من أهم طرق تعزيز السلوكيات الحسنة للأبناء هي طريقة الأسوة والقدوة الحسنة وهذه الطريقة تنطلق من النفس البشرية التي جبلت على التأسي بصفات من تميل إليه في الأخلاق والسلوك وهي تظهر بشكل أقوى في طبيعة الطفل، فجميع الأطفال بلا إستثناء يبحثون عمن يقلدونه في مشيه ولبسه وكلامه وسائر صفاته وأقواله وأفعاله ومن هنا وجب على الآباء أن يكونوا النموذج المميز لأبنائهم في السلوك والأخلاق والتوجه الديني والتربوي حتى يتعلم منهم الأبناء ذلك ويسلكوا طريقهم في الإلتزام بهذه المفاهيم والقيم.
وإنما ننصح الآباء على التحلي بهذه الصفات المميزة دون غيرهم، لأنهم أول الأشخاص الذين يقع عليهم بصر الطفل وبصيرته هو الوالدان فهما المثال الواقعي الملموس الذي يقتدي به الطفل في سلوكه وأخلاقه وتصرفاته.
ولكن الأمر غير مختص بالوالدين بل يشمل المعلم والمربي والقائد والمدرّب فإن كل واحد من هؤلاء له دور في تربية الولد، فالمعلم يعلم الطفل بسلوكه كيف يجب أن يتعامل الاستاذ والمعلم مع تلامذته في المدرسة، والقائد يعلم جنوده كيف ينبغي أن تكون قيادة القائد الرشيد والموفق مع جنوده، وهكذا المدرّب وأصحاب المهن والأعمال وغيرهم... وقد كانت السيرة التربوية للنبي (صلى الله عليه وآله) هي السيرة النموذجية التي يحسن بنا أن نتمسك بها في جميع الأدوار الإجتماعية والأسرية وقد جاء في حديث عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يصف به سيرة النبي وسلوكه قائلاً: ((وضَعَنِي فِي حَجْرِهِ وَأَنَا وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَلْقُنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَعُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَمَا وَجَدَ لِي كَذِبَةٌ فِي قَوْلٍ وَلَا خَطْلَةٌ(1) فِي فِعْلٍ وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ (صلى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ كَانَ فَطيماً أَعْظَمَ مَلَكِ مِنْ مَلَائِكَةٍ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالِمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتْبَعُهُ اتَّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلَّ يَوْمٍ عِلْمًا مِنْ أَخْلَاقِهِ وَيَأْمُرُنِي بِالاقْتِدَاءِ بِهِ))(2).
وهكذا يجب على الوالدين أن يكونا كما يريدون أن يكون أبناؤهم وليحذروا أن تخالف أفعالهم أقوالهم وأن يأمروا أولادهم بأشياء هم غير عاملين بها فقد قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].
وقال عز وجل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ((كُونُوا دُعَاةَ النَّاسِ بِأَعْمَالِكُمْ، وَلَا تَكُونُوا دُعَاةً بِأَلْسِنَتِكُم))(3).
وفي حديث آخر عنه (عليه السلام): ((عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْوَرَعِ وَالِاجْتِهَادِ وَصِدْقٍ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَكُونُوا دُعَاةً إِلَى أَنْفُسِكُمْ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُم))(4).
من الواضح أن الإمام (عليه السلام) لا يريد إنكار ورفض الدعوة باللسان بصورة مطلقة وإنما نهى عن أن تكون الدعوة باللسان فحسب وإنما أراد أن تكون مقرونة بالفعل والعمل، فإنّ المدعو إذا رأى الداعي إلى الخير إنما يدعوه إلى أمر ولم يكن هو ملتزما بما يدعو به أو ينهاه عن أمر هو لم يتنه عنه سوف لا يستجيب للداعي ولا يمتثل لأمره ونهيه فلا تترتب على دعوته الغاية المطلوبة بل ربما تتضمن ضرراً وفساداً للمعروف وأهله بعد ما سيئت سمعة الدعاة عند المدعو وبعد ما شاهد سلوك الرجل الداعي ومخالفة أفعاله لأقواله فزعم أن الدعاة بأجمعهم يأمرون وينهون الناس وهم غير ملتزمين بما يقولون ولهذا نهي الإمام (عليه السلام) عن الدعوة باللسان والقول فحسب، وجاء في قصة المعراج عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قَوْماً تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِالْمَقَارِيضِ؛ كُلَّمَا قُرِضَتْ وَفَتْ، فَقَالَ جَبْرَائِيلُ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِأَفْوَاهِهِمْ، فَعُوقِبُوا فِيهَا))(5).
وعنه (صلى الله عليه وآله): أَنه قال: ((مَثَلُ مَنْ يَعَلُّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ كَالسِّرَاحِ يُحْرِقُ نَفْسَهُ وَيُضِيءُ غَيْرَه))(6).
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى کیما يـصـح به وأنـت سـقـيـم
وأراك تصلح بالرشاد عقولنا نصحا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عـنـه فـأنت حكيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم(7)
فيجب عليهما أن يبدآ بأنفسهما فيفعلا ما يريدانه أن يفعل الولد فهو سيقلدهما في الأخلاق والصفات وطريقة معالجتهما للقضايا والمشاكل التي تحصل في المنزل وخارج المنزل.
شروط يجب توفرها في القدوة
الأول: الإيمان بالفكرة
يجب على القدوة الاقتناع بما يتعلمه ويفهمه جيداً، كي تكون نتيجة إقناع الآخرين أمراً سهلاً، فمن كانت الفكرة لديه غير واضحة أو أنه غير مقتنع بها، فهذا سيجعل بينه وبين من يتبعه هوّةً شاسعة، وبالتالي الانصراف عنه.
الثاني: تعلم العلم الصحيح
يجب على القدوة أن يكون لديه العلم الكافي والصحيح والذي يؤهله لهذه المهمة العظيمة، على سبيل المثال من يريد أن يمدح إبنه لذهابه إلى المسجد فيجب أن يطلعه على أن الذهاب إلى المسجد لأداء الفريضة أمر جيد وحسن ولكن قد يحرم عليه أحياناً وذلك عندما يكون على جنابة وهو لم يغتسل.
الثالث: التطبيق العملي
تقدم وأن ذكرنا أن الأبوين أو المربي الذي يريد أن يربي ويعلم إبنه لابد أن يكون هو بنفسه متعلما وعاملاً بما يقول وبما ينصح به أولاده وليست التربية مجرد عملية نقل المفاهيم والقيم إلى أبنائنا بل لابد من تجسيد القيم أمامهم ليشاهدوها حتى يتسنى لهم العمل بها وليعلم الأبوان أن فسادهما يسري إلى الأبناء أسرع من أي شيء فإذا تربّى الطفل عمليا عند الأبوين تربية سيئة فهي تبقى فيه إلى آخر العمر ومن الصعب أن يكون قابلاً للإصلاح برغم جهود المربين وتعبهم.
الرابع: التأكد من صحة المعلومة ودقتها
فلو كان هناك خلل في المعلومة أو خطأ وعلم بذلك الأتباع بعد حين فسيفقدون الثقة به، فمثلاً إذا امتنع الولد عن إغتياب مؤمن قد مات وإرتحل من الدنيا فلا يقول له الأب أحسنت بارك الله بك يا ولدي لم تذكر المؤمن بسوء ولكن إعلم أنه ميت فيجوز لك أن تكشف عن حقيقته التي كان عليها!!!
وهذا القول من الأخطاء الشائعة التي يزعمها الكثير من عوام الناس فإن المؤمن محترم حيّاً كان أم ميتاً يقول الإمام الباقر (عليه السلام): ((إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْوَاتاً مَا حَرَّمَ مِنْهُمْ أَحْيَاء))(8).
نقطة هامة
وينبغي أن نشير هنا إلى نقطة مهمة جدا تساعد الآباء على تربية أولادهم، وهي الإهتمام المضاعف والتركيز المؤكد على تربية وإصلاح الولد الأكبر، فإن إصلاح الولد الأكبر له دور هام في إصلاح باقي الأولاد لأن الولد الأصغر يتبع عادة الولد الأكبر في سلوكه وأخلاقه وأقواله فكلما كان الولد الأكبر أكثر أخلاقاً وتربية وتهذيباً كان الولد الثاني كذلك لأنه ينظر إليه باعتباره المثل الأعلى في كل شيء، ويقتبس الكثير والكثير من صفاته وأخلاقه وعاداته الإجتماعية.
وهكذا إذا كان الولد الاكبر غير مرضي السلوك بل أنه غارق في الصفات الرذيلة، يتقلب في متاهات الفساد والمعصية فلا شك أن إخوته الصغار سوف يتأثرون به ويمشون على طريقته وعنه يأخذون إلا من رحم الله تعالى.
ومن هنا وجب على الأبوين أن يركزوا جهودهم على الولد الأكبر ثم من يليه ليكون لمن بعده قدوة.
النبي وأهل بيته (عليهم السلام) أسوة وقدوة
جعل الله تعالى نبيه الأكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم الأسوة الحسنة للناس وقد تحلوا بأعلى مراتب الكمالات النفسية والخلقية والعقلية و... حتى يقتدي الناس بهم ويتعلموا منهم وينهجوا نهجهم في المكارم والفضائل والأخلاق فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
وفي موضع آخر وصفه الله تعالى بالداعي والسراج المنير قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46].
وجعل تعالى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المثل الأعلى في هداية وارشاد العباد إلى الله تعالى، وهم خيرة هذه الأمة الذين يجب أن يقتدى بهم ويؤخذ بأوامرهم فقد جاء في الزيارة الجامعة في وصف عترة النبي صلوات الله عليهم:
((السَّلَامُ عَلَى أَئِمَّةِ الْهُدَى وَمَصَابِيحِ الدُّجَى وَأَعْلَامِ التَّقَى وَذَوِي النُّهَى وَأُولِي الْحِجَى وَكَهْفِ الْوَرَى وَوَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَثَلِ الْأَعْلَى وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنَى وَحُجَحِ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ...
السَّلَامُ عَلَى الْأَئِمَّةِ الدُّعَاةِ وَالْقَادَةِ الْهُدَاةِ وَالسَّادَةِ الْوُلَاةِ وَالزَّادَةِ الْحُمَاةِ وَأَهْلِ الذَّكْرِ وَأُولِي الْأَمْرِ وَبَقِيَّةِ اللَّهِ وَخِيَرَتِهِ وَحِزْبِهِ وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ وَحُجَّتِهِ وَصِرَاطِهِ وَنُورِهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاته ...))(9).
وشاء الله تعالى أن يكون النبي الأكرم وأهل بيته (عليهم السلام) المثال الكامل لجميع الأجيال المتعاقبة على مر التاريخ ليكونوا لهم الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة التي يقتدون بها. فقد جعلهم قدوة في الأدب والصدق والأمانة والعبادة والكرم والزهد والتواضع والحلم والشجاعة وجميع المفاهيم الأخلاقية والإنسانية. وإذا كانوا (عليهم السلام) على هذا المستوى من النبل والأخلاق فمن الطبيعي أن تنجذب إليهم القلوب وتتأسى بهم النفوس وأن يجد الناس في شخصياتهم (عليهم السلام) القدوة الكاملة والمثل الأعلى الذي يرتبط بحياتهم الدينية والدنيوية و... وقد رويت قصص وحكايات متعددة تصور إنجذاب الأفراد بسيرة النبي وأهل بيته الطاهرين نذكر بعضها:
منها: ما ورد من أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يجاوره جار يهودي، وكان هذا اليهودي يحاول أن يؤذي الرسول، لكن لا يستطيع خوفا من بطش أصحاب النبي، ففكر في الأمر فلم يجد أمامه إلا الليل، فالناس جميعا نيام، ويستطيع أن يفعل ما يشاء، يأتي ويخرج، حيث كان يأخذ الأشواك ويرمي بها عند باب بيت الرسول (صلى الله عليه وآله).
يستيقظ رسولنا الكريم من نومه، ويخرج لقضاء حاجاته ويرى هذه الأشواك...، فلم يفكر في الأمر، لقد عرف أن الفاعل جاره اليهودي، فكان يزيحها عن باب منزله، وكأن شيئا لم يحدث، ولم تتغير معاملته لجاره، فمازال يعامله برحمة ورفق، ولا يقابل إساءته بالإسائة.
وعلى العكس من ذلك تماما، لم يتوقف اليهودي عن عادته بإيذاء رسولنا الكريم، حتى أصابه المرض، ودهمته الحمى، وكانت حمى شديدة وظل ملازما للفراش يعتصر ألما من الحمى، حتى كاد أن يفارق الحياة.
وبينما كان اليهودي مستلقيا على الفراش بداره، سمع صوت الرسول (صلى الله عليه وآله)، يدق الباب ويستأذن للدخول، فأذن له جاره اليهودي، فدخل عليه وتمنى له الشفاء، فسأل اليهودي الرسول وما أدراك يا محمد أني مريض، فضحك الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقال له عادتك التي انقطعت، ويقصد نبينا الكريم ما كان يفعله اليهودي من رمي للأشواك أمام بابه.
عندما سمع اليهودي ما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله) بكى وتأثر بأخلاق الرسول وتسامحه، وحسن معاملته، وشعر اليهودي بالخجل من أفعاله، ومن ثم نطق بالشهادتين، ودخل في الإسلام.
وروى سالم الجعفي عن الشعبي أنه قال وجد علي (عليه السلام) درعاً له عند نصراني فجاء به الى شريح يخاصمه اليه فلما نظر إليه شريح ذهب يتنحى فقال مكانك وجلس الى جنبه وقال: يا شريح أما لو كان خصمي مسلماً ما جلست الا معه ولكنه نصراني وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اذا كنتم واياهم في طريق فألجئوهم الى مضايقه، وصغروا بهم كما صغر الله بهم في غير ان تظلموا، ثمّ قال علي (عليه السلام): ان هذه درعي لم أبع ولم أهب، فقال للنصراني ما يقول أمير المؤمنين فقال النصراني ما الدرع الا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب. فالتفت شريح الى علي (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين هل من بينة، قال: لا، فقضى بها للنصراني فمشى هنيّة ثم أقبل فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام النبيين.. أمير المؤمنين يمشي بي الى قاضيه وقاضيه يقضي عليه؟ أشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين انبعث الجيش وأنت منطلق الى صفين فخرت من بعيرك الأورق فقال: أما إذا أسلمت فهي لك وحمله على فرس.
قال الشعبي: فأخبرني من رآه يقاتل مع علي (عليه السلام) الخوارج بالنهروان(10).
وروي أن شاميا رأى الامام الحسن السبط راكبا فجعل يلعنه والحسن لا يرد فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلم عليه وضحك فقال: أيها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبهت فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأن لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا.
فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي وحول رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقدا لمحبتهم.
وروي أن رجلاً كتابياً هاجم الإمام محمد الباقر (عليه السلام) واعتدى عليه، وخاطبه بمرّ القول: «أنت بقر!».
فلطف به الإمام، وقابله ببسمات طافحة بالمروءة قائلاً: «لا أنا باقر». وراح الرجل الكتابي يهاجم الإمام قائلاً: «أنت ابن الطباخة!»
فتبسم الإمام، ولم يثره هذا الاعتداء بل قال له: «ذاك حرفتها».
ولم ينته الكتابي عن غيّه، وإنما راح يهاجم الإمام قائلاً: «أنت ابن السوداء الزنجية البذية!
ولم يغضب الإمام (عليه السلام)، وإنما قابله باللطف قائلاً: «إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك».
وبهت الكتابي، وانبهر من أخلاق الإمام (عليه السلام) التي ضارعت أخلاق الأنبياء. فأعلن إسلامه واختار طريق الحق(11).
وهذا غيض من فيض مما ورد من القصص والحكايات عن النبي وأهل بيته (عليهم السلام) وسيرتهم التربوية والأخلاقية التي تجسّد الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة لأهل هذا البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وقد تحققت بهم فعلاً الدعوة الى الدين الإسلامي وإهتدى بأخلاقهم وسلوكهم الكثير ممن لم يكن يؤمن بالإسلام ومن أراد أن يتعرف على سيرتهم ومدى تأثيرهم في نفوس الناس فليستقرئ التاريخ وليسمع الكثير عن جميل مآثرهم وكريم فضائلهم.
_____________________
(1) الخطل: الفساد.
(2) مناقب آل أبي طالب: ج 2 ص 180.
(3) قرب الإسناد: ص 77.
(4) المحاسن: ج 1 ص 18.
(5) المجازات النبوية: ص 232.
(6) مستدرك الوسائل: ج 12 ص 205.
(7) الأبيات تنسب إلى أبي الأسود الدوئلي وقيل أنها للمتوكل الليثي أحد شعراء العصر الأموي.
(8) الكافي: ج 1 ص 303.
(9) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 610.
(10) وهذا هو الحديث: (75) من كتاب منتخب الغارات ص 124، وقد رواه أيضا المصنف: ج 24 من البحار، ص 13.
ورواه أيضا المحدّث النوري رحمه الله في نوادر ما يتعلق بآداب القاضي من كتاب مستدرك الوسائل: ج 2 ص 197.
وللحديث مصادر كثيرة جدا يجد الطالب أكثرها في تعليق الحديث: (1262) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 244 ط 2.
(11) مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 207.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة