جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
(الدُّنيا دَارُ مَمرٍّ لا دَارُ مَقَرٍّ وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلَانِ رَجُلٌ بَاعَ فِيهَا نَفسَهُ فأوبقَها ورجُلٌ ابتاعَ نَفسَهُ فأَعتقَها)
في هذهِ الحكمةِ تعريفٌ دقيقٌ للدُّنيا بما يجعلُ الصورةَ مكتملةً ولا يتركُ الفرصةَ لأحدٍ في الاغترارِ بها، إذ إنَّها محلٌ يجتازُهُ الانسانُ ثُمَّ ينصرفُ عنهُ إلى محلٍ آخرَ هو الأبقى والأدومُ وهي كمحطةٍ يتوقفُ فيها الإنسانُ ليتزودَ ما يحتاجُهُ لمواصلةِ سفرِهِ الذي هو غايتُهُ ومقصدُهُ مما يُحتّمُ عليهِ التعامُلَ بلا مزيدِ اهتمامٍ بما فيها- مهما كانَ – لأنَّهُ سيفارقُهُ عندَ موعدِ المغادرةِ ولا يمكنُهُ اصطحابُهُ معَهُ.
إذنْ فاللازمُ أنْ يتعاملَ معَهُ بقدرِ الضرورةِ، وأنْ لا يُجهدَ نفسَهُ بتحملِ المسؤوليةِ، او مؤونةِ الحملِ والنقلِ، ولو نظرنا إلى الواقعِ نظرةً فاحصةً لوجدنا أنَّ مَن لم يتزوّدْ للآخرةِ واخلدَ للدُّنيا قد أثقلَ نفسَهُ بما عَمِلَهُ مِن الأعمالِ التي يُؤاخَذُ عليها فيطولُ بسببِ ذلكَ وقوفُهُ عندَ الحسابِ، وهو ما يَتَخوّفُ مِنهُ كلُّ عاقلٍ؛ لأنَّ المحاسبةَ دقيقةٌ ولا تُعرَفُ نتائجُها إلا بعدَ أنْ يستقِرَّ العبدُ حيثُما يأمرُ بهِ اللهُ تعالى.
ثُمَّ بَيّنَ (عليهِ السَّلام) أنَّ تصرفاتِ الإنسانِ – في الدُّنيا – محسوبةٌ عليهِ ، وهو – ذاتُهُ – الذي يُعيِّنُ مصيرَهُ في الآخرةِ مِن خلالِ اختياراتِهِ الدُّنيويةِ ، فإنْ إنضمَ إلى الدُّنيا وركنَ إليها واغترَّ بها فهوَ الذي باعَ نفسَهُ العزيزةَ للدُّنيا الدَّنيّةِ فصارَ سبباً لهلاكِ نفسِهِ في الآخرةِ ؛ لأنَّ الدُّنيا تُزيِّنُ لهُ أفعالاً وتروكاً لا تنتظمُ كلُّها في قائمةِ المسموحِ بهِ شرعياً وعندئذٍ يقعُ المحذورُ ، وتجبُ العقوبةُ فلا يُخلِّصُهُ أحدٌ لأنَّهُ قدَّمَ دليلَ ادانتِهِ بنفسِهِ مِن خلالِ ما قامَ بهِ مِن اعمالٍ غيرِ محسوبةٍ دينياً.
وإنْ كانَ قَد اختارَ تخليصَ نفسَهُ مِن شَرَكِ الأهواءِ المُضلةِ وتفادي الوقوعَ في المنزلقِ والتزَمَ جانبَ التقوى وحفظَ نفسَهُ من التعدّي والتجاوزِ على الأحكامِ الشّرعيةِ فهو قَد حرَّرَ نفسَهُ مِن رِبْقَةِ النّارِ.