جابر بن افلج

هو أبو محمد جابر من افلج، لا نعرف بالضبط متى ولد وتوفي، ولكنه ولد في اشبيلية في أواخر القرن الخامس الهجري (الموافق الحادي عشر الميلادي) وتوفي في القرن السادس الهجري (الثالث عشر الميلادي) في قرطبة، يعرف في بلاد الغرب بالاسم اللاتيني Geber. يعتبر جابر بن الفلج نابغة من نوابغ علماء العرب والمسلمين، ولكن للأسف لا نعرف عن حياته الا القليل جدا، والذي نعرفه انه صنف تسعة كتب في مجال علم الفلك، ومعظمها تبحث في المثلثات الكروية، ومما لاشك فيه ان لهذه المؤلفات اثرا مرموقا في تقدم علم المثلثات في أوروبا.

جميع المصادر التي تبحث في تاريخ العلوم تشتكي من نقطة جديرة بان اثيرها هنا، وهي الخلط بين اسمه وبين اسم العالم الكبير الكيميائي جابر بن حيان (120-198هـ)ن وكذلك بينه وبين العالم الفلكي الشهير محمد بن جابر البتاني (235-317هـ).

بعض المستشرقين يعتبرون جابر بن افلج مبتكر علم الجبر ، وان كلمة جبر مأخوذة من اسمه وهذا خطا، والحقيقة تكمن في ان علماء الغرب نقلوا مؤلفات جابر بن الفج الى اللغة اللاتينية قبل غيره، فافترضوا ان كلمة (جبر) مأخوذة من اسمه، وتجاهلوا تماما محمد بن موسى الخوارزمي (164-235هـ) الذي يعتبر بحق مؤسس علم الجبر.

لقد نال جابر بن افلج شهرة عظيمة في كتابه (كتاب الهيئة في اصلاح المجسطي) الذي صمنه بعض الملاحظات الهامة على كتاب المجسطي لبطليموس، ولذا عرف كتاب الهيئة لجابر بن افلج باسم (اصلاح المجسطي)، لما يحتويه من انتقادات لاذعة لآراء بطليموس وخاصة في نظرية الكواكب السيارة. وقد أولى علماء أوروبا كتاب الهيئة في الإصلاح المجسطي لجابر بن افلج عناية خاصة، لانه مبني على تصحيح الأخطاء الواردة في كتاب المجسطي لبطليموس، لذا فقد ترجم هذا الكتاب من اللغة العربية الى عدة لغات أوروبية وشرقية، حيث بقي كتاب (اصلاح المجسطي) متداولا في جميع انحاء أوروبا، وصار مرجعا معتمدا في المدارس والكليات، لذا ذاع صيت جابر بن افلج، والحق ان كتاب (اصلاح المجسطي) لجابر بن افلج نال مكانة مرموقة في تاريخ علم المثلثات. استفاد جابر بن افلج من خبرة كبار علماء العرب والمسلمين في رصد الكواكب، لذا فقد انشا اول مرصد في الاندلس، وعمل فيه جميع تجاربه الفلكية التي بني عليها ملاحظاته وانتقاداته للنظام البطليموسي الكواكبي.

وابتكر جابر بن افلج قانون المثلثات الكروية القائمة الزاوية، وهذا القانون المهم يكون بمثابة تعميم لحل أي مثلث كروي قائم الزاوية، وقد استفاد من هذا القانون علماء العرب والمسلمين الذين يعملون في ميدان العلوم التجريبية مثل علم الفلك، اما علماء الغرب فيعترفون وبكم صراحة بفضل جابر بن افلج ليس فقط لقانونه المذكور أعلاه، ولكن أيضا لتصحيحه كثيرا من الأخطاء التي وقع فيها بطليموس في مؤلفه المجسطي ، والذي يعتبر بحق دائرة معارف، ومن اهم المصادر التي اعتمد عليها علماء العرب والمسلمين في بادئ الامر، ولكن عندما خرج الى النور مؤلف جابر بن افلج (كتاب الهيئة في اصلاح المجسطي) هجر علماء العرب والمسلمين المجسطي هجرا كاملا، وصار (كتاب الهيئة في اصلاح المجسطي) المتداول ليس على المستوى العالم العري والإسلامي وكن في جميع انحاء المعمورة.

حقا ان من اعظم النعم التي اسداها الله سبحانه وتعالى على جابر بن افلج في راينا هو تصحيح الأخطاء الخطيرة التي انزلق فيها بطليموس في كتابه المجسطي، وكذلك ابتكاره بعض النظريات الهامة والضرورية لحل المثلثات الكروية، الابداع في اكتشاف بعض آلات الرصد التي كانت تستخدم في مراكز الرصد في الاندلس، ولكن في المشرق العربي أيضا، لذا فجابر بن افلج نجم متألق في سماء الفلك، اهتدى بنوره علماء الغرب والشرق على السواء.

علماء الغرب لم يهملوا جابر بن افلج، كما اهمله علماء العرب والمسلمين في العلوم التجريبية، بل ان كل كتب علماء الغرب التي تبحث في تاريخ الفلك تطرقت لذكره، وللأسف الشديد ان المؤلفات العربية أخفقت في ابراز مآثر جابر بن افلج الجليلة في علمي الفلك وآلات الرصد.

الحقيقة ان جابر بن الفلج ليس الوحيد الذي وقع عليه النسيان من أبناء جلدته، بل الكثير من علماء العرب والمسلمين في ميدان العلوم التجريبية لم ينل نتاجهم حقه من الدراسة والتحقيق واظهاره للعيان، بل لا تزال مصنفاتهم موجودة في مكتبات العالم الغربي والعربي والإسلامي، كمخطوطات عليها الغبار تنتظر من يدرسها ويخرجها للملا.

هل يليق بأبناء امة الإسلام ان لا تعرف شيئا عن نظريات جابر افلج في علم المثلثات الكروية؟ التي ساعدت على ارتقاء الفكر العلمي، بل هي الأساس الذي شيد عليها تقدم علم الفلك، لذا احب ان اقدم الشكر الجزيل لبعض المستشرقين أمثال جورج سارتون وديفيد يوجين سمث ور .ب. لورش الذين عرفوا بعالم الإسلام العملاق جابر بن افلج.