وقَفاتٌ معَ خِطابِ الإمام الحُسينِ يومَ عَاشُوراءَ .. صِفاتُ المجتمَعِ المَذمُومَة

بقلم : حسن اللامي

قالَ الإمامُ الحسينُ عليهِ السَّلامُ مُخاطباً أعداءَهُ: (أَهَؤُلاَءِ تَعْضُدُونَ؟! وَعَنَّا تَتَخَاذَلُونَ؟! أَجَلْ وَاللَهِ غَدْرٌ فِيكُمْ قَدِيمٌ! وَشَجَتْ إلَيْهِ أُصُولُكُمْ! وَتَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُكُمْ! فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرٍ، شَجاً لِلنَّاظِرِ، وَأُكْلَةً لِلْغَاصِبِ)
هناكَ فِكرةٌ رائِجَةٌ مَفادُها بأنَّ الحَمْدَ والثَّناءَ يُخَصَّصُ بأفرادٍ مُعَيَّنِينَ، بينَما الذَّمُّ واللَّومُ يَعُمُّ الجميعَ ويشمُلُ حتى غيرَ فاعِلِهِ ؛ والفِكرَةُ تَقرُبُ مِنْ كونِها معياراً لتقييمِ السُّلوكِ الجَّماعِيِّ، وتَوصِيفاً لنتائجِ مواقِفِ الشُّعوبِ والجَّماعاتِ تُجاهَ بَعضِ الأحداثِ والقَضايا الاجتماعيّةِ ؛ ولَعَلَّ ذلكَ يَقرُبُ ممّا فُسِّرَ بهِ قَولُهُ تَعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا}، فقَد رُوِيَ بأنَّ عاقِرَ ناقَةِ ثَمودَ شخصٌ واحِدٌ، ولكنْ جاءَ الخطابُ الإلهيُّ بالشُّمولِ والتَّعميمِ؛ لأنَّ الناسَ سَكَتُوا عَنْ ما قَامَ بهِ فَصاروا شُركاءَ في فِعلِهِ فَعَمَّهُم العِقابُ الإلهيُّ.
بعضُ الحوادِثِ لا مجالَ للفَردِ بأنْ يقِفَ فيها على التَّلِّ فيختارُ الحِيادَ أوِ السُّكوتَ مِنْ دونِ أنْ يُبدي مَوقِفًا واضحًا مشهودًا لما يقتضيهِ ذلكَ الحَدثُ مِن ضَرورَةِ تحديدِ الاتّجاهِ معَ مَنْ؟ ويصطَفُّ في أيِّ خَندَقٍ؟
فإنَّ السُّكوتَ والحِيادَ في مِثلِ هَكذا حَوادِثَ يُعَدُّ مَوقِفاً سَلبيّاً؛ لأنَّهُ في موازينِ الإنصافِ يُفَسَّرُ على أنَّهُ تأييدٌ لسلوكِ المُخطِئِ وتَعضِيدٌ لأهلِ المُنكَراتِ؛ وإلّا لماذا لا يُبدي الصّالحُ اعتراضَهُ على الفاسدينَ؟!  ولماذا لا يَصدَعُ بالحَقِّ في وَجهِ الظّالمينَ؟! وما الذي يجعَلُهُ يُداهِنُ الفاسِقينَ؟! ولا يَقرَعُ بالتَّوبيخِ الجّاهِلينَ؟!  غضباً للهِ تَعالى ونُصرَةً لدينِهِ وإحقَاقاً لشَرعِهِ بِما يُحقِّقُ العَونَ للمظلومِ والمُخاصمَةَ للظالمينَ..
كانَ المُجتمعُ الكوفيُّ خَليطاً مِنَ القَبائلِ والعَشائرِ العَربيّةِ؛ وكانَ جُملَةٌ مِنهُم ولاؤهُم للإمامِ عليٍّ(عليهِ السَّلامُ) ولكِنْ بعدَ استشهادِهِ -صلواتُ اللهِ عليهِ- تَغيَّرَ اتّجاهُ بعضِهِم نحوَ مُعاويَةَ ونحوَ بعضِ الفِرَقِ الضالّةِ، وخُصوصاً بعدَ ما أثارَهُ مُعاويَةُ مِنْ فِتَنٍ دَفَعَتِ الإمامَ الكريمَ الحَسنَ إلى إبرامِ مُعاهَدَةٍ بشُروطٍ قَد نقَضَها مُعاوِيَةُ وَكَشَفَ عَن خُبثِهِ ومَكرِهِ، ممّا زادَ مِنْ حُصولِ التَّفرِقَةِ المذهبيّةِ والعَقائديّةِ في صُفوفِ المُجتَمَعِ الكُوفيِّ صَيَّرَتْهُم ما بينَ شِيعيٍّ وأُمَويٍّ وما بينَ عُثمانِيٍّ وخَارِجِيٍّ، إذْ لَم يَكُنْ كُلُّ الكوفيينَ شِيعَةً بالمَعنى الأَخَصِّ وإنّما فِيهم شيعَةٌ بالمفهومِ العامِّ، أيْ أنَّ مَنْ كانَ يُشايِعُ الإمامَ عليّاً ويُبغِضُ مُعاويةَ، ويَرى بأنَّ الإمامَ عليّاً هُوَ خليفَةً شأنُهُ شأنُ مَن سَبَقَهُ مِنَ الثلاثَةِ الأُوَلِ، وليسَ لَهُ أيُّ فَضلٍ عَليهِم وإنّما هُم أفضَلُ مِنهُ!
بينَما مَنْ كانَ يَرى أنَّ عليّاً إمَاماً ولا إمامَ فَوقَهُ، وَهُوَ أوّلُ الأوصياءِ بعدَ رسولِ اللهِ، وأنّهُ مدفوعٌ عَنْ مَقامِهِ ومَغصوبٌ حَقُّهُ فَهُوَ الشيعيُّ بالمَعنى الخاصِّ والإمامِيُّ -الذي عليهِ الآنَ- الشيعَةُ الإثنا عَشَريّة.
وعليهِ: فعندَما يُقالُ بأنَّ شيعَةَ العِراقِ دَعَوا الإمامَ الحُسينَ للقِيامِ بوجهِ بَني أُميّةَ ثُمَّ غَدَروا بهِ وقَتَلوهُ، هُوَ قَولٌ يجِبُ عَدمُ التَّسليمِ بمضمونِهِ وعلى إطلاقِهِ، بَل يجِبُ فَهمُ دلالَتِهِ على نحوِ التَّضمينِ والتَّبعِيضِ، ومُراعاةِ القُيودِ الوَصفِيَّةِ لمفهومِ التَّشَيُّعِ.
كانَ الإمامُ الحُسينُ يُخاطِبُ المُجتمَعَ الكوفيَّ والعِراقيَّ بالذَّمِّ واللّومِ ويكشِفُ عن صفاتِهِم المذمومَةِ بنَحوِ الشّمولِ والتَّعميمِ؛ لأنَّ أكثرَ الشِّيعَةِ بالمَعنى الخاصِّ إمّا كانُوا مَعَهُ كحبيبِ بنِ مُظاهِرٍ، أو تَمَّ إعدامُهُم كحِجرِ بنِ عَدِيِّ وأصحابِهِ أو كونُهُم في السُّجونِ كمِيثَمِ التَّمارِ والمُختارِ!
ولهذا كشفَ الإمامُ الحُسينُ في خِطبَتهِ الثانيةِ يومَ عاشوراءَ عَن حقيقَةِ المجتمعِ الذي آزَرَ السُّفيانيينَ وخذلَ آلَ البيتِ عليهِمُ السَّلامُ فقالَ لَهُم:
(أَهَؤُلاَءِ تَعْضُدُونَ؟! وَعَنَّا تَتَخَاذَلُونَ؟! أَجَلْ وَاللَهِ غَدْرٌ فِيكُمْ قَدِيمٌ! وَشَجَتْ إلَيْهِ أُصُولُكُمْ! وَتَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُكُمْ! فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرٍ، شَجاً لِلنَّاظِرِ، وَأُكْلَةً لِلْغَاصِبِ)
فإنَّهُم أخبثُ ثَمَرٍ لذاكَ الشَّجَرِ النابتِ أصلُهُ في الغَدرِ!  وإنَّ هذهِ الصِّفَةَ القبيحَةَ راكِزَةٌ في أعماقِ الجَسَدِ الكوفيِّ الذي خرجَ أكثَرُهُم لحربِ ابنِ بنتِ الرَّسولِ،  فما موقِفُهُم السيّءُ إلا نتيجَةً لتراكُماتٍ مِنَ المواقِفِ السَّلبيّةِ التي صَدَرَتْ مِنهُم في القِدَمِ وتوارَثُوها عَنْ أسلافِهِم، جَعَلَتْ مِنهُم نموذجاً مَنبوذاً يحمِلُ عارَ الخِذلانِ والمَكرِ في يومِ العَاشِرِ!

لا تَصحَبِ المائقَ فإنّهُ يُزيِّنُ . .
أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله أَلاَّ . .
القديس أنسلم (1033م ـ 1109م) ..قراء . .
عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ . .
أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّه . .
مظاهر التطرف الاجتماعي . .
جدلية تأثُرْ النحو العربي بالمنطق و . .
لا تَجعَلُوا عِلمَكُم جهلاً، ويَقين . .
صندوق المستقبل . .
عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ . .
عقيدَتُنا في حَقِّ المُسلِمِ على ال . .
عقيدَتُنا في البَعثِ والمَعاد . .
كَمْ مِن مُستدرَجٍ بالإحسانِ إليهِ، . .
عقيدَتُنا في الدَّعوةِ إلى الوَحدَة . .
الْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَ . .
المَبعَثُ النّبويُّ الشّريفُ . .
المزيد

ENGLISH

بحث في العناوين     بحث في المحتوى     بحث في اسماء الكتب     بحث في اسماء المؤلفين

القرأن الكريم وعلومه
العقائد الأسلامية
الفقه الأسلامي
علم الرجال
السيرة النبوية
الاخلاق والادعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الأدارة والاقتصاد
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الزراعة
الجغرافية
القانون
الإعلام