المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 5780 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


العلة التاريخية والعلة الفلسفية  
  
2109   10:58 صباحاً   التاريخ: 21-4-2019
المؤلف : السيد محمد الحسيني الشيرازي
الكتاب أو المصدر : فلسفة التاريخ
الجزء والصفحة : ص 244- 269
القسم : التاريخ / التاريخ والحضارة / التاريخ /

العلة التاريخية والعلة الفلسفية

يختلف التعليل التاريخي عن التعليل في فلسفة التاريخ، وذلك نتيجة الفرق بين التاريخ وفلسفة التاريخ، فالتاريخ عبارة عن مفردات من الأحداث مترابطة بزمان خاصّ، ومكان خاصّ، وفرد خاصّ. مثل أحوال العلماء، والخطباء، والقادة، والساسة، والاقتصاديين، وما أشبه ذلك.

كما نجد ذلك فـي كتب التـاريـخ؛ أمثـال: ابـن الأثيـر (1)، واليـعقـوبـي (2)، وتبعاً لهذه المفردات يذكرون العلل، لماذا انتصر فلان، أو انهزم فلان، أو تقدّم فلان، أو تأخّر فلان؟، وما أشبه ذلك، وهذا هو التعليل التاريخي، أمّا التعليل في فلسفة التاريخ فذلك تعليل للروح العامة التي سبّبت تقدّم الأمم، أو تأخّر الأمم، أو علم الأمم، أو جهل الأمم، كما مثَّلنا في الفصل الثاني بأثينا وسبارطة، أو قيام حكومة بني أميّة أو سقوطها، أو قيام حكومة بني العبّاس أو سقوطها، أو قيام حكومة بني عثمان أو سقوطهم.

فالتعليل التاريخي؛ تجريبي، أي إنّ المؤرّخ يستخرج الأسباب بعد دراسة منهجيّة تفصيلية للواقعة التاريخية التي هي موضوع دراسته.

وأمّا التعليل في فلسفة التاريخ؛ فتأمّلي قبلي، فلذا يقول أحد علماء الغرب المرتبطين بهذه الجهة: (إنّ فلسفة التاريخ تأليفاً وتركيباً أكثر منها تسجيلاً وتقريراً، وإنّ المؤرخين إذ يضعون تاريخاً لكلّ الأمم والحضارات، تحدوهم عادة فكرة مسبقة لحـلّ مشكلـة ثالثـة معاصـرة لزمـن الفيلسوف ومن يسخّر التاريخ كلّه ماضيـه وحاضـره، للمستقبل من أجل تأييد فرضه الذي يضعه لحلّ هذه المشكلة، مثلاً أراد سانهوسطين فرض سيطرة الكنيسة على الدولة، فكانت فكرته عن مدينة الله ومدينة الأرض ثمّ سخّر الحضارات القديمة كلّها لتلائم هاتين المدينتين، وسخّر هيجل التاريخ كلّه من أجل فكرة ميتافيزيقية سيطرت عليه هي تعبير الروح عن حرّيتها عن مسار التاريخ، وتحامل ماركس على الرأسمالية في بعض البلاد الرأسمالية في عصره فسخّر تفسيره الاقتصادي للتاريخ من أجل تأييد فكرته.

ولذا كان هناك فكرتان: فكرة سيطرة الكنيسة على الأمة، وفكرة سيطرة الحكومة على الأمّة، وقد كان بين هاتين الفكرتين في الغرب تنافر وتجاذب وتحارب، ومن أجل ذلك رأى علماء الغرب أنّه كيف صار حال الإنسان، فكلّما سيطرت الكنيسة، قتلت الناس، وهتكت الأعراض، وصادرت الأموال باسم الله سبحانه وتعالى، وإذا كان الدور لسيطرة الدوقات كانوا يعملون الأعمال نفسها باسم الوطن، فيقتلون الناس، وينتهكون الأعراض، ويسلبون الأموال باسم الوطنية، فرأوا أن المشكلة مشكلة الديكتاتورية فكتبوا كتباً كثيرة متعدّدة، حتّى إنّ بعضهم أحصاها إلى عشرين ألف كتاب، فعرف الغرب أين الداء وأين الدواء من غير فرق بين بلادهم المختلفة من ألمانيا، أو فرنسا، أو بريطانيا، أو النمسا، أو بلجيكا، أو غيرها، وبذلك استراحوا من المشكلتين مشكلة هتك الأعراض وسلب الأموال وقتل النفوس، ومشكلة التخلّص من التخلف ممّا نشاهد مثل ذلك في البلاد الديكتاتورية في العالم الثالث سواء منهم من كان يسمّى دينياً أو دنيوياً.

وهناك اختلافٌ أيضاً بالنسبة إلى تعليل التاريخ، والتعليل في فلسفة التاريخ، من جهة وحدانية العلّة، فالعلل في التاريخ تكثر بكثرة الجهات وتعدّدها، وإنّه قد يثبت المؤرّخ للحادثة الواحدة مجموعة من الأسباب أو العلل، أمّا فلاسفة التاريخ فليست مادّتهم وقائع ملموسة، إنّهم خلّفوا الوقائع وراءهم ظهرياً، وأقاموا ادّعاءً مسبقاً فاعتبروه علّة، مختزلين سائر العلل، ولما كانت علّة واحدة لا تصلح لتفصيل جميـع وقائـع التاريخ فإنّ هؤلاء الفلاسفة يحاولون سدّ الثغرات ثغرة ثغرة، ثغرة تتعلّق بعصر ما قبل التاريخ، وثغرة تتّصل بالمستقبل، والتاريخ لا يتعلّق بالمستقبل بل عندما يجد الإنسان الروح العامّة للتاريخ الماضي فإنه بمقدوره حينئذ التعميم للمستقبل، وقد قال الإمام علي (عليه السلام) لولده: (انظر ما مضى بالدنيا)(3) فإنّ مراده (عليه السلام) الروح العامة بالقياس إلى المفردات وهي غير المفردات قطعاً.

ومن قال: إنّ التاريخ يعيد نفسه يريد الروح العامة، كما أنّ من قال: إنّ التاريخ القريب غير التاريخ السابق أراد المفردات.

والدينيّون يرون الدين من بداية الخلق إلى يوم القيامة، كما أنّ الماركسيين يرون المجتمعات البدائية وإلى يوم القيامة الفردوس الأرضي الذي قالوا عنه بأنّه مجتمع لا طبقي تسوده العدالة والمساواة، مجتمع يقوم على المشاركة وليس على سلطة الدولة.

ولاشكّ أنّ ما ذهب إليه هيجل وماركس يتناقض مع الفطرة البشرية؛ فهما يتصوّران تاريخ النوع البشري بعنوان كونه تياراً عريضاً وشاملاً من التقدّم والتكامل على طول الخط. والنكسات التي انهالت على البشرية هي قليلة، أو موضعية زمانية أو مكانية خاصّة. ومثل هذا الفكر وإن كان بطلانه يظهر مما ذكرناه هنا إلاّ أن فريقاً ليس بقليل من علماء الغرب يرون مثل فكرتهم، لكنّ الحقيقة أنّه لا يعتقد أيّ عاقل بالتقدّم والتكامل في خطّ مستقيم من دون أيّ انحراف أو التواء، أو انقطاع أو توقّف، أو عودة إلى الوراء، فمن البديهي وجود مراحل الركود والسير القهقرائي، وكلّ ما يزعمه هؤلاء هو أن منحى السير الاجتماعي وحركة التاريخ وإن كان يلاقي كثيراً من حالات الصعود والهبوط لكنّه في النهاية يكون صعودياً ونحو الأعلى، فمن الواضح أنّ مثل هذه الفكرة غير صحيحة كما يحدّثنا التاريخ البعيد والقريب.

نعم، نحن المسلمين لا نشكّ في أنّه يأتي اليوم الذي سيفرض الله سبحانه وتعالى دين الإسلام على كلّ البشريّة وتصبح البشرية في حالة هدوء ورفاه وتقدّم، ولكنّنا لا نقول بأنّه مستمر، وإنّما نقول بأنّه يأتي بعد ذلك اليوم ما يكون مثل يومنا هذا في التخلّف والتبعثر وعلى أولئك الناس تقوم القيامة.

وفي قبال أمثال أولئك العلماء يوجد قديماً وحديثاً مفكّرون لا يعتقدون بتقدّم المجتمع البشري والتاريخ دائماً بل يقولون إنّ مرحلة العمر المتكوّنة من الولادة، والطفولة، والمراهقة، والشباب، والنضج، والكمال، والكهولة، والشيخوخة، ثمّ الموت، لا تختص بأفراد النباتات، والحيوانات، والإنسان، وإنّما هي تصدق أيضاً في مجال المجتمعات، والحضارات، والثقافات، وتاريخ البشرية، بل لعلّ هذا التفكير صادقٌ في كلّ العوامل، وقد ترسّخت هذه الفكرة منذ الأزمان الموغلة في القدم واستخدمها أفلاطون لتفسير انحطاط وسقوط النظام اليوناني، وكذلك بالنسبة إلى بعض البلاد الأُخرى، وقد استخدمها بعض علماء الغرب أمثال إنجلز(4)، وتوينبي(5)، ومن أشبههم. ولذا جزع كلّ من إنجلز وتوينبي على مصير الحضارة الغربية بعد الحرب العالمية الأولى. فكان مذهباهما في فلسفة التاريخ قد جاءا في أصعب الفترات؛ إذ يطلعنا التاريخ ـ وليس التاريخ العادي هو الذي نعنيه وإنّما فلسفة التاريخ ـ بأنّه لكي يصل التاريخ بالإنسان إلى مرتبة الوعي لابدّ من حالة انحلال أو تدهور حتّى تثير فـي المفكّـر القلق علـى المصير، والقلق على المستقبل الذي يدفعه إلى التفكير في الماضي. أمّا التاريخ العادي فإنّه يستبعد المستقبل تماماً؛ لأنّ الدراسة فيه تتوقف عند الماضي الذي يلاصق اللحظة الحاضرة، بينما يرتبط المستقبل بالماضي عن طريق الحاضر ارتباطاً عضوياً في فلسفة التاريخ، لوضوح أنّ الحاضر حصيلة الماضي، فالتاريخ الماضي هو الذي جعلنا على ما نحن عليه في الحاضر.

والحاصل: أنّ التاريخ سلسلة متكاملة مترابطة الحلقات بعضها مع بعض سواء كان انحطاطاً أو صعوداً، وإن أسباب الصعود في الماضي تنتهي في الصعود في الحال الحاضر. كما أنّ أسباب الصعود فـي الحاضر تنتهي إلى الصعود في المستقبل، وهكذا العكس، فإنّ أسباب التنزّل والانحطاط في الماضي تنتهي إلى الانحطاط في الحال، وأسباب الانحطاط في الحال تنتهي إلى أسباب الانحطاط في المستقبل.

وبهذا تبين أنّه يجب ألاّ تكون المادّة التاريخية في فلسفة التاريخ مشتتة مجزّأة كما هو الحال في موضوع علم التاريخ، وإنّما أن يقدّم تاريخ الإنسانية ككلّ.

وكلّما كان التاريخ العالمي أكثر شمولاً، كان فهمنا لحالتنا الحاضرة أشدّ عمقاً، كما أنّه يكون فهمنا للمستقبل أيضاً أحسن وأقرب إلى الظنّ بالواقع، ولذا قال بعض علماء الغرب: (يحتاج عصرنا إلى تاريخ الإنسانية بأكمله ليزوّدنا بمعايير يمكن أن نفهم بها معنى ما هو هادف في عصرنا)، وكما قال آخرون: (يجب أن نفهم التاريخ المعاصر حتّى نتمكّن أن نتنبّأ بالمستقبل)، فإنّ فهمنا للحال يحتاج إلى فهمنا للماضي، كما أنّ فهمنا للمستقبل يحتاج إلى فهمنا للحاضر، فإنّه من لا يفهم قوّة الجار لا يتمكّن أن يهيئ للمستقبل ما يوجب عدم تمكّنه من السيطرة على بلادنا، كما أنّا إذا لم نكن نفهم الماضي لا نفهم الحال بأنّه كيف نكون الآن. فهناك قاعدتان فلسفيتان صادقتان حتّى في هذا المورد قاعدة تقول يعرف المثل بالمثل، وقاعدة تقول يعرف الشيء بالضدّ، وهاتان القاعدتان لهما مصاديق كثيرة في التاريخ، يمكننا من خلالهما استخلاص العديد من القواعد والسنن.

السيطرة على التاريخ

روح التاريخ وفلسفته هي الحاكمة دائماً على الشعوب، كما وأنّ الفلسفة والروح هي الموافقة للفطرة، والعقل، والمنطق، والدليل، ومن الواضح أنّ قوّة المعارضة لهذه الأمور إنّما تكون وقتية لا قوّة دائمة، والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنفس هذا المنطق قد تقدّم في الحياة، فإنّه تقدّم في الحياة بسبب العدل والإحسان ـ كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل: 90] (6) ـ والصدق والأمانة وما إلى ذلك من الأنظمة والنفسيّات الرفيعة.

والرسـول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وإن كـان ينشر المعاجـز ذات اليمين وذات اليسار حتّى إنّ بعضهـم ذكـر أنّ المعاجز التـي كانت فـي زمـن الرسول (صلى الله عليه وآله) هي أربعة آلاف معجزة(7)، لكنّ الرسول بالمعجزة لم يتقدّم ـ بنحو الأصل الأولي ـ وإلاّ لو أراد أن يتقدّم بالمعجزة فما باله في ثلاث عشرة سنة في مكّة لم يؤمن به إلاّ أقلّ من القليل حتّى إنّ بعضهم عدّوهم 150 شخصاً، وقد قُتل بعضهم، وهاجر أكثرهم إلى الحبشة، ولو كان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد تقدّم بالخوارق فماذا يقال في شأن الإمام علي (عليه السلام) فهل تقدّم في الحياة وأسّس الحكومات على طول التاريخ للخوارق والمعجزات؟ وماذا يقال عن الإمام الحسين (عليه السلام) حيث دكّ عروشاً وأقام صرح الإسلام، ولو حارب المعسكر المعادي بالمعجزة لقتلهم وقضى عليهم بإشارة واحدة.

والمسلمون إنّما تأخّروا؛ لتأخّرهم في الأخذ بأسباب التقدّم، وقد ظلّ المسلمون يحرصون على الصلاة، والزكاة، والحج، لكنّهم فقدوا سنّة التقدّم في الحياة من العدل في موضعه والمساواة في موضعها(8). وقد رُوي أنّ هارون العبّاسي سأل أحد فقهاء زمانه، قال له: قصّ عليَّ كيف كان رسول الله؟.

فقال: كان يحكم بالعدل بين الناس.

وهكذا أجاب حتّى وصل إلى عليّ (عليه السلام) وأجاب بنفس الإجابة، فسأله عن معاوية فقال: كان يأخذ المال من حقّه ويضعه حيث شاء.

فقال هارون: سنّة معاوية هي التي أعجبتني.

أقول: لكن الواضح من كلام هذا الفقيه أنّه نصف الحقّ لا كلّ الحقّ، فإنّ معاوية كان يأخذ المال من غير حقّه ويضعه في غير حقّه.

وعلى كل حال: لو كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يريد أن يتقدّم بالخوارق لدعا الله سبحانه وتعالى أن يقتل المشركين في مكّة، أو يجبرهم على الهداية، أو يحفظ المسلمين الذين آمنوا به من أعدائهم حتّى لا يعذّبوهم، ولا يقتلوهم، ولا يطاردوهم، ولا ينفوهم من بلادهم، فالرسول (صلى الله عليه وآله) لم يفعل ذلك، وإنّما كانت المعجزة لأجل إقامة الدليل على نبوّته.

وهكذا كان موسى (عليه السلام)، ولو كان موسى يريد إثبات الحقّ تطبيقاً للحكم بسبب الخوارق لأمر عصاه بأن تأكل فرعون وهامان وجنودهما في لحظة واحدة، فقد رأيت في التاريخ أن عصا موسى أكلت في وجبة واحدة في يوم الزينة سبعين ألفاً من الحبال والعصي التي كانت تخيّل إليهم من سحرهم أنّها تسعى، ومع ذلك كانوا مضطهدين أشدّ الاضطهاد، حتّى نجّاهم الله سبحانه وتعالى بغرق فرعون وجماعته في القصّة المشهورة.

وهكذا كان نوح (عليه السلام) من قبل، فلم يكن يأتي بالمعجزة إلاّ لإثبات نبوّته، وهذا يختلف عن استخدام المعجزة كطريق للتقدّم.

وكذلك كان عيسى (عليه السلام)، وقد ورد أنّ عيسى (عليه السلام) ذات مرّة شفى50 ألفاً من المرضى من العمى، والصمّ، والبُكم، وذوي العاهات، والمجانين، والمبروصين، ومن أشبه ذلك(9)، ومع ذلك لم يستخدم المعجزة في الحفاظ على نفسه، وإنّما رفعه الله إليه تخلّصاً من اليهود، ومكائدهم، وهيردوس(10)، وبيلاطس(11)، ومن أشبههم، من الكفّار المحاربين له.

والغربيون إنما تقدّموا؛ بسبب أخذهم للديمقراطية وليس بسبب المعجزة. وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث مروي عنه باختلاف الألفاظ في كتب العامة والشيعة (واتّبعوا سنن من كان قبلكم حتّى لو دخلوا حجر ضبّ ودخلتموه. فقلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن)(12).

والمسلمون إنّما تأخّروا؛ بتركهم الإسلام، وقد قال جمال الدين الأفغاني قولته المشهورة: ذهبت إلى الغرب فرأيت فيه الإسلام ولم أرَ فيه المسلمين، وجئت إلى الشرق فرأيت فيه المسلمين ولم أجد الإسلام، كناية عن أنّهم إنّما أخذوا بقسط وافر من الإسلام في نظام الحكم، والشورى، والعدل الاجتماعي، والاستقلال القضائي، وتحكيم المنطق والعقل، لا أنّهم يؤدّون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجّون البيت، ويصومون شهر رمضان، بينما المسلمون في الشرق الإسلامي يفعلون كلّ ذلك، لكن عندما يصلون إلى الحكم لا يعملون بالعدل، والشورى، وما أشبه ذلك.

وعلى أيّ حال: فاللازم على المسلمين الذين أرادوا الرجوع إلى عزّتهم، وسيرتهم، وسيادتهم، أن يرجعوا إلى سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي قالها، وعمل بها، وأنزل الله القرآن وفقها، حتّى يرجعوا إلى ما كانوا عليه من العزّة، والسيادة، والتقدّم، والاستقلال.

والمسلمون إنّما تأخّروا؛ لتركهم سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموجودة في أخذه بالكتاب جلياً، فقالت بعض زوجاته: كان خُلُقه القرآن، وما ذكره للمسلمين قولاً، وعملاً، وتقريراً، فهل المسلمون اليوم يعملون بقوله سبحانه وتعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] (13)، وقوله سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] (14)، وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] (15)، وقوله سبحانه وتعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] (16)؟، وقد ذكرنا في بعض كتبنا(17) أنّ هذه الكلمة هي دليل الحرّية في القرآن الحكيم التي تشمل كافّة أنواع الحرّيات والتي لم يصل إليها الغرب بعد، أو بقوله سبحانه وتعالى: { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92] (18)، فهل الحدود الجغرافية بين البلاد الإسلامية من الأمّة الواحدة؟ وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] (19)، فالعربي في بلاد العجم، والأعجمي في بلاد العرب، وكلاهما في بلاد الترك، وكلّهم في بلاد الهند؛ تعدّ أمّة واحدة، فالجميع سواسية، وشركاء في الأخذ، والعطاء، والشركة، والزراعة، والتجارة، والملكيـة، والتزويـج، والتزوّج، وألف شيء وشيء، أو هـل عمـل المسلمون بقوله سبحانه وتعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208] (20)، فغير السلم استثناء، أو هل عمل المسلمون بقوله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] (21)، أو بقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: 7] (22)، وكان ممّا أتى به (صلى الله عليه وآله) أنْ زوَّج الصديقة فاطمة u وهي بنت تسع سنوات، كما تزوّج عائشة وعمرها تسع سنين، وكان ممّا أتى به أنّه قال: (من سبق إلى من لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به)(23)، وقال أيضاً: (الأرض لله ولمن عمّرها)(24)، وقال (صلى الله عليه وآله): (من ترك مالاً فللوارث ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ)(25)، إلى ألف حكم وحكم حيث لو أردنا إحصاءه لاحتاج ذلك إلى مجلّد ضخم.

والذي يشاهد حال المسلمين في بلادهم، يشاهد عكس كلّ ذلك، ولهذا انحسر الإسلام، بينما نشاهد أنّ جماعة من الغربيين أخذوا ببعض هذه الأحكام؛ فتقدّموا وقدّموا.

وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى ذلك حيث قال: (الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم)(26)، فلم يرد سبق الغير للصلاة، والصيام، والحج، وما أشبه ذلك، وإنّما أراد بذلك ما أشار إليه القرآن الحكيم في قوله: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 138] (27).

معرفة الأسباب

اللازم على من يريد ذكر فلسفة التاريخ وروحه العامّة أن يكون عارفاً بأسباب التقدّم وأسباب التأخّر، وأسباب النهوض وأسباب السقوط، وأن يكون عارفاً بكـل شيء مـن الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والتربية، والفكر، وما أشبه ذلك، فإنّ الدنيا كلّها تقوم على عللٍ ومعاليل، فالمريض يمرض لوجود علّة المرض فيه، والصحيح يصحّ بعد المرض لوجود سبب الصحّة فيه، وهكذا بالنسبة إلى الغني والفقير، والعالم والجاهل، والقوي والضعيف، والتقدّم والتأخّر، إلى غير ذلك.

ومن الواضح: أنّ العلّة إذا اكتملت شرائطها وفقدت موانعها، يكون المعلول ضروريّاً، ولذا قال الفلاسفة الشيء ما لم يجب لم يوجد، فهل يعقل أن تكون نارٌ بلا احتراق، أو احتراق بلا نار؟ أو هل يعقل أن يكون تبريد بلا ثلج، أو ثلج بلا تبريد، مع وجود سائر الشرائط وفقد سائر الموانع؟.

أمّا ما يعترض عليه بعض المؤرّخين من استخدام مقولة العلّية في التاريخ بأنها تفيد الضرورة من جهة، ولأنّها تلحق التاريخ بالعلوم الطبيعية من جهة أخرى. وقد اتّخذ بعض علماء الغرب تجارب المؤرّخين الذين يحاولون توكيد كيان التاريخ إزاء طغيان العلوم الطبيعية ومنهجها في القرن التاسع عشر المسيحي وتممها بأنه يستبدل مقولة العليّة بمقولة أخرى يراها أكثر ملاءمة لفهم صياغة التاريخ أنّها مقولة المصير.

أقول: لم يعرف ماذا قصد أولئك الذين أشكلوا على العليّة في التاريخ، فإنّ هذا من الضرورة بمكان، والمحذوران المذكوران بقولهم إنها تفيد الضرورة من جهة ولأنّها تلحق التاريخ بالعلوم الطبيعيّة من جهة أخرى، لم يعرف المراد منها.

وقد فسّر بعضهم المصير الذي ذكره ذلك البعض من المؤرخين ب‍ شعور الإنسان بذاته إزاء قوّة إنسانية أخرى تتحداه وتجعل وجوده في خطر حينئذ تتدفّق الطاقات الكافية فيه، فمن أجل تأكيد الوجود تقتضي فطرة المصير أيضاً عاملين: وجود ذات مستقلة لها كيانها وتابعها المستقل، ثمّ وجود أحداث خارجية بينها وبين الذات علاقة تحدٍّ في أغلب الأحيان، فإنّ التحام نوع من التفاعل يتحدّى سلوك الذات لسنوات وليس كلّ حدث يمسّ المصير، وهناك أحداث كثيرة في حياة الفرد لا تمس إلاّ القشرة الخارجية لحياته، وإنّما لابدّ أن ينفذ الحدث إلى المركز الباطني الذي يشكّل جوهر الذات، حينئذ تكشف الروح عن جزعها إذا ما يهدّد شخصيتها جزعٌ مصدره الجهل بالمصير، لأنّ أخصّ خصائص الزمان استحالة الإعادة وما يستحيل عوده يولّد في النفس الجزع، ويختلف المصير بهذا المعنى عن العليّة بما في ذلك العلّة الغائية، لأنّ العلّية أشبه بقانون مجرّد يمكن تفسيره بالعقل ويعبّر عن التجربة العلميّة الآتية، أمّا المصير فيعبّر عن جزع الروح لما يهدّد وجودها، أو كيانها، وتفاعلها من أجل إثبات الذات، وفي ذلك تعبير عن الحياة، ولا يمكن إدراك فكرة المصير إلاّ بالتجربة الحيّة، فلا يمكن تعريفها بمنطق العلم، انتهى.

أقول: ولا يخفى أنّ هذا التفسير أبعد من المفسَّر بالفتح)؛ إذ لم يعرف الربط بين جملها ولا اتساقها، ولا ربطها بالمفسَّر (بالفتح) وهو إدخال ما ليس مرتبط بالمقام في البحث. وبالجملة: فكلام المرسل أكثر ارتجالاً، وإن تمّ كلام القائل.

ثم إن قول بعضهم: إنّ التاريخ العالمي يمثل ثماني حضارات رئيسيّة على الأقلّ هي: الحضارة المصرية، والهنديّة، والصينيّة، والكلاسيكيّة، واليونانيّة، والرومانيّة، والإسلاميّة، والغربية، وإن كلّ حضارة منها قد اتّخذت دورة نموٍ، ثمّ شباب، وكهولة، ثمّ شيخوخة، أعقبها فناء، وعدّ الحضارة الإسلامية من ذلك القبيل، قول أيضاً بغير تحقيق. فمن أين جاؤوا بالقول إنّ العالم من ابتدائه إلى اليوم اشتمل على ثماني حضارات؛ إذ ليس عندنا من التاريخ إلاّ الشيء القليل بالنسبة إلى ما قبل التاريخ المدوّن، فلعلّ هناك كانت ألوف الحضارات، أو ما أشبه ذلك، ثم إن جعل الحضارة الإسلامية كذلك، قولٌ بغير دليل، فإنّ الحضارة الإسلامية قائمة إلى اليوم، والمسلمون يعتقدون أنّها في حالة ضعف، ثمّ تتقوى بظهور الإمام المهدي { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] (28)، كما أنّ الحضارة الإسلامية قبل مجيء المغول(29) من الشرق، ومجيء الصليبيين(30) من الغرب، قد ضعفت ضعفاً بالغاً ممّا جعلت البلاد الإسلامية فريسةً سائغةً للغزاة، ثمّ تقوّت قوّةً كبيرة بل نحن نعتقد أنّ الأمر هكذا ولو لم نجد قوّة الإسلام بعد ضعفه؛ لأنّ طبيعة الإسلام موافقته للفطرة، والعقل، والبرهان؛ ولأنها كانت هكذا، لا يمكن فناؤها بل الممكن فقط ضعفها ثم قوّتها، ولذا وردت كلمة عن الإمام علي (عليه السلام) مضمونها: أنّ المسلمين يتركون العمل بالقرآن، فيضعفون، ثمّ يرجعون إلى القرآن، ويأخذون بالعمل به، فيقوون.

وعلى أيّ حال: فالقول بعدم التأثير والتأثّر، والعلّيّة والمعلوليّة، والسببيّة والمسببّيّة، شيء يخالفه الوجدان والبرهان، ولا نحتاج في ذلك كما ذكر ذلك بعض المعاصرين من أنّ القول بالتأثّر والتأثير كان يعوزه الأسس الميتافيزيقيّة حتّى جاءت نظريّة هيجل ليمدّه بسند فلسفي، ذلك: أن فكرة الروح المطلقة التي تتغلغل في مسار التاريخ، وتظلّ على مدد الزمان، ثمّ يندفق عنها وفق قانونها دولة في كلّ عصر، قد جعلت الإنسانية بذلك وحدةً مطلقة؛ إذ تتحكّم في كلّ أحداث التاريخ روح واحدة. كذلك نظريّة العناية الإلهية التي جعلت المؤرّخين ينسّقون وقائع التاريخ ليبدؤوا فيه النظام المعبّر عن مقاصد الله، ولكن في ذلك تجاهلاً للصيرورة والتغيير الدائم في حركة التاريخ، انتهى.

أقول: وهذا الكلام غير تام بل قد ذكرنا في بعض المسائل السابقة أنّ هناك مـن يقول بالمادّة فقط، ومن يقول بالروح فقط، ومن يقول بهما وهو الصحيح. ولا شكّ بوجود العناية الإلهيّة من النسبة إلى الخلق والحكم كما قال سبحانه وتعالى: {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] (31)، فإنّه يخلق ما يشاء ويختار، كما أنّه يأمر بما هو مصلحة الإنسان وينهى عمّا هو مفسدة له؛ والوحدة في كلّ الحضارات أيضاً موجودة، لكن لا وحدة بالدقّة الهندسية، أو الحسابية، أو ما أشبه ذلك.

وعلى أيّ حال: فإنّ الحضارات؛ وإن اختلفت في خصوصيّاتها ومزاياها، حالها حال أفراد الإنسان، فإنّ أفراد الإنسان؛ وإن اختلفوا في بعض المزايا، والخصوصيات، والشخصيّات، لكن جميعهم مشتركون في أمرٍ واحد يسمّيه المنطقيون بالحيوان الناطق وما أشبه ذلك. وهكذا الحضارات؛ فإنّها وإن اختلفت في الخصوصيّات، والمزايا، والشخصيّة، فلكلّ حضارة خصوصيّات ومزايا وشخصيّة، لكن الروح العامة فيها شيء واحد، كما أنّ الأنبياء هم كذلك؛ ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (الأنبياء أخوة من أمّهات شتى)(32)، وإنّما لم يذكر الآباء؛ لأنّ المسيح ولد من غير أبٍ. فالحضارات كأفراد الإنسان لها مشابهات، ولها مفارقات، وغالب المؤرّخين يقارنون بين الحضارات في أوجه المشابهة وأوجه الاختلاف. ولكن ما قيمة هذه المقارنة بين الحضارات، وما أهمّية التعرّض على المظاهر المتعاصرة فيما بينها؟.

وقد ذكر بعض العلماء أنّه سيكون في استطاعتنا بعد أن نستعيد تركيب عصور مرّت ولم نعلم عنها شيئاً.

أقول: إنّ إعادة تركيب الماضي على هذا النحو، يكشف إمّا عن عجز الآثار والوثائق في الكشف عنه، بالإضافة إلى أنّه يمكن بمنهج التعاصر التعرّف على إيقاع التاريخ، ومساره، ومرماه، ومن ثمّ يمكن أن نتجاوز الحدود الحاضرة للتنبّه بالمستقبل تنبهاً علمياً والتعرّف عمّا ستكون عليه الأدوار القائمة للحضارة الأوربية بعد أن أمكن تتبّع سياق تطوّرها، ومسارها، ولا تبدّل مفاجئ في أدوار التاريخ، فليست الحرب العالمية الأولى حادثاً استثنائياً ولدته نزاعات السيطرة والسيادة لدى بعض الأمم أو الأفراد فلا تفسّر في نوع العوامل الاقتصادية وحدها إنّما تمثّل بذلك نقطة تحوّل فـي الحضارة الأوربية، تناظـر الانتقال مـن العصر الهيليني(33) إلى العصر الروماني. وهكذا بالنسبة إلى الحرب العالمية الثانية، وهكذا بالنسبة إلى ما يمكن أن تقع من حرب في المستقبل ـ والعياذ بالله ـ، فإنّه سمّة التناظر الغريب بين حرب طرواده والحروب الصليبية. وكذلك بين الحرب البولينزية والحرب العالمية الأولى والثانية، وبين أثينا وباريس، وبين أرسطو والفارابي، وبين النزعة العالمية بعد فتوح الاسكندر وبين الاستعمار الأوربي.

والسبب؛ ما ذكرناه من وجود الروح العامّة خيراً أو شرّاً، ومن وجود المزايا والخصوصيّات.

ومن أمثلة الروح العامة في الأفراد أن الرسول الأكرم محمداً (صلى الله عليه وآله) يشبه موسى وعيسى (عليه السلام)، وإن أبا جهل (34) وأبا لهب يشبهان فرعون وقارون وبيلاطس وهيردوس، وهكذا، فالأشرار على طريقة واحدة، والأخيار على طريقة واحدة في الروح العامّة، ولذا قال سبحانه وتعالى بالنسبة إلى الذين كانوا يقاومون الأنبياء {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53] (35)، بعد أن قال سبحانه وتعالى في الآية السابقة كذلك: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: 52] (36)، وقال سبحانه وتعالى فـي آية بعد ذلك: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ } [الذاريات: 59] (37)، وهكذا نجد كثيراً من آيات القرآن تذكر مشابهة الطغاة بعضهم لبعض، ومشابهة الأنبياء والمؤمنين بعضهم لبعض، وفي ذلك قال بعض العلماء المعاصرين: إنّه لابدّ من عوامل خارجيّة مستثيرة؛ حينئذٍ تصبح هذه العوامل ظروفاً ملائمة لميلاد حضارة جديدة انبثقت فجأة وتستيقظ فيها روح جديدة زاخرة بإمكانيّات فخمة وتظهر الحضارة وتخرج إلى حيّز الوجود في بيئة يكون كلّ ما حولها في فوضى مطلقة وتمتدُّ في خطوط رائعة في شتى المجالات لتفرغ إرادتها بالقوّة على الفوضى المطلقة التي حولها محطّمةً ما يعترض سبيلها بما لديها من طاقات كامنة مبدعة في شتى المجالات من لغة ودين وعلم وفنّ وما إلى ذلك، وحينئذٍ تصبح الإنسانية في حقبة معيّنة مطبوعة بطابعها وتظلّ هذه الروح تطلق ما لديها من إمكانيّات على هيئة تشريع وسياسة ومذاهب دينيّة وفنون وعلوم ما دامت زاخرة بالطاقة الذاتية، إذ الحضارة روح تكمن فيها القوى الخصبة المتوثّبة للتحقّق تخرج إلى الوجود في بيئة خارجيّة في حالة فوضى مطلقة فتطبع النظام وتطبع ما حولها بطابعها) .

أقول: ذلك؛ لأنّ الأمم الضعيفة اتّخذت من الأمم القويّة أمثولةً في كلّ مناحي الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والتربوية، كما وجدنا ذلك بالنسبة إلى الإسلام وغير الإسلام، فإنّ غير المسلمين اتّخذوا من المسلمين قدوة لهم في مناحي الحياة في حقبة طويلة من الزمن حيث كانت الدولة الإسلامية قائمة، ولمّا سقطت الدولة الإسلامية نتيجة ممارسات الحكّام الغارقين في الشهوات، والمتلبسين بالعجب والغرور، أخذ الغرب الزمام، والتفت الأمم الضعيفة حولها حتّى الأمّة الإسلامية التي لها مبادئ حيّة، أصبحت تابعةً للغرب في مختلف مناحي الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، والعسكرية، والتكنولوجية، وغيرها، حيث إن الضعيف دائماً يقلّد القوي، فإذا رأى القويّ في جانبٍ، انتحى ذلك المنحى، أمـلاً أن يجلب لـه قـوّة ويخلصـه من المشاكل التي يتّصف بها الضعيف عادةً.

______________

(1) علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني، الملقب ب‍(عز الدين)، والمكنى ب‍(أبي الحسن)، عالم ومؤرخ، ولد في الموصل سنة 555ه‍ (1160م)، ومات فيها سنة 630ه‍ (1233م)، زار بغداد عدة مرات ورافق صلاح الدين الأيوبي في احتلاله لسوريا ثم عاش في حلب ودمشق مدة من الزمن، من مؤلفاته : الكامل في التاريخ، أسد الغابة في معرفة الصحابة. ترجمه وفيات الأعيان لابن خلكان، البداية والنهاية لابن كثير، العبر للذهبي. ولابن الأثير أخوانِ أحدهما الأكبر منه واسمه مبارك والملقب ب‍(مجد الدين) والمكنى ب‍(ابي السعادات) وهو محدّث ولغوي، تولّى الخزانة في عهد سيف الدين الزنكي , ولد سنة 544ه‍ مات سنة 660ه‍ ، من مؤلفاته : جامع الأصول، النهاية في غريب الحديث. ترجمه الكامل في التاريخ، معجم الأدباء، وفيات الأعيان.

والأخ الثاني أصغر منه واسمه نصر الله والملقب ب‍(ضياء الدين) والمكنى ب‍(أبي الفتح) وهو أديب، ولد في الموصل سنة 588ه‍ ومات في بغداد سنة 637ه‍، من مؤلفاته : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، الوشي المرقوم في حل المنظوم.

وقد نظم أحد الشعراء ـ كما عن الزبيدي في تاج العروس ـ فيهم :

وبنو الأثير ثلاثة

فمؤرخ جمع العلو

ومحدث كتب الحديث

قد حاز كلٌّ مفتخر

م وآخر ولي الوَزَر

له النهاية في الأثر

(2) أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح، كاتب ومؤرخ وجغرافي في دولة بني العباس، قضى بعض حياته في أرمينيا وخراسان ثم هاجر إلى الهند والمغرب ومصر، توفي في مصر سنة 284ه‍ (897م)، من مؤلفاته : تاريخ اليعقوبي ؛ وفيه تحدث عن تاريخ الشعوب ما قبل الإسلام وتاريخ الإسلام حتى سنة 258ه‍ (872م)، وكتاب البلدان؛ وتحدث فيه عن كبريات المدن في بلاد الإسلام.

(3) وقد ورد في بحار الأنوار : ج1 ص 144 : (انظر في تصرف الدهر وأحواله فإن ما هو آت من الدنيا كما ولى منها فاعتبر بها).

(4) فردريك إنجلز: ولد سنة 1820م، وتوفي سنة 1895م، يعد من الأصدقاء الحميمين لماركس ومساعده، ولهما معاً: (البيان الشيوعي)، و (العائلة المقدسة)، ومن مؤلفات إنجلز الخاصة (الاشتراكية المحال والاشتراكية العلمية).

(5) أرنولد جوزيف توينبي، مؤرخ وفيلسوف إيطالي، ولد سنة 1889م ومات سنة 1975م، صاحب نظرية التحدي والاستجابة والتي تطرق إليها في كتابه : (دراسة للتاريخ(، الذي يقع في اثني عشر مجلداً. وخلاصة النظرية : (أن الحضارة تنشأ في البيئة الصالحة وفي شعب له قابلية واستعداد للاستجابة لذلك التحدي، وإن انهيار الحضارة يتم عبر انهيار العبقرية( ومن مؤلفاته أيضاً : (تاريخ البشرية(. راجع موسوعة المورد : ج10 ص 15ـ 16.

(6) سورة النحل : الآية 90.

(7) كما ذكر ذلك العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار، وللتفصيل عن معاجز الرسول(صلى الله عليه وآله) راجع (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات( ؛ للحر العاملي، و(مدائن المعاجز( ؛ لشمس المحدثين.

(8) مثلاً : إن سياسة معاوية في فصل الدين عن السياسة أوجدت انفصال التشريع الإسلامي عن الحكم، يقول حسن الأمين في الموسوعة الإسلامية : ج6 ص 198ـ 199، نقلاً عن مالك بن نبي في هذا الصدد : (منذ خرج علي بن أبي طالب دفاعاً عن القرآن، وخرج معاوية بن أبي سفيان طمعاً في السلطان، ثم كان انتصار معاوية انتصاراً للسلطان، منذ ذلك الحين حدث الانقلاب الأول في التاريخ الإسلامي. وقد كان هذا الانقلاب أعمق وأخطر ممّا نتصور، لأن حدود التغيير الذي أحدثه امتدت إلى رقعة أوسع بكثير ممّا رصده المؤرخون، ذلك أن الانقلاب السياسي، أفرز انقلاباً فكرياً على نفس المستوى، فانفصال القرآن عن السلطان أقام بمضي الوقت حاجزاً ما بين العقيدة والشريعة، وانتصار السلطان على القرآن، أدى تلقائياً إلى تزايد الاهتمام بفقه العبادات وتعطيل نمو فقه المعاملات. وتلك نتيجة منطقية ؛ إذ إن غيبة التطبيق الأمين للشريعة، لابد أن ترتب إحدى نتيجتين : إمّا أن يتأخر نمو رصيدها الفكري، أو أن ينمو هذا الرصيد نمواً غير طبيعي، في غير الاتجاه الصحيح(.

(9) راجع الكشكول للشيخ البهائي.

(10) هيردوس انتيباس، ولد سنة 20 ق. م ومات سنة 39 م، وحكم من 4 ق. م وإلى 39م، بعث إليه بيلاطس النبطي بالسيد المسيح (ع) ليحاكمه، ولكنه استنكف عن تحمل مسؤولية إدانته وأعاده إلى بيلاطس الذي أصدر الحكم بقتله وهو ابن هيردوس الكبير ملك اليهود في ظل الرومان والمولود سنة 72 ق. م والمتوفى سنة 4 ق. م والذي أمر قبل موته بذبح جميع أطفال بيت لحم في محاولة لقتل الطفل المسيح (ع)، راجع المنجد في الأعلام : ص736.

(11) الحاكم اليهودي الروماني، حكم من سنة 26م إلى سنة 36م في أيام السيد المسيح (ع) وقد حكم على السيد المسيح (ع) بالقتل، وانتحر بروما.

 (12) وقد ورد في الإفصاح في الأعلام : ص25 الحديث التالي : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في حجر ضب لتبعتموهم، فقالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى ؟. قال : فمن إذن ! )، وقريب منه في كنز الفوائد : ج1 ص144 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج9 ص286.

(13) سورة الشورى : الآية 38.

(14) سورة الحجرات : الآية 13.

(15) سورة الحجرات : الآية 12.

(16) سورة الأعراف : الآية 157.

(17) راجع موسوعة الفقه كتاب الفقه الحريات وكتاب الحرية الإسلامية للمؤلف .

(18) سورة المؤمنون : الآية 52.

(19) سورة الحجرات : الآية 10.

(20) سورة البقرة : الآية 208.

(21) سورة المائدة : الآية 2.

(22) سورة الحشر : الآية 7.

(23) غوالي اللئالي : ج3 ص480.

(24) الكافي (فروع) : ج5 ص279 ح2، الاستبصار : ج3 ص108 ب72 ح3، تهذيب الأحكام : ج7 ص 152 ب 22 ح21.

(25) من لا يحضره الفقيه : ج4 ص351 ب2 ح 5759، وسائل الشيعة : ج26 ص251 ب3 ح32943، وقريب منه في كشف الغمة : ج2 ص134 وتفسير القمي : ج1 ص278 و ج2 ص176 ودعائم الإٍسلام : ج2 ص391 ووسائل الشيعة : ج18 ص337 ب9 ح23797.

(26) نهج البلاغة : الكتاب 47 من وصية الإمام أمير المؤمنين (ع)لولديه الحسن والحسين(، تحف العقول : ص197، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج17 ص5 ب 47.

(27) سورة آل عمران : الآية 138.

(28)  سورة التوبة : الآية 33، سورة الفتح : الآية 28، سورة الصف : الآية 9.

(29) غزا المغول البلاد الإٍسلامية وحكموا أجزاءً واسعة منها وهي على قسمين :

1. قسم أسسه جنكيز خان ووزعه بين أبنائه ومنهم : جغتاي.

2. قسم أسسه بابر وهو من أحفاد تيمورلنك وعرف ب‍(مغول الهند( ؛ لارتباط تيمورلنك من جهة أمه بجنكيزخان، وحكمها تسعة عشر ملكاً من سنة 1526م وإلى سنة 1858م أشهرهم : بابر، همايون، أكبر، جهانكير، شاه جهان، أورنك زيب. وأخر ملوكهم : بهادر شاه الثاني، الذي عزله الإنجليز. راجع موسوعة المورد : ج7 ص 45.

(30) جاؤوا عبر الحروب التي شنوها على بلاد الإسلام وعرفت بالحروب الصليبية واستمرت قرنين من الزمن منذ سنة 490ه‍ (1096م) وإلى سنة 691ه‍ (1291م) وعددها ثمانية ، وخلال هذه الحروب ذهب الكثير من المسلمين بين مقتول وبين أسير ومعاق، وانتهكت الأعراض وأحرقت المكتبات وهدمت البلاد، وبواسطة هذه الحروب نقل الغربيون الهندسة الحربية والنمط الهندسي المعماري الإسلامي والحرير والأنسجة الدمشقية والأرجوان والمرايا والكثير من الكتب الإسلامية إلى بلادهم.

(31) سورة الأعراف : الآية 54.

(32) فقد ورد في بعض الكتب عن الرسول (صلى الله عليه وآله) : (الأنبياء أخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى) كنز العمال : ج14 ص 336 ح38566، تفسير القرطبي : ج16 ص106، جامع البيان ِ: ج3 ص396، وقريب منه في مسند الطيالسي : ج1 ص355 وتفسير ابن كثير : ج2 ص67 وتحفة الأحوذي : ج10 ص14 ومصنف ابن أبي شيبة : ج7 ص 499.

(33) الذي يمتد من وفاة أرسطو حتى نهاية الأفلاطونية المحدثة، أي من سنة 322ق. م. وإلى سنة 500م.

(34) عمرو بن هشام المخزومي، سمّاه الرسول (صلى الله عليه وآله) ب‍(أبي جهل(، ويعبر عنه بفرعون هذه الأمة، يعدّ من أشد الناس عدواة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد أشار على المشركين في (دار الندوة( أن تشترك بطون قريش كلها في قتل الرسول (صلى الله عليه وآله) ليلة هجرته إلى المدينة المنورة ؛ لكيلا تقع مسؤولية ذلك على أي منها فلا يستطيع بنو هاشم الطلب بدم الرسول (صلى الله عليه وآله) فيختاروا الدية على القتل، وقد عذّب عمار بن ياسر وأباه وأمّه سمية، وقتل أبو جهل سمية، التي أضحت أول شهيدة في الإسلام، قاد المشركين في حرب (بدر( رمضان سنة 2هـ (624م) وقُتل فيها.

(35) سورة الذاريات : الآية 53.

(36) سورة الذاريات : الآية 52.

(37) سورة الذاريات : الآية 59.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).





قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات