جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
(أَهْلُ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ يُسَارُ بِهِمْ وهُمْ نِيَامٌ)
الدعوةُ إلى التَّيَقُّظِ وعدمِ الرُّكونِ التامِّ للدُّنيا والاغترارِ بِها؛ فإنَّها زائلةٌ فانِيَةٌ لم تُخلَقْ إلا كمرحَلَةٍ مُؤقَّتَةٍ يُختَبَرُ فيها الإنسانُ ليسعى ويُحَصِّلَ ما ينفَعُهُ في الدارِ الآخرَةِ الباقِيةِ، فهيَ مَحطَّةُ تَوَقُّفٍ يتزوَّدُ منها الإنسانُ مِنَ الخيراتِ التي تنفَعُهُ بعدئذٍ وقتَ فَقرِهِ وفَاقَتِهِ، ثُمَّ تنقضي أيامُهُ فيها وَهُوَ لا يشعُرُ، فلا بُدَّ مِنَ الاهتمامِ بمُستَقبَلِهِ لئلّا يُغلَبَ وتفوتَ الفُرصةُ إذ لا مجالَ للرجوعِ.
فهذهِ الدعوةُ لأجلِ التَّنَبُّهِ لئلّا يُستَغفَلُ الإنسانُ العاقِلُ فيخرجُ الأمرُ عَن يدِهِ بالموتِ، وقد مَثَّلَ (عليهِ السَّلامُ) حالَ أهلِ الدُّنيا والمُسافرينَ النائمينَ في واسِطَةِ نقلٍ تقطَعُ بِهِمُ المسافاتِ الكبيرةَ مِن دونِ أنْ يشعُروا، وعدمُ شعورِهِم لا يُبَرِّرُ شيئاً ولا يُغَيِّرُ مِنَ الواقِعِ شيئاً؛ لأنَّ الواسِطةَ تسيرُ وتقطعُ المسافةَ وتتحوَّلُ مِن منطقَةٍ إلى أُخرى.
ومِنْ هُنا جاءَ تشبيهُ حالِ الإنسانِ في الدُّنيا بمَنْ رَكِبَ واسِطَةَ نَقلٍ ليصِلَ إلى مَحطَّةٍ أُخرى فسارتْ بهِ وَهُوَ نائِمٌ، فحَتماً ستنقضي المسافةُ وينتَقِلُ عَنِ المكانِ الأوّلِ بمُجَرَّدِ مرورِ الواسِطَةِ، ولا دَخلَ لكونهِ غيرَ مُلتَفِتٍ لذلكَ. فالحَثُّ على التّزوُّدِ بما ينفَعُ عندَ لقاءِ اللهِ تعالى وعدمِ الغَفلةِ عَنِ الحالةِ الموعودةِ المُرتَقَبَةِ، والتي يتعرَّضُ لها كافَّةُ الخَلقِ وهيَ انقضاءُ الدُّنيا وبقاءُ الآخِرَةِ.
ومِنَ المعلومِ أنَّ كُلَّ أحَدٍ يأخُذُ نصيبَهُ مِنَ الجزاءِ المناسِبِ لأعمالِهِ، فعلى الإنسانِ أنْ لا يُقَصِّرَ في هذا الجانبِ فيخسَرُ يومَ القيامَةِ ويكونُ قد حَكَمَ على نفسِهِ بالخسارَةِ الأبَدِيَّةِ.