تعتبر مصادر تاريخ العراق من أهم مصادر التاريخ القديم بوجه عام وعلى جانب كبير من الاهمية بالنسبة لتاريخ منطقة الشرق الادنى القديم بوجه خاص ، حيث انها تلقى الضوء التاريخي على الكثير من الاحداث التي عاصرت نشأة وتطور الحضارة العراقية القديمة ، وفي الامكان الاشارة الى المصادر النصية مثل قصص التراث المقدس أو الكتب المقدسة ، أو فيما ورد في الحوليات الوثائق سواء البابلية منها أو الاشورية ، وهي التي عثر عليها في المخلفات الاثرية بالمدن العراقية القديمة . وتشير تلك المصادر الى الكثير من مظاهر تاريخ وحضارة العراق القديم مثل اسماء الملوك وأعمال الكثرين منهم ، والاحداث التاريخية المعاصرة لحكمهم . وفي هذا المجال ، تنبغي الاشارة الى بعض المؤرخين ممن قاموا اما بالتنقيبات الاثرية ، او بالإسهام في لقاء الضوء التاريخي على مراحل معينة من تاريخ وحضارة العراق القديم .

فبالنسبة للكشف عن حضارة السومريين والاكديين في جنوب العراق في أواخر القرن التاسع عشر ، فقد عثر سارزك Sarzec في لجش القديمة (تللو) على الكثير من الكشوف الاثرية الهامة التي تتعلق بالحضارة السومرية مثل لوحة النسور وتماثيل جوديا، ثم تبع ذلك الكشف عن مدينة نيبور Nippur حيث عثر على بعض المخلفات الاثرية لعصر اسرتي ايسين ولارسة . كما عثر صمويل كريمر (1) S. Kramer على لوح (2) من نيبور وتشير نقوش هذا اللوح الى سجل لعدد من الكتب يبلغ حوالي 62 كتابا. كما عثر كريمر على لوح آخر به أسماء 68 كتاباً آخر. وهذا اللوح الاخير محفوظ حاليا بمتحف اللوفر. وتتضمن تلك الكتب الكثير من القصص الاسطورية مثل اسطورة جلجامش Gilgamesh واجا Agga، وموت جلجامش، وقصة اينمركار Enmerkar وسيد أرتا The lord of Aratta، واسطورة الطوفان The Deluge ، مع غيرها من الملاحم والاساطير والاناشيد .

ثم اعقب ذلك الكشف عن الكثير من مدن جنوب العراق مثل بابل وسيبار Sippar  وشروباك Shurripak وكيش kish وغيرها .

وبالإضافة الى ذلك، كشف وولى Wolley عن الجبانة الملكية في اسرة اور الاولى، كما كشف بارو parrot الفرنسي عن حفائر مارى حيث عثر على ما يقرب من عشرين ألف لوحة مكتوبة في قصر الملك زمري ليم(3) Zemrilim)). ثم اتسعت البحوث الاثرية في القرن العشرين في شمال العراق وجنوبه معا للكشف عن اثار فجر التاريخ وفي العراق الجنوبي مثل العبيد وجمد نصر، وشمال العراق مثل تل حسونة وتل حلف .

ويعتبر بيروسوس Berosus الكاهن البابلي اشهر من ارخ للعصر المتأخر عن التاريخ البابلي . اما ستسياس Ctesias فقد ارخ للعصر البابلي والاشوري ، ولو انه ركز على الناحية الاسطورية اكثر من تركيزه على الرواية التاريخية .

وأما من قاموا بالتنقيبات الاثرية في موقع مدينة بابل ، فتجدر الاشارة الى ريش Rich في عام 1811، ولايارد  Layardفي1850،والبعثة الفرنسية تحت رئاسة أوبرت (1852-1854) Oppert) ثم رسام (4) Rassam  في الفترة بين عامي (1878-1889) ثم روبرت كولدوى (5) Robert Koldewey ثم جمعية الدراسات الشرقية الالمانية التي بدأت الحفر في هذا الموقع عام 1899.

أما بالنسبة لكتابات المؤرخين الاغريق عن الحضارة البابلية ، امثال هيرودوت Herodotus وسترابو Strabo  فمعظم معلوماتهم مليئة بالأخطاء والمغالطات نتيجة اما لسوء الفهم ، او لنقص المصادر التي اعتمدوا عليها في استقصاء الحقائق او لاختلاف اللغة . وعلى اية حال فإن ما قدمناه من تلك الحضارة لا يلقى ضوءاً كافياً عنها .

اما فيما يتعلق بأعمال الحفر والتنقيب في اواخر القرن الثامن عشر، على يد بعض الاثريين في كل من نينوى واشور، فقد انتهت بالكشف عن العديد من الاثار المنتمية للحضارة العراقية القديمة . والجدير بالذكر ان معظم هذه القطع الاثرية ، موجودة حاليا بمتحف اللوفر والمتحف البريطاني بلندن.

وفي مجال حديثنا عن الاثرين الذين اسهموا في التنقيب عن آثار العراق القديم ، لا نستطيع أن نغفل الاشارة الى حفائر بوتا (6) Botta وتوماس Thomas ومورتس Moritz وهلبرخت Hilprecht وبالإضافة الى ما سبقت الاشارة اليه ، فان ترجمة الوثائق الاشورية على يد رولنسون Rawlinson وشرادر shrader ، قد اضاف الكثير في التعرف عن هذه الحقبة التاريخية. اما جهود ماير meyer  وونكلر winckler  وسايس sayce وهاربر harper ، فقد اسهمت كذلك في متابعة تطور الحضارة العراقية القديمة ولا سيما في بابل الجنوبية في مرحلة موغلة في القدم (حوالي ستة آلاف أو سبعة آلاف قبل الميلاد) .

_______

(1) انظر صمويل كريمر ، من الواح سومر ، ترجمة طه باقر ، تقديم ومراجعة احمد فخري ، بغداد 1957 .

(2) موجود حاليا في متحف الجامعة بفيلادلفيا .

(3) احمد فخري ، دراسات في تاريخ الشرق القديم ، القاهرة 1963 ، ص 73 .

(4) كشف عن مكتبة الملك أشور بانيبال في نينوى والتي احتوت على ما يزيد عن 20 ألف لوحا طينيا تسجل الكثير من الموضوعات الدينية والمدنية .

(5) عثر كولدوى على قاعدة المعبد ذو البرج في حفائر مدينة بابل .

(6) له حفائر في خرسباد (قصر سرجون الثاني الاشوري) وفي تل قوينجق وتل النبي يونس .