأ الآدميون في الاستجابة للنداء الخير...

طبيعيا لا ينحصر الأمر في عملية التوحيد فحسب ، بل ينبغي تجاوز ذلك إلى مطلق التعامل مع مبادئ الإسلام... أي أن التجربة الآدمية ينبغي أن تفيد من تجربة الجن في تعديل سلوكها بعامة ، وفي ضبطه وفق مهمة الخلافة في الأرض ، ... وهي المهمة التي ألقتها السماء علينا ـ نحن الآدميين ـ في هذه المسافة الزمنية المحددة من العمر .

ولنتابع كلمة أبطال الجن إلى جمهورهم ، ... قال هذا النفر من الجن :

{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}

{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}

{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}

في هذه الفقرات من كلمة أبطال الجن لجمهورهم تـتقدم القصة بكشف حقائق جديدة في حقل الظاهرة الكونية التي صاحبت نزول رسالة الإسلام ، ... وهي حقائق ذات خطورة كبيرة تدلنا ـ نحن الآدميين ـ على مدى أهمية رسالة الإسلام العظيمة التي اختارتها السماء لنا.

إن ثمة تغييرا في النظام الكوني قد حدث مع انبثاق الرسالة الإسلامية ، ...  كشفه لنا حوار الجن ...

فأولاً : {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} .

وهذا يعني أن الجن كانوا يمارسون عملية الصعود إلى السماء ، وإلى أنهم كانوا يجدونها ملأى بالملائكة ، وبالشهب ، أي بالأنوار الممتدة من السماء.

ثانياً : {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} .

وهذا يعني أن الجن كانوا عبر صعودهم إلى السماء ، ومشاهدتهم لحراسها من الملائكة ، ولشهبها ، ... كانوا حينئذ يستمعون إلى أصوات الملائكة وتحركاتهم...

ولكن الذي حدث بعد ذلك : «فمن يستمع الآن ، يجد له شهابا رصدا» .

إن الذي حدث هو : أن الجن كانوا يتمتعون بحرية التنقل في الأجواء إلى الدرجة التي كانوا يشاهدون الملائكة والشهب من خلالها ويطلعون على الأسرار...

لكنهم الآن ، أي بعد نزول القرآن الكريم على محمد (صلَّ الله عليه وآله) ما أن يحاولوا استراق السمع حتى يجدوا شهابا يرصدهم ، فيمنعهم من الصعود...

إن اقتران الحجز ـ أي : منع صعودهم إلى السماء ـ مع رسالة القرآن ، يظل مؤشرا واضحا إلى خطورة ما لمحنا به قبل قليل ...

إنه ـ على الأقل ـ نبههم إلى حدوث ظاهرة خطيرة ، بحيث جعلتهم يتساءلون :

{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}

أي : لعذاب سينزل بالآدميين ، أم لرسالة تهدي إلى الرشاد .

إنه لا شك مؤشر إلى الرسالة الجديدة التي غمرت هذا الكون ...

لقد انتبه أبطال الجن إلى حدوث الظاهرة الخطيرة على النحو الذي لحظناه .

والآن لا يزال هؤلاء الأبطال يكشفون لنا عبر كلمتهم التي ألقوها على جمهورهم بعد استماعهم للقرآن ... يكشفون لنا مزيدا من الحقائق المتصلة بعالمهم ، وإمكان إفادتنا ـ نحن الآدميين ـ من تجاربهم في هذا الصدد .

يقول هؤلاء الأبطال :

{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}

{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا}

{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا}

{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}

{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}

إن هذه الكلمات ـ في منطق القصة ـ ليست مجرد نقل لتجربة سلالة من نار ، بل تظل في الصميم من تجارب الآدميين ، فهناك الصالحون من جن وإنس وهناك من دونهم درجة وهناك فئات مختلفة طرائق قددا... لكن الحق ـ كما نطق به أبطال الجن ـ أن لا أحد في الكون يعجز الله في الأرض أويعجزه هربا ، بل تظل الهيمنة لله وحده ...

وتبعا لذلك ، ما أن واجه أبطال الجن هذه الحقيقة ، حتى هتفوا بأصحابهم :

{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ}

وأخيرا فإن القصة تنقل لنا هذه الفقرة التي تلخص كل شيء :

{فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا}

إن القصة وهي تنقل نص الكلمة التي ألقاها نفر من الجن على جمهورهم تستهدفنا ـ نحن الآدميين ـ في تماثل التجربة التي يحياها كل من سلالة الطين وسلالة النار في غمرة الصراع بين الشهوة والعقل ... لقد أوضح أبطال الجن : أن فيهم المسلم والقاسط وأن فيهم الصالح ومن دون ذلك ، وأن فيهم مذاهب شتى ...

وهذه الحقيقة ذاتها تطبع الآدميين ...

لكن الواعين منهم وهم أبطال الجن ، أوضحوا أن الحقيقة ، هي الإيمان بالله ، فيما لا يخاف معها أي بخس وأي رهق مما يعني في نهاية المطاف أن الآدميين أحق بإدراك مثل هذه الحقائق التي أغدقتها السماء عليهم ، حيث وعاها نفر لم ينزل القرآن على بطل منهم ، بل على بطل من الآدميين وبلغة يفقهونها جيدا...

وهكذا نجد أن القصة الممتعة التي نقلت تجربة الجن إلينا ، تظل نموذجاً من طرائق فنية متنوعة ، توصلها إلينا نحن القراء بغية الإفادة منها في تعديل سلوكنا ، وإدراك حقيقة المهمة العبادية لنا .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



العتبة العباسية تختتم فعاليات حفل سنّ التكليف الشرعي المركزي لطالبات المدارس في كربلاء
العتبة العباسية تكرم المساهمين بنجاح حفل التكليف الشرعي للطالبات
ضمن فعاليات حفل التكليف الشرعي.. السيد الصافي يلتقط صورة جماعية مع الفتيات المكلفات
حفل الورود الفاطمية يشهد عرضًا مسرحيًّا حول أهمية التكليف