المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16322 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (47-54) من سورة النور  
  
4382   02:40 صباحاً   التاريخ: 10-8-2020
المؤلف : المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النور /

 

قال تعالى : {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } [النور: 47 - 54].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

قال تعالى :{ويقولون آمنا بالله} أي: صدقنا بتوحيد الله {وبالرسول وأطعنا} هما فيما حكما {ثم يتولى فريق منهم} أي: يعرض عن طاعتهما طائفة منهم {من بعد ذلك} أي: من بعد قولهم: آمنا {وما أولئك} الذين يدعون الإيمان، ثم يعرضون عن حكم الله ورسوله {بالمؤمنين} وفي هذه الآية دلالة على أن القول المجرد لا يكون إيمانا، إذ لو كان ذلك كذلك، لما صح النفي بعد الإثبات. {وإذا دعوا إلى الله} أي: إلى كتاب الله، وحكمه، وشريعته. {ورسوله} أي: وإلى حكم رسوله {ليحكم بينهم} الرسول. وإنما أفرد بعد قوله {إلى الله ورسوله} لأن حكم الرسول يكون بأمر الله تعالى، فحكم الله ورسوله واحد. {إذا فريق منهم معرضون} عما يدعون إليه {وإن يكن لهم الحق} أي: وإن علموا أن الحق يقع لهم {يأتوا إليه} أي: إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم {مذعنين} مسرعين طائعين منقادين. ثم قال سبحانه منكرا عليهم {أفي قلوبهم مرض} أي: شك في نبوتك ونفاق؟ وهو استفهام يراد به التقرير، لأنه أشد في الذم والتوبيخ أي: هذأ أمر قد ظهر حتى لا يحتاج فيه إلى البينة، كما جاء في نقيضه من المدح على طريق الاستفهام، نحو قول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا، * وأندى العالمين بطون راح (2)

{أم ارتابوا} في عدلك أي: رأوا منك ما رابهم لأجله أمرك {أم يخافون أن يحيف الله عليهم} أي: يجور الله عليهم {ورسوله} أي: ويميل رسوله في الحكم، ويظلمهم، لأنه لا وجه في الامتناع عن المجئ إلا أحد هذه الأوجه الثلاثة. ثم أخبر سبحانه أنه ليس شئ من ذلك فقال: {بل أولئك هم الظالمون} نفوسهم وغيرهم. وفي هذه الآية دلالة على أن خوف الحيف من الله تعالى، خلاف الدين، وإذا كان كذلك، فالقطع عليه أولى أن يكون خلافا للدين.

ثم وصف سبحانه الصادقين في إيمانهم، فقال: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} أي: سمعنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأطعنا أمره، وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرهم، عن ابن عباس، ومقاتل. وقيل: معناه قبلنا هذا القول، وأنفذنا له واجبنا إلى حكم الله ورسوله.

{وأولئك هم المفلحون} أي: الفائزون بالثواب، الظافرون بالمراد. وروي عن أبي جعفر عليه السلام أن المعني بالآية أمير المؤمنين، عليه أفضل الصلوات. {ومن يطع الله ورسوله} فيما أمراه، ونهيا عنه {ويخش الله} أي: ويخش عقاب الله في ترك أوامره، وارتكاب نواهيه. {ويتقه} أي: ويتق عقابه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه {فأولئك هم الفائزون} وقيل: معناه ويخش الله في ذنوبه التي عملها، ويتقه فيما بعد.

النظم: قيل: اتصلت الآية الأولى بقوله: {ويضرب الله الأمثال للناس}.

ويعود الضمير في قوله: {ويقولون} إليهم، وإن كان يقع على بعضهم، فكأنه قال: ويقول جماعة من هؤلاء الناس آمنا، عن أبي مسلم. وقيل: إنه لما تقدم ذكر المؤمن والكافر، عقبه سبحانه بذكر المنافق.

 {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }.

ولما بين الله سبحانه كراهتهم لحكمه، قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: والله لو أمرتنا بالخروج من ديارنا وأموالنا، لفعلنا. فقال الله سبحانه: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن} أي: حلفوا بالله أغلظ أيمانهم، وقدر طاقتهم، إنك إن أمرتنا بالخروج في غزواتك لخرجنا. {قل} لهم يا محمد {لا تقسموا} أي: لا تحلفوا، وتم الكلام. {طاعة معروفة} أي: طاعة حسنة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، خالصة صادقة، أفضل وأحسن من قسمكم بما لا تصدقون. فحذف خبر المبتدأ للعلم به وقيل: معناه ليكن منكم طاعة والقول المعروف هو المعروف صحته {إن الله خبير بما تعملون} أي: من طاعتكم بالقول، ومخالفتكم بالفعل. ثم أمرهم سبحانه بالطاعة فقال: {قل} لهم {أطيعوا الله} فيما أمركم به {وأطيعوا الرسول} فيما أتاكم به، واحذروا المخالفة.

{فإن تولوا} أي: فإن تعرضوا عن طاعة الله، وطاعة رسوله. والأصل تتولوا فحذف أحد التاءين {فإنما عليه} أي: على الرسول {ما حمل} أي: كلف وأمر من التبليغ، وأداء الرسالة {وعليكم ما حملتم} أي: كلفتم من الطاعة والمتابعة {وإن تطيعوه} أي: وإن تطيعوا الرسول {تهتدوا} إلى الرشد والصلاح، وإلى طريق الجنة {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} أي: ليس عليه إلا أداء الرسالة وبيان الشريعة، وليس عليه الاهتداء، وإنما ذلك عليكم، ونفعه عائد إليكم. والمبين:

البين الواضح.

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج7،ص262-265.

{2} الشعر في {جامع الشواهد}، وقد مر في الكتاب أيضا غير مرة

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ويَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وبِالرَّسُولِ وأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } . الذين يقولون : آمنا وأطعنا على ثلاثة أنواع : الأول يقولون كلمة الايمان بألسنتهم ، ويعرفونها بقلوبهم ، ويعملون بموجبها ، وهؤلاء غير مقصودين

من الآية التي نحن بصددها . النوع الثاني : يقولون ويعتقدون ولكنهم يعصون ولا يفعلون ، أي يؤمنون نظريا لا عمليا . النوع الثالث : يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، وهم المنافقون ، والآية تشمل النوع الثاني والثالث ، ولا تختص بالمنافقين فقط ، كما قيل . لأن الايمان بلا عمل لا يجدي نفعا بدليل قوله تعالى :

{لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158].

{ وإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } . قال أكثر المفسرين : وقعت خصومة بين منافق ، ويهودي على أرض ، فقال المنافق :

أخاصمك إلى كعب الأحبار اليهودي لعلمه بأنه يقبل الرشوة . . وقال اليهودي :

بل نتحاكم عند محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ليقينه بأنه لا يقبل الرشوة . فرفض المنافق ، فنزلت الآية ، وسواء أصحت الرواية أم لم تصح فإنها أوضح تفسير للآية .

امتحن دينك وإيمانك :

{ وإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } . انهم لا يعرفون الحق إلا إذا وافق أهواءهم ، فإن خالفها تنكروا له . وهذه الأنانية البشعة الجشعة لا تختص بالمنافقين وحدهم ، فإنها تطبع أيضا حياة الكثير من المؤمنين ، أو الذين يرون أنفسهم مؤمنين . . انهم يجاهرون بالحق : وينكرون الباطل ، ولكن أي باطل ينكرون ؟ وبأي حق يجاهرون ؟ ان الحق في مفهومهم وإيمانهم ما يتفق مع مصلحتهم ، والباطل ما يخالفها ، ولكنهم يذهلون عن باطن أنفسهم وواقعهم . . هم يؤمنون بأنهم لا يفعلون إلا الحق ، ولا ينطقون إلا بالصدق ، وفي الوقت نفسه لا ينبعثون ولا يتحركون إلا بدافع من أهوائهم ومصالحهم .

وهؤلاء أسوأ حالا من المنافق الذي يخدع الناس ، ولا تخدعه نفسه لأنه على يقين من كذبه وريائه ، أما أولئك فإنهم يسيئون وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا . .

ولا يظلمهم من ينفي عنهم صفة الإيمان لأن المؤمن حقا لا ينخدع بحيل الشيطان وأباطيله ، ويتهم نفسه إذا زينت له عملا من أعماله . . فإن الشيطان لا مهمة له إلا أن يزين للناس سوء أعمالهم ، وإلا ان يريهم الباطل حقا ، والضلال صلاحا . .

قيل : ان رجلا قال لإبليس : لا سبيل لك على المؤمنين من أمثالي ، فضحك إبليس وقال له : ان كلامك هذا هو الشاهد على انك وأمثالك مطية لي . . ان غرورك هذا هو المنفذ الذي أدخل منه إلى قلبك ، فأفسده وأعماه حتى عن الواضح المحسوس .

وبعد ، فمن أراد أن يمتحن دينه وإيمانه فلينظر : هل يتهم نفسه أو يزكيها من كل عيب ؟ وهل تقبل الحق حتى ولو كان عليها ، فإن اتهمها وقبلت الحق مهما كانت النتائج فهو من المؤمنين وإلا فهو من الهالكين .

{ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ورَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . رفضوا أن يتحاكموا عند الرسول ، ولا موجب لهذا الرفض إلا البغض والكراهية لرسول اللَّه ، أو الشك والريب في نبوته ، أو الخوف من ظلمه وجوره . وأيا كان السبب الموجب فإنه لا يأبى حكم الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) إلا كافر أو ظالم لنفسه ولغيره { إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . بعد أن ذكر سبحانه المنافقين ، وانهم الذين يمتنعون عن المحاكمة عن الرسول إذا دعوا إليها ذكر المؤمنين ، وانهم الذين يستجيبون لكل من دعاهم إلى اللَّه ورسوله ، ويلبون دعوته خاضعين طائعين . وهؤلاء هم حزب اللَّه الذين عناهم بقوله : {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

{ ومَنْ يُطِعِ اللَّهً ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللَّهً ويَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ } برضوان اللَّه وجنانه . . وعطف الخوف من اللَّه وتقواه على طاعته تعالى هو من باب عطف التفسير لأن من أطاع اللَّه فقد خافه واتقاه ، ولكن المفسرين أبوا إلا أن يفرقوا بين هذه الأفعال ، فقالوا : أطاع اللَّه فيما أمر ونهى ، وخافه فيما عصى ، واتقاه فيما يأتي { وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } . ضمير أقسموا للمنافقين ، والمعنى انهم حلفوا الايمان المغلظة لئن أمرهم الرسول بالخروج من ديارهم وأموالهم ليسمعوا ويطيعوا . فزجرهم سبحانه عن الايمان الكاذبة بقوله :

{ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهً خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ } . قل يا محمد للمنافقين لا تحلفوا ، فان اللَّه يعلم أن طاعتكم هذه طاعة كذب ورياء ، وانكم أعداء اللَّه ورسوله ، وقد أعد لكم من أليم العذاب ما تستحقون .

{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهً وأَطِيعُوا الرَّسُولَ } ظاهرا وباطنا ، لا نفاقا ورياء { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ } . ضمير عليه للرسول ، والخطاب في عليكم للمنافقين ، والمعنى ان الرسول مكلف بالتبليغ ، وأنتم مكلفون بالطاعة ، ومن أهمل فعليه يقع حساب الإهمال وتبعته ، سواء أكان رسولا ، أم مرسلا إليه { وإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } . من أدى ما كلف به فعلى اللَّه أجره وثوابه ، وقد بلغ الرسول وأدى ما عليه ، وبقي ما عليكم .

 

____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج5 ، ص432-435.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

تتضمن الآيات افتراض طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنها لا تفارق طاعة الله تعالى، ووجوب الرجوع إلى حكمه وقضائه وأن الاعراض عنه آية النفاق، وتختتم بوعد جميل للصالحين من المؤمنين وإيعاد للكافرين.

قوله تعالى: { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك } الخ، بيان حال بعض المنافقين حيث أظهروا الايمان والطاعة أولا ثم تولوا ثانيا فالايمان بالله هو العقد على توحيده وما شرع من الدين، والايمان بالرسول هو العقد على كونه رسولا مبعوثا من عند ربه أمره أمره ونهيه نهيه وحكمه حكمه من غير أن يكون له من الامر شئ، وطاعة الله هي تطبيق العمل بما شرعه، وطاعة الرسول الايتمار والانتهاء عند أمره ونهيه وقبول ما حكم به وقضى عليه.

فالايمان بالله وطاعته موردهما نفس الدين والتشرع به، والايمان بالرسول وطاعته موردهما ما أخبر به الرسول من الدين بما أنه يخبر به وما حكم به وقضى عليه في المنازعات والانقياد له في ذلك كله.

فبين الايمانين والطاعتين فرق ما من حيث سعة المورد وضيقه، ويشير إلى ذلك ما في العبارة من نوع من التفصيل حيث قيل: { آمنا بالله وبالرسول } فأشير إلى تعدد الايمان والطاعة ولم يقل: آمنا بالله والرسول بحذف الباء، الايمانان مع ذلك متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، قال تعالى: {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 150].

وفقوله: { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا } أي عقدنا القلوب على دين الله وتشرعنا به وعلى أن الرسول لا يخبر إلا بالحق.

ولا يحكم إلا بالحق قوله: { ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك } أي ثم يعرض طائفة من هؤلاء القائلين: { آمنا بالله وبالرسول وأطعنا } عن مقتضي قولهم من بعد ما قالوا ذلك.

وقوله: { وما أولئك بالمؤمنين } أي ليس أولئك القائلون بالمؤمنين، والمشار إليه باسم الإشارة لقائلون جميعا لا خصوص الفريق المتولين على ما يعطيه السياق لان الكلام مسوق لذم الجميع.

قوله تعالى: { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون } يشهد سياق الآية أن الآيات إنما نزلت في بعض من المنافقين دعوا إلى حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منازعة وقعت بينه وبين غيره فأبي الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذلك نزلت الآيات.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان يحكم بينهم بحكم الله على ما أراه الله كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]. للحكم نسبة إليه بالمباشرة ونسبة إلى الله سبحانه من حيث كان الحكم في ضوء شريعته وبنصبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحكم والقضاء.

وبذلك يظهر أن المراد بالدعوة إلى الله ليحكم بينهم هي الدعوة إلى المتابعة لما يقتضيه شرعه تعالى في مورد النزاع، وبالدعوة إلى رسوله ليحكم بينهم هي الدعوة إلى متابعة ما يقضي عليه بالمباشرة وأن الظاهر أن ضمير { ليحكم } للرسول، وإنما أفرد الفاعل ولم يثن إشارة إلى أن حكم الرسول حكمه تعالى.

والآية بالنسبة إلى الآية السابقة كالخاص بالنسبة إلى العام فهي تقص إعراضنا معينا منهم والاعراض المذكور في الآية السابقة منهم إعراض مطلق.

قوله تعالى: { وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين } الاذعان الانقياد، وظاهر السياق وخاصة قوله: { يأتوا إليه } أن المراد بالحق حكم الرسول بدعوي أنه حق لا ينفك عنه، والمعنى وإن يكون الحق الذي هو حكم الرسول لهم لا عليهم يأتوا إلى حكمه منقادين فليسوا بمعرضين عنه إلا لكونه عليهم لا لا لهم، ولازم ذلك أنهم يتبعون الهوى ولا يريدون اتباع الحق.

قوله تعالى: { أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله } إلى آخر الآية. الحيف الجور.

وظاهر سياق الآيات أن المراد بمرض القلوب ضعف الايمان كما في قوله تعالى:

{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] ، وقوله: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} [الأحزاب: 60] ، وغير ذلك من الآيات.

وأما كون المراد بمرض القلوب النفاق كما فسر به فيدفعه قوله في صدر الآيات:

{ وما أولئك بالمؤمنين } فإنه حكم بنفاقهم، ولا معنى مع إثبات النفاق للاستفهام عن النفاق ثم الاضراب عنه بقوله: { بل أولئك هم الظالمون }.

و قوله: { أم ارتابوا } ظاهر إطلاق الارتياب وهو الشك أن يكون المراد هو شكهم في دينهم بعد الايمان دون الشك في صلاحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحكم أو عدله ونحو ذلك لكونها بحسب الطبع محتاجة إلى بيان بنصب قرينة.

وقوله: { أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله } أي أم يعرضون عن ذلك لانهم يخافون أن يجور الله عليهم ورسوله لكون الشريعة الإلهية التي يتبعها حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبنية على الجور وإماتة الحقوق الحقة، أو لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يراعي الحق في قضائه.

وقوله: { بل أولئك هم الظالمون} أضراب عن الترديد السابق بشقوقه الثلاثة وذلك أن سبب أعراضهم لو كان مرض قلوبهم أو ارتيابهم لم يأتوا إليه مذعنين على تقدير كون الحق لهم بل كانوا يعرضون كان الحق لهم أو عليهم، وأما الخوف من أن يحيف الله عليهم ورسوله فلا موجب له فالله برئ من الحيف ورسوله فليس إعراضهم عن إجابة الدعوة إلى حكم الله ورسوله إلا لكونهم حق عليهم أنهم ظالمون. والظاهر أن المراد بالظلم التعدي عن طور الايمان مع الاقرار به قولا كما قال آنفا: { وما أولئك بالمؤمنين } أو خصوص التعدي إلى الحقوق غير المالية، ولو كان المراد مطلق الظلم لم يصح الاضراب عن الشقوق الثلاثة السابقة إليه لأنها من مطلق الظلم ويدل عليه أيضا الآية التالية.

وقد بأن بما تقدم أن الترديد في أسباب الاعراض على تقدير عدم النفاق بين الأمور الثلاثة حاصر والأقسام متغايرة فإن محصل المعنى أنهم منافقون غير مؤمنين إذ لو لم يكونوا كذلك كان إعراضهم أما لضعف إيمانهم وإما لزواله بالارتياب وإما للخوف من غير سبب يوجبه فإن الخوف من الرجوع إلى حكم الحاكم إنما يكون إذا احتمل حيفه في حكمه وميله عن الحق إلى الباطل ولا يحتمل ذلك في حكم الله ورسوله.

وقد طال البحث في كلامهم عما في الآية من الترديد والاضراب ولعل فيما ذكرناه كفاية، ومن أراد أزيد من ذلك فليراجع المطولات.

قوله تعالى: { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا } إلى آخر الآية سياق قوله: { إنما كان قول المؤمنين { وقد أخذ فيه } كان } ووصف الايمان في { المؤمنين } يدل على أن ذلك من مقتضيات طبيعة الايمان فإن مقتضى الايمان بالله ورسوله وعقد القلب على اتباع ما حكم به الله ورسوله التلبية للدعوة إلى حكم الله ورسوله دون الرد.

وعلى هذا فالمراد بقوله: { إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم } دعوة بعض الناس ممن ينازعهم كدعوة بعض المتنازعين المتخاصمين الآخر إلى التحاكم إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، ويدل عليه تصدير الجملة بلفظة { إذا } ولو كان المراد به دعوة الله ورسوله بمعنى إيجاب رجوع المؤمنين في منازعاتهم إلى حكم الله ورسوله كان ذلك حكما مؤبدا لا حاجة فيه إلى التقييد بالزمان.

وبذلك يظهر ضعف ما قيل: إن فاعل { دعوا } المحذوف هو الله ورسوله، والمعنى: إذا دعاهم الله ورسوله. نعم مرجع الدعوة بأخرة إلى دعوة الله ورسوله.

وكيف كان تقصر الآية قول المؤمنين على تقدير الدعوة إلى حكم الله ورسوله في قولهم: سمعنا وأطعنا وهو سمع وطاعة للدعوة الإلهية سواء فرض الداعي هو أحد المتنازعين للاخر أو فرض الداعي هو الله ورسوله أو كان المراد هو السمع والطاعة لحكم الله ورسوله وإن كان بعيدا.

وانحصار قول المؤمنين عند الدعوة في { سمعنا وأطعنا } يوجب كون الرد للدعوة ليس من قول المؤمنين فيكون تعديا عن طور الايمان، كما يفيده قوله:

{ بل أولئك هم الظالمون } على ما تقدم، فتكون الآية في مقام التعليل للاضراب في ذيل الآية السابقة.

وقد ختمت الآية بقوله: { وأولئك هم المفلحون } وفيه قصر الفلاح فيهم لا قصرهم في الفلاح.

قوله تعالى: { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } ورود الآية في سياق الآيات السابقة وانضمامها إلى سابقتها يعطي أنها في مقام التعليل - كالكبرى الكلية - للآية السابقة حيث حكمت بفلاح من أجاب الدعوة إلى حكم الله ورسوله بالسمع والطاعة بقيد الايمان كأنه قيل: إنما أفلح من أجاب إلى حكم الله ورسوله وهو مؤمن لأنه مطيع لله ولرسوله وهو مؤمن حقا في باطنه خشية الله وفي ظاهره تقواه ومن يطع الله ورسوله فيما قضى عليه ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون، والفوز هو الفلاح.

وتشمل الآية الداعي إلى حكم الله ورسوله من المتنازعين كما يشمل المدعو منهما إذا أجاب بالسمع والطاعة ففيها زيادة على تعليل حكم الآية السابقة تعميم الوعد الحسن للداعي والمدعو جميعا.

قوله تعالى: { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة } إلى آخر الآية، الجهد الطاقة، والتقدير في قوله: { أقسموا بالله جهد أيمانهم } أقسموا بالله مبلغ جهدهم في أيمانهم والمراد أقسموا بأغلظ أيمانهم.

والظاهر أن المراد بقوله: { ليخرجن } الخروج إلى الجهاد على ما وقع في عدة من الآيات كقوله: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 46، 47].

وقوله: { قل لا تقسموا } نهي عن الأقسام، وقوله: { طاعة معروفة } خبر لمبتدأ محذوف هو الضمير الراجع إلى الخروج والجملة في مقام التعليل للنهي عن الأقسام ولذا جئ بالفصل، وقوله: { والله خبير بما تعملون } من تمام التعليل.

ومعنى الآية: وأقسموا بالله بأغلظ أيمانهم لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجن قل لهم: لا تقسموا فالخروج إلى الجهاد طاعة معروفة من الدين - وهو واجب لا حاجة إلى إيجابه بيمين مغلظ - وإن تكونوا تقسمون لأجل أن ترضوا الله ورسوله بذلك فالله خبير بما تعملون لا يغره اغلاظكم في الايمان.

وقيل: المراد بالخروج خروجهم من ديارهم وأموالهم لو حكم الرسول بذلك، وقوله: { طاعة معروفة } مبتدأ لخبر محذوف، والتقدير طاعة معروفة للنبي خير من إقسامكم، ومعنى الآية: وأقسموا بالله بأغلظ الايمان لئن أمرتهم وحكمت عليهم في منازعاتهم بالخروج من ديارهم وأموالهم ليخرجن منها قل لهم: لا تقسموا لان طاعة حسنة منكم للنبي خير من إقسامكم بالله والله خبير بما تعملون.

وفيه أن هذا المعنى وإن كان يؤكد اتصال الآية بما قبلها بخلاف المعنى لسابق لكنه لا يلائم التصريح السابق بردهم الدعوة إلى الله ورسوله ليحكم بينهم لانهم إذ كانوا تولوا وأعرضوا عن حكم الله ورسوله لم يكن يسعهم أن يقسموا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لئن أمرهم في حكمه بالخروج من ديارهم وأموالهم ليخرجن وهو ظاهر، اللهم إلا أن يكون المقسمون فريقا آخر منهم غير الرادين للدعوة المعرضين عن الحكم، وحينئذ كان حمل { ليخرجن } على هذا المعنى لا دليل يدل عليه.

قوله تعالى: { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } آخر الآية، أمر بطاعة الله فيما أنزل من الدين وأمر بطاعة الرسول فيما يأتيهم به من ربهم ويأمرهم به في أمر دينهم ودنياهم، وتصدير الكلام بقوله: { قل } إشارة إلى أن الطاعة جميعا لله، وقد أكده بقوله: { وأطيعوا الرسول } دون أن يقول: وأطيعوني لان طاعة الرسول بما هو طاعة الرسول طاعة المرسل، وبذلك تتم الحجة.

ولذلك عقب الكلام:

أولا بقوله: { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } أي فإن تتولوا وتعرضوا عن طاعة الرسول لم يضر ذلك الرسول فإنما عليه ما حمل من لتكليف ولا يمسكم منه شئ وعليكم ما حملتم من التكليف ولا يمسه منه شئ فإن الطاعة جميعا لله سبحانه.

وثانيا بقوله: { وإن تطيعوه تهتدوا } أي وإن كان لكل منكم ومنه ما حمل لكن إن تطيعوا الرسول تهتدوا لان ما يجئ به إليكم وما يأمركم به من الله وبأمره، والطاعة لله وفيه الهداية.

وثالثا بقوله: { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } وهو بمنزلة التعليل لما تقدمه أي إن ما حمله الرسول من التكليف هو التبليغ فحسب فلا بأس عليه إن خالفتم ما بلغ، وإذ كان رسولا لم يحتمل إلا التبليغ فطاعته طاعة من أرسله وفي طاعة من أرسله وهو الله سبحانه اهتداؤكم.

__________________

1- تفسير الميزان  الطباطبائي، ج15 ، ص117-122.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

الإيمان وقبول حكم الله:

تحدثت الآيات السابقة عن الإيمان بالله وعن دلائل توحيده وعلائمه في عالم التكوين، بينما تناولت الآيات ـ موضع البحث ـ أثَرَ الإيمان وانعكاس التوحيد في حياة الإنسان، وإذعانه للحقّ والحقيقة.

تقول أوّلا: {لقد أنزلنا آيات مبينات} آيات تنور القلوب بنور الإيمان والتوحيد، وتزيد في فكر الإنسان نوراً وبهجة، وتبدّل ظلمات حياته إلى نور على نور. وطبيعي أنّ هذه الآيات المبينات تُمهد للإِيمان، إلاّ أنَّ الهداية الإِلهية هي صاحبةُ الدور الأساسي {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.

وكما نعلم فإنّ إرادة الله ومشيئته ليست دون حساب، فهو سبحانه وتعالى يدخل نور الهداية إلى القلوب المستعدة لتقبله، أي التي أبدت المجاهدة في سبيل الله وقطعت خطوات للتقرب إليه، فأعانها على قَدرِ سَعْيِها في الوصول إلى لطفه سبحانه.

ثمّ استنكرت الآية الثّانية وذمَّت مجموعة من المنافقين الذين يدّعون الإيمان في الوقت الذي خلت فيه قلوبُهُم من نور الله، فتقول الآية عن هذه المجموعة {ويقولون آمنا بالله وبالرّسول وأطعنا ثمّ يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أُولئك بالمؤمنين}.

ما هذا الإيمان الذي لا يتجاوز حدود ألسنتهم، ولا أثر له في أعمالهم؟

ثمّ تذكر الآية التي بعدها دليلا واضحاً على عدم إيمانهم {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون}.

ولتأكيد عبادة هذه المجموعة للدنيا وفضح شركهم، تُضيف الآية {وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} وبكامل التسليم والخضوع.

والجدير بالذكر أن العبارة الأُولى تحدثت عن الدعوة إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأمّا العبارة التالية أي كلمة «ليحكم» فإنّها جاءت مفردة، وهي تشير إلى تحكيم الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لوحده; وذلك لأنّ تحكيم الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس منفصلا عن تحكيم الله تعالى، حيث أنّ كلا الحكمين في الحقيقة واحد.

كما يجب الإنتباه إلى أنّ ضمير الهاء المتصلّة في «إليه» يعود إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه، أو إلى تحكيمه. وكذلك لابدّ من الإلتفات إلى أن الآية نسبت التخلُف عن هذا الحكم والإعراض عن تحكيم الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مجموعة من المنافقين فقط. ولعل ذلك لأن الفئات الأُخرى لم تكن بهذه الدرجة من الجرأة وعدم الحياء، لأنّ للنفاق مراتب أيضاً كمراتب الأيمان المختلفة.

وبيّنت الآية الأخيرة في ثلاث جمل، الجذور الأساسية ودوافع عدم التسليم إزاءَ تحكيم الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت أوّلا {أفي قلوبهم مرض}.

هذه صفة من صفات المنافقين يتظاهرون بالإيمان، ولكنّهم لا يُسلِّمون بحكم الله ورسوله، ولا يستجيبون له، إمّا بسبب انحرافهم قلبياً عن التوحيد أو الشك والتردد {أم ارتابوا} وطبيعي أنّ الذي يتردّد في عقيدته، لن يستسلم لها أبداً.

وثالثها فيما لو لم يلحدوا ولم يشكوا، أي كانوا من المؤمنين: {أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله}.

في الوقت الذي يعتبر هذا تناقضاً صريحاً، إذ كيف للذي يؤمن برسالة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ويعتبر حكمه حكم الله تعالى أن يَنْسِب الظلم إلى الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

وهل يمكن أن يظلم الله أحداً؟

أليس الظلم وليد الجهل أو الحاجة أو الكبر؟

إنّ الله تعالى مقدَّس عن كلّ هذه الصفات {بل أُولئك هم الظالمون} إنّهم لا يقتنعون بحقّهم، وهم يعلمون أنَّ النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجحف بحقِ أحد، ولهذا لا يستسلمون لحكمه.

ويرى مفسّر «في ظلال القرآن»: في الآية: {أفي قلوبهم مرض؟ أم ارتابوا؟ أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟} أنّ السؤال الأوّل للإِثبات، أي لاثبات وجود مرض النفاق في قلوبهم فمرض القلب جدير بأن ينشىء مثل هذا الأثر.

والسؤال الثّاني للتعجب، فهل هم يشكّون في حكم الله وهم يزعمون الإيمان؟ هل هم يشكّون في مجيئه من عند الله؟ أو هم يشكّون في صلاحيته لإقامة العدل؟

والسؤال الثّالث لاستنكار أمرهم الغريب، والتناقض الفاضح بين إدعائهم وعملهم.

وإنّه لعجيب أن يقوم مثل هذا الخوف في نفس إنسان، فالله خالق الجميع وربّ العالمين، فكيف يحيف في حكمه على أحد من خلقه لحساب مخلوق آخر(2).

وما يورده هذا المفسّر هو أنَّ عبارة «أم ارتابوا» تعني الشك في عدالةِ الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وفي صحة تحكيمه في الوقت الذي يرى كثير من المفسّرين أنَّهُ الشكُ في أصل النّبوة كما هو الظاهر.

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } .


الإيمان والتسليم التام إزاء الحقّ:

لاحظنا في الآيات السابقة ردّ فعل المنافقين، الذين اسودّتْ قلوبهم، وأصبحت ظلمات في ظلمات. وكيف لم يرضخوا لحكم الله ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكأنَّهُم يَخَافُونَ أن يحيف الله ورسوله عليهم، فيضيع حقّهم!

أمّا الآيات ـ موضع البحث ـ فإنّها تشرح موقف المؤمنين إزاء حكم الله ورسوله، فتقول {إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا}.

ما أجمل هذا التعبير المختصر والمفيد {سمعنا وأطعنا}!

وقد وردتْ كلمة «إنّما» في الآية السابقة لتحصر كلام المؤمنين في عبارة {سمعنا وأطعنا} والواقع أن حقيقة الايمان يكمن في هاتين الكلمتين فقط.

كيف يمكن أن يرجّح شخص حكم شخص آخر على حكم الله، وهو يعتقد بأنّ الله عالم بكلّ شيء، ولا حاجة له بأحد، وهو الرحمن الرحيم؟ وكيف له أن يقوم بعمل إزاء حكم الله إلاّ السمع والطاعة؟

فما أحسن هذه الوسيلة لامتحان المؤمنين الحقيقيين ونجاحهم في الإمتحان؟! لهذا تختتم الآية حديثها بالقول: {وأُولئك هم المفلحون} ولا شك في أنّ الفلاح نصيبُ الذي يسلّم أمرَه إلى الله، ويعتقد بعدله وحُكمِه في حياته المادية والمعنوية.

وتابعت الآية الثّانية هذه الحقيقة بشكل أكثر عمومية، فتقول: {ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأُولئك هم الفائزون}(3).

وقد وصفت هذه الآية المطيعين المتقين بالفائزين، كما وصفت الآيةُ السابقة الذين يرضخون لحكم الله ورسوله بالمفلحين.

وتُفيد مصادر اللغة أنَّ «الفوز» و«الفلاح» بمعنىً واحد تقريباً، قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: «الفوز: الظفر بالخير مع حصول السلامة» و«الفلاح: الظفر وادراك البغية» {وفي الأصل بمعنى الشق، وبما أنّ الاشخاص المفلحين يشقون طريقهم إلى مقصدهم ويزيلون العقبات منه أطلق الفلاح على الفوز أيضاً} وبما أن الكلام في الآية السابقة كان عن الطاعة بشكل مطلق، وفي الآية قبلها عن التسليم أمام حكم الله، وأحدهما عام والآخر خاص، فنتيجة كليهما واحدة.

و ما يستحقُّ الملاحظة هو أن الآية الأخيرة ذكرت ثلاثةَ أوصاف للفائزين: هي: طاعة الله والرّسول، وخشية الله، وتقوى الله.

وقال بعض المفسّرين: إنّ الطاعة ذات معنىً عام، والخشية فرعها الباطني، والتقوى فرعها الظاهري. وقد تحدثت أوّلا عن الطاعةِ بشكل عامّ، ثمّ عن باطنها وظاهرها.

ورُوي عن الإمام الباقر(عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: {أُولئك هم المفلحون}قال: «إنَّ المعني بالآية أمير المؤمنين علي عليه السلام»(4).

ولا خلاف في أنَّ علياً(عليه السلام) خير مصداق لهذه الآية، وهذا هو المراد من هذا الحديث فلا يفقد الآية عموميتها.

لحن الآية التالية ـ وكذلك سبب نزولها الذي ذكرته بعض التفاسير ـ يعني أنّ بعض المنافقين تأثروا جداً على ما هم فيه، بعد نزول الآيات السابقة والتي وجّهت اللوم الشديد إليهم، فجاءوا إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأقسموا يميناً مغلظة أنّنا نسلّم أمرنا إليك، ولهذا أجابَهُم القرآن بشكل حاسم {وأقسموا بالله جهد إيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن} إلى ميدان الجهاد، أو يخرجوا من أموالهم وبيوتهم فقل لهم: لا حاجة إلى القسم، وعليكم عملا اطاعة الله بصدق واخلاص{قل لا تقسموا طاعة معروفة إنّ الله خبير بما تعملون}.

يرى كثير من المفسّرين أنّ كلمة «ليخرجن» في هذه الآية يقصد منها الخروج للجهاد في سبيل الله، غير أنّ مفسّرين آخرين يرون أنّها تقصد عدم التهالك على المال والحياة، وأتباع الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أينما رحل وحَلّ وطاعته.

وقد وردت كلمة «الخروج» ومشتقاتها في القرآن المجيد بمعنى الخروج إلى ميادين الجهاد تارة، وتركِ المنزل والأهل والوطن في سبيل الله تعالى تارة أخرى، إلاّ أنّ الآيات السابقة التي تحدثت عن حكم الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في القضايا المختلفة يجعلنا نتقبل التّفسير الثّاني. بمعنى أن المنافقين جاءوا إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ليعربوا عن طاعتهم لحكمُه(صلى الله عليه وآله وسلم) والتسليم له، فأقسموا على اخراج قسم من أموالهم، بل أن يتركوا الحياة الدنيا إن أمرهم بذلك.

ولا مانع من الجمع بين التّفسيرين، أي إنّهم كانوا على استعدادهم لترك أموالهم وأهليهم، والخروج للجهاد ولتضحية في سبيل الله.

ولكن بما أنّ المنافقين يتقلبون في مواقفهم بحسب الظروف السائدة في المجتمع، فتراهم يقسمون الأيمان المغلَّظة حتى تشعُرَ بأنّهم كاذبون، فقد رَدَّ القرآن ـ بصراحة ـ أنّه لا حاجة إلى اليمين، وإنّما لا بُدّ من البرهنة على صدق الإدعاء بالعمل، لأنّ الله خبير بما تعملون. يعلم هل تكذبون في يمينكم، أم تبغون تعديل مواضعكم واقعاً؟

لهذا أكدت الآية التالية ـ التي هي آخر الآيات موضع البحث ـ هذا المعنى، وتقول للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أن: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول}.

ثمّ تضيف الآية أنّ هذا الأمر لا يخرج عن إحدى حالتين: {فإن تولوا فإنّما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم} ففي صورة العصيان فقد ادّى وظيفته وهو مسؤول عنها كما أنّكم مسؤولون عن أعمالكم حين أن وظيفتكم الطاعة، ولكن {وإن تطيعوه تهتدوا} لأنّه قائد لا يدعو لغير سبيل الله والحقّ والصواب.

في كل الأحوال {وما على الرّسول إلاّ البلاغ المبين} وإنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) مكلّف بإبلاغ الجميع ما أمر الله به، فإن أطاعوه استفادوا، وإنْ لم يُطيعوه خَسروا. وَلَيْسَ على النّبي أن يجبر الناس على الهداية وتقبّل دعوته.

وما يلفت النظر في الآية السابقة تعبيرها عن المسؤولية بـ «الحملِ» الثقيل

وهذا هو الواقع، فرسالة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) تستوجب الإبلاغ عليه(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الناس طاعته. إنّها لمسؤوليةٌ لا يطيق حملها إلاّ المخلصون.

ولذا روى الإمام الباقر(عليه السلام) حديثاً عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال فيه «يا معشر قرّاءِ القرآن، اتقوا الله عزَّوجلّ فيما حملكم من كتابه، فإنّي مسؤول، وأنتم مسؤولون: إنّي مسؤول عن تبليغ الرسالة، وأمّا أنتم فتسألون عما حُمِلْتُم من كتاب الله وسنّتي»(5).


________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي، ج9،ص110-117.

2 ـ تفسير في ظلال القرآن، المجلد (17 ـ 20)، صفحة 115 ـ طبعة دار إحياء الكتب العربية ـ الطبعة الأُولى.

3 ـ أصل «يتقه» بسكون القاف وكسر الهاء «يتقيه» وقد حذفت الياء منها لأنّها في حالة جزم وقد حذفت إحدى الكسرتين المتاليتين لأنّها ثقيلة للفظ.

4 ـ تفسير نور الثقلين، ج3، صفحة 616.

5 ـ المصدر السابق.

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



العتبة العباسية تختتم فعاليات حفل سنّ التكليف الشرعي المركزي لطالبات المدارس في كربلاء
العتبة العباسية تكرم المساهمين بنجاح حفل التكليف الشرعي للطالبات
ضمن فعاليات حفل التكليف الشرعي.. السيد الصافي يلتقط صورة جماعية مع الفتيات المكلفات
حفل الورود الفاطمية يشهد عرضًا مسرحيًّا حول أهمية التكليف